الكلُ يعلمُ ما للإمامِ مالكٍ إمامِ دارِ الهجرةِ من مكانةٍ عظيمةٍ ، فهو إمامٌ
متبعٌ ، أحدُ أئمةِ المذاهبِ الأربعةِ المعروفةِ في بلادِ المسلمين ،
ومن العبارات التي اشتهرت عند القاصي والداني في بيان قدر
الإمام مالك في الفتوى : " لا يُفْتَى وَمَالِكٌ فِي المَدِينَةِ " ،
ونسمع كثيرا من الوعاظ والخطباء يوردون قصةً بسبب العبارة ، فما هي هذه
القصة المنسوبة إلى الإمام مالك ؟ والتي بسببها قيل في حقه : " لا يفتى
ومالك في المدينة " ، هذا ما ستعرفه في السطور التالية .
نَصُ القِصَّةِ :
قال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان "
(6/304 – 305) : " قرأت بخط الحافظ قطب الدين الحلبي ما نصه : وسيدي أبي
عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد وجدت بخط عمي بكر بن محمد بن سعيد بن
يعقوب بن إسحاق بن حجر العسقلاني إملاء قال : ثنا إبراهيم بن عقبة ، حدثني
المسيب بن عبد الكريم الخثعمي ، حدثتني أمة العزيز امرأة أيوب بن صالح
صاحب مالك قالت : غسلنا امرأة بالمدينة فضربت امرأة يدها على عجيزتها
فقالت : " ما علمتك إلا زانية أو مأبونة " . فالتزقت يدها بعجيزتها ،
فأخبروا مالكا ، فقال : " هذه المرأة تطلب حدّها ، فاجتمع الناس ، فأمر
مالك أن تُضرب الحدّ فضربت تسعة وسبعين سوطا ، ولم تنتزع اليد ، فلما ضربت
تمام الثمانين انتزعت اليد ، وصلي على المرأة ودفنت " .
وقال الخطيب الشربيني في " مغنى المحتاج
" (1/358) : غريبة : حُكي أن امرأة بالمدينة في زمن مالك غسلت امرأة ،
فالتصقت يدها على فرجها ، فتحير الناس في أمرها هل تقطع يد الغاسلة أو فرج
الميتة ؟ فاستفتي مالك في ذلك فقال : سلوها ما قالت لما وضعت يدها عليها ،
فسألوها فقالت : قلت طالما عصى هذا الفرج ربه ، فقال مالك : هذا قذف ،
اجلدوها ثمانين تتخلص يدها ، فجلدوها ذلك فخلصت يدها . فمن ثم قيل : " لا
يفتى ومالك بالمدينة " .
نَقْدُ القِصَّةِ :
قال الشيخ مشهور حسن في " قصص لا تثبت " (2/78 – 79) : هذه
القصة مكذوبة مفترة على الإمام مالك ، ففيها يعقوب بن إسحاق العسقلاني ،
ترجمه الذهبي في " الميزان " (4/449) فقال عنه : " كذاب " ، وقال الحافظ
ابن حجر في اللسان " (6/304) قبل أن يذكرها عنه : " وقد وجدت له حكاية
تشبه أن تكون من وضعه " وسردها .ا.هـ.