الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ...
وبعد :
فهذه عدة وقفات مهمة قبل الدخول في الحلقة الثانية :
( هذه الوقفات مأخوذة بتصرف من مقدمة الجزء الأول من قصص لا تثبت للشيخ يوسف العتيق حفظه الله ) .
الوقفة الأولى :
كلنا يعلم أن من أعظم مفاخر أمتنا والتي سطرها علماء الحديث هي : الإسناد
في نقل الكلام ، فهو الذي عليه قوام الدين وبه يميز الصحيح من السقيم
والمعوج من القويم والمقبول من المردود .
فلذا كان على المسلم عموماً ، وطالب العلم خصوصاً أن يبث في مجتمعه هذه
الفضيلة ، وأن يُسند كل قول إلى قائله ، وقديماً قيل : بركة العلم عزوه
إلى قائله .
قال محمد بن سيرين - رحمه الله - : " لم يكونوا يسألوا عن الإسناد ، فلما
وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم
، وينظرون إلى أهل البدع فلا يأخذون حديثهم " أخرجه مسلم في مقدمته ( 1 /
51 )
وقال أيضاً : " إن هذا العلم دِين ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم " المصدر السابق .
وقال عبد الله بن المبارك : " الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " .
الوقفة الثانية :
قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا ...." الآية(6) الحجرات .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم في مقدمته عن أبي هريرة ( 1 / 10 ) .
ففي ضوء الآية الكريمة والحديث الشريف نفهم مدى اهتمام الإسلام بالصدق
وتحريه ، ومن هنا جاء النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها .
فالأخبار المقبولة لدى أهل الحديث لها شروط ومواصفات ، كما اشترطوا في
الراوي وروايته شروطاً ومواصفات ، وبذلك حموا جانب السنة من عبث العابثين
من الأعداء والزنادقة والمبتدعين .
الوقفة الثالثة :
إعمال القواعد الحديثية في الإسناد ، لأن الإسناد ليس بحد ذاته كافياً في
قبول الإخبار أو العمل بمقتضاها ، إنما الشأن في القواعد الدقيقة التي
وضعها علماء الحديث .
فبها يُعرف المقبول من المردود ، فكم من مرة يكون الإسناد رجاله ثقات ولكن
تجد أن فيه انقطاعاً أو إعضالاً ، وتارة يكون رجاله ثقات ومتصل أيضاً
وسالم من علة قادحة لكن فيه شذوذ ، وتارة يكون متصلاً ظاهر الصحة لكن فيه
علة تقدح فيه مع أن الظاهر السلامة منها ، فكن على علم أن الإسناد بمفرده
لا يكفي .
الوقفة الرابعة :
حينما يطالع القائ هذه القصص يجد أن بعضاً منها قد ذكره بعض أهل العلم ورواها في كتبه دون أن يُتبع ذلك ببيان ضعفها .
فيتسائل : لماذا لم ينبه هذا العالم لضعفها ؟ هل خفيت عليه علتها ؟ أم أنه
يرى صحتها ؟ مع أن هذه القصة فيها ضعف وقد يكون متنها منكراً ،،،، فلماذا
؟؟؟
أفضل الأجوبة في ذلك - كما قال الشيخ العتيق - هو جواب العلامة الألباني فيقول :
" ( فائدة ) : قد يقول قائل : إذا كان المؤلف بتلك المنزلة العالية في
المعرفة بصحيح الحديث ومطروحه ، فما بالنا نرى كتابه هذا وغيره من كتبه قد
شحنها بالأحاديث الواهية ؟ .
الجواب :
أن القاعدة عند علماء الحديث أن المحدث إذا ساق الحديث بسنده فقد برئت
عهدته منه ولا مسؤولية عليه في روايته ما دام قد قرن معه الوسيلة التي
تمكن العالم من معرفة ما إذا كان الحديث صحيحاً أو غير صحيح ألا وهي
الإسناد .
نعم ، كان الأولى به وبهم أن يُتبعوا كل حديث ببيان درجته من الصحة والضعف
، ولكن الواقع يشهد أن ذلك غير ممكن بالنسبة لكل واحد منهم ، وفي جميع
أحاديثه على كثرتها ، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن . ولكن أذكر منها
أهما وهي :
أن كثيراً من الأحاديث لا تظهر صحتها أو ضعفها إلا بجمع الطرق والأسانيد ،
فإن ذلك مما يساعد على معرفة علل الحديث ، وما يصح من الأحاديث لغيره ،
ولو أن المحدثين كلهم انصرفوا إلى التحقيق وتمييز الصحيح من الضعيف لما
استطاعوا - والله أعلم - أن يحفظوا لنا هذه الثروة الضخمة من الأحاديث
والأسانيد ، ولذلك انصبت همة جمهورهم على مجرد الرواية فيما شاء الله ،
وانصرف سائرهم إلى النقد والتحقيق مع الحفظ والرواية وقليل ما هم ، (
ولكلٍ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات ) " أ.هـ
( أنظر كتاب " قصص لا تثبت " ج1 / ص23 ) .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي علماء الحديث خير الجزاء وأن
يُنضر الله وجوههم جزاء ما قدموا لسنة نبيهم ، وأن يحشرنا مع زمرتهم إنه
ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم ....
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في 06.11.08 21:12 عدل 1 مرات