، وهيهات هيهات أن ينخدع أهل السنّة بمحمد حسان أو غيره فيقول في كتابه "
حقيقة التوحيد " ص 14 :
وأنقل لكم هنا كلامًا رائعًا دقيقًا كان آخر ما تكلم به الشيخ سيد قطب –
رحمه الله تعالي – إذ يقول بعد كلام سبق : ولا بد إذن أن تبدأ الحركات
الإسلامية من القاعدة وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب
والعقول وتربية من يقبل على هذه الدعوة وهذه المفاهيم الصحيحة تربية
إسلامية صحيحة وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية وعدم محاولات
فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة
المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على
حقيقته وتريد أن تُحكم به ... ضرورة فهم العقيدة الإسلامية فهمًا صحيحًا
قبل البحث عن تفصيلات النظام والتشريع الإسلامي وضرورة عدم إنفاق الجهد في
الحركات السياسية المحلية الحاضرة في البلاد الإسلامية للتوفر على التربية
الإسلامية الصحيحة لأكبر عدد ممكن وبعد ذلك تجئ الخطوات التالية بطبيعتها
بحكم اقتناع وتربية قاعدة في المجتمع ذاته .. أهـ .
قلت : إذن اتضحت معالم القطبية عند محمد حسان من خلال تقريظه وتزكيته
للكلام السابق والمنسوب لإمامه وشيخه سيد قطب وهو يحسب أنه يحسن صنعًا
وهاك ردي على ما سبق :
1. من المعلوم عند أهل العلم الشرعي السني السلفي أن سيد قطب ليس شيخًا
حيث أن لفظ الشيخ يطلق على أهل العلم ، ومحمد حسان نفسه الذي يقر بتلمذته
على كتب العلامة الألباني – رحمه الله – حيث قال الألباني عن سيد قطب أنه
ليس بعالم ، فإذا كان أئمة السنة المعاصرين ينفون عن سيد قطب العلم فكيف
يصف محمد حسان كلامه بأنه رائع دقيق ؟ إلا رغبة واضحة في اعتناقه فكر سيد
قطب .
2. يقر محمد حسان بمشروعية الحركات الإسلامية المعاصرة فهل يقر بذلك علماء
السلفية والذي يدّعي ظلمًا أنهم شيوخه كالألباني وابن باز وابن عثيمين ،
فإن الثابت عن هؤلاء العلماء خاصة في أيامهم الأخيرة عدم إجازتهم لهذه
الحركات والجماعات لأنها فرقت المسلمين وجعلتهم شيعًا وأحزابًا كما هو
واقع الآن ومشاهد وملموس ولا ينكر ذلك إلا مكابر .
فإن محمد حسان والذي يحث الناس على السنَّة ويتمسح بها تبيّن لنا بالأدلة
الثابتة أنه جاهل بالسنّة ومن الأدلة التي تحذر من الحزبية وتعدد الحركات
الإسلامية ما رواه البخاري ومسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إلزم
جماعة المسلمين وإمامهم " ونحن في مصر كمسلمين جماعة واحدة تحت إمرة واحدة
لرئيس واحد هو حاكم مصر الرئيس محمد حسني مبارك ، فمن أين أتي محمد حسان
تقليدًا لشيخه سيد قطب بإقراره لما يسمي بالحركات الإسلامية ؟!!
3. إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب أي عقيدة هي ؟ أهي العقيدة
التي يدندن حولها محمد حسان تقليدًا لسيد قطب أم العقيدة الإسلامية
الصحيحة التي كان عليها الصدر الأول ؟ فالواضح تبعًا لسياق كلامه أن
العقيدة التي يدندن حولها إنما هي عقيدة سيد قطب وفكره حيث إنه الملهم عند
محمد حسان في وضع المعالم للطريق لتسير عليها القاعدة المنشودة ، وبذلك
يتكرر الصدام المسلح .
4. وها هو سيد قطب يكتب ويحدد ومحمد حسان يُؤمِّن أن إحياء مدلول العقيدة
" وفق المفهوم القطبي إنما هو لإقامة النظام الإسلامي أي أن الغاية عند
محمد حسان وأقرانه ومؤيديه ليست تعبيد الناس لرب الناس وهدايتهم له بقدر
ما هو لأجل النظام أي الدولة والرياسة ، كما يفهم بداهة من كلامه أنه لا
يعترف بالنظام القائم ، وأنا هنا لا أضفي عصمة على النظام القائم بل أعترف
بمشروعيته دون إفراط أو تفريط إجمالا ً كما بيّنت السنّّة النبويّة
الثابتة " إلزم جماعة المسلمين وإمامهم " حتى ولو كان في النظام القائم
قصورٌ ومخالفات شرعية ، حيث حدّ الرسول صلى الله عليه وسلم حدًًّا واضحًا
بين الرعية والراعي في قوله " ما أقاموا فيكم الصلاة " إذن تبقي مشروعية
النظام للحاكم المسلم طالما أنه تارك الناس يُصلون ولم يمنعهم منها وما
دون ذلك فالواجب فيه المناصحة بالأدب الشرعي لا بالخروج والتهييج وإعداد
الجماعات والحركات ضد الحاكم .
5. قلت سابقًا إن تحديد غاية الدين من الأهمية بمكان ، والجهل بها يؤدي
إلى مثل هذه الترهات التي تضيّع الأوقات والجهود والإصلاح ، فلما جهل محمد
حسان غاية الدين الحقيقية انساق وراء كلام سيد قطب بحجة البحث أو إقامة
النظام الإسلامي ، إذن يلزم من تجديد محمد حسان وغيره لكلام سيد قطب
وإشاعته بين الناس والشباب خصوصًا أن يبقي الوضع متوترًا تجاه أي تجمع
ديني طالما أن القصد هو إقامة النظام وهي عبارة مستترة مرادفه للعبارة
المقصودة وهي : قلب النظام ، لأن سيد قطب جعل تربية الناس إنما القصد منها
أن يقوم الناس بالمطالبة بالنظام الإسلامي ، ولم يحدد لنا كيف ستتطالب هذه
الشعوب بذلك ، ولم يحدد كذلك الخطوات التي ستأتي بعد الصبر على التربية
العقيدية وفق تصوراته وتكوين هذه القاعدة الشعبية ؟ وكذلك صار على دربه
محمد حسان .
إن تأصيل هذا الكلام على أنه من صحيح المفاهيم الإسلامية ظلم للدين وظلم
للمفاهيم الإسلامية الصافية النقية الواضحة وضوح النهار التي لا يزيغ عنها
إلا هالك ، فالدعوة الإسلامية مطلوبة وفق أسس شرعية صار عليها الأوائل
وخير القرون وعلى ضوئها سار الأئمة الأربعة حتى وصلت إلينا ، فما علمنا من
كتب سلفنا الكرام دعوة أو تأصيلا ً لمنازعة ولاة الأمر وإن جاروا ، بل
العكس تمامًا هو الصحيح وهو التحذير كل التحذير من منازعة ولاة الأمر تحت
أي ذريعة من الذرائع ولو كانت باسم الدين لأن في ذلك مهلكة عظمي ، فالنظام
الإسلامي الكامل وفق أدلة الكتاب والسنّة وإن كان وجوده على أرض الواقع
متعذرًا ، إلا أن أصل الأمور موجود وقائم تلهث به ألسنة الناس وولاة
أمورهم ألا وهو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثم سائر
الشرائع التعبدية من صلاة وصيام وحج وزكاة واضحة للعيان تؤدي بكامل الحرية
ولا يضيق فيها على أحد .
أما القصور الموجود في النظام القائم فإنه يُعالج بالنصح والإرشاد
والتوجيه وليس بالإعداد والحشد بتأليب الشعوب على حكامها ، ولعل قارئًا
يقول أين هي المنازعة وأين هي الحشود وأين هي الأسلحة المؤهلة لمنازعة
ولاة الأمر ؟!!
قلت : إن أي دعوة لها هدف محدد مرتبط بإقامة حكم أو رياسة لا بد أن يسبقها
فكر وتأصيل قبل التفعيل فإن استطعنا إيقاف هذا التأصيل بالتي هي أحسن أمنا
التفعيل ، خاصة وأن الأمة لها تجارب مرة ومتلاحقة من جرَّاء هذه الأفكار
التي لم نجن منها إلا سفك الدماء وزعزعة الأمن والاستقرار .
والكلام هنا ليس دفاعًا عن نظام أو تأييد نظام وإنما الدفاع عن الإسلام
لتبقي مفاهيمه صافية نقية بعيدًا عن التكتلات والتحزيب والتفرق والتشرذم
كل حزب بما لديهم فرحون .
وعلى ضوء ما ذكر سابقًا وما سيأتي لا حقًا إن شاء الله تعالي لا يحق لأحد
أن يصف دعوة محمد حسان وأقرانه كمحمد حسين يعقوب أنها دعوة سلفية ،
فالواضح من كلام محمد حسان الذي خطه بيده في كتابه " حقيقة التوحيد " أننا
أمام مُنظِّر جديد للقطبية وهذا يفسر لنا شعبية الرجل في مصر والخليج وإلا
فليقل محمد حسان كلمة شافية في فكر سيد قطب فيما ذكرت بعضه سابقًا .
كتبه
محمود عامر
ليسانس شريعة – دبلوم في الدعوة
Mahmoud_amer53@yahoo.com