تنتشر في المنتديات الحوارية والقوائم البريدية قصصٌ منسوبةٌ إلى النبي صلى اللهُ
عليه وسلم أو إلى غيره من الصحابة والتابعين ، وبعد عرضها على ميزان النقد
الحديثي تكون هباء منثورا ، ومن تلك القصص المشهور - والشهرة لا تعني
الصحة - قصة علقمة مع أمه ، والتي يستدل بها على عقوبة عقوق الوالدين ،
فما مدى صحة القصة ؟!
سألخص بتصرف تخريج القصة من كتاب " قصص لا تثبت : الجزء الثالث " ( ص 19 - 39 ) في نقاط :
أولاً : القصة بهذا السياق وبهذا التفصيل شائعة عند كثير من الناس ،
ويتدالونها فيما بينهم عند حديثهم عن " عقوق الوالدين " تارةٍ ، أو عند "
حسن الخاتمة " تارة أخرى ، وهي بالسياق المذكور لا أصل لها في دواوين
السنة ، وإنما لها ذكر ووجود باختصار ، ولكن لا يفرح الحريص على دينه بهذه
الأسانيد .
ثانيًا : من الكتب التي ذكرت القصة بالسياق الذي ذكرته في مقالك كتاب "
الكبائر " للذهبي في طبعة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة – رحمه الله - ،
ولكن بعد التحقيق في النسخة المخطوطة ليس لها وجود فيها ، ومثل هذه الكذبة
لا تنطلي على عالم مثل الإمام الذهبي – رحمه الله - ، ووردت القصة في كتاب
" تنبيه الغافلين " للسمرقندي الذي قال عنه الإمام الذهبي في " السير "
(16/323) عند ترجمة مؤلفه : " وتروج عليه الأحاديث الموضوعة " ، وقال في "
تاريخ الإسلام " في ترجمته ( حوادث 351 – 380 هـ ، ص 583 ) : " وفي كتاب "
تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة " ، وقال أبو الفضل الغماري في " الحاوي "
(3/4) : " وكتاب " تنبيه الغافلين " يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فلا
ينبغي قراءته للعامة ، لا يعرفون صحيحه من موضوعه " .
ثالثاً : أخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في " المسند " (4/382) : "
وَكَانَ فِي كِتَابِ أَبِي حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ،
أَخْبَرَنَا فَائِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَاهُنَا غُلَامًا قَدْ احْتُضِرَ ، يُقَالُ
لَهُ : " قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ؛ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ
يَقُولَهَا . فَقَالَ : " أَلَيْسَ كَانَ يَقُولُها فِي حَيَاتِهِ ؟ " ،
قَالَ : " بَلَى " ، قَالَ : " فَمَا مَنَعَهُ مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِهِ ؟
" ( فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ) ، فَلَمْ يُحَدِّثْنَا أَبِي
بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، ضَرَبَ عَلَيْهِمَا مِنْ كِتَابِهِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ حَدِيثَ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أوَ
كَانَ عِنْدَهُ مَتْرُوكَ الْحَدِيثِ " .
رابعًا : أخرجها البيهقي في " شعب الإيمان " (6/197 – 198 / رقم 7892) ، و
" دلائل النبوة " (6/205 – 206) ، والقزويني في " التدوين في تاريخ قزوين
" (2/369 – 370) ، وأخرجها العقيلي في " الضعفاء الكبير " (3/461) ، ومن
طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/87) ، والخرائطي في " مساوىء
الأخلاق ومذمومها " ( رقم 251 ) .
خامسًا : مدار القصة على أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن العطار ، وقد صرح
بذلك البيهقي في " الشعب " (6/198) فقال : " تفرد فائد أبو الورقاء ، وليس
بالقوي ، والله أعلم . وفائد هذا متروك الحديث ، وهو متهم فلا يفرح
بروايته ، ولا سيما عن ابن أبي أوفى كما في هذه القصة .
سادسا : ضعف القصة غير واحد من الحفاظ والعلماء ، منهم :
1 - الإمام أحمد كما جاء عن ابنه عبد الله في النقطة الثالثة .
2 – العقيلي في " الضعفاء الكبير " (3/461) وقال عقبه : " ولا يتابعه إلا من هو نحوه " .
3 – البيهقي في " الشعب " (6/198) فقال : " تفرد فائد أبو الورقاء ، وليس بالقوي ، والله أعلم " .
4 – ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/87) فقال : " هذا لا يصح عن رسولِ
الله صلى الله عليه وسلم ، وفي طريقه فائد ، قال أحمد بن حنبل : " فائد
متروك الحديث " ، وقال يحيى : " ليس بشيء " ، وقال بن حبان : " لا يجوز
الاحتجاج به " ، وقال العقيلي : " ولا يتابعه إلا من هو مثله " ، وفي
الإسناد داود بن إبراهيم ، قال أبو حاتم الرازي : " كان يكذب " .
5 – المنذري في " الترغيب والترهيب " (3/222) وصدرها بقوله : " وروي " بصيغة التمريض .
6 – الذهبي في " ترتيب الموضوعات " ( رقم 874 ) .
7 – الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8/148) قال بعد عزوها لأحمد والطبراني : " وفيها فائد أبو الورقاء ، وهو متروك " .
8 - ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2/296 – 297 رقم 51) .
9 – الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (231) وقال : " وفي إسنادها متروك
وكذاب ، ولها طرق أخرى " ، وعلق عليه المحقق – وهو الشيخ عبد الرحمن
المعلمي – بقوله : " مدارها على المتروك ، وهو فائد بن عبد الرحمن أبو
الورقاء العطار " .
سابعًا : لم يرد في أي رواية من الروايات – وهي المسندة لهذه القصة ،
على الرغم من ضعفها - تسمية الشاب بعلقمة ، ولم يرد أنه كان يفضل زوجته
على أمه ، ولم ترد التفصيلات الدارجة على ألسنة العوام في أي مصدر من
مصادر السنة المسندة .
ثامنًا : الخلاصة : هذه القصة لم تثبت ، ولا يوجد لها إسناد صحيح ، فلا
تحل روايتها ، ولا إذاعتها في مجلس أو خطبة ، أو تدوينها في كتاب أو سفر
أو رسالة ، ومن يفعل ذلك فإنه يعمل على نشر الأحاديث والقصص الواهية ، وفي
صحيح السنة وآي الكتاب في بابتها ما يغني .ا.هـ. كلام مخرج القصة بتصرف .
• المصدر : ملخصا من قصص لا تثبت - الجزء الثالث 21 - 30 ، تأليف أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان