من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 03.05.10 16:55
بعد البسملة والحمدلة والحوقلة، أقول : قال تعالى : "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً" سورة "الإنسان"الآيتان(8-9) وفي "الصحيح" عن معاذ بن أنس - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال "من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأنكح لله، فقد استكمل إيمانه" "صحيح الترغيب والترهيب" برقم (3028)ومما سبق - من دلالة الآية والحديث- ألج لبث حزني الباعث إلى استحلاب نصحي، بالحجاج دون فجاج و لا لجاج، مداره فلك المعاملات، ومعاملاتنا تعاطي، قائمة على الصدق والبيان، قوامها الاحتساب والاحسان، كما لا يخفى على إنسان .نصحنا في باب تعلقه بتجريد التوحيد من جهة، وتجويد وحدتنا من جهة أخرى، تخصيصاً في العطاء في الاجتماعيات وأثره .إذ قامت في أيامنا الفقيرة، عادة عليلة بل هي غيلة، أصابت عقائدنا وأعراقنا وأعرافنا، بعد أن جرحت مروءتنا وخدشت كرامتنا . طفحت في الأفراح والأتراح إذ يتزاور الناس ويتأزرون غير أن بعضهم – وآسفاه- يحصون ما عليه يحصلون، يرمقونه ويرقمونه، ويكون بمثابة دين موجب للقضاء! وإلا المقاطعة بعد المنّ والتشهير([1]) والقضاء!!!
أجل .. إن لم يكن وفاء كان الاستيفاء بلا حياء، استيفاء يلحق العار بالطرفين، ونحصد مرّه مسترجعين .ما هذه الأخلاق([2])؟! أهذه أخلاق المؤمنين، وما يجب أن يكون عليه سلوك المسلمين!!!
لقد قال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل([3]) وسوء الخلق"
"صحيح الترغيب والترهيب" برقم (2608)وقال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "إن الأشعريين إذا أرملوا ( نفذ زادهم ) في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم مني وأنا منهم" "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/1582)وروى الإمام البخاري – رحمه الله تعالى- في "الأدب المفرد" عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه- يقول للناس : "نحن أعرف بكم من البياطرة بالدواب، قد عرفنا خياركم من شراركم، أما خياركم فالذي يرجى خيره ويؤمن شره . وأما شراركم فالذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره …""الأدب المفرد" برقم (159) وانظر "صحيح الأدب المفرد" برقم (119) وقد صحّ مرفوعاً عن النبي – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم - قال : "ألا أخبركم بخيركم من شركم، خيركم من يُرجى خيره، ويُؤمن شرّه، وشركم من لا يُرجى خيره، ولا يُؤمن شرّه""صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/2603)نعم .. إن النفس مجبولة على حب المال، ولكن أن يكون هذا الحب مانعاً من تزكيته، حائلاً عن بذل فضله، أو الانشغال به عن عبادة ربه، ثم حقوق خلقه، فلا .أبت النصوص والآثار الإقرار، وشهدت في سمو لسلفنا بالترفع والعلو، فروى الإمام البخاري – رحمه الله تعالى- في "الأدب المفرد" عن محمد بن زياد أنه قال : " أدركت السلف وإنهم ليكونون في المنزل الواحد بأهاليهم، فربما نزل على بعضهم الضيف، وقِدْرُ أحدهم على النار، فيأخذها صاحب الضيف لضيفه، فيفقد القدرَ صاحبُها، فيقول : من أخذ القدر؟ فيقول صاحب الضيف : نحن أخذناها لضيفنا، فيقول صاحب القدر : "بارك الله لكم فيه" أو كلمة نحوها . قال بقية ، قال : محمد : والخبز إذا خبزوا مثل ذلك" انظر "صحيح الأدب المفرد" برقم (567) وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى : "… والله لقد رأيت أقواماً كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه، ولقد رأيت أقواماً يمسي أحدهم ولا يجد عنده إلا قوته، فيقول : لا أجعل هذا كله في بطني، فيتصدق ببعضه، ولعله أجوع إليه ممن يتصدق به عليه" انظر "سير أعلام النبلاء" لمؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي (4/585)لقد كانوا – أعني سلفنا الصالح- يعتقدون أن لآحادهم حق في مال أخيه ([4]) بل كانوا يؤثرونهم على أنفسهم، وكانوا – مع ذا- يخفون صنائعهم، لكونهم يرجون الله تعالى، ويطمعون فيما عنده
– سبحانه([5]) .
" كانوا يودّون أنهم لو انخلعوا من أموالهم كلها لله تعالى" "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/1374)كانوا - رضى الله تعالى عنهم – إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله تعالى .له في ذوي المعـروف نُعمَى كأنـه *** مواقـع مـاء القَطْر في البـلد القَفْـرِ
إذا مـا أتـاه السائلـون لحاجـة *** علته مصابيـح الطلاقـة والبشـر"
"روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" لأبي حيان البستي ص (254)
آخر :
مات الكرام ومرّوا وانقضوا وماتوا *** ومات من بعـدهم تلك الكرامـاتوخلفـوني في قـوم ذوي سـفه *** لو أبصروا طيف ضيف من الكرى ماتوا" "من شعر أبي المفاخر الحسن بن أبي القاسم "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير (12/254) وقالوا فيما قالوا بيانا لحقيقة الأخوة الإسلامية ودفعا ورفعا لفتنة الدرهم والدينار الرديّة : "حقيقة المحبة أنها لا تزيد في البر ولا تنقص بالجفاء" في آثار .أما اشتعال عادة معتدية؛ تحيل المودة عداوة، وتلحق الخزي في المعاملة، والذلّ إن لم تكن معاوضة!([6]) وقد تأد معها روابط التواصل، الأمر المورث تدابراً وتباغضا، الموجب مع الوهن سخط الله تعالى؟! فلا ثم لا، هذا الذي ننكره ولا نقرّه ونتبرأ منه .
ولا يظنن ظان أن أمر أولئك يسير، بل هو خسير، على النفس عسير، و "ليس الخبر كالمعانية" .كيف .. وقد تعدى هذا الخلق النفعي من عموم الناس إلى خواصهم! بيد أنه أخذ صورا متغايرة بحسب غارة المعتقدات، ومغارات الانتماءات، وتغيّر المسميات!!! .فنشأت حزبياتّ وشبّت عصبيات؛ فرقت وحدتنا، وحدّت جمعيتنا، قصرت ولاءها وعطاءها على أتباعها([7]) وحجرته على انتماءاتها، وخصته في أسمائها
([8]) في الوقت الذي منعته أربابه؛ غاضة الطرف عن الأمر والنهي، وحقيقة الولاء والبراء، بل ورحمة الخلق؛ ليزداد الخرق ويفحش الخطب .
أبذا تشكر النعم؟!([9]) إن الفطن من عباد الله هو الذي يستشعر نعم الله تعالى عليه، فأحب المنعم لإحسانه، وحببه إلى خلقه بحسن فعاله وعظيم امتثاله، إذ سعى في شكرها بجوارحه بُعيد جنانه، فهذا من سعادة المرء وعنوان فلاحه وسبب رئيس في الزيادة والريادة "ولئن شكرتم لأزيدنكم" وفضل الله تعالى واسع .
ومع ذلك كله نقول كما قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى "شكرك لا يساوي قدر قوتك" "بدائع الفوائد" للعلامة ابن القيم (2/3/189)وعن تأثير الشكر – بشموله- على الوفاق والشقاق، الاجتماع والافتراق، قال– صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة، والفرقة عذاب" "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/3014)وصفوة القول، والقول الصفو : أنه ينبغي على المسلم أن يكون متبعاً مخلصاً، مبتغياً في عطائه ومنعه وجه الله – تعالى- طامعاً في ثوابه، راغباً في عطائه وجوده وكرمه هناك، أحوج ما يكون العبد إلى الجزاء.هذا الإجمال، أما التفصيل مع شيء من التدليل، فأقول : لقد أيقنّا - كما استيقن غيرنا- أن هذه الأمة متقدمة في الفضائل والمآثر، ممتازة بالمحامد، وما ذاك إلا بفضل الله عليها بالبعثة النبوية المباركة، فكانت بها "خير أمة أخرجت للناس" ولا زالت، وستظل .وهذه الخيرية خيرية عامة في جميع مناحي الحياة - ومنها المعاملات- وفيما يخص السمو بشقيه : الروحي والبدني .إن صنائع المعروف، وبذل الندى، ومساعدة المحتاج، وسدّ الحاجات، مع كونها من متعلقات الخيرية، ومفردات الأوامر الشرعية؛ هي كذلك دعائم تسمو بها الأنفس وتصلح المجتمعات، وتتنزل البركات وتستجلب رضى رب الأرض والسماوات .والمسلمون عُرِفَ عنهم أنهم غيوث الكرب، والرفد في الجدب، هم أهل الشيم من حياء وكرم ووفاء ومروءة... إلخ في الجملة : هم رواد كل فضيلة، ومقدم كل كريمة، وأحق الناس بها وأهلها .كيف .. وقد أشارت النصوص وأشادت بالمؤمنين الكُمّل، ووصفتهم بالرأفة بإخوانهم والرحمة بهم وبكونهم هيّنين ليّنين، متعاطفين متوادين، من ذلك : قول الله تعالى : " أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ " سورة "الفتح" الآية(29) وقوله سبحانه : " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" سورة "المائدة" الآية(54) وقول رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "المؤمنون هينون لينون ..." "صحيح الجامع" برقم(6669) .وقال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "خاب عبدٌ وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر" "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/3205)ذلك إن التراحم والتواد والتعاطف مقاصد حثت عليها الشريعة؛ لما في ذلك من صلاح للمجتمعات وشيوع الوئام وذيوعه بين أفرادها، ومتى ما سادت مثل هذه الأخلاق العليا بين أفراد مجتمعنا الإسلامي – العظيم- ساد لسيادتها أفراده وتحقق فينا المجتمع الرباني القائم بحق الله وحق عباده وحق النفس، وساعتئذ تتنزل البركات، وسيأتي .آية وتأويل : قال الله سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" سورة "فاطر" الآية(15) وفيها قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى : "يبيّن الله في هذه الآية أن فقر العباد أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم كما أن كونه غنياً حميداً ذاتي له، فغناه وحمده ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت لذاته لا لأمر أوجبه … كما قال شيخ الإسلام والفقر لي وصف ذات لازم أبداً *** كما الغنى أبداً وصف له ذاتي والمقصود : أن الله سبحانه أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم، بأنها فقيرة إليه – عزّ وجلّ، كما أخبر عن ذاته المقدسة وحقيقته أنه غني حميد..." بتصرف من "طريق الهجرتين" للعلامة ابن القيم ص(3)قلت : ومن مقتضيات ربوبيته – تعالى- أنه سبحانه يعطي ويمنع لحكمة بالغة وإرادة نافذة، وقدرة قاهرة غالبة، يعطي فضلاً، ويمنع عدلاً – سبحانه وبحمده .آية وتأويل : قال الله تعالى : "... وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ" سورة "البقرة" الآية(272)يقول العماد ابن كثير – رحمه الله تعالى : " أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله، فقد وقع أجره على الله([10])"
"تفسير الحافظ ابن كثير"(1/331) دار المؤيد، وينظر ما قاله الحافظ في "الفتح" (5/367)آية وتأويل : وفي قوله تعالى : " َلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" [البقرة : 237] قال الحافظ ابن كثير– رحمه الله تعالى : "أي : الإحسان، قاله : سعيد، وقال الضحاك وقتادة والسدي وأبو وائل : المعروف، يعني : لا تهملوه بل استعملوه بينكم، فإن كان عندك خير فعد به على أخيك ولا تزده هلاكاً إلى هلاكه؛ فإن المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يحرمه" بتصرف من "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (1/533-534) تحقيق الشيخ مقبل الوادعي – رحمه الله تعالى آية وتأويل : قال الله تعالى : " َأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى..." الآيات سورة "الليل" (5-11) قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى : " أخبر- تعالى- عن تفريقه بين عاقبة سعي المحسن وعاقبة سعي المسيء، فقال سبحانه "فأما من أعطى واتقى …" وذكر التيسير لليسرى ثلاث أسباب : أحدها : إعطاء العبد أي أعطى ما أمر الله به وسمحت به طبيعته، وطاوعته نفسه؛ وذلك يتناول إعطاءه من نفسه الإيمان والطاعة والإخلاص والتوبة والشكر، وإعطاء الإحسان والنفع بماله ولسانه وبدنه ونيته وقصده، فتكون نفسه نفساً مطيعة باذلة لا لئيمة مانعةفالنفس المطيعة هي النفس المحسنة التي طبعها الإحسان وإعطاء الخير اللازم والمتعدي، فتعطي خيرها لنفسها ولغيرها، فهي بمنزلة العين التي تنفع الناس بشربهم منها وسقي دوابهم وأنعامهم وزروعهم، فهم ينتفعون بها كيف شاءوا، فهي ميسرة لذلك، وهكذا الرجل المبارك ميسر للعطاء... وحقيقة اليسرى : أنها : الخلة والحالة السهلة النافعة الواقعة له، وهي ضدّ العسرى، وذلك يتضمن تيسيره للخير وأسبابه، فيجري الخير وييسر على قلبه ويديه ولسانه وجوارحه، فتصير خصال الخير ميسرة عليه مذللة منقادة لا تستعصي عليه ولا تستصعب؛ لأنه مهيأ لها، ميسر لفعلها، يسلك سبلها ذللاً، وتقاد له علماً وعملاً" أهـ بتصرف بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم/ جمعه: يسري السيد (5/240-244)آية وتأويل : في قول الله تعالى : " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" سورة "البقرة" الآية (177)قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى- في قوله " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ" : " أي في حال محبتك للمال، وحرصك عليه، وحاجتك إليه" "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (4/485) ط . دار المعرفة وقال شيخ المفسرين الإمام الطبري – رحمه الله تعالى : "يعني تعالى ذكره بقوله "وأتى المال على حبه" وأعطى المال على حين محبته إياه وضنه به وشحه عليه . ثم نقل قول ابن مسعود – رضي الله عنه - فيها " أي : يؤتيه وهو صحيح شحيح، يأمل الغنى ويخشى الفقر" "جامع البيان" للإمام الطبري (2/129) برقم (2083) وما ذكره ابن مسعود - رضي الله عنه- هو منطوق حديث رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر" "البخاري" كتاب الزكاة "باب فضل صدقة الشحيح الصحيح"برقم (1419) و "صحيح الإمام مسلم" كتاب الزكاة "باب فضل إخفاء الصدقة- أفضل الصدقة" برقم (1032) من حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه .آية وتأويل : وفي قوله تعالى : " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً" سورة "الإنسان" الآية (8-9) قال الحافظ ابن كثير– رحمه الله تعالى : " أي : ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له" "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (4/485) ط . دار المعرفة وقال الشيخ السعدي – رحمه الله تعالى : " أي : وهم يحبون المال والطعام، ولكنهم قدموا محبة الله تعالى على محبة نفوسهم" "تيسير الكريم الرحمن" للعلامة السعدي (834) آية وتأويل : وفي قوله تعالى : " لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ" سورة "آل عمران" الآية (92) نقل العلامة صديق حسن خان عن البيضاوي – رحمهما الله تعالى- عموم الآية وبيّن دخول بذل الجاه فيها بقوله : "مما تحبون" أي من المال أو مما يعمّه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في الطاعة، والمهجة في سبيله""فتح البيان في مقاصد القرآن" لصديق حسن خان (2/284)وقال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى : "قال ابن الوراق : أي لن تنالوا بر ربكم إلا ببركم بإخوانكم والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم""الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (2/4/134)رواية ودراية : وفي "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمر– رضي الله عنهما- أن رسول الله– صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- قال : "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" قال الحافظ – رحمه الله تعالى : "وفي الحديث الحضّ على التعاون وحسن التعاشر والألفة" وقال فيه الإمام النووي– رحمه الله تعالى : " في هذا فضل إعانة المسلم، وتفريج الكرب عنه وستر زلاته" "صحيح الإمام البخاري" كتاب المظالم "باب لا يظلم المسلم ولا يسلمه" برقم (2442) و "صحيح الإمام مسلم" برقم (2580) كتاب البر والصلة "باب تحريم الظلم .رواية ودراية : في التعاون على البر، وتجسد مطلب الجسد الواحد المراد شرعاً : ترادفت أقوال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- وتناكحت، منها قوله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى""صحيح الإمام البخاري" (10/438) كتاب الأدب "باب رحمة الناس والبهائم" برقم (6011) و "صحيح الإمام مسلم" كتاب البر والصلة والآداب "باب تراحم المؤمنين وتعاضدهم" برقم (2856) من حديث النعمان بن بشير- رضي الله عنه . وقوله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- كما في حديث أبي موسى – رضي الله تعالى عنه : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعض" وشبّك بين أصابعه" متفق عليه"صحيح الإمام البخاري"كتاب الأدب "باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضاً"برقم (6026) و "صحيح الإمام مسلم" كتاب البر والصلة "باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم"برقم (2585)وقوله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً..." "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/176) وذكر عبد الله بن عمر– رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- فقال : يا رسول الله : أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال : "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله –عزّ وجلّ- سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً؛ ولأن أمشي مع أخ في حاجة؛ أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كظم غيظه – ولو شاء أن يمضيه أمضاه - ملأ الله قلبه يوم القيامة رضاً، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام""صحيح الترغيب والترهيب" للعلامة الألباني برقم (2623) وقوله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "لا يزال الله في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه""صحيح الترغيب والترهيب" برقم (2619) في تطبيق عملي : في "صحيح الإمام مسلم" عن جرير– رضي الله تعالى عنه- قال : كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة، مجتابي النمار أو العباءة، مقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه النبي – صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى وخطب فقال : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة … إلى قوله إن الله كان عليكم رقيباً" والآية التي في "الحشر" : "اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال : ولو بشق تمرة . فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل عجزت، قال : ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله– صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً" قال الإمام النووي في "شرحه" : "وأما سبب سروره – صلى الله عليه وسلم- ففرحاً بمبادرة المسلمين في طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله وامتثال أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض وتعاونهم على البر والتقوى . وينبغي للإنسان إذا رأى شيئاً من هذا القبيل أن يفرح ويظهر سروره ويكون فرحه لما ذكرنا" "صحيح الإمام مسلم" كتاب الزكاة "باب اتقاء النار ولو بكلمة طيب" برقم (1017)رواية ودراية : قال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا، هم أهل المعروف في الأخرة ..." "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (2/3795) قال ابن العربي – رحمه الله تعالى : " …لأن ميتة السوء نوع من عقوبة الله وغضبه، والصدقة تدفع البلاء لما تكفر من الخطايا التي توجب الغضب وتحل العقاب" ثم بيّن- رحمه الله تعالى- معنى ميتة السوء فقال "وحقيقة ميتة السوء : أن تكون الميتة في سبيل معصية الله" "عارضة الأحوذي" كتاب الزكاة (2/3/168-169)ويقول الآلوسي –رحمه الله تعالى : "أن "المعونة تأتي من الله تعالى للعبد على قدر المؤونة ([11]) وأن رزق العبد يأتيه بقدر عطيته ونفقته" "روح المعاني" للعلامة الآلوسي (22/150) في نصوص، وفيما ذكر كفاية لطالب الهداية .عود على بدء :ليكن عطاؤنا ومنعنا لله تعالى .لنكن متحابون متراحمون ونحن مع ذا محتسبون .لنكن مفاتيح للخير مغاليق للشرّ لنكن أنقياء بررة، أتقياء شَكَرَة، تأويلا وتحصيلا للفضل في قوله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم" "صحيح الترغيب والترهيب" برقم (2617) وقوله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- في بعض خطبه : "وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال" الحديث رواه الإمام مسلم في "صحيحه" كتاب الجنة ووصف نعيمها وأهلها "باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار" برقم(2865) من حديث عياض بن حمار المجاشعي– رضي الله عنهوقال – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "يدخل الجنة أقواماً، أفئدتهم مثل أفئدة الطير""صحيح الجامع" للعلامة الألباني (2/8068) أي : رقة وعطفاً وحناناً، وهي من دوافع بذل الندى وإخراج الفضل وشيوعه بين إخوانهم كل بحسبه .ألا فليكن عطاؤنا ومنعنا لله تعالى، كأصل إيماني، وأساس عقدي، فيه مع الاتباع معنى المحبة الحقّة، والمؤازرة المحضة، وتتويج الوشائج الإيمانية بين أبناء الأمة الإسلامية .ألا فلنتق الله تعالى في معاملاتنا، نرجو بذا الزلفى، في اتباع واحتساب يزيد في إيماننا، يزيد في برّنا، يزيد في حبنا، تقوم معه شعيرة "التعاون على البر والتقوى" يسعد فيه المعطِي والمعطَى على حد سواء، بل يوقن أعلاهما أن ما عند أخيه أبقى له مما في يده([12]) والربّ رقيب حسيب، برّ جواد كريم .[/b]
هذا ما أردت بيانه، وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعينوالحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى ستر مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
في 30/4/1431هـ 15/4/2010م
________________ ( الحاشية ) _______________(1) وحثّ سبحانه وتعالى المنفقين في سبيل الله بعدم إتباع ما أنفقوا مناً ولا أذى فقال : "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة "البقرة" الآية (262) وبعدها : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... "[البقرة : 264] ذلك إن المنّ مع ما فيه من حبوط أجر المنان، يسبب الضغائن والإحن، ويثير سخائم النفوس، ويستجلب العداوة، ويولد الكراهية . قال أبو حاتم – رحمه الله تعالى : " أهنأ الصنائع، وأحسنها في الحقائق، وأوقعها بالقلوب، وأكثرها استدامة للنعم، واستدفاعاً للنقم، ما كانت خالية عن المنن في البداءة والنهاية، متعرية عن الامتنان، وهو الغاية في الصنيعة، والنهاية في الإحسان" "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" لأبي حيان البستي ص (256) ولشناعة هذا الخلق جاءت السُّنَّة كالقرآن في بيان حبوط الأجور بالمنّ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "ثلاث لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً : عاق، ومنان، ومكذب بالقدر" "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/3065) وفي رواية قال رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبه بالرجال، والديوث . وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى" "صحيح الجامع" للعلامة الألباني (1/3071) وقريب منه (1/3067) و(1/3074) قال جعفر الصادق – رحمه الله تعالى : "لا يتم المعروف إلا بثلاثة : بتعجيله، وتصغيره، وستره" "سير أعلام النبلاء"(6/263) وقال الخُريبي –الإمام الحافظ القدوة : " كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها " "سير أعلام النبلاء" لمؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي (9/349) صاف الكريم فخير من صافيته *** من كان ذا كرم وكان عفيفاًإن الكريم وإن تضعضع حاله *** فالفعل منه لا يزال شريفاً" "بستان الواعظين..."لابن الجوزي ص (309) (2) بل هذه أخلاق يأنفها العربي، بل لم يعرفها، فكيف؟! وأما كون العرب أكرم من غيرهم "فذاك الذي لا يحتاج إلى بيان، ولا يعوز إلى إقامة دليل ولا برهان، قد شهد لهم به الأوداء والأعداء، واعترف لهم الأقربون والبعداء، إذا ألمّ بهم ضيف حكموه على أنفسهم، واستهانوا له ما وجدوه من نفيسهم، وهذا شعرهم ينطق بما جبلوا عليه، ويعرب عما ألفوه وجنحوا إليه وهو مما لا يمكن استيعابه في هذا المقام، ومن أين لنا الإحاطة بالبحر المحيط" انظر "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب " للعلامة السيد محمود شكري الآلوسي البغدادي ص(46) ومما يدلك بجلاء على مزيد سخاء العرب : أنه كان لهم نار تسمى "نار القرى" وهي نار الضيافة توقد لاستدلال الأضياف بها على المنزل، وكانوا يوقدونها على الأماكن المرتفعة لتكون أشهر وربما أوقدوها بالمندلي الرطب ونحوه مما يتبخر به ليهتدي إليه العميان" "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" للآلوسي (1/69-70) ومن شعر حاتم الطائي - وهو يخاطب امرأته ماوية :أماويّ إن المال غـاد ورائـح *** ويبقى من المـال الأحاديث والذكروقد علم الأقـوام لو أن حـاتماً *** أراد ثـراء المـال كان لـه وفـر وقال أيضاً : أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر" "بلوغ الأرب..."(3/115) (3) وبيّن النبي – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- خطر الشح وكونه سبب لإيقاع العداوة والبغضاء، وتأجج نار الخصومة واستباحة الدماء وظلم العباد، ففي حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" رواه الإمام مسلم" كتاب البر والصلة والأدب "باب تحريم الظلم" برقم(2578) إن في بذل الصدقات وشيوعها مكرمة للمنفق، وطهارة لنفسه من الشح، ودفعاً لآفات الحسد والبغض عنه وفي المقابل صيانة للفقير وحفاظاً عليه، وارضاءً له، وتسكيناً لقلبه بما يكون به عزيزاً من بعد ذل الحاجة، وكريماً بعد اتضاع، وقوياً مستغنياً بعد ضعف الفقر، وفي ذلك كله تقوية لركائز المجتمع، وتوطيداً لوشائجه، وتقوية للروابط الإيمانية بين أفراده . (4) كفرع عن اعتقادهم أن المال مال الله تعالى، وأنهم مبتلون به، مسؤولون عنه – من أين؟ وفيما ؟ .(5) وجودهم فرع عن جود نبينا – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى : " كان أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى، ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء من يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة. وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه . وكان ينوّع في أصناف عطائه وصدقته : فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً، كما فعل ببعير جابر . وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه، وأفضل وأكبر ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطفاً وتنوعاً في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن، وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله، فيخرج ما عنده، ويأمر بالصدقة ويحض عليها ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى" "زاد المعاد" للعلامة ابن القيم (2/21-22) فصل : هديه في صدقة التطوع . وفي الجود قال الشاعر - لله دره .فضل الفتى بالجود والإحسان *** والجود خير الوصف للإنسانأوليس إبراهيم لما أصبحت *** أمواله وقـفاً على الضيفانحتى إذا أفنى اللهى أخذ ابنه *** فسخا به للذبـح والقربانثم ابتغى النمرود إحراقـاً له *** فسخا بمهجته على النـيران بالمال جـاد وبابنه وبنفسـه *** وبقلبه للواحـد الديـان" من شعر محمد بن حسن بن علي المعروف بالحر العاملي الشامي الأديب انظر "المختار المصون من أعلام القرون" لمحمد بن حسن بن عقيل موسى (2/1100) دار الأندلس الخضراء(6) تلك المعاوضة في حقيقتها : معنى الرجوع في العطيّة! وفي حكم الرجوع فيها جاء النهي والتنفير من هذا الخلق الذميم، أعني : ما رواه الحبر البحر، عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم : أنه قال : "مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله" رواه الشيخان "البخاري" كتاب الهبة "باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته" برقم (2622) و"مسلم" كتاب الهبات "باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض ، إلا ما وهبه لولده وإن سفل" برقم (1622) واللفظ له قال الحافظ - رحمه الله تعالى : "لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة