من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.07.08 8:38
واعلم – رحمك الله – أن دعاة الضلال يستدلون بأدلة ويلبسون بشبه ولهذا أُمِرنا باعتزالهم لا لعجز أهل الحق في الرد عليهم ولكن حفظاً على سلامة عامة المسلمين فالقلوب ضعيفة والشبهة خطافة .
ويجمل ما استدل به القرضاوي في فتواه بثلاثة أمور :
الأول : استدلاله بعمومات وإجمالات لا يصح الإستدلال بعمومها ومجملها مع ما ورد من النصوص الخاصة ما يمنع هذا العموم والإجمال مما سبق الإشارة إليه من أدلة الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وكلام أهل العلم المتواتر من أهل التفسير والحديث والفقه , بل هذه طريقة أهل البدع فهم الذين يعارضون النصوص الصريحة الخاصة بالأدلة العامة والمجملة كما روي ذلك عن الإمام أحمد –رحمه الله تعالى – وحذر منه فمن الأدلة العامة والمجملة التي استدل بها قول الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (8) سورة الممتحنة , فجعل من ذلك تهنئة الكفار في أعيادهم مع أن الله Y يقول في أول هذه السورة , {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ } (1) سورة الممتحنة , قال الشوكاني رحمه الله تعالى ( الآية تدل على النهي عن موالاة الكفار بوجه من الوجوه ) "فتح القدير 5/207" , وقال ابن كثير رحمه الله تعالى ( نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ) "آية 28 سورة آل عمران ". فكيف إذا أضيف ما سبقت الإشارة إليه.
ثانياً : استدلاله بأقيسة ضعيفة ومعارضة للنصوص الصريحة مما دلت عليه أدلة الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وكلام أهل العلم المتواتر من أهل التفسير والحديث والفقه . ومن ذلك قياسه تهنئة الكفار بجواز الزواج من نساء أهل الكتاب مع أن الله تعالى قال {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } (22) سورة المجادلة , وقد نبه العلماء أن المحبة أقسام والمراد بجواز النكاح ليس مودة ومحبة على حساب الأحكام الشرعية فكيف إذا انضاف ما سبقت الإشارة إليه من عدم جواز هذه التهنئة والقياس كالتيمم إنما يلجئ إليه إذا لم يعلم الدليل ولهذا قال الإمام أحمد ( وليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول والأهواء وإنما هو الإتباع وترك الهوى ), وفي رواية الميموني عن الإمام أحمد رحمه الله ( يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين المجمل والقياس ) وفي رواية أبي الحارث عن الإمام أحمد رحمه الله ( قال ما تصنع بالرأي والقياس وفي الحديث ما يغنيك عنه ) "المسودة 328" وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه " باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس وذكر قول الله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً }" وذكر حديث عبدالله بن عمرو في موت العلماء وظهور علماء السوء نعوذ باله منهم , فإذا كان هذا كلام أهل العلم في القياس مع وجود الدليل فكيف إذا عورض به الدليل وكيف إذا كان من أضعف أنواع الأقيسة فإن هذا النوع من القياس أشبه ما يكون بقياس الشبه الذي هو من أضعف أنواع الأقيسة وهو القياس بغير علة أو دليلها ويراجع " الإعلام لإبن القيم 1/148".
ثالثاً : استدلالات عجيبة خارجة عن القواعد العلمية فضلاً عن الضوابط الشرعية كقوله ( ويشبه هذا التعبير قوله تعالى في شأن الصفا والمروة ... ألخ .
فسبحان الله ! كيف يريد أن يجمع بين ما لا يمكن جمعه تكثيراً للشبه واستجابةً للهوى ومسايرة للواقع وإلا فما علاقة ما أشار إليه بتهنئة الكفار في أعيادهم , وانظر – رحمك الله – إلى كلام أهل الصدق والاستجابة والغيرة, قال ابن القيم – رحمه الله – ( معلوم أن التقاة ليست بموالاة ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراء منهم ومهاجرتهم بالعدوان في كل حال إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية وليست التقية موالاة لهم ) "بدائع الفوائد 3/69" فكيف بعد هذا يستدل بهذه الاستدلالات العجيبة بما ينافي العقل والدين , لهم الله هؤلاء المتلاعبون بدين الله .
ونختم هذا الرد المختصر بثلاثة تنبيهات من طوام تدين هذا الرجل الذي يبثه في فكره وكتاباته وأشرطته ولقاءاته ومنها ما بثه في هذه الفتوى الضالة .
التنبيه الأول : دغدغته ودعوته إلى وحدة الأديان فقال الضال في فتواه ( فالقرآن لا يناديهم إلا بـ ( يا أهل الكتاب ) و ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب ) يشير بهذا إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي, فبينهم وبين المسلمين رحم وقربى تتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث الله به أنبياءه جميعاً ) .
فانظروا – رحمكم الله – إلى هذا المسكين الذي لا يريد أن يفرق بين الأنبياء وأتباع الأنبياء , فالأنبياء دينهم واحد لكن أتباعهم منهم الصادق ومنهم الكاذب, منهم المتابع ومنهم المغير والمبدل وإلا فمن المغضوب عليهم والضالين الذي نقرأ بها بل إن الصادقين منهم بعد مبعث نبينا r لولم يؤمنوا ويتابعوا ماجاء به r لزال عنهم الدين السماوي ولم يكونوا من أتباع الأنبياء أهل الدين الواحد , وفي حديث عمر عند أبي داود بإسناد حسن {لو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني } وليس هذا بغريب عن أمثال القرضاوي من دعاة السوء والضلال,فانظر إلى المؤتمرات التي حضرها وفيها الدعوة إلى وحدة الأديان مما يتبناها رؤوس الكفر العالمي, فهو ممن حضر مؤتمر موسكو الذي عقد في 25/12/1415هـ الموافق 26/5/1995م بعنوان "الإسلام والتفاهم العرقي والديني في العالم المتغير" – الناس مجتمعون في مكة للحج وهو في موسكو مع الشيوعيين واليهود والنصارى – ويقول مفتخراً ( حضرت هذا العام شهر مايو الماضي مؤتمراً في موسكو وكان حول الإسلام والتفاهم بين الديانات والشعوب الأخرى وشارك فيه مسيحيون ويهود وغيرهم ... ) ( وفي آخر الصيف حضرت حفلاً تكريمياً للقاء المسيحيين وبعض المسلمين نظمه مجلس الكنائس للشرق الأوسط ) "الشرق الاوسط العدد 2789" فهذا منهج أهل مسايرة الواقع , يقول القرضاوي ( التعايش بين الإسلام والمسيحية أصبح أمراً ضرورياً وأصبح من المطلوب منا أن نبحث عن الجوامع المشتركة وأن يحاور بعضنا بعضاً بغية الوصول إلى أهداف إيجابية بناءه ) "جريدة الوطن" فاحذروا مثل هذه السقطات رحمكم الله التي يدعوا إليها دعاة السوء والضلال , أعاذنا الله والمسلمين منهم .
التنبيه الثاني : عقلانيته وجرأته على الدين , قال في فتواه الضالة ( فإذا كان الكتابي يأتيك ويهنيك ويعيد عليك في عيدك ويشارك في أتراحك ومصيبتك فيعزيك بها فما المانع من أن تهنئه بعيده وفي أفراحه وتعزيه في مصيبته , الله سبحانه وتعالى يقول {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (86) سورة النساء) , فانظروا رحمكم الله إلى هذه الجرأة مع ما لا يخفى على أدنى مسلم فضلاً على أمثاله ممن ينتسب إلى العلم من حكم الإسلام في التسليم على الكفار فلا يرد عليهم بتحية كاملة فضلاً أن يبتدءوا بسلام , قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية "5/195" (وأما الكافر فحكم الرد عليه أن يقال له وعليكم , قال ابن عباس وغيره وإذا{حييتم بتحية } فإذا كانت من مؤمن فحيوا بأحسن منها وإن كانت من كافر فردوا على ما أمر رسول الله r أن يقال لهم {وعليكم} وقال عطاء الآية في المؤمنين خاصة ومن سلم من غيرهم قيل له عليك كما جاء في الحديث . أ.هـ بلفظه . ثم ذكر رحمه الله الخلاف في إثبات الواو في (وعليك)
وأن الأفضل حذفها لأمرين :
الأول : رجحان رواية النفي .
الثاني : أنها أسلم وأوضح من جهة المعنى حتى لا يوهم إشراك الكافر في السلام . أهـ بمعناه .
فانظروا رحمكم الله إلى هذا الحرص والاحتياط على الدين مع ما عليه دعاة السؤء الضلال من الجرأة على دين الله .
التنبيه الثالث : تساهل ومغالطة علمية وهي صفة لازمة لدعاة السوء والضلال , فمما ذكره القرضاوي في هذه الفتوى من المغالطة (وأكثر من هذا أنهم جوزوا لإمام المسلمين أن يستعين بغير المسلمين -بخاصة أهل الكتاب- في الشؤون الحربية، وأن يسهم لهم من الغنائم كالمسلمين .
روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم، وأن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين وكان لا يزال على شركه ) وقال قبله (وهؤلاء بالتعبير الحديث (مواطنون) في الدولة الإسلامية، أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إلا ما هو من شؤون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون.
وقد شدد النبي -صلى الله عليه وسلم- الوصية بأهل الذمة وتوعد كل مخالف لهذه الوصايا بسخط الله وعذابه، فجاء في أحاديثه الكريمة: "من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"."من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه، خصمته يوم القيامة"."من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة". فانظروا إلى هذه المغالطة وهذا التساهل في حكاية الأقوال وذكر الأحاديث مما ينافي الأمانة العلمية والديانة الصحيحة , فلا يخفى على صغار طلبة العلم فضلاً عن غيرهم خلاف أهل العلم في حكم الإستعانة بالكافر مع أن الراجح التفصيل جمعاً بين الأدلة , فعم الرجل الخلاف وأضاع التفصيل بل زاد أن ذكر مسألة السهم للكافر مع أن العلماء احتاطوا في المسلم الذي لم يشهد الوقعة فكبف بالكافر , فعن أبي موسى الأشعري قال {قدمت على النبي r في نفر من الأشعريين فقسم لنا ولم يقسم لأحد ممن لم يشهد الفتح غيرنا}رواه البخاري ومسلم . وانظر إلى مغالطته وتساهله في تعبير الذمي والمواطن فبينهما فرق ظاهر فالكافر الذي يسمى ( مواطن ) لم يوضع منزلته الشرعية حتى يسوى بأهل الذمة , بل الواقع أنه قد حصل التساهل في هذا الباب بما ينافي شروط أهل الذمة التي ذكرها العلماء , فإن العلماء ذكروا لأهل الذمة شروطاً منها :
فرض الجزية على النفس , والخراج على الأرض وعدم إظهار المحرمات وغير ذلك مما ذكروه في كتاب الجهاد في باب "عقد أهل الذمة وأحكامها" , ولكن الرجل لا يحب ذلك يظن بعقله أن ذلك يشوه الإسلام , ولذلك أسقط في كتابه "غير المسلمين ص31" أسقط الجزية عن الفقراء وأنهم معفوون إعفاءاً تاماً ونحوها من التفاصيل التي يحكم بها بالعقل .وانظر إلى استدلاله بالأحاديث الضعيفة التي قد نُبِه على ضعفها قبل سنوات عديدة كما في "غاية المرام للشيخ الألباني ص 470 لحديث ابن مسعود الثاني ( من آذى ذمياً ... ) ونبه على ضعفه وص 469" فقد ذكر حديث أنس الأول ونبه على ضعفه ولكن بلفظ {من آذى مسلماً ... } فلا ندري أهي غلطة أم كذلك من تساهله ليوافق استدلاله لما يهواه ؟!!.
فانظر – رحمك الله – إلى هذا الإصرار والتساهل على رواية الأحاديث الضعيفة وهذه كذلك من صفات دعاة السوء نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .
كتبه :
أبو عبد الرحمن
عبد الله بن عمر مرعي بن بريك العدني
نقلا عن
موقع علماء السنة باليمن
من هنــــــــــــــا