نصيحة وذكرى لكل من يتكلم باسم السلفية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فهذه نصيحة وذكرى لكل من يتكلم باسم
السلفية، ولكنه عند الامتحان وعندما توجه إلى كبدها الرماح والسهام من أهل
المكر وأهل الفتن والشغب، لا نجده من جنودها، ولا من المناضلين عنها، ونجد
منه العجائب والغرائب.
لقد ظهر من أدعياء السلفية المتربصين بها وبأهلها من المواقف والأعمال المضادة للسلفية ومنهجها وأصولها ما تشيب له النواصي.
من تلك المواقف:
1- الدفاع عن أهل البدع الكبرى من الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان ( 1)
وأخوة الأديان ومساواة الأديان، وخرافات وشركيات، والشهادة لهم بأنهم من
أهل السنة، بل وصل الأمر ببعض رؤوسهم إلى أن يزكي عتاة الروافض وعتاة
الصوفية، ويصفهم بأنهم علماء ثقات، ويزكي مذاهبهم، ويؤيده على كل ذلك
أتباعه الجهلاء.
2- والحرب الفاجرة الظالمة لأهل السنة وتشويههم وتشويه منهجهم وأصولهم.
3- اختراع أصول مضادة لأصول أهل السنة ومنهجهم لمحاربة أهل السنة وللدفاع عن أهل تلك البدع الكبرى، مثل:
أ- "نصحح ولا نجرح".
ب- ومثل "المنهج الواسع الأفيح الذي يسع أهل السنة -على اصطلاحهم هم-، ويسع الأمة كلها"، ولكنه يضيق بأهل السنة وبمنهجهم وأصولهم.
جـ- ومنهج الموازنات.
د- وحمل مجملات أهل الضلال على مفصلاتهم، مع أن مفصلاتهم الواضحة تدينهم قبل مجملاتهم.
وغير ذلك من الأصول التي أدانها أهل السنة وبيّنوا بطلانها وزيفها.
4- وللتملص من الحق والثبات على الباطل أنشؤوا:
أ- قاعدة:"لا يلزمني".
ب-وقاعدة "لايقنعني".
ج-والحرب على أصل الجرح المفسر.
د- ورد أخبار الثقات.
هـ- واشتراط الإجماع لتبديع أي مبتدع،
مهما قامت الأدلة والبراهين، التي تستوجب تبديعهم، ومهما كانت منـزلة من
حكم بهذا التبديع، ومهما بلغوا من الكثرة، فإذا خالفهم واحد من أهل الأهواء
سقط هذا التبديع.
و- ووضعوا قاعدة لسب أصحاب محمد -صلى
الله عليه وسلم-، بأقبح أنواع السب، ألا وهو وصفهم بالغثائية، لما طولبوا
بالاعتذار منها، قالوا: ليست سباً، ليست سباً، وقالوا: إن صدر هذا اللفظ من
سني فليس سباً، وإن صدر من رافضي صار سباً، وثبتوا على هذا منذ عام
(1424هـ)، إلى يومنا هذا.
وهذه الأصول صارت منابع لفتن كقطع الليل المظلم.
يرافق كل هذه البلايا استكبار وعناد ومكابرات تجاه من ينصحهم ويبين انحرافاتهم وخطلهم.
ومع هذه الرزايا والبلايا وغيرها نجد من يزكيهم ويحكم لهم بأنهم من أهل السنة.
وهاك جملة من الأحاديث النبوية أُذكر بها هؤلاء القوم لعلهم يتذكرون، وعن ما هم فيه يزدجرون.
1- عن قيس بن أبي حازم قال:
قام أبو بكر -رضي الله عنه -، فحمد الله
عز وجل وأثنى عليه فقال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ( يا أيها
الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وإنكم تضعونها في
غير موضعها، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إذا رأى
الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب".
وهو حديث صحيح. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (1/5)،
وأبو داود في "سننه" حديث (4338) وابن ماجه في "سننه" في الفتن حديث(4005)،
وأخرجه غيرهم من الأئمة.
2-وعن حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ -رضي
الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وَالَّذِي نَفْسِي بيده
لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عن الْمُنْكَرِ أو
لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا منه ثُمَّ
تَدْعُونَهُ فلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ". أخرجه الترمذي في "الفتن" حديث (2169)، وقال: هذا حديث حسن، لكن في إسناده ضعف. والإمام أحمد في "مسنده" (5/388). وتحسين الترمذي إنما هو من أجل أن له شاهدين.
أحدهما - من حديث عائشة -رضي الله عنها-، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ( 6/159) نحو معناه وفي إسناده ضعف.
وثانيهما - من حديث أبي هريرة -رضي الله
عنه-، أخرجه البزار في "مسنده" حديث ( 8508)، والخطيب في "تأريخه"
(13/92)، وبمجموع هذه الطرق يرتقي هذا الحديث إلى درجة الحسن لغيره، وقد
حسنه العلامة الألباني في "صحيح الجامع" (6947).
3- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في
أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ،
يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا
تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مالا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ
مالا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ
جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ
فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ".
أخرجه مسلم في "الإيمان" حديث (50)، وأبو عوانة (1/35، 36)، وابن منده في "الإيمان" (ص183، 184).
وفي هذه الأحاديث بيان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لخطورة المنكرات من بدع ومعاصٍ.
وخطورتها وسوء عواقبها لا تقتصر على
مرتكبيها، وإنما تتناول من يداهن أهلها ويجاملهم، وتتناول من يدافع عنها
وعن أهلها من باب أولى وأولى، ويشتد الأمر عليه جداً إذا حارب من ينكرها من
أهل الحق القائمين على حدود الله، والمجاهدين لأهل الضلال والفتن.
4- وعن النُّعْمَان بن بَشِيرٍ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- "مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا
مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا
وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا
يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ
فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ فَأَتَوْهُ
فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ
فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ
وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ".
أخرجه البخاري في "صحيحه"، في الشهادات
حديث (2686)، والإمام أحمد في "مسنده" ( 4/ 268، 269)، والترمذي في "الفتن"
حديث (2173)، وابن حبان كما في "الإحسان" (297، 298).
ولفظ هذا الحديث عند الإمام أحمد والترمذي:
" مَثَلُ الْقَائِمِ على حُدُودِ
اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ في
الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ
أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ
الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ على الَّذِينَ في أَعْلَاهَا فقال الَّذِينَ في
أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فقال الَّذِينَ في
أَسْفَلِهَا فَإِنَّا نَنْقُبُهَا من أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي فَإِنْ
أَخَذُوا على أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جميعا وَإِنْ تَرَكُوهُمْ
غَرِقُوا جميعا".
المدهن: هو المداهن الذي يرى ويسمع
المنكرات من بدع وغيرها فلا ينكرها، بل يداهن الواقعين فيها ومرتكبيها
والمدافعين عنها، فكيف إذا تجاوز ذلك إلى الدفاع عنهم، وتحسين صورهم،
والشهادة لهم بأنهم من أهل السنة.
فكيف به إذا تجاوز كل ذلك إلى خذلان من ينكرونها، وإيهام الناس أنهم ليسوا على حق، ومخالفون للمنهج الصحيح.
تلك المواقف التي تشجع مرتكبي هذه
المنكرات على التمادي في ضلالهم،وتدفع ضعفاء النفوس إلى حسن الظن بهم، وإلى
الارتماء في أحضانهم ومناصرتهم والذب عنهم؛ الأمور التي صرفت كثيراً من
الناس عن منهج السلف الصالح في كثير من البلدان.
فعلى هذا الصنف أن يتقوا الله، وأن
يعيدوا النظر في مواقفهم بجد وإخلاص، وأن يدركوا ما يترتب على مواقفهم من
آثار خطيرة سوف يسألون عنها أمام الله -عزّ وجل-يوم لا تغني نفس عن نفس
شيئا.
وعليهم أن يعيدوا النظر في بطانتهم بجد فإن الأمر خطير.
وأذكرهم بقول الله تعالى: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [سورة الزخرف : 67]
وأذكرهم بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ
وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...)،[سورة
النساء : 135].
وبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :
"الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثلاثا، قالوا: لِمَنْ يا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئمة
الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
وأذكرهم بحديث الصحابي الجليل جرير بن
عبد الله البجلي – رضي الله عنه - فعن زِيَاد بن عِلاَقَة قال: سمعت
جَرِيرَ بن عبد اللَّهِ قام يَخْطُبُ يوم تُوُفِّىَ الْمُغِيرَةُ بن
شُعْبَةَ فقال: " عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ عز وجل وَالْوَقَارِ
وَالسَّكِينَةِ حتى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ،
ثُمَّ قال: اشفعوا لأَمِيرِكُمْ فإنه كان يُحِبُّ الْعَفْوَ.
وقال: أَمَّا بَعْدُ فإني أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فقلت: أُبَايِعُكَ على الإِسْلاَمِ: "
فاشْتَرَطَ عَلَيّ النُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" فَبَايَعْتُهُ على هذا،
وَرَبِّ هذا الْمَسْجِدِ إني لَكُمْ لَنَاصِحٌ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ
وَنَزَلَ".
أخرجه البخاري في "صحيحه" في "الإيمان"،
باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وَقَوْلِهِ
تَعَالَى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)" حديث (58). والإمام أحمد
(4/357).
وأخرجه البخاري في "الإيمان" حديث (57)، ومسلم في "الإيمان" حديث(56) كلاهما أخرجه مختصراً.
أذكرهم بما في هذه الأحاديث والآيات من
وجوب القيام بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبما
فيها من وجوب إنكار المنكرات والوعيد الشديد لمن لا يقوم بهذه الواجبات ولا
ينكر المنكرات.
وأقول لهم كما قال جرير: ورب هذا المسجد إني لكم لناصح أمين، بل أقول: ورب السماء والأرض إني لهم لناصح.
وأذكرهم بقول أَنَسٍ -رضي الله عنه-:
"إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ من
الشَّعَرِ إن كنا لَنَعُدُّهَا على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم من
الْمُوبِقَاتِ".
أخرجه البخاري في "الرقاق" حديث (6492)، وأحمد في "مسنده" (3/157)، وأبو يعلى في "مسنده" حديث (4207)، و(4314).
ومن نصيحتي لهم أن يدرسوا منهج السلف الصالح من مصادره ويلتزموه ويطبقوه على أنفسهم وغيرهم.
أسأل الله أن يبصر هؤلاء بما جهلوه وأخطؤوا فيه أو تعمدوه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبهأما بعد:
فهذه نصيحة وذكرى لكل من يتكلم باسم
السلفية، ولكنه عند الامتحان وعندما توجه إلى كبدها الرماح والسهام من أهل
المكر وأهل الفتن والشغب، لا نجده من جنودها، ولا من المناضلين عنها، ونجد
منه العجائب والغرائب.
لقد ظهر من أدعياء السلفية المتربصين بها وبأهلها من المواقف والأعمال المضادة للسلفية ومنهجها وأصولها ما تشيب له النواصي.
من تلك المواقف:
1- الدفاع عن أهل البدع الكبرى من الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان ( 1)
وأخوة الأديان ومساواة الأديان، وخرافات وشركيات، والشهادة لهم بأنهم من
أهل السنة، بل وصل الأمر ببعض رؤوسهم إلى أن يزكي عتاة الروافض وعتاة
الصوفية، ويصفهم بأنهم علماء ثقات، ويزكي مذاهبهم، ويؤيده على كل ذلك
أتباعه الجهلاء.
2- والحرب الفاجرة الظالمة لأهل السنة وتشويههم وتشويه منهجهم وأصولهم.
3- اختراع أصول مضادة لأصول أهل السنة ومنهجهم لمحاربة أهل السنة وللدفاع عن أهل تلك البدع الكبرى، مثل:
أ- "نصحح ولا نجرح".
ب- ومثل "المنهج الواسع الأفيح الذي يسع أهل السنة -على اصطلاحهم هم-، ويسع الأمة كلها"، ولكنه يضيق بأهل السنة وبمنهجهم وأصولهم.
جـ- ومنهج الموازنات.
د- وحمل مجملات أهل الضلال على مفصلاتهم، مع أن مفصلاتهم الواضحة تدينهم قبل مجملاتهم.
وغير ذلك من الأصول التي أدانها أهل السنة وبيّنوا بطلانها وزيفها.
4- وللتملص من الحق والثبات على الباطل أنشؤوا:
أ- قاعدة:"لا يلزمني".
ب-وقاعدة "لايقنعني".
ج-والحرب على أصل الجرح المفسر.
د- ورد أخبار الثقات.
هـ- واشتراط الإجماع لتبديع أي مبتدع،
مهما قامت الأدلة والبراهين، التي تستوجب تبديعهم، ومهما كانت منـزلة من
حكم بهذا التبديع، ومهما بلغوا من الكثرة، فإذا خالفهم واحد من أهل الأهواء
سقط هذا التبديع.
و- ووضعوا قاعدة لسب أصحاب محمد -صلى
الله عليه وسلم-، بأقبح أنواع السب، ألا وهو وصفهم بالغثائية، لما طولبوا
بالاعتذار منها، قالوا: ليست سباً، ليست سباً، وقالوا: إن صدر هذا اللفظ من
سني فليس سباً، وإن صدر من رافضي صار سباً، وثبتوا على هذا منذ عام
(1424هـ)، إلى يومنا هذا.
وهذه الأصول صارت منابع لفتن كقطع الليل المظلم.
يرافق كل هذه البلايا استكبار وعناد ومكابرات تجاه من ينصحهم ويبين انحرافاتهم وخطلهم.
ومع هذه الرزايا والبلايا وغيرها نجد من يزكيهم ويحكم لهم بأنهم من أهل السنة.
وهاك جملة من الأحاديث النبوية أُذكر بها هؤلاء القوم لعلهم يتذكرون، وعن ما هم فيه يزدجرون.
1- عن قيس بن أبي حازم قال:
قام أبو بكر -رضي الله عنه -، فحمد الله
عز وجل وأثنى عليه فقال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ( يا أيها
الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وإنكم تضعونها في
غير موضعها، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إذا رأى
الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب".
وهو حديث صحيح. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (1/5)،
وأبو داود في "سننه" حديث (4338) وابن ماجه في "سننه" في الفتن حديث(4005)،
وأخرجه غيرهم من الأئمة.
2-وعن حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ -رضي
الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وَالَّذِي نَفْسِي بيده
لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عن الْمُنْكَرِ أو
لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا منه ثُمَّ
تَدْعُونَهُ فلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ". أخرجه الترمذي في "الفتن" حديث (2169)، وقال: هذا حديث حسن، لكن في إسناده ضعف. والإمام أحمد في "مسنده" (5/388). وتحسين الترمذي إنما هو من أجل أن له شاهدين.
أحدهما - من حديث عائشة -رضي الله عنها-، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ( 6/159) نحو معناه وفي إسناده ضعف.
وثانيهما - من حديث أبي هريرة -رضي الله
عنه-، أخرجه البزار في "مسنده" حديث ( 8508)، والخطيب في "تأريخه"
(13/92)، وبمجموع هذه الطرق يرتقي هذا الحديث إلى درجة الحسن لغيره، وقد
حسنه العلامة الألباني في "صحيح الجامع" (6947).
3- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في
أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ،
يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا
تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مالا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ
مالا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ
جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ
فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ".
أخرجه مسلم في "الإيمان" حديث (50)، وأبو عوانة (1/35، 36)، وابن منده في "الإيمان" (ص183، 184).
وفي هذه الأحاديث بيان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لخطورة المنكرات من بدع ومعاصٍ.
وخطورتها وسوء عواقبها لا تقتصر على
مرتكبيها، وإنما تتناول من يداهن أهلها ويجاملهم، وتتناول من يدافع عنها
وعن أهلها من باب أولى وأولى، ويشتد الأمر عليه جداً إذا حارب من ينكرها من
أهل الحق القائمين على حدود الله، والمجاهدين لأهل الضلال والفتن.
4- وعن النُّعْمَان بن بَشِيرٍ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- "مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا
مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا
وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا
يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ
فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ فَأَتَوْهُ
فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ
فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ
وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ".
أخرجه البخاري في "صحيحه"، في الشهادات
حديث (2686)، والإمام أحمد في "مسنده" ( 4/ 268، 269)، والترمذي في "الفتن"
حديث (2173)، وابن حبان كما في "الإحسان" (297، 298).
ولفظ هذا الحديث عند الإمام أحمد والترمذي:
" مَثَلُ الْقَائِمِ على حُدُودِ
اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ في
الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ
أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ
الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ على الَّذِينَ في أَعْلَاهَا فقال الَّذِينَ في
أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فقال الَّذِينَ في
أَسْفَلِهَا فَإِنَّا نَنْقُبُهَا من أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي فَإِنْ
أَخَذُوا على أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جميعا وَإِنْ تَرَكُوهُمْ
غَرِقُوا جميعا".
المدهن: هو المداهن الذي يرى ويسمع
المنكرات من بدع وغيرها فلا ينكرها، بل يداهن الواقعين فيها ومرتكبيها
والمدافعين عنها، فكيف إذا تجاوز ذلك إلى الدفاع عنهم، وتحسين صورهم،
والشهادة لهم بأنهم من أهل السنة.
فكيف به إذا تجاوز كل ذلك إلى خذلان من ينكرونها، وإيهام الناس أنهم ليسوا على حق، ومخالفون للمنهج الصحيح.
تلك المواقف التي تشجع مرتكبي هذه
المنكرات على التمادي في ضلالهم،وتدفع ضعفاء النفوس إلى حسن الظن بهم، وإلى
الارتماء في أحضانهم ومناصرتهم والذب عنهم؛ الأمور التي صرفت كثيراً من
الناس عن منهج السلف الصالح في كثير من البلدان.
فعلى هذا الصنف أن يتقوا الله، وأن
يعيدوا النظر في مواقفهم بجد وإخلاص، وأن يدركوا ما يترتب على مواقفهم من
آثار خطيرة سوف يسألون عنها أمام الله -عزّ وجل-يوم لا تغني نفس عن نفس
شيئا.
وعليهم أن يعيدوا النظر في بطانتهم بجد فإن الأمر خطير.
وأذكرهم بقول الله تعالى: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [سورة الزخرف : 67]
وأذكرهم بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ
وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...)،[سورة
النساء : 135].
وبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :
"الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثلاثا، قالوا: لِمَنْ يا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئمة
الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
وأذكرهم بحديث الصحابي الجليل جرير بن
عبد الله البجلي – رضي الله عنه - فعن زِيَاد بن عِلاَقَة قال: سمعت
جَرِيرَ بن عبد اللَّهِ قام يَخْطُبُ يوم تُوُفِّىَ الْمُغِيرَةُ بن
شُعْبَةَ فقال: " عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ عز وجل وَالْوَقَارِ
وَالسَّكِينَةِ حتى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ،
ثُمَّ قال: اشفعوا لأَمِيرِكُمْ فإنه كان يُحِبُّ الْعَفْوَ.
وقال: أَمَّا بَعْدُ فإني أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فقلت: أُبَايِعُكَ على الإِسْلاَمِ: "
فاشْتَرَطَ عَلَيّ النُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" فَبَايَعْتُهُ على هذا،
وَرَبِّ هذا الْمَسْجِدِ إني لَكُمْ لَنَاصِحٌ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ
وَنَزَلَ".
أخرجه البخاري في "صحيحه" في "الإيمان"،
باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وَقَوْلِهِ
تَعَالَى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)" حديث (58). والإمام أحمد
(4/357).
وأخرجه البخاري في "الإيمان" حديث (57)، ومسلم في "الإيمان" حديث(56) كلاهما أخرجه مختصراً.
أذكرهم بما في هذه الأحاديث والآيات من
وجوب القيام بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبما
فيها من وجوب إنكار المنكرات والوعيد الشديد لمن لا يقوم بهذه الواجبات ولا
ينكر المنكرات.
وأقول لهم كما قال جرير: ورب هذا المسجد إني لكم لناصح أمين، بل أقول: ورب السماء والأرض إني لهم لناصح.
وأذكرهم بقول أَنَسٍ -رضي الله عنه-:
"إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ من
الشَّعَرِ إن كنا لَنَعُدُّهَا على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم من
الْمُوبِقَاتِ".
أخرجه البخاري في "الرقاق" حديث (6492)، وأحمد في "مسنده" (3/157)، وأبو يعلى في "مسنده" حديث (4207)، و(4314).
ومن نصيحتي لهم أن يدرسوا منهج السلف الصالح من مصادره ويلتزموه ويطبقوه على أنفسهم وغيرهم.
أسأل الله أن يبصر هؤلاء بما جهلوه وأخطؤوا فيه أو تعمدوه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ربيع بن هادي عمير المدخلي
9/2/1432هـ
========
الحواشي:
1 - لا يغرن السلفي الفطن ما تظاهر
به علي الحلبي من التكفير بوحدة الأديان؛ لأنه ينتقدها من جهة، ويدافع
عنها هو وأعوانه من جهة أخرى، ويزكون من يدعو إليها، ويحاربون من انتقدها،
ويصفونهم بأنهم غلاة وخوارج، ويؤلبون عليهم، وكم عنده من التلاعب بالعواطف
العمياء.