من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 27.01.09 20:09
سادسًا:
يسوغ البهنساوي إدخال التصوف في منهج الإخوان المسلمين؛ تبعًا لما قاله الشيخ حسن البنا، حيث قال:
"إن منهج الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية".
ويرد على الذين انتقدوا التصوف وقالوا إنه: داء عضال وسم قاتل، يجب على المسلم أن يغيره بيده، أما تمجيده وأن ندعو إلى إقامة ديننا عليه؛ فلا يقبله مسلم.
يرد البهنساوي هذا الانتقاد بأن مراد حسن البنا هو التصوف الذي يتفق مع تصوف إبراهيم بن أدهم، وليس مراده بالتصوف التصوف المذموم، ثم ينقل قطعة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان آراء الناس في الصوفية، وأن الصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله.... إلى آخر ما نقله.
وتعقيبنا على ذلك أن نقول: نحن مع الذين انتقدوا حسن البنا في إدخاله الفكر الصوفي في منهج الإخوان المسلمين، وخلطه له مع الدعوة السلفية والطريقة السنية؛ لأن ذلك جمع بين المتضادات، خصوصا بالنظر إلى ما آل إليه التصوف من انحراف عن الدعوة السلفية والطريقة السنية. ومن ناحية أخرى؛ ففي الطريقة السنية غنى عن الطريقة الصوفية.
وأيضاً؛ التصوف المعروف الآن هو التصوف المنحرف، والشيخ حسن البنا حينما قال ذلك؛ فهو لا يعيش في زمن إبراهيم بن أدهم والجنيد والفضيل، وإنما يعيش في زمن الصوفية المنحرفين، والتصوف الموجود الآن في جميع العالم الإسلامي غالبه ليس هو تصوف ابن أدهم وأقرانه.
ومعلوم أننا إذا فتحنا الباب لهذا اللون، وأدخلناه في منهجنا؛ فإنه سيتمشى مع التصوف المعاصر، شئنا أم أبينا، وإذا كان أوائل الصوفية لم ينحرفوا عن منهج الكتاب والسنة كما قال البهنساوي؛ فهذا لا يسوغ الدعوة إلى الطريقة بعد معرفتنا لما آلت إليه من انحراف وشذوذ.
وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن أوائل الصوفية لا يؤخذ منه مدح الطريقة الصوفية والدعوة إليها، ولا ينسحب على كل الصوفية، حتى يستغل هذا الاستغلال السيئ، والشيخ تقي الدين عقب كلامه هذا الذي نقله عنه البهنساويبقوله: "فهذا أصل التصوف، ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع" انتهى.
هذا ما أردنا التعقيب به على كلمة المستشار سالم البهنساوي لأجل بيان الحق، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعقيب وبيان(3)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وآله وصحبه.
وبعد:
فقد اطلعت في "مجلة الدعوة" (العدد 925 – الصادر في يوم الاثنين 13 ربيع الآخر 1404هـ) على مقال لفضيلة الشيخ سالم البهنساوي يعقب به على مناقشتي له في موضوع الصفات، والتي سبق نشرها في "مجلة الدعوة" (في العددين 916 و917)، ووجدت تعقيب فضيلته يتكون من جزئين:
الجزء الأول: يتعلق بكتاب "الجماعات الإسلامية" وما ذُكِر فيه عن الشيخ حسن البنا، وهذا لا شأن لي به.
والجزء الثاني: يتعلق بمناقشتي له، وهذا ما سأعلق عليه على النحو التالي:
1- لا يزال فضيلته مصرا على أن التفويض في الصفات معناه ترك تأويلها وتعطيلها فقط.
- وقد بيَّنا أن هذا خطأ، وأن تفويض نصوص الصفات هو جحد ما تدل عليه من المعاني الحقيقية، وتفويض تفسيرها وبيان المراد منها إلى الله تعالى؛ كما نقله فضيلته عن السيوطي أنه قال: "ومن المتشابه آيات الصفات؛ نحو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد إلى الله تعالى، ولا نفسرها، مع تنزيهنا له عن حقيقتها".
فهذه الجملة التي نقلها هو عن السيوطي تحدد معنى التفويض، لكن السيوطي أخطأ في نسبة هذا المذهب إلى السلف وأهل السنة والحديث؛ لأن هذا مذهب بعض الخلف، أما السلف؛ فكما نقل فضيلته أيضا عن شيخ الإسلام ابن تيمية من قوله: "ما أخبر به الرب عن نفسه؛ مثل استوائه على عرشه، وسمعه، وبصره، وكلامه، وغير ذلك؛ فإن كيفيات ذلك لا يعلمها إلا الله؛ كما قال ربيعة بن
عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وسائر أهل العلم، وكذلك سائر السلف؛ كابن الماجشون، وأحمد بن حنبل، وغيرهما يبينون أن العباد لا يعلمون كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، فالكيف هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، وأما نفس المعنى الذي بينه الله؛ فيعلمه الناس، كل على قدر فهمه؛ فإنهم يفهمون معنى السمع، ومعنى البصر، وأن مفهوم هذا ليس مفهوم هذا، ويعرفون الفرق بينهما".
فهذا النقل الذي نقله فضيلته عن شيخ الإسلام يحدد بدقة مذهب السلف في الصفات، وأنهم يعلمون معانيها، ويؤمنون بها، ولا يفوضونها، بل يثبتونها على حقيقتها اللائقة بجلال الله. ومن العجيب أنه جمع بين هذين النقلين المتضادين عن السيوطي وعن تقي الدين، ولم يتنبه لذلك!! وليس هذا شان الباحث.
2- ما نقله فضيلته عن الشيخ ناصر الدين الألباني أنه علق على قول شارح الطحاوية: "ليس المراد من إحاطته بخلقه أنه كالفلك, وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة" , حيث قال الألباني: "وهو من التأويل الذي ينقمه الشارح, مع أنه لا بد منه أحيانا... ".
- فالجواب عنه: أن هذا ليس من التأويل كما توهمه الشيخ الألباني؛ لأن الإحاطة لها معان كثيرة، ذكرها الراغب في "مفرداته" (ص 135)؛ منها أنها تستعمل بمعنى العلم؛ نحو: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}... قال الراغب: "والإحاطة بالشيء علما هي أن تعلم: وجوده، وجنسه، وكيفيته، وغرضه المقصود به وبإيجاده، وما يكون به ومنه، وذلك ليس إلا لله تعالى" انتهى.
3- يقول أيضا عن الشيخ الألباني: "إنه لا يعتبر التوسل بحق الأنبياء وجاههم من العقيدة". وهو يريد بذلك أن يسوغ قول الشيخ حسن البنا: إن التوسل بالمخلوق في الدعاء أمر فرعي.
والواقع أن الشيخ الألباني لا يقصد ذلك، وإنما يقصد أن التوسل بحق الأنبياء وجاههم ليس مما يجوز عمله واعتقاده؛ لأنه بدعة؛ لأنه عدد قبله أشياء هي من مسائل العقيدة قد ذكرها شارح "الطحاوية"؛ مثل اعتقاد أن القرآن كلام الله، وأن الله مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وإثبات الفوقية لله، وأن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان، وجواز الاستثناء في الإيمان، ثم ذكر التوسل بحق الأنبياء وجاههم، فقال: "المسألة السابعة... ذهب شارح "الطحاوية" تبعا لإمامة أبي حنيفة وصاحبه إلى كراهة التوسل بحق الأنبياء وجاههم... ".
إلى أن قال: "فهذه سبع مسائل هامة؛ كلها في العقيدة؛ إلا الأخيرة منها" فهو يريد أن الأخيرة ليست من العقيدة، ولا من الفروع؛ لأنها بدعه لأنه قال: "وهذا –يعني: مسألة التوسل– مما خالف فيه الكوثري إمامه أبا حنيفة؛ اتباعا لأهواء العامة، ونكاية بأهل السنة".
4- نقل جملة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهى قوله: "يقول بعضهم: إذا كانت لك حاجة استوص الشيخ فلانا؛ فإنك تجده، أو توجه إلى ضريحه خطوات وناده؛ يقض حاجتك. وهذا غلط لا يحل فعله"، ثم قال بعد سياق هذه الجملة:
"فالإمام ابن تيمية يخطئ هذا ولا يُحِلِّه، ولكنه لا يرمي صاحبه بالكفر، ولو كان ذلك من الشرك الصريح؛ لصرح بذلك". – وهو يريد بها أيضا تسويغ قول الشيخ البنا: "إن التوسل بالمخلوق في الدعاء أمر فرعي".
وجوابنا عن ذلك من وجهين:
أولاً: إن هذا المذكور ليس توسلا، وإنما هو استغاثة بالأموات، حيث يقول: "توجه إلى ضريحه خطوات، وناده؛ يقض حاجتك"، والاستغاثة بالأموات شرك أكبر.
ثانياً: إن الشيخ قد صرح بأن هذا شرك، ولو أن فضيلة الشيخ البهنساوي فتح عينه على الكلمة التي قبل الجملة التي نقلها؛ لوجد ذلك حيث قال شيخ رحمه الله: "لأن أهل الشرك يشبهون الخالق بالمخلوق؛ كما يقول بعضهم: إذا كانت لك حاجة؛ استوص الشيخ فلانا".
فأي تصريح أكثر من ذلك؟
5- ختم مقالته بالدعوة إلى تعاون المسلمين فيما اتفقوا عليه، وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه.
- وهذه الدعوة يمكن أن ينادي بها أي مخالف، ولو عظمت مخالفته؛ كالرافضة ونحوهم، لكنها لا تجدي مع البقاء على المذاهب الباطلة. وكان الأحرى بفضيلته أن ينادي بالرجوع إلى الكتاب والسنة، ونبذ التعصب للمذاهب الباطلة، وقد قال الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم