لُبْسُ الخَاتَمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ لُبْسُ الخَاتَمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ
أبو عبد العزيز سعود الزمانان
حكمُ لُبْسُ الخَاتَمِ :
يختلفُ الحكمُ الشرعي للبسِ الخاتمِ باختلافِ نوعهِ وموضعهِ وتفصيلُ ذلك نوردهُ كما يأتي :
أبو عبد العزيز سعود الزمانان
حكمُ لُبْسُ الخَاتَمِ :
يختلفُ الحكمُ الشرعي للبسِ الخاتمِ باختلافِ نوعهِ وموضعهِ وتفصيلُ ذلك نوردهُ كما يأتي :
أولاً : التختمُ بالذهبِ :
اتفقُ العلماءُ على جوازِ التختمِ بالذهبِ للنساءِ ، وتحريمِ ذلك على الرجالِ ، و نقل ابنُ عبدِ البرِ – رحمه اللهُ - في " الاستذكار " الإجماعَ على جوازِ التختمِ بالذهبِ للنساءِ ، وأنهُ يحرمُ على الرجالِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ - رحمهُ اللهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (14/65) : " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَةِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَبَاحَهُ , وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ , وَهَذَانِ النَّقْلَانِ بَاطِلَانِ وَقَائِلُهُمَا مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ مَعَ إِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ : " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " [ أخرجه الترمذي (1/321) والنسائي (2/285) وقال الألباني في " الإرواء " : " صحيحٌ ] .
قال صاحب " الهداية شرح البداية " :" والتختم بالذهب على الرجال حرام " .
قلت : جاءت أحاديث صحيحة في الرخصةِ بلبسِ خاتمِ الذهبِ للرجالِ في أولِ الأمرِ ، ووردت آثارٌ صحيحةٌ عن بعضِ الصحابةِ بلبسِ خاتمِ الذهبِ ، فيحملُ ذلك على أنهُ كان قبل النهي ثم نسخ بهذه الأحاديث .
قال الطحاوي - رحمه الله - في " شرح معاني الآثار (4/262) : " فثبت بهذه الآثار أن خواتيم الذهب قد كان لبسها مباحاً ،ثم نهي عنه بعد ذلك ، فثبت أن ما فيه تحريم لبسها : هو الناسخ لما فيه إباحة لبسها ... ولكن السنة في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن ذلك ،قد حظرت ذلك ، ومنعت منه " .
وقال ابنُ رجبٍ - رحمه الله - في " أحكام لبس الخواتم ( ص 60 ) : " ويحملُ فعلُ من لبسهُ من الصحابةِ على أنهُ لم يبلغهم الناسخ " .
ثانياً : تختمُ الصبي بالذهبِ :
اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ ، فذهب الأحنافُ والمالكيةُ إلى أن تختمَ الصبي الذكرِ بالذهبِ مكروهٌ ، ونقل ابنُ عبدِ البر - رحمه الله - في " الاستذكار " (26/174) الإجماعَ على كراهتهِ فقال : " وكلهم يكرهونهُ لذكورِ الصبيانِ ،لأن الآباءَ متَعبدون فيهم " .
والمعتمدُ عند الشافعيةِ أن الصبي غير البالغِ مثلُ المرأةِ في جوازِ التختمِ بالذهبِ ، وأن للولي تزيينهُ بالحلي من الذهبِ أو الفضةِ ولو في غيرِ عيدٍ [ انظر : حاشية الجمل 2/83 ] ، بينما نص الحنابلةُ على حرمةِ إلباسِ الصبي الذهب ومنه الخاتم [ انظر : الانصاف (1/480) ، شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/292) ] .
ثالثاً : التختمُ بالفضةِ :
اتفق الفقهاءُ على جوازِ تختمِ المرأةِ بالفضةِ أما الرجلُ فعلى التفصيلِ الآتي :
- ذهب الأحنافُ إلى أن التختمَ بالفضةِ سنةٌ لمن يحتاجُ إليه كالسلطانِ أو القاضي ، وتركهُ أفضلُ لمن لم يكن محتاجاً إليه [ انظر : البناية (11/133) ] ، بينما يرى المالكيةُ أنهُ لا بأس بالخاتمِ من الفضةِ بل يستحبُ بشرطِ قصدِ الاقتداءِ برسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - ولا يجوزُ لبسهُ عُجباً ومباهاةً ونحوهما .
قال الشيخُ عليش المالكي - رحمه اللهُ - في " منح الجليل " (1/58) : " فيجوزُ لبسهُ - أي خاتم الفضة - للذكرِ البالغِ إن قصدَ به الاقتداءَ بالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - وكان واحداً ووزنهُ درهمين شرعيين أو أقل وإلا حرم ، وإن استوفى الشروطَ ندب " ، ويري الشافعية أنه يسن للرجل لبس الخاتم من الفضة سواء من له ولاية أم من ليس له ولاية [ انظر : مغني المحتاج (1/579) ] .
وذهب الحنابلةُ في الصحيحِ من المذهبِ إلى أن اتخاذَ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس مستحباً ، كما جزم به المرداوي - رحمه اللهُ - في " الإنصاف " (3/142) فقال : " اتخاذُ الفضةِ للرجلِ مباحٌ على الصحيحِ من المذهبِ وعليه أكثرُ الأصحابِ " .
الراجحُ في هذه المسألةِ :
لبسُ خاتمِ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس سنةً ، والأدلةُ على ذلك ما يلي :
- إن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يلبس الخاتم حتى قيل له : إن الملوكَ لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ الخاتمَ ، كما في الصحيحين من حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ ، فَقِيلَ : " إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ " ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً ، وَنَقَشَ فِيهِ : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " . [ البخاري (5872) ، ومسلم (2092) واللفظُ له ] .
- أفعالُ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - التي لم يدل دليلٌ على أنهُ قصد بها القربةَ فلا يندبُ فعلها ، وأما قوله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب : 21 ] فتأويلها أنهُ يجبُ علينا متابعةُ قصدِ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - فإن قصدَ الإباحةَ لا يجوز لنا أن نقصدَ الطاعةَ والتقربَ ، فنخالفهُ في قصدهِ وندعي أننا تابعناه وأتسينا به ، فما فعلهُ - صلى اللهُ عليه وسلم - بحكمِ الاتفاقِ ولم يقصدهُ مثل أن ينزلَ بمكانٍ ما ويصلي فيه ، لكونه نزله لا قصداً منه لتخصيصهِ بالصلاةِ والنزولِ فيه ، فمن نزل وخصص ذلك المكانَ بالصلاةِ لا يكونُ متأسياً به - صلى اللهُ عليه وسلم - لأنه لم يقصد ذلك المكانَ بالعبادةِ .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمهُ اللهُ - : في " الفتاوى " (1/280) : " الْمُتَابَعَةَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ ، فَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ شَرَعَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ ، وَإِذَا قَصَدَ تَخْصِيصَ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ بِالْعِبَادَةِ خَصَّصْنَاهُ بِذَلِكَ " .
- عدمُ وجودِ القرينةِ التي تدلُ على أن لبسَ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ كان على وجهِ القربةِ والطاعةِ ، فلبسُ الخاتمِ مباحٌ ليس بمستحبٍ ، وهذا ينطبقُ على رفضهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - التنشيف من الغسلِ بالمنديلِ ونفضه الماء بيده ، واستعمالهِ آنيةً معينةً في الوضوءِ ، وأكلهِ من كبدِ أضحيتهِ يوم عيد الأضحى ، وذهابهِ إلى عرفة من طريق ضب ، ورجوعهِ من طريق المأزمين ، وركوبه أثناء الطواف والسعي والوقوف ، وكونُ الركوب في تلك المواضع على بعيرٍ ، والتفاته بالصلاة وقت الخطرِ ، وسيرهِ فيها حتى فتح البابَ لعائشةَ ، وإشارته بيده ليرد السلام ، واختيارهِ ما أكله وشربه أثناء حجه ، ونزوله في خيمةٍ حينذاك ونحوه ، فكلُ ذلك يدلُ على الإباحةِ فقط ، ولا قدوة فيه ولا استحباب .
- من قال باستحبابِ لبسِ خاتمِ الفضةِ يلزمهُ القول بأن لبسَ الرداءِ والإزارِ مستحبٌ ، وهو الأفضلُ لكلِ أحدٍ أن يرتدي ويأتزر ولو مع القميصِ ، وكذلك لبسُ العمامةِ والنعالِ السبتيةِ ، فالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يقصد القربةَ في هذهِ الأفعالِ ، فيحمل لبسه - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ على الإباحةِ في حقهِ وحقِ أمتهِ .
رابعاً : التختمُ بالمعادنِ الثمينةِ كاليواقيتِ أو اللآلئ للرجالِ :
نقل النووي – رحمه الله - في " المجموع " (4/466) عن الشافعي – رحمه الله - قوله : " قَالَ فِي الْأُمِّ : وَلَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ، ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء " ، هذا نصه , وكذا نقله الأصحاب واتفقوا على أنه لا يحرم" .
وقال الشلبي الحنفي في " حاشيته على تبيين الحقائق " (6/15-16) : " نقل صاحب الأجناس لا بأس للرجل أن يتخذ خاتما من فضة فصه منه , وإن جعل فصه من جزع أو عقيق أو فيروزج أو ياقوت أو زمرد فلا بأس" .
وقال ابن حزم - رحمه الله - في " المحلى " (10/86) مسألة 1920 : " والتحلي بالفضة , واللؤلؤ , والياقوت , والزمرد : حلال في كل شيء للرجال والنساء "
وقال ابن مفلح – رحمه الله - في " الفروع " (2/480) : " وللرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه . ..واختلفوا في ذلك للرجال , إلا في الخاتم فإنهم اتفقوا على أن التختم لهم بجميع الأحجار مباح من الياقوت وغيره " .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - في " المنتقى " (5/336) : " أما الخاتم من غير الذهب من الفضة أو غيرها من أنواع المعادن فيجوز للرجل أن يلبسه، ولو كان من المعادن الثمينة " .
خامساً : حكمُ لبسِ خاتمِ الحديدِ :
اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ على التفصيلِ الآتي :
يرى الأحنافُ أن التختمَ بالحديدِ محرمٌ في حقِ الرجالِ والنساءِ ، جاء في " الجوهرة النيرة " (2/381) ، وفي " الهداية مع تكملة شرح القدير " (10/22) : " وفي الجامع الصغير : ولا يتختم إلا بالفضة وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام " .
وذهب المالكيةُ والحنابلةُ إلى أن التختمَ بالحديدِ والنحاسِ والرصاصِ مكروهٌ للرجالِ والنساءِ ، قال صاحب " الفواكه الدواني " (2/404) : " ( وَنَهَى ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ ( عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ " .
وفي " كشاف القناع " (2/237) : للحنابلة : " وَيُكْرَهُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ خَاتَمٌ حَدِيدٍ " .
وعند الشافعيةِ يباحُ التختمُ بالحديدِ أو النحاسِ ، قال صاحبُ " أسنى المطالب " (1/278) : " ( وَيُبَاحُ ) بِلَا كَرَاهَةٍ ( خَاتَمُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " ، وَأَمَّا خَبَرُ " مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ " فَسَيَأْتِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ " .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله - في " فتاوى إسلامية " (4/255) : " لا حرج في لبسِ الحديدِ من الساعةِ والخاتمِ لما ثبت عن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - في الصحيحين أنه قال للخاطب : " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " أما ما يروى عنه - صلى الله عليه وسلم - في التنفيرِ من ذلك فشاذٌ مخالفٌ لهذا الحديثِ الصحيحِ " .
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 03.08.09 13:24 عدل 1 مرات