قَالَ عَلْقَمَةُ : بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ ، فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا ، وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ عُتْبَةَ بِثُلُثٍ ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ t قَالَ : (( الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ثُلُثٌ لَك ، وَثُلُثٌ لِأَهْلِك ، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ )) ، ومَا رُوِيَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ t فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ e قَالَ :" يُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِالثُّلُثِ "} رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ ، فِي الْوَظَائِفِ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ ، فَكَانَ إجْمَاعًا.(1) .
ولا يعطي الجازر منها شيئاً : ولَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ من لحم ، أو شحم ، أو دهن ، أو جلد ، أو غيره لأنها مال أخرجه لله ـ تعالى ـ فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، لقوله e : ((من باع جلد أضحيته فلا أضحية له )) .(2) ، وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا .وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . لمَا رُوى عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ :(( أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ e أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا ، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَقَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا )). (3) . وَلِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إلَى الْجَزَّارِ أُجْرَةً عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ وَجِزَارَتِهِ ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا .
فَأَمَّا إنْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ ، فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا ، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا .(4) .
فيما يجتنبه من أراد الأضحية : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا ، لما في " صحيح " الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ من حديث أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ " )) وفي لفظ ((مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ)) . (5) .قلت : ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة لمن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة ، إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً حتى يضحي ، وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي e قال: « وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ » ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي e كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك .
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة .
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
الذكاة وشروطها : تعريف الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر، أو ذبح، أو جرح. (6).
فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.
ويشترط للذكاة شروط تسعة:
الشرط الأول:أن يكون المذكي عاقلاً مميزاً، فلا يحل ما ذكاه مجنون، أو سكران، أو صغير لم يميز، أو كبير ذهب تمييزه ونحوهم.
ـــــــــــــــــــــ
(1)" المغني " ( 10/550) ، " سبل السلام " للإمام الصنعاني ـ رحمه الله ـ (4/1425) ، " رسائل فقهية " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ64- 67) .
(2) حسن : حسنه العلام الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح (6118) .
(3) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 1707 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 1317) .
(4) " المغني " ( 10/551)، " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ21 ، 22) .
(5) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 1977، 1978 ).
(6) " القاموس الفقهي " (1/137) ، " شرح منتهى الإرادات " (11/378) ، " كشاف القناع عن متن الإقناع " ( 21/230) .
*****************************************************************************************************************************************************************************تابع
الشرط الثاني: أن يكون المذكي مسلماً، أو كتابياً وهو من ينتسب إلى دين اليهود أو النصارى.
فأما المسلم :فيحل ما ذكاه سواء كان ذكراً أم أنثى، عدلاً أم فاسقاً، طاهراً أم محدثاً .
وأما الكتابي: فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب :فقوله تعالى: { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ }[المائدة آية: (5)].
وأما السنة :عَنْ أَنَسٍ t : (( أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ e بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا )) .(1) .، و عَنْ أَنَسٍt : ((أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ e إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ(2) فَأَجَابَهُ )) .(3).
وأما الإجماع :قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .(4).
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ (وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } .يَعْنِي ذَبَائِحَهُمْ .وقَالَ الإمام الْبُخَارِيُّ ـ رحمه الله ـ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ t:" طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ " .(5).
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ .
وأما سائر الكفار غير أهل الكتاب فلا يحل ما ذكوه لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } ، ولا يلزم السؤال عما ذبحه المسلم أو الكتابي كيف ذبحه، وهل سمى عليه أو لا، بل ولا ينبغي لأن ذلك من التنطع في الدين، والنبي e أكل مما ذبحه اليهود ولم يسألهم ، لما في صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ : من حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاـ ((أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لِلنَّبِيِّ e إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ : " سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ "قَالَتْ وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ )) (6)، فأمرهم النبي e بأكله دون أن يسألوا مع أن الآتين به قد تخفي عليهم أحكام الإسلام، لكونهم حديثي عهد بكفر.
الشرط الثالث:أن يقصد التذكية لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }[المائدة آية: (3)] والتذكية فعل خاص يحتاج إلى نية، فإن لم يقصد التذكية لم تحل الذبيحة، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط .
الشرط الرابع:أن لا يكون الذبح لغير الله، فإن كان لغير الله لم تحل الذبيحة، كالذي يذبح تعظيماً لصنم، أو صاحب قبر، أو ملك، أو والد ونحوهم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ }[المائدة آية: (3)]، ولقوله e : ((لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ )) (7) .
الشرط الخامس:أن لا يسمي عليها اسم غير الله مثل أن يقول باسم النبي، أو جبريل، أو فلان، فإن سمى عليها اسم غير الله لم تحل وإن ذكر اسم الله معه لقوله تعالى: { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[المائدة آية: (3)]. وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ : ((قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ e قَالَ : اللَّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ " أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " )) .(8).
ــــــــــــــــ
(1) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (5834 ).
(2) وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ : الشحم المذاب إذا تغير رائحته .
(3)صحيح : أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ح ( 12724) ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " السلسلة الصحيحة " ح (1102) (3/93).
(4) " المغني " (10/514) ، "ومجموع فتاوى شيخ الإسلام " (9/240) .[/size
[size=12](5) صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ كتاب " الذبائح والصيد " باب (ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا ) ( 3/38) ط مكتبة الصفا .
(6) صحيح : رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (5083).
(7) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (3658) من حديث على t .
(8) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (5300) .
ولا يعطي الجازر منها شيئاً : ولَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ من لحم ، أو شحم ، أو دهن ، أو جلد ، أو غيره لأنها مال أخرجه لله ـ تعالى ـ فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، لقوله e : ((من باع جلد أضحيته فلا أضحية له )) .(2) ، وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا .وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . لمَا رُوى عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ :(( أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ e أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا ، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَقَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا )). (3) . وَلِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إلَى الْجَزَّارِ أُجْرَةً عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ وَجِزَارَتِهِ ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا .
فَأَمَّا إنْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ ، فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا ، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا .(4) .
فيما يجتنبه من أراد الأضحية : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا ، لما في " صحيح " الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ من حديث أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ " )) وفي لفظ ((مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ)) . (5) .قلت : ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة لمن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة ، إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً حتى يضحي ، وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي e قال: « وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ » ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي e كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك .
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة .
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
الذكاة وشروطها : تعريف الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر، أو ذبح، أو جرح. (6).
فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.
ويشترط للذكاة شروط تسعة:
الشرط الأول:أن يكون المذكي عاقلاً مميزاً، فلا يحل ما ذكاه مجنون، أو سكران، أو صغير لم يميز، أو كبير ذهب تمييزه ونحوهم.
ـــــــــــــــــــــ
(1)" المغني " ( 10/550) ، " سبل السلام " للإمام الصنعاني ـ رحمه الله ـ (4/1425) ، " رسائل فقهية " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ64- 67) .
(2) حسن : حسنه العلام الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح (6118) .
(3) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 1707 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 1317) .
(4) " المغني " ( 10/551)، " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ21 ، 22) .
(5) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 1977، 1978 ).
(6) " القاموس الفقهي " (1/137) ، " شرح منتهى الإرادات " (11/378) ، " كشاف القناع عن متن الإقناع " ( 21/230) .
*****************************************************************************************************************************************************************************تابع
الشرط الثاني: أن يكون المذكي مسلماً، أو كتابياً وهو من ينتسب إلى دين اليهود أو النصارى.
فأما المسلم :فيحل ما ذكاه سواء كان ذكراً أم أنثى، عدلاً أم فاسقاً، طاهراً أم محدثاً .
وأما الكتابي: فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب :فقوله تعالى: { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ }[المائدة آية: (5)].
وأما السنة :عَنْ أَنَسٍ t : (( أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ e بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا )) .(1) .، و عَنْ أَنَسٍt : ((أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ e إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ(2) فَأَجَابَهُ )) .(3).
وأما الإجماع :قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .(4).
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ (وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } .يَعْنِي ذَبَائِحَهُمْ .وقَالَ الإمام الْبُخَارِيُّ ـ رحمه الله ـ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ t:" طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ " .(5).
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ .
وأما سائر الكفار غير أهل الكتاب فلا يحل ما ذكوه لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } ، ولا يلزم السؤال عما ذبحه المسلم أو الكتابي كيف ذبحه، وهل سمى عليه أو لا، بل ولا ينبغي لأن ذلك من التنطع في الدين، والنبي e أكل مما ذبحه اليهود ولم يسألهم ، لما في صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ : من حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاـ ((أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لِلنَّبِيِّ e إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ : " سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ "قَالَتْ وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ )) (6)، فأمرهم النبي e بأكله دون أن يسألوا مع أن الآتين به قد تخفي عليهم أحكام الإسلام، لكونهم حديثي عهد بكفر.
الشرط الثالث:أن يقصد التذكية لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }[المائدة آية: (3)] والتذكية فعل خاص يحتاج إلى نية، فإن لم يقصد التذكية لم تحل الذبيحة، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط .
الشرط الرابع:أن لا يكون الذبح لغير الله، فإن كان لغير الله لم تحل الذبيحة، كالذي يذبح تعظيماً لصنم، أو صاحب قبر، أو ملك، أو والد ونحوهم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ }[المائدة آية: (3)]، ولقوله e : ((لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ )) (7) .
الشرط الخامس:أن لا يسمي عليها اسم غير الله مثل أن يقول باسم النبي، أو جبريل، أو فلان، فإن سمى عليها اسم غير الله لم تحل وإن ذكر اسم الله معه لقوله تعالى: { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[المائدة آية: (3)]. وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ : ((قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ e قَالَ : اللَّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ " أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " )) .(8).
ــــــــــــــــ
(1) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (5834 ).
(2) وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ : الشحم المذاب إذا تغير رائحته .
(3)صحيح : أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ح ( 12724) ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " السلسلة الصحيحة " ح (1102) (3/93).
(4) " المغني " (10/514) ، "ومجموع فتاوى شيخ الإسلام " (9/240) .[/size
[size=12](5) صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ كتاب " الذبائح والصيد " باب (ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا ) ( 3/38) ط مكتبة الصفا .
(6) صحيح : رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (5083).
(7) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (3658) من حديث على t .
(8) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (5300) .