من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 06.12.08 11:53
وأما ما طرحه الإبن ( 290...) فمطروح : من ناحية الاستدلا، وجهة التلقي ، وواجب الأمانة العلمية :
فمن قبيل الأول : وهو جعل مناط شرعية الإمامة ووجوب الطاعة في المعروف وفق القدرة ، فيرده حديث صحيح الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- عن حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "يكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك" وهنا نطالبه بتحكيم شرع الله تعالى والكفر بتأصيله غير الأصيل .
وأما ضابط "الصلاة" فنعم صحيح ، ورئيسنا ولي أمرنا "يصلي وها هي مساجدنا عامرة ولله تعالى الحمد كل الحمد، وها هي مآذننا تصدح بالدعوة إلى التوحيد والصلاة تنادي بأنها الفلاح، وها هو ولي الأمر يرسل رسله داعين إلى الإسلام "وزارة الأوقاف، والأزهر" على ما فيهما . وهذا لا ينكره إلا أعمى .
ومن قبيل الثاني : فهو الاستدلال بأئمة الأشاعرة المناوئين في القديم والحديث لعقيدة أهل السنة والجماعة -بالمعنى الخاص- مع ما فيه من مخالفة للنص .
ومن قبيل الثالث : فالدندنة الدنية حول قضية الحاكمية وفهم الآيات فيها، وقد تضافرت وتتبابعت بيانات أهل العلم الراسخين في هذه المسألة لخطورتها، حتى صارت في الوضوح والبيان "أبهى من القمرين" وأرغمت أنوف، وخضع لحقها بهاليل المخالفين وأذعنوا، فما على الهمج أرباب الهرج إلا الاتباع بإحسان أو الفرار لهثا وراء الناعقين لينعقوا جميعا في أودية الجهل ومهاوي الهوى، ليستريح بر، ويستراح من فاجر ، والله تعالى الهادي .
سبحان الله.. ماذا يريد هؤلاء، أيريدون الرغد في الجنات قبل الموات، إنهم في دار البلاء والابتلاء، ألم ينقل التأريخ صوراً لم حدث من حكام في وجود بعض أعلام الهدى-صحابة رسولنا-صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم-ومن بعدهم من خيرة الحكام والأنام، ألم يروا كيف فعل الحجاج والمسرف والسفاح والمأمون وغيرهم، وكيف كان المهيع السلفي معهم؟!
أقول : لقد وافق منهج هذه الأحرف منهج أهل البدع، فقد قال الأشعري عنهم -أي: الخوارج "ولا يرون إمامة الجائر" "المقالات"(1/204)
بل نقل البغدادي عن الكعبي: أن من الأمور التي أجمعت عليها الخوارج إجماعهم على "وجوب الخروج على الإمام الجائر" "الفرق بين الفرق" ص(73)
وفي هذا يقول الإمام أبو محمد بن حزم -رحمه الله تعالى: " ولكن حق لمن إحدى يمينه ذو الخويصرة الذي بلغ ضعف عقله وقلة دينه إلى تجويره رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في حكمه والاستدراك، ورأى نفسه أورع من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-هذا وهو يقر أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه، وبه اهتدى، وبه عرف الدين، ولولاه لكان حماراً أو أضل" "الفصل"(4/157)
نصيحة :
قال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله تعالى : "واعلم -رحمك الله وإيانا- أن باب التكفير وعدم التكفير، باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق وتشتت فيه الأهواء" "شرح الطحاوية" لابن أبي العز (2/432)
فلما كان ذلك كذلك وجب التريث فيه
ويقول أبو حامد الغزالي- رحمه الله تعالى : "والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه: الاحتراز من التكفير ما وجد إلى ذلك سبيلا؛ فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول "لا إله إلا الله" خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم محجمة من دم مسلم" "الاقتصاد في الاعتقاد"ص(157) والنقل بواسطة"ضوابط التكفير"لحسن العوافي ص(11)
أما نحن : فوالله! نحن نتمنى من أعماق قلوبنا صلاحهم واستقامتهم لأنفسهم أولاً، ولما يجريه الله تعالى من خير على أيديهم ثانيا،ً وما ننتظره كذلك منهم من خير ثالثاً،
وأيضاً هدايتك وإخواننا في هذا الباب الخطير الذي كسر من قديم واقتحمته الفتن تلو الفتن التي اغتصبت فضائل، واختلعت ثماراً، ويبست بسببها دعوات كانت مزدهرة، وخلفت حطام مع ندم وخسران.
قال أبو عثمان الزاهد :" فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد، بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصلاحهم. وإياك أن تدعو عليهم باللعنة، فيزدادوا شراً ويزداد البلاء على المسلمين، ولكن ادع لهم بالتوبة فيتركوا الشر فيرتفع البلاء عن المؤمنين" "الجامع لشعب الإيمان"(13/99)
وأزيد : قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- شارحاً -الشريط السادس من شرحه للأربعين النووية- ما نصه : "النصيحة للأمراء تكون بأمور:
الأمر الأول: اعتقاد إمامتهم وإمرتهم، فمن لم يعتقد أنهم أمراء فإنه لم ينصح لهم؛ لأنه إذا لم يعتقد أنهم أمراء فلن يمتثل أمرهم، ولن ينتهي عن ما نهوا عنه..لا بد أن تعتقد أنه إمام أو أنه أمير.. ومن مات وليس في عنقه بيعة لأحد مات ميتة جاهلية، ومن تولى أمر المسلمين ولو بالغلبة فهو إمام، سواء كان من قريش أو من غير قريش.
ثانيا: نشر محاسنهم في الرعية؛ لأن ذلك يؤدي إلى محبة الناس لهم، وإذا أحبهم الناس سهل انقيادهم لأوامرهم. وهذا عكس ما يفعله( بعض) الناس، ينشر المعايب ويخفي الحسنات..فإن هذا جور ..جور.. جور، و ظلم تجده مثلا يذكر خصلة واحدة مما يعيب به على الأمراء، وينسى خصالا كثيرة مما قاموا به من الخير، وهذا هو الجور بعينه.
ثالثا: امتثال ما أمروا به وما نهوا عنه، إلا إذا كان في معصية الله عز وجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وامتثال أمرهم عبادة [ ليس ] مجرد سياسة، عبادة!! والدليل على أنها عبادة أن الله تعالى أمر بها، قال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم"سورة"النساء"الآية(59)..فجعل ذلك من مأموراته عز وجل وما أمر الله به فهو عبادة..
وهل يشترط في طاعتهم أن لا يعصوا الله؟!
الجواب: لا، أطعهم فيما أمروا به، وإن عصوا الله؛ لأنك مأمور بطاعتهم وإن عصوا الله في أنفسهم.
الرابع: ستر المعايب مهما أمكن، وجه هذا: أنه ليس من النصيحة أن تقوم بنشر معايبهم لما في ذلك من ملء القلوب غيظا و حقدا وحنقا على ولاة الأمور، وإذا امتلئت القلوب من ذلك حصل التمرد و ربما يحصل الخروج على الأمراء، فيحصل بذلك من الشر والفساد مالله به عليم، وليس معنى قولنا ستر المعايب ان نسكت عن المعايب!! لا..ننصح الأمير مباشرة، إن تمكنا، وإلا فبواسطة..ولهذا أنكر أسامة بن زيد-رضي الله عنه-على قوم يقولون: أنت لم تفعل، ولم تقول لفلان وفلان ( يعنون الخليفة) فقال كلاما معناه..أتريدون أن أحدثكم بكل ما أحدث به الخليفة؟! وهذا لا يمكن، لا يمكن للإنسان أن يحدث بكل ما قال للأمير؛ لأنه إذا حدث به، فإما أن يكون الأمير نفذ ما قال..فيقول الناس الأمير ذل وخضع. وإما لا ينفذ، فيقول الناس عصى وتمرد، ولذلك من الحكمة إذا أردت نصح ولاة الأمور أن لا تبين ذلك لناس؛ لأن في ذلك ضرراً عظيماً، وولي الأمر إما أن يوافقك أو يخالفك، فإذا وافقك، قالت العامة: خضع وذل ونزل رأسه، وإذا خالفك قالت العامة: تمرد وطغى واستكبر.
ومن النصح للأمراء: عدم الخروج عليهم، وعدم منابذتهم، ولم يرخص النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إلا كما قال:"إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان"..و(إلا أن ترو) تعني: رؤية عين، أو رؤية علم متيقنة. و( الكفر البواح ) يعني: الواضح البين. و( عندكم فيه من الله برهان ) أي: دليل قاطع...
ثم إذا جاز الخروج عليهم بهذه الشروط، هل يعني ذلك أن نخرج عليهم؟! لأن هناك فرق بين جواز الخروج عليهم، ووجوب الخروج عليهم!! فلن نخرج!! حتى لو رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فلن نخرج إلا حيث يكون الخروج مصلحة! و ليس من المصلحة أن تقوم فئة قليلة سلاحها قليل في وجه دولة بقوتها وسلاحها، لأن هذا يترتب عليه إراقة الدماء، واستحلال الحرام دون ارتفاع المحذور الذي انتقدوا به الأمراء، كما تشاهدونه من عهد خروج الخوارج في زمن الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا يحصل من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد، لكن بعض الناس تتوقد نار الغيرة في قلوبهم ثم يحدثون ما لا يحمد عقباه، وهذا غلط ! غلط عظيم !!
ثم إنا نقول ما ميزان الكفر؟! قد ترى أنت أن هذا كفر، وغيرك لا يراه كفرا، ولهذا قيد الرسول-صلى الله عليه وسلم-بقوله( كفرا بواحا ) ما فيه احتمال..."أ.هـ
وقال أيضاً -رحمه الله تعالى- في شرحه على "الواسطية" ( 2/336-337-338) :
"فأهل السنة -رحمهم الله يخالفون أهل البدع تماماً، فيرون إقامة الحج مع الأمير وإن كان من أفسق عباد الله...فهم يرون إقامة الحج مع الأمراء وإن كانوا فساقاً، حتى وإن كانوا يشربون الخمر في الحج، لا يقولون: هذا إمام فاجر لا تقبل إمامته؛ لأنهم يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة، وإن كان فاسقاً، بشرط أن لا يخرجه فسقه إلى الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، فهذا لا طاعة له، ويجب أن يزال عن تولي أمور المسلمين، لكن الفجور الذي دون الكفر مهما بلغ، فإن الولاية لا تزول به، بل هي ثابتة، والطاعة لولي الأمر واجبة، في غير المعصية. خلافاً للخوارج الذين يرون أنه لا طاعة للإمام أو الأمير إذا كان عاصياً؛ لأن من قاعدتهم: أن الكبيرة تخرج من الملة .
ثم قال :
" فما الذي فتح أبواب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الآراء إلا الخروج على الأئمة؟!"
قلت: وأزيدك هذا الاستفصال، من إمام مفضال، فقد: "
سئل إمام أهل السنة ابن باز - رحمه الله تعالى :
" يرى البعض: أن حال الفساد وصل في الأمة لدرجة لا يمكن تغييره إلا بالقوة وتهييج الناس على الحكام، وإبراز معايبهم؛ لينفروا عنهم، وللأسف فإن هؤلاء لا يتورعون عن دعوة الناس لهذا المنهج والحث عليه، ماذا يقول سماحتكم؟
فأجاب: هذا مذهب لا تقره الشريعة؛ لما فيه من مخالفة للنصوص الآمرة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ولما فيه من الفساد العظيم والفوضى والإخلال بالأمن والواجب عند ظهور المنكرات إنكارها بالأسلوب الشرعي وبيان الأدلة الشرعية من غير عنف، ولا إنكار باليد، إلا لمن تخوله الدولة ذلك؛ حرصاً على استتباب الأمن وعدم الفوضى، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-على ذلك، ومنها قوله-صلى الله عليه وسلم:"من رأى من أميره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة"وقوله-صلى الله عليه وسلم:"على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره في المنشط والمكره، ما لم يؤمر بمعصية الله"
وقد بايع الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى ألا ينزعوا يدا من طاعة، إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والمشروع في مثل هذه الحال: مناصحة ولاة الأمور، والتعاون معهم على البر والتقوى، والدعاء لهم بالتوفيق، والإعانة على الخير، حتى يقل الشر ويكثر الخير.
نسأل الله أن يصلح ولاة أمر المسلمين، وأن يمنحهم البطانة الصالحة، وأن يكثر أعوانهم في الخير، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في عباده، إنه جواد كريم
* * *
أما قليل العلم والفهم والأدب القائل : غريب أمرك كيف قررتَ أن الأصل فيهم الإسلام مع أن كفر أكثرهم واضح بيّن ولا يجادل في ذلك إلا باهت معاند مكابر. بل إن التتار (أصحاب الياسق) والذين كفرهم علماء المسلمين أخف شراً من هؤلاء الحكام.
فيحرم من البيان تأديبا، وليرجع ليسأل عن : تعريف كل من الكفر الأصلي والعارض والفرق بينهما .
ثانياً : تعريف الياسق ونسيته وهل تعبد به على كونه حكم إلهي أم لا ؟ وهل صاحبه ادعى النبوة أم لا ؟
ثالثاً : لتطرح أفهام صغار وينظر إلى فتاوى الأعلام الكبار وقد أجمعوا على مخالفة قولك والتحذير من منهجك الغالي ، فلو تواريت أو حتى تأدبت "أحشفا وسوء كيلة"
وأما قولك الباقي فهو مرسل كلسانك .
* * *
وأما ( عمر العمري ) : فزعم أن الدعاء على الطواغيت قربة ؟ متضلع من قيء سلفه القائل قديما "أن تكفير الحكام قربى" وقد علم أن لفظ طاغوت ينقسم إلى أقسام ويدخل في بعضها المسلم، فهل الدعاء على المسلم قربى؟ "أن الله تعالى يكره الفحش والتفحش ..." الحديث .
* * *
بقي القول : أن الهدف من دخولنا وبياناتنا رضا الرب سبحانه ثم نصح الناس، أما كون بعضكم يقبل أو لا يقبل فالأمر لله من قبل ومن بعد، ونطمع أن ينتفع بذا واحد ولو عابر، كيف وقد تنبهت الجماهير، وكفرت التبعية للأشخاص دون دليل،
وأما المعاندون : فنذكرهم بحديث نبينا - صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " احبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك هونا ما" حسنه العلامة الألباني - رحمه الله تعالى .
فقد نصحنا ورجونا خيرا وما شاء الله كان والحمد لله على كل حال، ونستغفر الله تعالى لنا ولكم
" وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 09.12.08 8:37 عدل 1 مرات