الفِـــــرْقـَــــة النَّاجِيَة
محاضرة مفرغة
للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ
أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ
فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ
محمّدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]،
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]،
﴿يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْلَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلي الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة! أسأل الله تعالى أن يكون اجتماعنا هذا لوجهه وللتعاون على
البر والتقوى، ولمحبة الحق والوصول إليه، وندعو كما عَلَّمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم
(( اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُون، اِهْدِنَا فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحِق إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم )) ، ثمَّ أيها الإخوة!
أعتذر مما قيل في المقدِّمة؛ فإنَّني لا يَصدُق عَلَيَّ أني بذلت نفسي ومالي في سبيل الله، -ونستغفر الله ونتوب إليه- ،وَأَتذكر مرَّة أنَّ أحد
العلماء المصريين أثنى على الشيخ ابن باز ثناءً يستحقه، واعترض على هذا الثناء الشيخ ابنُ حميد -رحمه الله- وقال: أنت أثنيت على الشيخ في وجهه
وما كان ينبغي؛ فقد قَصَمْتَ ظهر الشيخ، فقال الشيخ معلقاً وكان مختنقا بالبكاء: "واللهِ إنِّي يعلم الله لا أُحِبُّ المدحَ ظاهرًا ولا باطنًا". وصدق الشيخ، وهذا من تواضعه، ونسأل الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ أن يجعلنا وإيَّاكم من المتواضعين لله، الصَّادقين المخلصين في تواضعهم، وأن يُجَنِّبَنَا وإيَّاكم الرِّياء وحب السُّمعة، إنَّ ربنا لسميع الدُّعاء.
ثم أيها الإخوة! عنوان الكلمة في هذا اللقاء ما سمعتموه الحديث عن الفرقة الناجية جهودها العامة والخاصة وأصولها وعقائدها، وحينما نذكر الفرقة
الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث أو الغرباء أو أهل السنة والجماعة هذه كلٌّها تُطلَق على جماعة واحدة هي جماعة الحق المُتَّبِعَة
لكتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليها، وإذا قلنا هذا؛ فإبعادًا لِلَّبس ولما يشيعه بعض النَّاس المتسرعين ويرجمون بالغيب ما
يقولونه: أنَّنا نقصد بأهل الحديث أو الطائفة المنصورة جماعة في مكان مُعَيَّن، فنبرأ إلى الله من هذا القول، وأنا قد كتبت قبل سنوات كثيرة ((
مكانة أهل الحديث )) وأدخلت فيهم في الدَّرجة الأولى أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ وعلماء هذا البلد وأهل الحديث في الهند وأنصار
السُنَّة في السُّودان ومصر وفي شرق آسيا وفي كلِّ مكان، كلُّ من تَنْطَبِقُ عليه هذه الصِّفات يدخل في الفِرقة الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث الذين صَحَّت عقائدُهم؛ فلا يَعبُدُونُ إلاَّ الله، ولا يَدْعُونَ إلاَّ الله، ولا يَستَغِيثُون إلاَّ بالله، ولا يلجؤون في الشَّدائد والكروب إلاَّ إلى الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ،
ويعرفون الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بأسمائه الحسنى وصفاته العُليَا؛
كما وردت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وكما دان بذلك السَّلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ ،ودُوِّنت عقائدهم في الدَّواوين الكثيرة المبثوثة
الآن بين أيديكم؛ نقصد هؤلاء جميعًا، كلُّ من يَصدُق عليه الالتزام بكتاب الله وسُنة الرَّسول صلي الله عليه وسلم ومنهج السَّلف الصالح عقيدةً وشريعةً وعبادة؛ فإنَّنا نعني هؤلاء بهذه الكلمة الفِرقة النَّاجية، إذا قلنا فيهم: إنَّهم أهلُ الحديث فهم كذلك؛ لأنَّهم يتعبَّدُون الله بالحديث في عقائدِهم وفي عباداتِهم، في الوقت الذي يرفض فيه أهل البدع اعتقاد ما دَلَّت عليه أحاديثُ رسول الله صلي الله عليه وسلم سواءً تعلَّق بصفات الله أو تعلَّق بأمر من الأمور الغيبيَّة كعذاب القبر، وفتنة القبر، والصِّراط، والميزان، وما شاكل ذلك، أو نزول عيسى عليه السلام ، أو خروج المسيح الدَّجال، أو ما شاكل ذلك، يردُّون نصوص
السنة بحجة أنها أخبار آحاد لا تفيد إلا الظن فلا تصلح لأن يبنى عليها الاعتقاد لا فيما يتعلق بالله ولا فيما يتعلق بالأمور الغيبية التي أشرنا إليها!
فهؤلاء يخالفون هذه الفِرَق الضَّالة في هذه القضايا، ويؤمنون بكلِّ ما صَحَّ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وثَبَت عنه سواءً في ميدان العبادة، أو في ميدان العقيدة، أو في الأمور الغيبيَّة، أو في أشراط السَّاعة، أو ما شاكل ذلك؛
فإذا قلنا: الطائفة الناجية، أو الطائفة المنصورة، أو أهل السُنة، أو أهل الحديث؛ فهم جماعة واحدة، هذا منهجهم وعلى رأسهم علماء هذا البلد، وعلى رأس هذه المناهج وهو منهج واحد المنهج المدروس المقرَّر في هذه الجامعات؛ المنهج السَّلفي القائم على أنواع التوحيد على الوجه الصحيح المُستَمَد من
كتاب الله ومن سُنة الرَّسول ...
********************
تابع الكلمة في هذا الملف