خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    "الإعتماد على الإسناد" لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة -حفظه الله تعالى

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية "الإعتماد على الإسناد" لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة -حفظه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 02.11.10 17:48



    "الإعتماد على الإسناد" لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة -حفظه الله تعالى 57417916

    "الإعتماد على الإسناد" لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة -حفظه الله تعالى 77452274

    للتحميل : اضغط هنــــــــــا
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "الإعتماد على الإسناد" لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة -حفظه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 02.11.10 17:55

    الاعتماد على الإسناد
    ( الدليل في مواجهة التأريخ والتأويل )


    المقدمة : وفيها الباهث على الطرح





    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :



    " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "سـورة "آل عمران " الآيـة (102).



    " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " سـورة " النسـاء" الآيـة (1) .



    " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " سـورة "الأحزاب" الآيـة (70-71).

    أما بعد



    وضعت هذه الأحرف : تذكيرا لأهل الدليل وتبشيرا، وتنبيها لأرباب التأويل الباطلوتحذيرا، وأعني بهم الباطنية : التصوف والتشيع([1]) وأشياعهما، الذين تمخضوا بباطل أذواقهم، وافتراء رواياتهم؛ فأحبلهم انحرافا، وأورثهم ضلالا فإضلالا .



    وضعتها : احتسابا، وانتصارا للدليل، للصلة التلازمية بين صحة الإسناد – غالباً- وصحته، قال أمير المؤمنين في لحديث شعبة بن الحجاج – رحمه الله تعالى : " إنما يعلم صحة الحديث بصحة الإسناد" " التمهيد" (1/ 57)



    وعملاً بما قاله عبد الرحمن بن أبي حاتم – رحمه الله تعالى : "فلما لم نجد سبيلاً إلىمعرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا من جهةالنقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبتوالإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديثالكاذبة" "مقدمة الجرح والتعديل" (1/5)



    ولما كان العلم الشرعي هو رزق الدنيا والآخرة، هو الهدى والنور "لا يعدله شيء لمن حسنت نيته" كما قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- ولا يكون شرعياً مقبولا، لا بشرطيه الإخلاص والمتابعة، فإذا ما خلص من عوائق الابتداع وعلائقه, وسلم من دسائس المخرفين ووساوسهم، وكان وفق عمل الأوائل الأماثل، كان مقبولاً ميموناً .



    وسبيل ذلك : رواته، حملته، نقلته، أهل الدليل، أهل السنة، أهل الحديث والأثر؛ ومن ثم قامت الحاجة في كل عصر ومصر إلى التنقيب للتحقيق والتدقيق، احتسابا واستصلاحا .



    قال حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر - رحمه الله تعالى : "ولو أغفل العلماء جمع الأخبار، وتمييز الآثار، وتركوا ضم كل نوع إلى بابه، وكل شكل من العلم إلى شكله لبطلت الحكمة، وضاعالعلم ودرس، وإن كان لعمري قد درس منه الكثير بعدم العناية، وقلة الوعاية،والاشتغال بالدنيا والكَلَبِ عليها، ولكن الله عز وجل يبقي لهذا العلم قوماً - وإنقلوا - يحفظون على الأمة أصوله، ويميزون فروعه، فضلاً من الله ونعمة، ولا يزالالناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم منه الآخِر" .



    ومن ها هنا دعت حاجة أرباب العلم إلى صحة الإسناد بالمعنى العام : إلى النبي - إلى إمام- إلى كتاب .



    فصل :
    " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله "



    قال الله تعالى : "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" سورة "آل عمران" الآية(18) ولا يشتشهد الله تعالى إلا بعدل.



    وهذا المفهوم، أما المنطوق، فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" صححه العلامة الألباني في "المشكاة" برقم(248)



    هذا .. وقد أحسن أيما إحسان العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى([2]) في بيان فضل العلم وشرفه، وبيان عموم الحاجة إليه، وتوقف كمال العبد ونجاته في معاشه ومعاده عليه، حيث قال :



    "استشهد سبحانه بأولي العلم على أجلّ مشهود عليه وهو توحيده فقال "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم" سورة "آل عمران" الآية (18) وهذا يدلّ على فضل العلم وأهله من وجوه :



    منها : استشهادهم دون غيرهم من البشر، اقتران شهادتهم بشهادته، اقترانها بشهادة ملائكته، أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم؛ فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول، ومنه الأثر المعروف عن النبيصلى الله تعالى عليه وآله وسلم : "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للعلامة الألباني(1/485) وهذا يدلّ على اختصاصهم به، وأنهم أهله وأصحابه ...



    أنه سبحانه استشهد بنفسه وهو أجلّ شاهد، ثم بخيار خلقه: وهم ملائكته والعلماء من عباده، ويكفيهم بهذا فضلاً وشرفاً .



    أنه استشهد بهم على أجلً مشهود به وأعظمه وأكبره وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والعظيم القدر إنما يستشهد على الأمر العظيم أكابر الخلق وساداتهم .



    أنه سبحانه جعل شهادتهم حجة على المنكرين، فهم بمنزلة أدلته وآياته وبراهنيه الدالّة على توحيده .



    أنه سبحانه نفي التسوية بين أهله وبين غيرهم كما نفى التسوية بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فقال تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"سورة"الزمر"الآية(9) كما قال تعالى : " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" سورة "الحشر" الآية(20) وهذا يدلّ على غاية فضلهم وشرفهم



    أنه سبحانه أخبر عن أولى العلم بأنهم يرون أن ما أنزل إليه من ربه حقاً وجعل هذا ثناء عليهم، واستشهاداً بهم فقال تعالى : "ويرى الذين أوتو العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق" سورة "سبأ" الآية (6)



    أنه سبحانه أمر بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم، وجعل ذلك كالشهادة منهم، فقال : "وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"سورة "النحل" الآية (43) وأهل الذكر هم أهل العلم بما أنزل على الأنبياء .



    أنه سبحانه شهد لأهل العلم شهادة في ضمنها الاستشهاد بهم على صحة ما أنزل الله على رسوله، فقال تعالى : " أفغير الله ابتغى حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزّل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين" سورة "الأنعام" الآية (114)



    أنه سبحانه سلّى نبيه بإيمان أهل العلم به، وأمره أن لا يعبأ بالجاهلين شيئاً، فقال تعالى : "وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين اوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا"سورة "الإسراء "الآية(106-108) وهذا شرف عظيم لأهل العلم، وتحته أن أهله العالمون قد عرفوه وآمنوا به وصدقوا، فسواء آمن به غيرهم أو لا .



    أنه سبحانه مدح أهل العلم وأثنى عليهم وشرفهم بأن جعل كتابه آيات بينات في صدورهم، وهذه خاصة ومنقبة لهم دون غيرهم فقال تعالى: "وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون * وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ما يجحد بآياتنا إلا الظالمون" سورة "العنكبوت" الآية (47-49)



    أنه سبحانه أمر نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-أن يسأله مزيد من العلم فقال تعالى : "فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني([3]) علما" سورة"طه"الآية(114) وكفى بهذا شرفاً للعلم أن أمر نبيه أن يسأله المزيد منه .



    أنه سبحانه أخبر عن رفعة درجات أهل العلم والإيمان خاصّة فقال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات([4]) والله بما تعملون خبير" سورة "المجادلة" الآية (11)



    وأنه سبحانه استشهد بأهل العلم والإيمان يوم القيامة على بطلان قول الكفار فقال تعالى : "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون"سورة "الروم" الآيتان(55-56)



    وأنه سبحانه أخبر أنهم أهل الخشية فقال تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور"سورة"فاطر"الآية(28) وقال تعالى : "جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه" سورة"البينة"الآية(8)

    وقد أخبر أن أهل خشيته هم العلماء، فدلّ على أن هذا الجزاء المذكور للعلماء بمجموع النصين.

    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار بالله جهلاً" .



    أنه سبحانه شهد لمن آتاه العلم بأنه قد آتاه خيراً كثيراً فقال تعالى : " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً" سورة "البقرة" الآية(269)



    قال ابن قتيبة والجمهور : "الحكمة : إصابة الحق والعمل به، وهي العلم النافع والعمل الصالح"



    أنه سبحانه عدد نعمه وفضله على رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- وجعل من أجلها أن آتاه الله الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم فقال تعالى : "وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً" سورة "النساء" الآية(113) قال تعالى : "

    قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني([5])" سورة"فصلت"الآية(33)



    فهؤلاء خلفاء الرسل حقاً، وورثتهم دون الناس، وهم أولو العلم الذين قاموا بما جاء به علماً وعملاً وهدايةً وإرشاداً وصبراً وجهاداً، وهؤلاء هم الصديقون، وهم أفضل أتباع الأنبياء""مفتاح دار السعادة" للعلامة ابن القيم (1/293)

    فصل :
    الحديث – قسيم الوحي- إن صحّ؛ فهو حجة في ذاته
    - وهو فرع عن عاليه -





    قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى - في "صحيحه" كتاب أخبارالأحاد "باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق فيالصلاة والصوم والفرائض والأحكام"

    وقوله تعالى : "فَلَوْلانَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوافِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْيَحْذَرُونَ" سورة "التوبة" الآية(122)

    ويسمى الرجلطائفة لقوله تعالى : "وَإِنْطَائِفَتَانِ مِنَالْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا..." سورة "الحجرات" الآية(9)فلو اقتتل رجلان دخل في معنى الآية

    وقوله "يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا إِنجَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا..." الآية سورة "الحجرات" الآية[6] وكيف بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراءه واحداً بعد واحد فإنسها أحد منهم رُدَّ إلى السنة .



    قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-تحت هذه الترجمة : وقد شاع عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد منغير نكير فاقتضى الإتفاق منهم على القبول""الفتح" (13-234).

    وقال حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر – رحمه الله تعالى: "إِنجَاءَكُمْفَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وقرئت( فتثبتوا) فلو كان العدل إذا جاء بنبأ يتثبت في خبره ولم ينفذ لستوى الفاسق والعدلوهذا خلاف القرآن قال عز وجل ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ " "التمهيد..."(8/371) .



    وقال الإمام أبو محمد ابن حزم- رحمه الله تعالى : "ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه :

    إما تثبت الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه .

    وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر معراويه فوهم فيه فلان .

    وإما بأن توجب المشاهدة بأنه اخطأ" "الإحكام فيأصول الأحكام" (1-114)

    وقالالإمام أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: "إِنجَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا" في هذه الآية دليل على قبول الخبر الواحد إذا كان عدلاً،لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق، ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبارإجماعاً، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها" "الجامع لأحكام القرآن" (17-213)

    وقال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند هذه الآية : "يأمر تعالى بالتثبت عند نقلخبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطاً فيكونالحاكم بقوله قد اقتفى وراءهُ، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هناامتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لإحتمال فسقه في نفس الأمر" "تفسير القرن العظيم"(3-252)

    وقال العلامة السخاوي – رحمه الله تعالى- في قولهتعالى ( يا أيها الذين آمنوا إنجاءكم فاسقبنبأ فتبينوا ) : فأوجب التثبت عند وجود الفسق فعند عدم الفسق لايجب التثبت فيجب العمل بقوله وهو المطلوب" "فتح المغيث"(1/326)

    وقال العلامة الشنقيطي – رحمه الله تعالى - عند هذه الآية من تفسيره: "وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين :

    ألأول منهما : أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته، وهل ماقاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت .
    الثاني : هو ما استدل عليه أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قولهتعالى : "إِنجَاءَكُمْفَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا" يدل بدليلخطابه أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبإٍ إن كان غير فاسق بل عدلاً لا يلزم التبينفي نبئه على قراءة ( فتبينوا) ولا التثبت على قراءة ( فتثبتوا) وهو كذلك" "أضواء البيان..." (7/627) ط. دار الباز بمكة المكرمة .

    وقال العلامة المعلمي – رحمه الله تعالى: "وقد بين الكتاب والسنة وجوب أن يقبل خبر العدل وقرن الله تعالى تصديقه بالإيمانبه سبحانه قال تعالى في ذكر المنافقين : ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ كلما أخبره أحد من الصحابة عنا بشرٍ صدقه، قال الله تعالى : ﴿قُلْ أُذُنُخَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: يصدقهم، وقال سبحانه : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا إِنجَاءَكُمْ فَاسِقٌبِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾فبين سبحانه أنخبر الفاسق مناف لخبر العدل، فمن حق خبر العادل أن يصدق كما صرحت به الآية الأولى، ومن حق الفاسق أن يبحث عنه حتى يتبين أمره" "الأنوار الكاشفة" (1-77)

    وقال العلامة الألباني – رحمه الله تعالى : " قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنجَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍفَتَبَيَّنُوا" وفي الأخرى [ فتتبتوا] فإنهاتدل على أن العدل إذا جاء بخبر ما فالحجة قائمة به، وأنه لا يجب التثبت بل يؤخذ بهحالاً .

    ولذلك قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى- في "إعلام الموقعين"(2/394) : "وهذا يدل على الجزمبقبول خبر الواحد وأنه لا يحتاج إلى التثبت ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبتحتى يحصل العلم" "الحديث حجة بنفسه"(1/57)

    وأختم هذا المبحث بقول الإمام أبي محمد ابن حزم- رحمه الله تعالى : "ومن كان عدلاً في بعض نقله فهو عدل في سائره، ومنالمحال أن يجوز قبول بعض خبره ولا يجوز قبول سائره إلا بنص من الله أو إجماع فيالتفريق بين ذلك وإلا فهو تحكم بلا برهان وقول بلا علم وذلك لا يحل" "الإحكام من أصول الأحكام" (1/119)
    فصل :
    ذكر بعض الأدلة الداعية إلى التثبت من الأخبار الشرعية، فكيف المرويات التأريخية ؟



    بين يديها، أقول : تمتلك أمتنا أعظم منهاج في تنقيح الأخبار وتدقيق المرويات، وقد شيد هذ الصرح العتيق المتين أئمة كبار كرام، كيف لا، وهو أهل التقوى والتوفيق، فضلاً عن كونه داخل في عموم قول الله تعالى : "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" سورة "الحجر" الآية(9)



    أسس هذا المنهاج العظيم – كما أسلفت- على أسس قوية قويمة، وضوابط علمية دقيقة؛ ماتعة مانعة، لا لبس فيها ولا غموض، حمله رجال أتقياء أمناء فطناء، أية في الحفظ والضبط ، مع ما رزقوا من صحة فهم وحسن قصد([6]) .



    ففي باب الراوي والمروي، تراهم قد ميزوا بين الثقات والمجروحين من الرواة، والصحيح والضعيف من المرويات، بكل تثبت وتوثيق، وصدق وإنصاف، بعيداً عن الأهواء الردية، والآراء البدعية، والتعصبات المذهبية .



    الأمر الذي استنطق العلوج، فقالوا : "فليفرح المسلمون ما شاءوا بعلوم حديثهم"



    ذكر الأدلة القاضية بوجوب التثبت من الأخبار :



    أولاً : في قول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا([7]) أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" سورة "الحجرات" الآية(6) .



    قلت : والآية قاضية بوجوب التثبّت من الأخبار- ولا سيما المتعلقة منها بالعامة - والتأني قبل التبني، بتصديق الأنباء فالبناء عليها، خشية الهدم على الرؤوس، أو زلة النكوس .



    قال العلامةالسعدي – رحمه الله تعالى : " والتثبُّت في سماع الأخبار،وتمحيصها ونقلها وإذاعتها، والبناء عليها : أصل كبير نافع، أمر اللهُ به ورسولُه" "الفتاويالسعدية" ص(66).



    ولقد كانت عاقبة التسرُّعفيها مذمومة، وآفةُ ذلك معلومة، ولذا فمن " التثبت : الأناة وعدم العجلة والتبصر فيالأمر الواقع والخبر الوارد، حتى يتضح ويظهر" "فتح القدير..." للشوكاني(5/60) .



    ثانياً : قال الله -عز وجل : " وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً " سورة "الإسراء" الآية(36) .



    قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية : " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما : يقول : لا تقل .

    وقال العوفي عنه : لا ترم أحدًا بما ليس لك به علم .

    وقال محمد ابن الحنفية : يعني شهادة الزور .

    وقال قتادة : لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإنَّ الله تعالى سائلك عن ذلك كله" "تفسير القرآن العظيم"



    ثالثاً : قول الله - سبحانه وتعالى - قال في كتابه : ( وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) سورة "الجاثية" اية(7)
    والأفاك : هو ذو الإفك، والإفك : هو الكذب، وفيه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في المقدمة "صحيح الجامع برقم(4482) .

    ورتب عليه التأثيم والتجريم، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" "السلسلة الصحيحة" برقم(2025)



    وقال المناوي- رحمه الله تعالى : " أي إذا لم يتثبت؛ لأنه يسمع عادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب" "فيض القدير"(5/2) والكذب : الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد؛ لكن التعمد شرط الإثم .



    رابعاً :أن النبي - صلى الله عليه وسلم-حذرنا من وجود الدجالين الذين يكذبون عليه - صلى اللهعليه وسلم –كما في المسند ومقدمة صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال :" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم" "صحيح الجامع" برقم (8151)الأمر الموجب للتثبت والتوثيق.



    خامساً :قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بئس مطية الرجل زعموا " "السلسلة الصحيحة" برقم(866) .



    قالالعظيم آبادي - رحمه الله تعالى : " ( بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل ) : الْمَطِيَّة بِمَعْنَىالْمَرْكُوب ( زَعَمُوا) : الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ أَيْ أَسْوَأ عَادَةلِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده فَيُخْبِر عَنْأَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب"قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ .



    وقال الخطابي - رحمه الله تعالى : "... وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه, وإنما هو شيء حكي عن الألسن على سبيل البلاغ, فذم النبي - صلى الله عليه وسلم- من الحديث ما كان هذا سبيله, وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك فلا يردونه حتى يكون معزياً إذا ثبت ومروياً عن ثقة "

    " ... والمقصود أن الإخبار بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح, بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت, ويكون على ثقة من ذلك لا مجرد حكاية على ظن وحسبان . وفي المثل : " زعموا : مطية الكذب ..." "عون المعبود" (13/215).



    سادساً : وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " التأني من الله والعجلة من الشيطان" "السلسلة الصحيحة" برقم(1795) وهذا ظاهر، كتاليه .

    سابعاً : وما جاء في الأثر عن أبي سعيد الحسن البصري – رحمه الله تعالى : "المؤمن وقاف حتى يتبين" "مجموع الفتاوي" لشيخ الإسلام ابن تيمية"(10/382) .




    ([1]) ومن الأدلة على تهاون الرافضة بالأسانيد والرواية وتلاعب الرواة ما ورد في "الكافي" : " قلت لأبي عبد الله ع أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال : فإن كنت تريد معانيه فلا بأس .
    قلت لأبي عبد الله ع الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك ؟ قال : سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحبّ إليّ .
    إذا حدثتكم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقّاً فلكم وإن كان كذباً فعليه .
    الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولايقول اروه عني يجوز لي أن أرويه عنه قال فقال : إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه .
    جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم ولم تُروَ عنهم فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا فقال : حدثوا بها فإنها حق" "الكافي" باب رواية الكتب والحديث(1/51-52-53) .



    ولقد تمت صناعة الأسانيد للروايات بأسماء رجال لا وجود لهم قال السيد أبو طالب وهو من أئمة الشيعة الزيديّة يقال له (الناطق بالحق) : "إن كثيراً من أسانيد الإثني عشرية مبنيّة على أسماء لا مسمى لها من الرجال . قال : وقد عرفت من رواتهم المكثرين من كان يستحلّ وضع الأسانيد للأخبار المنقطعة إذا وقعت إليه .

    وحُكي عن بعضهم أنه كان يجمع روايات "برزجمهر" وينسبها للأئمة بأسانيد يضعها . فقيل له في ذلك فقال : " ألحق الحكمة بأهلها! ""الحور العين" لنشوان الحميري ص(153)

    يقول الشعراني في "مقدمته لكتاب شرح جامع على الكافي للمازندراني" : " إن أكثر أحاديث الأصول في الكافي غير صحيحة الإسناد ولكنها معتمدة لاعتبار متونها وموافقتها للعقائد الحقّة ولا ينظر في مثلها إلى الإسناد" مقياس الهداية" (2/282)

    وقال القمي – أخمد الله تعالى ذكره- في كتابه "القوانين" : بأن "الأخبار الموجودة في كتبنا ما يدل على أن الكذّابة والقالة قد لعبت أيديهم بكتب أصحابنا وأنهم كانوا يدسون فيها" "القوانين"(2/222)

    قال محمد باقر المجلسي : " فإننا لا نحتاج إلى سند لهذه الأصول الأربعة، وإذا أوردنا سنداً فليس إلا للتيمن والبركة والإقتداء بسنة السلف!!" "رسائل أبي المعالي عن المجلسي" ص(459)




    ([2]) "مفتاح دار السعادة" للعلامة ابن القيم في "العلم" بتصرف


    ([3]) وفي قوله تعالى:"وقل ربي زدني علماً" واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله تعالى لم يأمر نبيه بطلب الازدياد من شيء إلا العلم" انظر "الفتح"(1/141)


    ([4]) في قوله تعالى : "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" قال الحافظ رحمه الله تعالى : "قيل في تفسيرها : يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم، ورفعة الدرجات تدلّ على الفضل... ورفعتها تشمل المعنويّة في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، والحسيّة في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة" انظر "الفتح" للحافظ ابن حجر (1/141)


    ([5]) قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى : "والدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أمتهم، والناس تبع لهم" "بدائع التفسير" (4/103) بتصرف


    ([6]) قال العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى : "صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة .

    وصحة الفهم : نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد .

    ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى" "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (1/86)



    وفيه قول أبي الطيب المتنبي – عفا الله تعالى عنه :
    وكم من عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
    ولكن تأخذ الأذهان منه *** على قدر القرائح والعلوم






    ([7]) قال الشيخ عبد الفتاح بن عبدالغني القاضي - رحمه الله تعالى : " قرأ حمزة والكسائي : ( إن جائكم فاسق بنبأ فتثبتوا ) فيسورة الحجرات، وقرأ الباقون بـ ( فتبينوا ) وقراءة حمزة والكسائي مأخوذة من الثبت[b:a

      الوقت/التاريخ الآن هو 23.11.24 16:38