فائدة : حول لازم القول
فهذه المسألة من المسائل التي يختلف الحكم فيها تبعا لاختلاف القائل :
فهذه المسألة من المسائل التي يختلف الحكم فيها تبعا لاختلاف القائل :
فإن كان القائل هو الله ، عز وجل ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلازم القول لازم ، لأن قولهما حق لا مرية فيه ، ولازم الحق حق .
يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : (ينبغي أن يعلم أن اللازم من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صح أن يكون لازما فهو حق ، يثبت ويحكم به ، لأن كلام الله ورسوله حق ، ولازم الحق حق ، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فيكون مرادا) ، القواعد المثلى ص11_12 .
وأما قول الإنسان ، فهو : إما أن يكون موافقا للكتاب والسنة فيكون حقا ، ولازمه حقا ، وإما أن يكون مخالفا للكتاب والسنة فيكون باطلا ولازمه باطلا . القواعد النورانية لشيخ الإسلام ، رحمه الله ، ص128 .
ولقائل القول مع لازمه ثلاث حالات :
أولا : أن يذكر له لازم قوله فيلتزمه ، كأن يقال لمن يثبت وزن الأعمال في الآخرة : يلزمك أن تثبت وزن الأعراض ، أي الصفات والأحوال التي لا تقوم بنفسها ، وإنما تقوم بذات تتعلق بها ، فالأعمال لا تقوم إلا بذات العامل ، والصفات لا تقوم إلا بذات الموصوف ، فلا يمكن ، على سبيل الأمثال ، أن تقوم صفة الحمرة بنفسها ، فيوجد ذات يقال لها : "الحمرة" ، وإنما الحمرة صفة تقوم بذات موصوف بها فيقال هذه فاكهة حمراء وهذا ثوب أحمر .................. الخ .
فمن التزم هذا اللازم يقول : نعم ألتزم به ، لأن أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا ، والله تعالى على كل شيء قدير ، ثم إنه قد وجد في زماننا هذا موازين للحرارة والبرودة والإضاءة ونحو ذلك من الأعراض دون أن نحتاج لفصلها عن ذواتها وتجسيمها لتصير أمورا محسوسة تقبل القياس المحسوس ، فهذا اللازم يجوز إضافته إليه إذا علم منه أنه لا يمنعه .
ثانيا : أن يذكر له لازم قوله ، فيمنع التلازم بينه وبين قوله ، مثل :
أن يقول المعتزلة ، نفاة الصفات ، لأهل السنة : يلزم من قولكم بتعدد صفات الله ، عز وجل ، تعدد القدماء ، أي الآلهة ، فيرد أهل السنة بامتناع هذا اللازم ، ويقولون بأن : صفات الله ، عز وجل ، قائمة بذاته ، عز وجل ، لا استقلال ، ولا إشكال في ذلك ، لأن صفات البشر ، ولله المثل الأعلى ، لا تستقل بذاتها فلا يوجد سمع مستقل أو بصر مستقل أو ... الخ ، فصفات الله ، عز وجل ، كذلك لا تقوم إلا بذاته العلية ، فلا يلزمنا ما قلتموه .
أو يقولوا : يلزم من قولكم : إن لله ، عز وجل ، صفات السمع والبصر ... الخ ، تشبيه الخالق بالمخلوق الذي له سمع وبصر ...
فيقول أهل السنة : لا يلزمنا هذا اللازم الباطل ، لأن الكلام على الصفات فرع عن الكلام على الذوات ، فلما كانت ذات الله ، عز وجل ، لا تشبهها ذات أخرى ، وإن أطلق على الكل اسم "ذات" ، فكذا صفاته لا تشبه صفات أحد من خلقه ، وإن أطلق على الكل اسم "صفات" ، فلا يلزم من اشتراك الخالق ، عز وجل ، في صفة السمع مع المخلوق أن سمع الخالق كسمع المخلوق ، فهما يجتمعان من جهة "الاسم" لا "المسمى" ، فشتان سمع الخالق ، عز وجل ، المحيط بكل المسموعات وسمع المخلوق العاجز ، فهما يشتركان من جهة "التواطؤ اللفظي" ، أي وجود أصل الصفة دون تشابه أو تماثل في الكيفية ، كضوء الشمس وضوء المصباح ، يجتمعان في الأصل لأن كليهما ضوء ويختلفان في الكيفية ، فلا وجه للمقارنة بينهما من جهة الشدة أو الحرارة ... الخ ، ولله المثل الأعلى .
وعليه فهذا اللازم لا يجوز إضافته إليه بعد أن بين هو وجه امتناع التلازم بين قوله وبين ما أضيف إليه .
ثالثا : أن يكون اللازم مسكوتا عنه فلا يذكر بالتزام ولا منع ، فهذا حكمه ألا ينسب إلى القائل ، لأنه إذا ذكر له اللازم : فقد يلتزمه ، وقد يمنع التلازم ، وقد يتبين له وجه الحق فيرجع عن اللازم والملزوم جميعا ، ولأجل هذه الاحتمالات لا ينبغي إضافة اللازم إليه ، لا سيما أن الإنسان بشر يعتريه ما يعتريه مما يوجب له الذهول عن اللازم ، فقد يغفل أو يسهو ، أو ينغلق فكره ، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تدبر في لوازمه ، ونحو ذلك .
وخير شاهد لذلك :
قول الغزالي ، رحمه الله ، لظاهر العباداني : (لا تعلق كثيرا لما تسمع مني في مجالس الجدل ، فإن الكلام فيها يجري على ختل الخصم ، ومغالطته ، ودفعه ، ومغالبته) . فهي مظنة الانتصار بأي رأي دون الالتفات إلى لوازمه ، والله أعلم .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ليس بحقيقة ، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه حقيقة) . مجموع الفتاوى (20/217) .
وعليه تكون الصفات كالأسماء عدما ، وهذا يؤدي للقول بعدم الخالق ، عز وجل ، كما ذهب إلى ذلك الفلاسفة ، الذين وصل بهم الأمر ، لوصف الله ، عز وجل ، بأنه وجود مطلق ، لا ذات له ولا صفة ، وقال الباطنية من العبيدية وأمثالهم ببدعة العقل الكلي والنفس الكلية المجردة عن الصفات ، وخلعوا صفات الله ، عز وجل ، على أئمتهم ، على تفصيل لا يتسع المجال لذكره .
ورغم ذلك ، فإن شيخ الإسلام ، رحمه الله ، يعتذر بهذا القول عما وقع من بعض الأئمة من تأويل لبعض الصفات ، لازمه كفري ، ولكن قائله لا يكفر ، كمن تأول صفة اليد بالقوة أو القدرة أو النعمة ، فإن هذا لازمه إنكار صفة اليد لله ، عز وجل ، وإنكار صفة ثابتة لله ، عز وجل ، كفر ، ولكن المؤول هنا لا يكفر ، تبعا للقاعدة السابقة ، إلا إن بين له المخالف لازم قوله ، وما يؤول إليه من تكفير قائله ، فالتزم به ، بعد زوال كل الشبهات المانعة من التكفير ، والله أعلم .
وكذا من يفسر الاستواء ، على سبيل المثال ، بالاستيلاء ، فلازم قوله كفري ، لأن الاستيلاء لا يكون إلا بعد تغلب على منازع ، والقول بوجود منازع لله في ملكه كفر ، ولكن صاحب هذا القول ، كسابقه ، لا يكفر ، طبقا للقاعدة السابقة التي قررها شيخ الإسلام ، رحمه الله ، إلا إذا بين له المخالف لازم قوله فالتزم به على التفصيل السابق ، فهذه القاعدة الجليلة أصل في العذر بالجهل ، والله أعلم .
لكن قد تذكر اللوازم الباطلة ، لا سيما عند المناظرة ، لإظهار شناعة المذهب الباطل ، (الملزوم) ، لأن العاقل إذا نبه إلى ما يلزم قوله من اللوازم الفاسدة ، فقد يتنبه ويرجع عن قوله . منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد ، لعثمان حسن (2/703) . والله أعلى وأعلم
وعليه فهذا اللازم لا يجوز إضافته إليه بعد أن بين هو وجه امتناع التلازم بين قوله وبين ما أضيف إليه .
ثالثا : أن يكون اللازم مسكوتا عنه فلا يذكر بالتزام ولا منع ، فهذا حكمه ألا ينسب إلى القائل ، لأنه إذا ذكر له اللازم : فقد يلتزمه ، وقد يمنع التلازم ، وقد يتبين له وجه الحق فيرجع عن اللازم والملزوم جميعا ، ولأجل هذه الاحتمالات لا ينبغي إضافة اللازم إليه ، لا سيما أن الإنسان بشر يعتريه ما يعتريه مما يوجب له الذهول عن اللازم ، فقد يغفل أو يسهو ، أو ينغلق فكره ، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تدبر في لوازمه ، ونحو ذلك .
وخير شاهد لذلك :
قول الغزالي ، رحمه الله ، لظاهر العباداني : (لا تعلق كثيرا لما تسمع مني في مجالس الجدل ، فإن الكلام فيها يجري على ختل الخصم ، ومغالطته ، ودفعه ، ومغالبته) . فهي مظنة الانتصار بأي رأي دون الالتفات إلى لوازمه ، والله أعلم .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ليس بحقيقة ، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه حقيقة) . مجموع الفتاوى (20/217) .
وعليه تكون الصفات كالأسماء عدما ، وهذا يؤدي للقول بعدم الخالق ، عز وجل ، كما ذهب إلى ذلك الفلاسفة ، الذين وصل بهم الأمر ، لوصف الله ، عز وجل ، بأنه وجود مطلق ، لا ذات له ولا صفة ، وقال الباطنية من العبيدية وأمثالهم ببدعة العقل الكلي والنفس الكلية المجردة عن الصفات ، وخلعوا صفات الله ، عز وجل ، على أئمتهم ، على تفصيل لا يتسع المجال لذكره .
ورغم ذلك ، فإن شيخ الإسلام ، رحمه الله ، يعتذر بهذا القول عما وقع من بعض الأئمة من تأويل لبعض الصفات ، لازمه كفري ، ولكن قائله لا يكفر ، كمن تأول صفة اليد بالقوة أو القدرة أو النعمة ، فإن هذا لازمه إنكار صفة اليد لله ، عز وجل ، وإنكار صفة ثابتة لله ، عز وجل ، كفر ، ولكن المؤول هنا لا يكفر ، تبعا للقاعدة السابقة ، إلا إن بين له المخالف لازم قوله ، وما يؤول إليه من تكفير قائله ، فالتزم به ، بعد زوال كل الشبهات المانعة من التكفير ، والله أعلم .
وكذا من يفسر الاستواء ، على سبيل المثال ، بالاستيلاء ، فلازم قوله كفري ، لأن الاستيلاء لا يكون إلا بعد تغلب على منازع ، والقول بوجود منازع لله في ملكه كفر ، ولكن صاحب هذا القول ، كسابقه ، لا يكفر ، طبقا للقاعدة السابقة التي قررها شيخ الإسلام ، رحمه الله ، إلا إذا بين له المخالف لازم قوله فالتزم به على التفصيل السابق ، فهذه القاعدة الجليلة أصل في العذر بالجهل ، والله أعلم .
لكن قد تذكر اللوازم الباطلة ، لا سيما عند المناظرة ، لإظهار شناعة المذهب الباطل ، (الملزوم) ، لأن العاقل إذا نبه إلى ما يلزم قوله من اللوازم الفاسدة ، فقد يتنبه ويرجع عن قوله . منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد ، لعثمان حسن (2/703) . والله أعلى وأعلم
أصل الفائدة مقتبس من
"المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم"
للشيخ الدكتور ، أبي عبد الله محمد بن يسري ، حفظه الله
ص198_200 .
والنقل
لطفـاً .. من هنــــــا