إليكم هذا الحوار الذي دار على ساحات منتدى المنير ( من هنـــــــــا ) فقد نقل أحد الأعضاء موضوعاً وسمه بـ :
[quote="السائل12"]
في منزل شيخنا " سفر الحوالي "
= = =
هاتفتُ ابنه (عبد الرحمن) ، رحب بنا كثيراً ، وأخبرنا بموعد الزيارة .
كسفت الشمس ذلك اليوم ، (وقادة العرب) يعقدون اللقاء الختامي لأعمال (القمة العربية) ، وقبيل زيارتي لشيخنا الحبيب بساعة أو ساعتين!
فكرتُ.. فيمن يرافقني لهذه الزيارة، فلم أجد أجرأ من صاحبي الجداوي حتى النخاع (جبران)!
في مثل هذه الزيارات لابد أن يرافقك فيها (آدميٌ) من أصحاب اللسان الطويل ، ليكفيك مئونة الحديث، ورهبة اللقاء الأول!
هنيئاً لحي المروة (شمال جدة) هذا الشرف الذي تفردت به، تحتضن الشيخ، وتسدل أستار عطفها وحبها عليه.
ولجتُ دار شيخنا، كان قلبي يُصارع مخاضاً لم أعهده عليه من قبل، كان يرجف، وينبض بشدة، هي المرة الأولى التي أرى الشيخَ رأي العين.
- الشيخ في غرفة الاستقبال.
هكذا قال أحد طلابه، كانت لحيته (شقراء)، هذا الذي بقي في مخيلتي من ملامحه!
حُجرة مستطيلة الشكل، (عادية) الأثاث، كان شيخنا يجلس خلفَ طاولةٍ مكتبية، لم يكن بالحجرة أحد، سوى أحد طلابه، كان يقرأ عليه شيئاً.
ابتسم لنا الشيخ ابتسامة (قدسية)، كأنه يعرفنا منذ أبدٍ بعيد، راودتني نفسي أن أُقبِّلَ رأسه.. هذا الرأس الذي طالما أرّقَ أعداء الدين، وطالما ذبَّ عن أعراض المسلمين، استحييتُ .. وكرهتُ أن أُؤذي الشيخ لو قبّلته على رأسه، ربما أن الوجعَ ما زال يُعاوده.
وهكذا فعل صاحبي (الجداوي)!
(تأبطتُ) مقعداً قريباً من الشيخ، لم يكن يفصلني عنه أحد، جعلتُ أتأمل الشيخ من رأسه حتى أخمص قدميه، مازال قلبي يخفق حباً ومودة، أطلتُ النظر إلى لحيته، كثةً كانت، طغى البياض على السواد، أبصرتُ فيض نوره يتراءى أمامي، لو لم تكن تعرفه ولا يعرفك، ثم رأيته عياناً .. فإني أكاد أُقسم بأنك ستحبه!
اِلتفتَ إليّ، وتصادمتْ عيني بعينه، فوالله ما أطقتُ النظر إلى عينيه أبداً، أطرقتُ ، وقلبي لم يزل يتهادى بين يديّ!
دخل علينا أحد طلابه، كان يحمل ورقة، يطلب صاحبها (إجازةً) في علوم الحديث من الشيخ، ثم قدّم إليه (بياناً) في نصرة حماس، يطلب فيه أحد المشائخ (ونسيتُ اسمه) من الشيخ أن يوقع عليه..
- " يحتاجْ له وقتْ للتأمل"
هكذا رد شيخنا، ووضع البيان بجانبه.
صادفَ مجلسَنا وجود أحد طلاب الشيخ من خريجي كلية (علوم الحاسب) بجامعة (البترول)، دفعة (92)، عرّف عن نفسه، وتجاذبنا الحديث (البترولي) من جديد، وكأني أحببته، وكأنه أحبني، وهذا من صور الولاء المبطّن!
عاينتُ ساعتي، عشرُ دقائق تفصلنا عن توديع الشيخ، مرّ الوقت سريعاً.
دخل علينا (قاضيان) من الطائف، إن لم تخني ذاكرتي –كما هي حالها دوماً- فهما من عائلة (الشثري)، قبّلا رأسه؛ فاحترقتُ!
وكزتُ صاحبي (الجداوي) بكوعي، قلتُ له: (شوف الرجال بس!)
سأله أحدهما عن مشروعية إطلاق لفظ " الشيء" أو " الشخص" على الله تعالى، أجاز ذلك الشيخ، على أن يكون من باب الإخبار عن الله تعالى ، وليس من باب العلَمية، وكذلك لفظ "المهندس" و " الطبيب".
كانت ذاكرة الشيخ قوية، لم تتأثر كثيراً –فيما يبدو لي- بأزمته الصحية، كان يستشهد ببعض أقوال الصحابة، ونقلَ عن البخاري.
لولا أنه يُعاني من ثقل في لسانه؛ لقلتُ أنه لم يُصب بمكروه.
لم يتحدث كثيراً، كان أغلب حديثه ردوداً مختصرة.
دار الحديث عن (حماس)، دعى الشيخ لهم كثيراً، ذُكرتْ سيرة الأستاذ (محمد قطب)، فأَخبر الشيخُ أن وفداً من حماس قد زاره، سُئل الشيخُ عن نشاطات (قطب) الحالية، فأخبر أنه يشتغل بالتأليف.
تحدثنا عن الشيخ (ناصر العمر)، وعن الشيخ (محمد المنجد)، كان يدعو له بالتوفيق والبركة، وعن الدكتور (سعود الهاشمي)، تحدثنا عن العراق، ودعم أهله.. وعن مواضيع أخرى نسيتها!
سأله أحد القضاة: " هل مازلتَ تقرأ يا شيخنا، أم أنها تُجهدك؟"
فأجاب الشيخ بابتسامة : " أنا ما أقدر أترك القراءة"
انتهى وقتُ الزيارة، كانت من الخامسة عصراً إلى السادسة، تمنّيتُ لو أن الوقت (تمدد) قليلاً، أو أن الشمس توقفتْ لنا كما فعلت لـ (يوشع بن نون) عليه السلام!
وكزتُ صاحبي للمرة الثانية، قلتُ لابد أن نُقبِّل رأس الشيخ، فرصةٌ لا تعوض، تخوّف قليلاً، أخبرني أن الشيخَ قبل مرضه كان يرفض ذلك، وله تجربة مريرة مع الشيخ !
رغم المخاوف.. قبّلتُ رأس الشيخ طويلاً، وحُقّ له ذلك.
قال لي: " بلغ الإخوان في الشرقية سلامي"
فهاهو الشيخ –يا أهل الشرقية- يسلم عليكم برحمة الله وبركاته.
وزّع علينا أحد طلابه مجلة (البيان)، ومطوية عن (المولد النبوي).
عندما هممتُ بالخروج من دار الشيخ، رأيتُ منظراً عجباً !
رجلٌ طاعنٌ في الشيخوخة، يتوكّأ على عصاه، بالكاد يتحرك، يتهادى بين أكتاف الرجال.. قَدِمَ ليزور شيخنا الحبيب سفر!
تدحرجتْ دمعةٌ على خدي، تعجبتُ من هذا الحب الكبير، وهذا القَبول الكبير!
تذكرتُ الأيام الأولى لأزمة الشيخ المرضية، وصلته آلاف الرسائل من كل أنحاء الأرض، لا أنسى رسالة (أم عبد الله) كتبتْ إليه بكل عفوية : " أقسمْ بالله يا شيخْ إني تمنيتْ إن الله جعل هذا المرض فيني ولا فيك.. ووالله إني في كل صلاة أدعو لك بالاسم"
خنقتني العَبرة من هذا المشهد الوفائيّ الجميل .. وتعجبتُ كرةً أخرى من هذا الحب الكبير!
عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 17.12.08 7:25 عدل 2 مرات