رد على جريدة "المصري اليوم"
تحت ترجمة
"علماء الأزهر: خلع الرئيس التونسى جائز شرعاً..
وإذا استشرى الفساد وجب الخروج على الحاكم"
بعد البسملة والحمدلة والحوقلة، أقول :
خرجت علينا جريدة جريئة جرباء "المصري اليوم" مترجمةً "علماء الأزهر: خلع الرئيس التونسى جائز شرعاً .. وإذا استشرىالفساد وجب الخروج على الحاكم"كتب/أحمد البحيرى١٦/ ١/ ٢٠١١
وتحتها قالت في شذوذ : " أكد عدد من كبار علماء وشيوخ الأزهر أن طاعة ولى الأمر ليست مطلقة في الشريعة الإسلامية، وقالوا إنها مقيدة بعدم مخالفة أوامر الله تعالى وتوفير الحياة الكريمة وحفظ كرامة الرعية .
قال الدكتور (...) مجمع البحوث الإسلامية، لـ « المصري اليوم» : إن قول المولى عز وجل «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» لا يعنى الطاعة المطلقة للحاكم أو ولى الأمر وإنما هذه الطاعة مقيدة بعدم مخالفة تعاليم وأوامر المولى عز وجل، استنادا للقاعدة الشرعية « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وأضاف: «عدم تنفيذ الحاكم وعوده في برنامجه الانتخابي يبيح للرعية الخروج عليه وعدم الالتزام بطاعته، وإذا استشرى الفساد وأصبح ظاهراً ومخالفا لأحكام الشريعة وجب الخروج على الحاكم»
وقال الدكتور (...) عضو مجمع البحوث الإسلامية ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، إن مبدأ طاعة ولى الأمر في الشريعة الإسلامية ليس مطلقا، بل تحكمه ضوابط وقواعد عامة، منها عدم الخروج على أحكام الشريعة.
واستدل (...) بما حدث لجماعة من المسلمين حينما كانوا في سفر فغضب عليهم أميرهم في السفر، وسألهم: أليس لي عليكم حق الطاعة؟ فأجابوا: بلى، فقال: إذن اجمعوا حطبا، وأوقدوا النار فيه، ففعلوا ثم أمرهم بأن يلقوا بأنفسهم في النار، فرفضوا وقالوا: ما أسلمنا إلا هروباً من النار فكيف ندخل فيها، وحينما عادوا قابلوا النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخبروه بما حدث فقال (لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في الطاعة)، مما يدل على تقييد طاعة ولى الأمر وربطها بعدم معصية الخالق أو مخالفة الأحكام الشرعية.
وأكد (...) أن خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن على، تم بطريقة أقرب إلى الشرعية وجائز شرعا، إذ لم يتم استخدام العنف في المظاهرات إلا من رجال الأمن.
وذكرت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن طاعة ولى الأمر محددة بضوابط وليست مطلقة وترتبط بتوفير ولى الأمر سبل الحياة الكريمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، مستدلة بقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما تولى الخلافة ( أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوّموني ) فرد أحد الحضور «والله أقوّمك بسيفى» فقال سيدنا عمر ( رحم الله هذا الزمان إن وجد فيه من يقوّم عمراً بسيفه ) [من هنا ]
والتعليق :
أولاً : من قال من أهل العلم أن طاعة غير المعصوم طاعة مطلقة([1]) ؟! بل وهل ادعاها أحدهم ؟!
ثانياً : قولهم : "وتوفير الحياة الكريمة وحفظ كرامة الرعية" هذا ليس له، إنما هو للإيمان وحسن الاتباع، وإنما خوطب الحاكم كما خوطب المحكوم بتقوى الله تعالى قدر الاستطاعة .
ثالثاً : وبهذه - وهذه فقط - بطلت المقدمة فبطلت ببطلانها النتيجة، وهي باطلة زاهقة، شاهدة على أن "وراء الأكمة شيء" .
رابعاً : قولهم " إن قول المولى عز وجل «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» لا يعنى الطاعة المطلقة للحاكم أو ولى الأمر وإنما هذه الطاعة مقيدة بعدم مخالفة تعاليم وأوامر المولى عز وجل" فقط ؟!!! أم وطاعة رسوله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ([2]) .
خامساً : وقولهم : "استنادا للقاعدة الشرعية « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»" هذا من الجهل، إذا يعلم صبياننا وعجائزنا أنه حديث صحيح([3]) وإن كان فالنسبة له أوجب وأجل لكونه أقدس، كما في حديث "لا ضرر ولا ضرار" ولما تقرر أن مخالفة القاعدة كفر- على تفصيل- وتخصيصها بالقائمة على النصوص دونما سواها .
سادساً : وقولهم : "عدم تنفيذ الحاكم وعوده في برنامجه الانتخابي يبيح للرعية الخروج عليه وعدم الالتزام بطاعته، وإذا استشرى الفساد وأصبح ظاهراً ومخالفا لأحكام الشريعة وجب الخروج على الحاكم"إهـ عجيب غريب، على أي دليل شرعي اتكأ هؤلاء؟! والعاقبة حالقة، والخطب جلل، كيف والأدلة قاضية بالمنع مع الردع([4])؟!!! وستأتي .
سابعاً : ثم يسألون، عن فساد الراعي أم الرعية، وإن كانت الثانية نخرج؟!!! بئس الرأي . كيف وهو مردود مرفوض بالنص ؟!
كيف وفيه- أي: الفساد : شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى: "ومما ينبغي أن يعلم أن الله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح، لا رفع الفساد بالكلية فإن هذا ممتنع في الطبيعة الإنسانية
إذ لا بد فيها من فساد ولهذا قال الله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ..." سورة "البقرة" الآية (30) ولهذا لم تكن أمة من الأمم إلا وفيها شر وفساد، وأمثل الأمم قبلنا بنو إسرائيل، وكان فيهم من الفساد والشر ما قد علم بعضه..." أهـ "مختصر منهاج السنة"لشيخ الإسلام اختصره الشيخ الغنيمان (2/483-484)
قلت : فانظر كيف عوّل شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- في محاربة الفساد – بنوعيه: الحسي والمعنوي- تقف .
ثامناً : نبؤنا بعلم– إن كنتم تعلمون- عن مفردات منهج الخوارج وسبب خروجهم، ثم ارجعوا إلى أنفسكم– إن كنتم تبصرون- تقفون .
تاسعاً : ثم حدثونا حديث صدق- إن كنتم صادقين- عن حال ومآل الخوارج في القديم والحديث، عن ثمارهم، ومع ذلك نقول : أنهم لا يخرج فعلهم عن التحريم والتجريم .
عاشراً : وذاك المستدل بإمارة السفر على الحضر، فغرّب ونحن مشرقون، أين الدليل على الخروج؟ إنما هو تأكيد على أمر مستقر .
الحادي عشر : وقوله الذي ساقه على استحياء- وحق له ذلك "وأكد (...) أن خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن على، تم بطريقة أقرب إلى الشرعية وجائز شرعا، إذ لم يتم استخدام العنف في المظاهرات إلا من رجال الأمن" إذا هي أقرب إلى الشرعية، ونؤكد له أنها ليست شرعية، بل وممنوع شرعاً .
الثاني عشر : إثبات التناقض في قوليه "أقرب للشرعية" و "جائز شرعاً"
الثالث عشر : مطالبته باحترام عقول المخاطبين، وذلك في قوله " إذ لم يتم استخدام العنف في المظاهرات إلا من رجال الأمن" إهـ
قلت : فهل أنت تقرّ المظاهرات؟! وما صلة المظاهرات بالعنف؟!! وهل تجيزه لرجال الأمن؟! إيهٍ يا دعاة الحقوق وأدعياء العدل؟
الرابع عشر : أما قول الأنسة فيقال له ابتداءًا أي أنس يرتجى مع الخروج، وهذا بعد التأكيد والتوكيد على كذبهم أو جهلهم، فليختاروا أيهما وكلاهما سُبّة .
الخامس عشر : يقال لهم ولها ولثالثة الأثافي([5]) : أولم يوجد في الشريعة معالجة لهذا الأمر الذي هو منها بمكان "رعاية تامة، وزعامة عامة" إلا هذا العبث، ألا تتقون الله تعالى
السادسة عشر : ذكر الأدلة الصحيحة الصريحة بل الناطقة بل القاضية بعدم الخروج على ولاة الأمر– ما لم يظهر منهم كفر بواح واعتبار القدرة- وضرورة النصح مع الدعاء والصبر :
من ذلك : وتحت تفسير قوله تعالى : "ومن يتق الله يجعل له مخرجا" آية الفرج([6]) قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى : "قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا كهمس بن الحسن، حدثنا أبو السليل،عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال : جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يتلو علي هذه الآية"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" حتى فرغ من الآية، ثم قال : " ياأبا ذرلو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم" وقال: فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست، ثم قال: " ياأبا ذر، كيف تصنع إن أخرجت منالمدينة؟قلت: إلى السعة والدعة أنطلق، فأكون حمامة من حمام مكة،قال : " كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ قال: قلت: إلى السعة والدعة، وإلى الشام، والأرض المقدسة . قال: " وكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟ قلت: إذا- والذي بعثك بالحق- أضع سيفي على عاتقي . قال: " أو خير من ذلك؟ قلت : أو خير من ذلك؟ قال: " تسمع وتطيع، وإن كان عبدا حبشيا "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى- تحت الآية المذكورة .
قلت : فانظر كيف أمره النبي– صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : بالصبر مع السمع والطاعة في المعروف بغض النظر عن الحاكم، وأرشد أنه هو الخير([7])، هذا .. وقوله الحق وأمره الصدق، واتباعه أوجب وأسبق وأحكم وأفلح .
ومن ذلك : أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ- رَضِي اللَّه تعالى عَنْه- َقُالُ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَنْصَار ِ: " إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ" رواه الإمام البخاري
ومن ذلك : "... سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ - رَضِي اللَّه تعالى عَنْه- رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم َفَقَال:َ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ. وفي رواية وَقَالَ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ"رواه الإمام مسلم
قال القرطبي - رحمه الله تعالى- في "المفهم"(4/55):"يعني أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية، وكلف المُولَى عليهم الطاعة وحسن النصيحة، فأراد: أنه إذا عصى الأمراء الله فيكم، ولم يقوموا بحقوقكم، فلا تعصوا الله أنتم فيهم، وقوموا بحقوقهم، فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل"
ومن ذلك : "...عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لَا مَا صَلَّوْا"أَيْ: مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ"رواه الإمام مسلم .
قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى : "أما قوله ... وأما قوله ( أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا.. ما صلوا ): ففيه معنى ما سبق: أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام" انتهى شرح النووي على صحيح مسلم(12/243-244)
ومن ذلك : وفي "السنة" لابن أبي عاصم أيضاً، عن أنس-رضي الله تعالى عنه- قال : " نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم([8]) واتقوا الله، واصبروا؛ فإن الأمر قريب""السنة"لابن أبي عاصم(2/488) وانظره أيضاً في"التمهيد"(21/287)
وفي "السنة" لابن أبي عاصم أيضاً أن أبا الدرداء-رضي الله تعالى عنه-قال:"إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة([9]) قيل: يا أبا الدرداء! كيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت""السنة" لابن أبي عاصم (2/488) وعنه"معاملة الحكام"ص(178-179) و"نبذة مفيدة عن حقوق ولاة الأمر"ص(30) وبمثل هذا المنع والتحذير عن أبي مجلز- رحمه الله تعالى- في كتاب"الأموال" لابن زنجويه(1/78) وعن أبي إدريس الخولاني-رحمه الله تعالى"في المرجع السابق"(1/80)
وقال الحسن البصري- رحمه الله تعالى : "...والله لا يستقيم الدين إلى بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر" "آداب الحسن البصري" لابن الجوزي ص(121) و"جامع العلوم والحكم"(2/117)
هذا قوله- رحمه الله تعالى- وإليكم فعله : " قيل : سمع الحسن-رحمه الله تعالى-رجلاً يدعو على الحجاج . فقال : لا تفعل-رحمك الله- أنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير. ولقد بلغني: أن رجلاً كتب إلى بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال ( أي: الحكام ) فكتب إليه : "يا أخي، وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام" "آداب الحسن"ص(120)
وقال أمير المؤمنين- في الحديث- سفيان بن سعيد الثوري- رحمه الله تعالى- وسأله شعيب بن حرب: حدثني بحديث من السنة ينفعني الله-عز وجل- به، فإذا وقفت بين يدي الله-تبارك وتعالى- وسألني عنه، فقال لي: من أين أخذت هذا؟ قلت يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري، وأخذته عنه، فأنجو أنا وتؤاخذ أنت.
فقال: يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد، اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم ... ثم ذكر- رحمه الله تعالى اعتقاد أهل السنة ... إلى أن قال: يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل...
يا شعيب بن حرب: إذا وقفت بين يدي الله-عز وجل- فسألك عن هذا الحديث، فقل يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان بن سعيد الثوري، ثم خل بيني وبين ربي عز وجل" "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(1/154) و"التذكرة"للذهبي(2060207) والنقل عن"النقول الواضحة"ص(28-29)
وقال الإمام الطحاوي- رحمه الله تعالى: " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداًُ من طاعة، ونرى طاعتهم في طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة" "شرح الطحاوية"ص(371)
وقال الإمام المحدث القدوة، شيخ الحرم الشريف، أبو بكر محمد بن الحسين الأجري-رحمه الله-في كتابه"الشريعة""وانظر ترجمته في"السير"(16/133): "قد ذكرت من التحذير من مذهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، ودعا للولاة بالصلاح، وحج معهم، وجاهد كل عدو للمسلمين، وصلى معهم الجمعة والعيدين، فإن أمروه بطاعتهم فأمكنه طاعتهم أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، وإن دارت بينهم الفتن، لزم بيته وكف لسانه ويده ولم يهو ما هم فيه، ولم يعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله" "الشريعة ص(37)
وقال سهل بن عبد الله التستري- رحمه الله تعالى : "... وقيل له متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا عرفت من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعة. ولا يسب أصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم- ولا يخرج علي هذه الأمة بالسيف... ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو عدل" "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"ص(182،183) والنقل عن"النقول الواضحة..."لأحمد التويجري ص(33) بتصرف.
ومن ذلك : نقل الإجماع على حرمة الخروج على الولاة، وإن كانوا فسقة ظلمة : وفيه :
قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى: "وأما الخروج عليهم، وقتالهم، فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين" "شرح صحيح الإمام مسلم"(12/229)
السابعة عشر : الإتحاف بقول شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى : " وأما أهل العلم والدين والفضل،فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهمبوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديماً وحديثاً ومنسيرة غيرهم" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (35/12)
وقول العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى: "وهذا كالإنكار على الملوك والولاة، والخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر" "القطبية هي الفتنة فاعرفوها"ص (34)
الثامنة عشر : بيان الجرم في قوله : " وإذا استشرى الفساد وجب الخروج على الحاكم" فأي دليل موجب، وقد تقدم ألا دليل مبيح، وقد جاء بالحذر، ليأتي يوم القيامة حاملا وزر قوله وأثره، وهو عظيم .. عظيم
وبعد .. هذا غيض من فيض، في نصوص بلغت حدّ التواتر، ومن ثم إجماعات وآثار قاضية بخلاف قضاء هؤلاء الجهلة، وإن تعجب فاعجب – وحق لك ذلك- أن من المتكلم بذا ولاة أمر، وهو المشار إليهم بـ (...) فهل يخرج عليهم؟! وهل يقبلون؟!
لأجل ذلك ترجمت "النشوز([10]) للشواذ" أخذا بأيديهم وعلى أيديهم، احتسابا واتباعا؛ سلامة للأبدان وصيانة للأديان .
هذا– ومراعاة مني للوقت رأيت الإسراع([11]) مع الاختصار قدر الإمكان- والله تعالى الموفق وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل .
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
عامله الله تعالى بلطفه وبالغ فضله
في : 12/2/1432هـ 16/1/2011م
-----------------------------------------------
([1]) ففي "الصحيح" عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما-عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"رواه الإمام البخاري(7144) والإمام مسلم (1839)
وقال القرطبي- رحمه الله تعالى : قوله ( على المرء المسلم...) ظاهرٌ في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولاً واحداً" "المفهم"(4/39)
([2]) ولا يظنن ظان أن هذه هفوة منه، بل هي منهج شاذ تبنّاه، إذ قال في كتابه "من قضايا المرأة" ص(15) : من جهة المقارنة بين الحديث والقرآن فما وافق القرآن من أحاديث إعتمدناه وأخذنا به لأن القرآن هو المعول عليه..." إهـ
([3]) عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" "صحيح الجامع..." برقم(7520)
([4]) كما ثبت في صحيح الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- من حديث ابن عمر-رضي الله تعالى عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من جاءكم وأمركم جميعاً على رجل واحد يريد أن يشق عصا اجتماعكم فاضربوا عنقه كائناً من كان» وفي رواية «فاقتلوه» .
([5]) قرر د. أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الفيصل في مثل هذه الحالات قوله صلى الله عليه وسلم «أنتم أدرى بشئون دنياكم»، والمثل العربي القائل "أهل مكة أدرى بشعابها" [من هنا]
([6]) بل هي كما نقل الحافظ ابن كثير-رحمه الله تعالى- عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه- قوله تحتها : "أكثر آية في القرآن فرجا"
([7])إذا ذكر هذا ذكرنا قول : ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – في "مجموع الفتاوى" أن ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان " انظر "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (30/134-135) ونسب هذا القول إلى بعض العقلاء مقراً لهم، وهو كذلك
([8]) قال الشيخ الفوزان- حفظه الله تعالى : "شحن الغل والحقد على ولاة الأمور في قلوب العامة، هو من عمل المفسدين والنمامين الذين يريدون إشاعة الفوضى وتفكيك المجتمع الإسلامي، وقد حاول المنافقون قديماً مثل هذا عند ما أرادوا أن يفصلوا المسلمين عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ليفككوا المجتمع، وقالوا " لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" فمحاولة الفصل بين الراعي والرعية هي من عمل المنافقين، المفسدين في الأرض، الذين"إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" والناصح لأئمة المسلمين وعامتهم على العكس من ذلك، فهو يسعى في تحبيب الرعاة إلى الرعية، وتحبيب الرعية إلى الرعاة، وجمع الكلمة، وتجنيب كل ما يفضي إلى خلاف" "الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة"للشيخ الفوزان ص(132-133)
([9]) الحالقة: الخصلة التي من شأنها أن تحلق، أي: تهلك وتستأصل الدين، كما يستأصل الموس الشعر" "النهاية في غريب الحديث"(226)
العقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم...ثم اتسع حتى استعمل في القتل والهلاك" "لسان لعرب"(9/313)و"النهاية"ص(630)
([10]) النشوز : مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع منالأرض . يقال : نشز الرجل ينشز وينشز إذا كان قاعدا فنهض قائماً؛ ومنه قوله عز وجل : "وإذا قيل انشزوافانشزوا "أي ارتفعواوانهضوا إلى حرب أوأمر من أمورالله تعالى" قاله القرطبي – رحمه الله تعالى- في جامعه تحت آية "الرجال قوامون على النساء"
([11]) هذا بعد ساعة من وصول النبأ، والله تعالى المسؤول الهداية للمسلمين والتوفيق لولاة أمورهم .