من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 17.04.09 10:01
ثم يقول عن هند بن عتبة أم معاوية:
10- ذلك أبو معاوية ، فأما أمه هند بنت عتبة ، فهي تلك التي وقفت يوم أحد تلغ في الدم إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة ، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة؛ فقد كان قد مات ، وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرها بعد إذ تقررت غلبة الإسلام تصيح: اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه ، قبح من طليعة قوم ، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكموبلادكم؟ . هؤلاء أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يذكرهم كاتب مسلم بمثل هذه العبارات الغريبة النابية ، بل زاد ، فلم يعصم كثرة بني أمية من قلمه ، فطرح عليهم كل ما استطاع من صفات تجعلهم جملة واحدة براء من دين الله ، ينافقون في إسلامهم ، ونفون من حياتهم كل عنصر أخلاقي – كما سماه - . وأنا لن أناقش الأن هذا المنهج التاريخي ؛ فإن كل مدع يستطيع أن يقول: هذا منهجي ، وهذه دراستي!! بل غاية ما أنا فاعل أن أنظر كيف كان أهل هذا الدين ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم ، وكيف كانوا – هؤلاء الأربعة – عند من عاصرهم ومن جاء بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم. وأيضا ، فإني لن أحقق هذه الكلمة فساد ما بُني عليه الحكم
التاريخي العجيب ، الذي استحدثه لنا هذا الكاتب ، بل أدعه إلى حينه .
فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أسلم عام القضية ، ولقي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسلماً ، وكتم إسلامه عن أبيه وأمه ، ولما جاءت الردة الكبرى؛ خرج معاوية في هذه القلة المؤمنة التي قاتلت المرتدين ، فلما استقر أمر الإسلام ، وسير أبو بكر الجيوش إلى الشام ؛ سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فلما مات يزيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ قال لأبي سفيان رضي الله عنه : أحسن الله عزاءك في يزيد .فقال أبوسفيان : من وليت مكانه ؟ قال: أخاه معاوية . قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين . وبقي معاوية والياً لعمر على عمل دمشق ، ثم ولاه عثمان الشام كلها ، حتى جاءت فتنة مقتل عثمان ، فولي معاوية دم عثمان لقرابته ، ثم كان بينه وبين علي ما كان. ويروي البخاري (5/28) أن معاوية أوتر بعد العشاء بركعة ، وعنده مولى لابن عباس ، فأتى ابن عباس ، فقال: دعه؛ فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم . وقال في خير آخر: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه أوتر بواحدة؟ فقال ابن عباس : إنه فقيه. وروى أحمد في ((مسند)) (4/102) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أن معاوية أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قصر شعره بمشقص( ) فقلت لابن عباس : ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية ! فقال: ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه و سلم متهماً. وعن ابي الدرداء : ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من أميركم هذا (يعني معاوية) . مجمع الزوائد (9/357). وروى أحمد في ((مسنده)) (4/101) عن أبي أمية عمرو بن يحيى ابن سعيد عن جده: أن معاوية أخذ الإداوة( ) بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه و سلم بها ، واشتكى أبو هريرة ، فينا هو يوضئ رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ رفع رأسه إليه مرة أو مرتين ، فقال: ((يا معاوية ! إن وليت أمراً؛ فاتق الله عز وجل واعدل)) . قال معاوية : فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول النبي صلى الله عليه و سلم حتى ابتليت
. وروى أحمد في مسنده (4/127) عن العرباض بن سارية السلمي؛ قال: سمعت رسول الله وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : ((هلموا إلى الغداء المبارك)) ثم سمعته يقول: ((اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب)).وروى أحمد فيمسنده (4/216) عن عبد الرحمن ابن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ؛ أنه ذكر معاوية ، فقال: ((اللهم اجعله هادياً مهدياً ، واهد به )). هذا بعض ما قيل في معاوية رضي الله عنه ، وفي دينه وإسلامه. فإن كان هذا الكاتب قد عرف واستيقن أن الروايات المتلقفة من أطراف الكتب تنقض هذا نقضاً ، حتى يقول: إن الإسلام بريء منه! فهو وما عرف!!. وإن كان يعلم أنه أحسن نظراً ومعرفة بقريش من أبي بكر حين ولّي يزيد بن أبي سفيان ، وهو من بني أمية ، وأنفذ بصراً من عمر حين ولي معاوية؛ فهو وما علم !! وإن كان يعلم أن معاوية لم يقاتل في حروب الردة إلا وهو يضمر النفاق والغدر؛ فله ما علم !! وإن كان يرى ما هو أعظم من ذلك ؛ أنه أعرف بصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم من رسول الله الذي كان يأتيه الخبر من السماء بأسماء المنافقين بأعيانهم ؛ فذلك ما أعيذه منه أن يعتقده أو يقوله !! ولكن لينظر فرق ما بين كلامه وكلام أصحاب رسول الله عن رجل آخر من أصحابه ، ثم ليقطع لنفسه ما شاء من رحمة الله أو من عذابه ، ولينظر أيهما أقوى برهاناً في الرواية ، هذا الذي حدثنا به أئمة ديننا ، أم ما انضمت عليه دفتا كتاب من عرض كتب التاريخ كما يزعمون ، ولينظر لنفسه حتى يرجح رواية على رواية وحديثاً على حديث وخبراً على خبر ، وليعلم أن الله تعالى أدب المسلمين أدباً لم يزالوا عليه منذ كانت لدين الله الغلبة حتى ضرب الله على أهل الإسلام الذلة بمعاصيهم وخروجهم عن حد دينهم واتباعهم الأمم في أخلاقها وفي فكرها وفي تصورها للحياة الإنسانية . يقول ربنا سبحانه : ] يا أيَّهاالذِينَ آمنُوا إِن جاءَ كم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فتَبَيَّنوا أن تُصيبوا قَوماً بِجَهالةٍ فتُصْبِحوا على ما فَعَلتُم نادِمين [ ويقول: ] يا أيُّها الذِينَ آمنوا اجتنِبُوا كثيراً مِنَ الظّنِ إنّ بعْضَ الظِّنِّ إِثم [ويقول: ] ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لك بِهِ عِلْمٌ إِنّ السَّمعَوالبَصَرَ والفُؤادَ كُلُ أُولَئكَ كانَ عنه مسؤولاً [ ولينظر أنى له أن يعرف أن معاوية كان يعمل بوحي الجاهلية لا الإسلام ، وأنه بعيد الروح عن حقيقة الإسلام وأن الإسلام لم يَعمُر قلبه ، وأنه خنق روح الإسلام هو وبنو أبيه ، وأنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم لا يمسكهم خلق ولا دين ولا ضمير ، وأن في أسلاخ معاوية وبني أمية جريمة أي جريمة على الإسلام والمسلمين ، وأنه يخيس بالعهد ويجهر بالكبيرة جهرة المتبجحين ، وأنه ما لمعاوية وهذا الإسلام وأنه ينفي العنصر الأخلاقي من سيرته ويجعل مال الله للرشى واللهى وشراء الذمم ، وأنه هو وبنو أمية آمنوا على حرف حين غلب الإسلام .
أما أبو سفيان رضي الله عنه ؛ فقد أسلم ليلة الفتح ، وأعطاه رسول الله من غنائم حنين كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم ، فقال له : (( والله ؛ إنك لكريم فداك أبي وأمي ، والله؛ لقد حاربتك فلنعم المحارب كنت ، ولقد سالمتكفلنعم المسالم أنت ، جزاك الله خيراً)). ثم شهد الطائف مع رسول الله ، وفقئت عينه في القتال. ولاه رسول الله صلى الله عليه و سلم نجران ، ورسول الله لا يولي منافقاً على المسلمين . وشهد اليرموك ، وكان هو الذي يحرض الناس ويحثهم على القتال. وقد ذكر الكاتب فيما استدل به على إبطان أبي سفيان النفاق والكفر أنه كان يستبشر بهزيمة المسلمين في يوم حنين ، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد ، وهذا باطل مكذوب ، وسأذكر بعد تفصيل ذلك .
أما قول أبي سفيان للعباس: ((لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً )) فقال العباس: إنها النبوة فقال أبو سفيان: فنعم إذن. فهذا خبر طويل في فتح مكة ، قبل إسلامه ، وكانت هذه الكلمة : ((نعم إذن)) أول إيذان باستجابته لداعي الله ، فأسلم رضي الله عنه ، وليست كما أولها الكاتب: ((نعم إذن ، وإنها كلمة يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه ، فما كان مثل هذا القلب ليفقه إلا معنى الملك والسلطان)) إلا أن يكون الله كشف له ما لم يكشف للعباس ولا لأبي بكر ولا لعمر ولا لأصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار ،وأعوذ بالله من أن أقول ما لم يكشف لرسول الله ونبيه صلى الله عليه و سلم وعن ابن عباس : أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاثاً أعطنيهن ، قال: ((نعم )) ، قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، قال: ((نعم)) ، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ، قال: ((نعم)) ، وذكر الثالثة ، وهو أنه أراد أن يزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بابتنته الأخرى عزة بنت أبي
سفيان ، واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة ، فقال: ((إن ذلك لا يحل لي)).
وأما هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنهما ، فقد روي عن عبد الله بن الزبير (ابن سعد :8/171) ( ) ؛ قال: لما كان يوم الفتح ؛ أسلمت هند بن عتبة ونساء معها ، وأتين رسول الله وهو بالأبطح ، فبايعنه ، فتكلمت هند ، فقالت: يا رسول الله الحمد الله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه ، لتنفعني رحمك يا محمد ، إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة برسوله ، ثم كشفت عن نقابها ،
وقالت: أنا هند بنت عتبة ، فقال رسول الله : ((مرحباً بك)) ، فقالت: والله ؛ ما كان على الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من خبائك ، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزوا من خبائك ، فقال رسول الله : وزيادة …قال محمد بن عمر الواقدي : لما أسلمت هند؛ جعلت تضرب صنماً في بيتها بالقدوم ، حتى فلذته فلذة فلذة ، وهي تقول: كنا منك في غرور.وروى البخاري( ) هذا الخبر عن أم المؤمنين عائشة (5/40). فهل يعلم عالم أن إسلام أبى سفيان وهند كان نفاقاً وكذباً وضغينة؟ لا أدري ، ولكن أئمتنا من أهل هذا الدين لم يطعنوا فيهم ، وارتضاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وارتضى إسلامهم ، وأما ما كان من شأن الجاهلية؛ فقل رجل وامرأة من المسلمين لم يكن له في جاهليته مثل ما فعل أبو سفيان أو شبيه بما يروى عن هند إن صح.
وأما عمرو بن العاص ؛ فقد أسلم عام خيبر ، قد مهاجراً إلى الله ورسوله ، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم على سرية إلى ذات السلاسل يدعو بليّاً إلى الإسلام ، ثم استعمله رسول الله على عمان ، فلم يزل والياً عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم أقره عليها أبو بكر رضي الله عنه ، ثم استعمله عمر. وروى الإمام أحمد في (مسنده) (2/327 ،353 ، 354) من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (ابنا العاص مؤمنان) ؛ يعني: هشاماً وعمراً. وروى الترمذي وأحمد في مسنده (4/155) عن عقبة بن عامر الجهني : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ((أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص)). وروى أحمد في مسنده (1/161) عن طلحة بن عبيد الله ؛ قال: ألا أخبركم عن رسول الله بشيء ؟ ألا إني سمعته يقول: ((عمرو بن العاص من صالحي قريش ، ونعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله وعبد الله )). فإذا كان جهاد عمرو ، وشهادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم له ، وتولية رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أبى بكر ثم عمر؛ لا تدل على شيء من فضل عمرو بن العاص ، ولا تدل على نفي النفاق في دين الله عنه؛ فلا ندري بعد ما الذي ينفع عمراً في دنياه وآخرته ؟!
ولست أتصدى هنا لتزييف ما كتبه الكاتب من جهة التاريخ ، ولا من جهة المنهاج ، ولكني أردت – كما قلت – أن أبين أن الأصل في ديننا هو تقوى الله وتصديق خبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ليسوا لعانين ولا طعانين ولا أهل إفحاش ولا أصحاب جرأة وتهجم على غيبالضمائر ، وأن هذا الذي كانوا عليه أصل لا يمكن الخروج منه؛ لا بحجة
التاريخ ، ولا بحجة النظر في أعمال السابقين للعبرة واتقاء ما وقعوا فيه
من الخطأ. ولو صح كل ما يذكر مما اعتمد عليه الكاتب في تمييز صفات هؤلاء
الأربعة وصفة بني أمية عامة؛ لكان طريق أهل الإسلام أن يحملوه على الخطأ
في الاجتهاد من الصحابي المخطيء ، ولا يدفعهم داء العصر أن يوغلوا من أجل
خبر أو خبرين في نفي الدين والخلق والضمير عن قوم هم لقرب زمانهم وصحبتهم
لرسول الله صلى الله عليه و سلم أولى
أهل الإسلام بأن يعرفوا حق الله وحق رسوله ، وأن يعلموا من دين الله ما لم
يعلمه مجترئ عليهم طعان فيهم.وأختم كلمتي هذه بقول النووي في شرح مسلم
(16/93): ((اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات ،
سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ،
وقال القاضي: سب أحدهم من المعاصي الكبائر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن
يعزر ولا يقتل ، وقال بعض المالكية يقتل)).
وأسدي النصحية لمن كتب هذا
وشبهه أن يبرأ إلى الله علانية مما كتب ، وأن يتوب توبة المؤمنين مما فرط
منه ، وأن ينزه لسانه ويعصم نفسه ويطهر قلبه ، وأن يدعو بدعاء أهل
الإيمان: ] رَبَّنا اغفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَذينَ سَبَقُونا بالإيمانِ
ولا تَجعَل في قُلوبِنا غِلا للذينَ آمَنُوا رَبّنا إنَكَ رَؤوفٌ رحِيمٌ [
من أجل هذا أقول: إن خلق الإسلام هو أصل كل منهاج في العلم والفهم ، سواء
كانالعلم تاريخاً أو أدباً أو اجتماعاً أو سياسة ، وإلا ؛ فنحن صائرون إلى
الخروج عن هذا الدين ، وصائرون إلى تهديم ما بناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
، وإلى جعل تاريخ الإسلام حشداً من الأكاذيب الملفقة والأهواء المتناقضة ،
والعبث بكل شيء شريف ورثتنا إياه رحمة الله لهم ، وفتح الله عليهم ، ورضاه
عن أعمالهم الصالحة ، ومغفرته لهم ما أساءوا رضي الله عنهم ، وغفر لهم
وأثابهم بما جاهدوا وصبروا وعَلِموا وعلّموا ، وأستغفر الله وأتوب إليه.
( المصدر : مجلة المسلمون العدد الثالث لعام 1371 من الهجرة .)
[يتبع]
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في 24.04.09 21:43 عدل 1 مرات