من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 07.01.09 13:18
الثاني: الرد التفصيلي
لن يكون الرد مبسوطًا مطولاً لأن اللائق بِمثل هذه الرسالة الاختصار.
1- أخبر طارق السويدان فِي بداية مُحاضراته أنه سيعتمد على رواية الثقات،
ويدع رواية الضعفاء كالواقدي ؛ إذ وصفه بعضهم بأنه كذاب، ثُمَّ أعاد
الكلام فِي الواقدي فِي الشريط السابع آخر الوجه الأول، وهذه الدعوى تسر
السامع، لكن هل يا ترى التزمها؟ إنك إذا تتبعت ما ذكره فِي مُحاضراته
تَجده خالف دعواه من جهتين:
أ- أنه اعتمد على رواية الواقدي فِي نَحو أربعة مواضع -هذا فيما سَمعته فقط إن كان لَمْ يفتنِي منها شيء-.
وأذكر مثالاً واحدًا ألا وهو: قصة دخول علي على عثمان ونصيحته له،
وبلغت هذه القصة صحيفة كاملة وزيادة تَجدها فِي تاريخ الطبري (2/644, 645,
646) طبعة دار الكتب االعلمية, الطبعة الثالثة, ولَمْ يكن من السويدان إلا
قراءتَها بأسلوب قصصي فِي الشريط الثانِي.
ب- أنه اعتمد فِي ذكر مُحاضراته فِي الشريط الثانِي الْمُتعلقة بِمقتل
عثمان وموقعتَي الْجَمل وصفين على رجلين, ولَمْ يُخرج عنهما إلا قليلاً
لا يذكر.
الأول: شعيب بن إبراهيم الكوفِي عن سيف بن عمر.
الثانِي: لوط بن يَحيَى الْمَعروف بأبِي مِخنف.
أما رواية شعيب بن إبراهيم الكوفِي عن سيف بن عمر: فهي ضعيفةٌ ضعفًا
شديدًا لكونه ضعيفًا يروي عن ضعيف, وإليك شيئًا من كلام أئمة الجرح فيهما:
أ- شعيب بن إبراهيم الكوفِي:
قال ابن عدي فِي الكامل (4/4): وشعيب بن إبراهيم هذا له أحاديث وأخبار،
وهو ليس بذلك المعروف, ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليس بالكثير ,
وفيه بعض النكارة؛ لأن فِي أخباره وأحاديثه ما فيه تَحامل على السلف. ا’.
وقال الذهبِي فِي الْمِيزان رقم (3704): شعيب بن إبراهيم الكوفِي راوية كتب سيف عنه، فيه جهالة.
ب- سيف بن عمر:
نقل المزي فِي تَهذيب الكمال كلام الأئمة فيه رقم (2676):
قال ابن معين مرة: ضعيف، ومرة: فِلسٌ خير منه.
وقال أبو حاتِم: متروك الْحَديث يشبه حديثه حديث الواقدي.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال النسائي والدارقطنِي: ضعيف.
وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لَمْ يتابع عليها، وهو إلَى الضعف أقرب منه إلَى الصدق. ا’.
وقال ابن حجر فِي التقريب: ضعيف الحديث، عمدة فِي التاريخ. ا’.
وليس معنَى هذا توثيقه فِي الروايات التاريْخية مطلقًا, وإنَّما يتساهل
فِي رواياته التاريْخية, وإلا فإن الضعيف ضعيف مطلقًا, لاسيما والراوي عن
سيف بن عمر هنا شعيب بن إبراهيم الكوفِي.
وهذه السلسلة شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر أكثر منها طارق السويدان إلى
نَحو أربعين رواية، وبعض هذه الروايات تبلغ صحيفة كاملة أو أكثر، وعلى هذه
السلسلة اعتمد فِي ذكر موقعة الجمل ومقتل عثمان .
أما رواية لوط بن يَحيَى -أبِي مِخنف-: فترجم له الذهبِي فِي سير أعلام
النبلاء رقم (94) (7/301) فنقل عن يَحيَى بن معين: أنه ليس بثقة, وقال أبو
حاتم: متروك الحديث, وقال الدارقطنِي: أخباري ضعيف.
وقال الذهبِي فِي الْمِيزان (3/419): أخباري تالف لا يوثق به, ثُمَّ قال: قال ابن عدي: شيعي مُحترق صاحب أخبارهم.
وقال ابن حجر فِي لسان الميزان (4/492): وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا
حاتِم عنه فنفض يده وقال: أحد يسأل عنه هذا؟ وذكره العقيلي فِي الضعفاء.
ا’.
وقال الدكتور مُحَمَّد أمحزون فِي كتاب تَحقيق مواقف الصحابة فِي الفتنة
(1/251): ومن الْمُلاحظ: أن أبا مِخنف يتعمد التزوير والتحريف فِي
الروايات، ومن أمثلة ذلك... . ا’. ثُمَّ ذكر أدلته فلتراجع.
وعلى رواية أبِي مِخنف اعتمد طارق فِي ذكر موقعة صفين وبلغت روايته عن أبِي مِخنف فِي صفين وغيرها نَحو أربع وعشرين رواية.
ومن العجيب أن طارقًا السويدان نفسه فِي الشريط السابع الوجه الأول عاب
على الْمُؤرخين روايتهم عن أبِي مِخنف، ووصفه أنه شيعي متعصب كذاب, وفِي
الشريط الثامن من الوجه الثانِي وصف أبا مِخنف بأنه من رواة الشيعة.
2- أن طارقًا السويدان ذكر فِي مُحاضراته الروايات الضعيفة وترك الروايات
الصحيحة مع وجودها، ومنها ما ذكر عن ابن عباس أنه لَمَّا ناظر الْخَوارج
لَمْ يرجع منهم أحد ولَمْ يستطع إقامة الحجة عليهم حَتَّى أتى علي بن أبي
طالب فأقامها فرجع منهم طائفة.
وهذه الرواية من طريق أبِي مِخنف رواها ابن جرير فِي تأريْخه (3/ 109) وهي
مُخالفة لِمَا ثبت عند أحْمَد فِي الْمُسند (1/86) أن ابن عباس لَمَّا
ناظرهم رجع منهم أربعة آلاف، قال ابن كثير فِي البداية والنهاية (7/281):
إسنادها صحيح واختارها الضياء.
3- أن فِي كلام السويدان إيهامًا للسامع بأن كثيرًا من الصحابة خاضوا
الفتنة ودخلوها, ولَمْ ينبه فيما سَمعت أن الداخلين للفتنة من الصحابة
قليلون, بل قال فِي الشريط السابع الوجه الثانِي: أكثر الصحابة مع علي,
وبعضهم مع معاوية.
علمًا أن أبا بكر الخلال فِي كتاب السنة رقم (728) روى بإسناد صحيح عن
مُحَمَّد بن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله ج عشرة آلاف فما حضر
فيها مائة بل لَمْ يبلغوا ثلاثين. وراجع السنة لأبِي بكر الخلال تَجد
آثارًا أخرى موافقة لقول ابن سيرين -رحِمه الله-.
وهناك أمور أخرى كنت قد دونتها للرد عليها, ولو فعلت لطال الْمَقام, لعل ما ذكر يكفي -إن شاء الله-.
وفِي ختام هذه الرسالة أشيد بكل سنِّي أن يراجع كلام الله ورسوله وأهل
العلم فِي الصحابة الكرام الأبرار وتعديل الله لَهم, ويعرض صفحًا عن كلام
الشرذمة الْمَخذولة الْمَلعونة ألا وهم الرافضة -رفضهم الله-.
.................................................. ..
تنبيهات:
1- لا تعجب من وجود رواية الكذابين والْهَلكى فِي كتب تاريخ الإسلام فإن
مؤرخي الإسلام أرادوا الرواية وجَمع الروايات, ويكون منك التمحيص, راجع
تعليقات مُحب الدين الخطيب على "العواصم" (ص179).
2- قد تقع هذه الوريقات فِي يد من سلمه الله وعافاه بأن جنبه سَماع تلك
الْمُحاضرات, فليحذر خديعة الشيطان ولا يسمعها, فإن السلامة لا يعدلها
شيء.
والشبهة خطافة, والسلام عليكم ورَحْمَة الله وبركاته.
يوم الإثنين 28/5/1418
الرياض
كتبه: عبد العزيز بن ريس الريس
[يتبع]