من لم يجمع بين النقد والتحذير وبين طلب العلم فهو ناقص ومفرط"... العلامة مقبل الوادعي مجيبا على سؤال
( من كتاب فضائح ونصائح / ص 111-116 )
( ... فأنا أنصحكم أن تقبلوا إقبالا كليا على طلب العلم النافع ، وأن تحيوا سنة المحدثين رحمهم الله تعالى .
(من كتاب فضائح ونصائح / ص88-94 باختصار )
والنقل
لطفا من هنا
سؤال : يلاحظ على بعض من ينتسب إلى السلفية الاشتغال بالنقد والتحذير من الفرق وإهمال طلب العلم ، وآخر اهتم بالعلم وترك التحذير حتى وصل بهم الأمر أنهم قالوا : إن النقد ليس من منهج أهل السنة في شيء . فما الصواب في ذلك ؟
الجواب : هؤلاء الذين يشتغلون بالنقد والتحذير يعتبرون مفرطين في طلب العلم ومفرطين في شأن النقد ، فعلماؤنا إذا نظرت إلى ترجمة ابن أبي حاتم وجدته حافظا كبيرا بل لقب بشيخ الإسلام ، وهكذا الإمام البخاري ، والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن حبان والحاكم ، فقد أخرجوا المؤلفات النافعة في التفسير وعلم الحديث ، وألفوا الكتب النافعة وحفظوا لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأخرجوا الكتب النافعة في الجرح والتعديل ، فلا بد من الجمع بين هذا وهذا وإلا كان الشخص ناقصا ومفرطا .
وأنا أسألك بأي ميزان تزن الناس إذا كنت جاهلا بالعلم النافع أتزنهم بالهوى ، أم بما قال لك الشيخ فلان ؟ فإذا تراجع الشيخ فلان تراجعت ، وإذا حمل على طائفة حملت ، فلابد من الجمع بين هذا وهذا .
والطرف الآخر الذين يهتمون بالعلم ولا يرفعون رأسا إلى التعديل فهذا الطرف في نظري أحسن من الطرف الأول ، لأن الطرف الأول يتصدى لما ليس من شأنه أن يتصدى له ، لكن هذا الطرف هدم جانبا مهما .
ورسالة أخينا بكر بن عبد الله أبي زيد " تصنيف الناس بين الظن واليقين " تعتبر أردى ما ألف ، فكثير من مؤلفاته بحمد الله تعتبر من أحسن المؤلفات فجزاه الله خيرا .
أما أن يهدم الجرح والتعديل فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم : " ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم ، عتل بعد ذلك زنيم " القلم : 10-13 ، ويقول أيضا : " تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالة الحطب ، في جيدها حبل من مسد " المسد:1-5 ، والله سبحانه وتعالى يجرح أبا لهب ويجرح امرأته أيضا ، وموسى عند أن أراد أن يبطش بالقبطي قال لصاحبه : " إنك لغوي مبين " القصص:18 ، فهذا دليل على جواز التجريح .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لرجل : ( بئس أخو العشيرة ) ، فلما دخل ألان له الكلام ، فسألته عائشة فقال : ( إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة .
ويقول أيضا كما في الصحيح من حديث عائشة تقول له امرأة أبي سفيان : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرها على جرح أبي سفيان ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من سيدكم يا بني سلمة ؟ ) قالوا : الجد بن قيس ؛ على أنا نبخله ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أي داء أدوأ من البخل ؟ سيدكم عمرو بن الجموح ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل : ( أفتان أنت يا معاذ ؟ ) ، ويقول لأبي ذر : ( إنك رجل فيك جاهلية ) ، ويقول لبعض نسائه : ( إنكن صواحب يوسف ) ، وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا ) ، وتفسير الليث على أنهما منافقان لم يسلم له .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحمل بن مالك بن النابغة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في امرأة ضربت امرأة أخرى فأسقط جنينها فقال : ( فيه غرة عبد أو أمة ) ، فقال حمل بن مالك بن النابغة : يا رسول الله ! كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك يطل ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنما هذا من إخوان الكهان ) من أجل سجعه .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ) ، ويقول في الخوارج : ( إنهم كلاب أهل النار ) ، ويقول أيضا : ( إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) .
فالذي يزهد في الجرح والتعديل فهو يزهد في السنة ، فإذا لم يكن هناك جرح ولا تعديل فإن كلام الداعي إلى الله العالم الفاضل مثل كلام علي الطنطاوي ، أو مثل كلام محمود الصواف ، أو مثل كلام الشعراوي ، أو مثل كلام الشيعة الرافضة ، أو مثل كلام الصوفي حسن السقاف .
فأنا أقول لا يزهد في هذا العلم إلا رجل جاهل ، أو رجل في قلبه حقد ، أو رجل يعلم أنه مجروح فهو ينفر عن الجرح والتعديل ، لأنه يعلم أنه مجروح .
وأبى الله إلا أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يظهر الحق ، فأصبح أهل السنة يلهجون بالجرح والتعديل وكأنهم كانوا نياما فيسر الله لهم بمن يوقظهم ، فما كانوا يتكلمون في الجرح والتعديل وكأنه خاص بزمن البخاري ومسلم ، ألا نجرح الآن من يقول : الديمقراطية لا تتنافى مع الإسلام ، أليس حقيقا بأن يجرح وأن يبين للناس بأنه دجال من الدجاجلة ، ألا تجرح الآن من يسب علماء المسلمين ، فلماذا يجرحون علماءنا الأفاضل ونحن نسكت عن هذا ؟!
فلابد من الجمع بين هذا وذاك ، أما لو قرأنا سير الصحابة وقرأنا سير التابعين وأتباع التابعين ، هؤلاء يقولون : كيف لو سمعوا كلام الذهبي : رتن وما رتن دجال من الدجاجلة ادعى الصحبة بعد ستمائة عام ، أو سمعوا قول الشافعي : الرواية عن حرام بن عثمان : حرام ، أو قول الشافعي أيضا : من روى عن البياضي بيض الله عيونه ، كيف لو سمعوا هذا الكلام ، يقولون الإمام الشافعي هذا متشدد متزمت يطعن في المسلمين والعلماء .
نحن نتحداكم أن تثبتوا أننا طعنا في العلماء ، طعنا في الديمقراطيين والذين يقولون بالرأي والرأي الآخر ، وفي الذين يعترفون بقرارات مجلس الأمن ، ويقولون : ليس هذا زمان حدثنا وأخبرنا وهذا حديث صحيح وهذا حديث ضعيف .
فنقول لهم : بل هذا زمانه لأنه قد كثرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ونختم كلامنا هذا بقول الحافظ الصوري رحمه الله تعالى إذ يقول :
قل لمن عاند الحديث وأضحى عائبـا أهلـه ومن يدعيــه
أبعلم تقــول هــذا أبن لي أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الديـ ـن من الترهات والتمويــه
وإلى قولـهم ومـا قـد رووه راجع كـل عالـم وفقيــه
وأنا لا أريد من السني أن يشغل وقته ، يجعل وقتا للجماعات ، ووقتا أكبر للتنفس والنزهة ، ووقتا للأكل والنوم ، بل أريده كما قيل :
فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا
وقد كتب إلي بعض إخواني في الله وقالوا : لا تشغل نفسك بهذا ، فهم يظنون أنني أشغل نفسي بهذا الأمر ، فأنا لا أشغل نفسي بهذا الأمر بحمد الله ، فالكتابة في وقتها والتعليم في وقته ، والجرح والتعديل في وقته .
وكان ابن الجوزي يتحدى أهل زمانه أن يأتوا أو يحدثوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة وهو موجود . وهكذا غير ابن الجوزي من العلماء المتقدمين قبله كانوا يتحدون معاصريهم أن يأتوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وهم موجودون .
والحمد لله انتشرت السنة وأخذ الإخوان المفلسون يدرسون في المصطلح ، ولكن كما يقال : تسبيحة حارس ، فليست إلا من أجل أن يقبضوا شبابهم حتى لا يتفلتون عليهم .
وعبدالله صعتر ، أخذ "شرح الطحاوية" يدرس فيه ، لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا عبدالله صعتر ، فحضر أول ليلة جمع كبير ، والليلة الثانية أقل ، والليلة الثالثة أقل ، وبعدها نحو سبعة وبعدها نحو ثلاثة ، فهو لا يعرف إلا قالت صحيفة الحياة وقالت إذاعة لندن ، وقالت صحيفة كذا ، فهم أرادوا أن يتشبثوا بشبابهم يقولون : نحن ندرس العقيدة وندرس المصطلح وكذا وكذا .
ولكن كما يقال : رجعت حليمة إلى عادتها القديمة ، لما رأوا هذا لا ينفع ولا يجدي رجعوا إلى الكذب والتلبيس .
الجواب : هؤلاء الذين يشتغلون بالنقد والتحذير يعتبرون مفرطين في طلب العلم ومفرطين في شأن النقد ، فعلماؤنا إذا نظرت إلى ترجمة ابن أبي حاتم وجدته حافظا كبيرا بل لقب بشيخ الإسلام ، وهكذا الإمام البخاري ، والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن حبان والحاكم ، فقد أخرجوا المؤلفات النافعة في التفسير وعلم الحديث ، وألفوا الكتب النافعة وحفظوا لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأخرجوا الكتب النافعة في الجرح والتعديل ، فلا بد من الجمع بين هذا وهذا وإلا كان الشخص ناقصا ومفرطا .
وأنا أسألك بأي ميزان تزن الناس إذا كنت جاهلا بالعلم النافع أتزنهم بالهوى ، أم بما قال لك الشيخ فلان ؟ فإذا تراجع الشيخ فلان تراجعت ، وإذا حمل على طائفة حملت ، فلابد من الجمع بين هذا وهذا .
والطرف الآخر الذين يهتمون بالعلم ولا يرفعون رأسا إلى التعديل فهذا الطرف في نظري أحسن من الطرف الأول ، لأن الطرف الأول يتصدى لما ليس من شأنه أن يتصدى له ، لكن هذا الطرف هدم جانبا مهما .
ورسالة أخينا بكر بن عبد الله أبي زيد " تصنيف الناس بين الظن واليقين " تعتبر أردى ما ألف ، فكثير من مؤلفاته بحمد الله تعتبر من أحسن المؤلفات فجزاه الله خيرا .
أما أن يهدم الجرح والتعديل فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم : " ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم ، عتل بعد ذلك زنيم " القلم : 10-13 ، ويقول أيضا : " تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالة الحطب ، في جيدها حبل من مسد " المسد:1-5 ، والله سبحانه وتعالى يجرح أبا لهب ويجرح امرأته أيضا ، وموسى عند أن أراد أن يبطش بالقبطي قال لصاحبه : " إنك لغوي مبين " القصص:18 ، فهذا دليل على جواز التجريح .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لرجل : ( بئس أخو العشيرة ) ، فلما دخل ألان له الكلام ، فسألته عائشة فقال : ( إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة .
ويقول أيضا كما في الصحيح من حديث عائشة تقول له امرأة أبي سفيان : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرها على جرح أبي سفيان ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من سيدكم يا بني سلمة ؟ ) قالوا : الجد بن قيس ؛ على أنا نبخله ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أي داء أدوأ من البخل ؟ سيدكم عمرو بن الجموح ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل : ( أفتان أنت يا معاذ ؟ ) ، ويقول لأبي ذر : ( إنك رجل فيك جاهلية ) ، ويقول لبعض نسائه : ( إنكن صواحب يوسف ) ، وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا ) ، وتفسير الليث على أنهما منافقان لم يسلم له .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحمل بن مالك بن النابغة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في امرأة ضربت امرأة أخرى فأسقط جنينها فقال : ( فيه غرة عبد أو أمة ) ، فقال حمل بن مالك بن النابغة : يا رسول الله ! كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك يطل ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنما هذا من إخوان الكهان ) من أجل سجعه .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ) ، ويقول في الخوارج : ( إنهم كلاب أهل النار ) ، ويقول أيضا : ( إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) .
فالذي يزهد في الجرح والتعديل فهو يزهد في السنة ، فإذا لم يكن هناك جرح ولا تعديل فإن كلام الداعي إلى الله العالم الفاضل مثل كلام علي الطنطاوي ، أو مثل كلام محمود الصواف ، أو مثل كلام الشعراوي ، أو مثل كلام الشيعة الرافضة ، أو مثل كلام الصوفي حسن السقاف .
فأنا أقول لا يزهد في هذا العلم إلا رجل جاهل ، أو رجل في قلبه حقد ، أو رجل يعلم أنه مجروح فهو ينفر عن الجرح والتعديل ، لأنه يعلم أنه مجروح .
وأبى الله إلا أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يظهر الحق ، فأصبح أهل السنة يلهجون بالجرح والتعديل وكأنهم كانوا نياما فيسر الله لهم بمن يوقظهم ، فما كانوا يتكلمون في الجرح والتعديل وكأنه خاص بزمن البخاري ومسلم ، ألا نجرح الآن من يقول : الديمقراطية لا تتنافى مع الإسلام ، أليس حقيقا بأن يجرح وأن يبين للناس بأنه دجال من الدجاجلة ، ألا تجرح الآن من يسب علماء المسلمين ، فلماذا يجرحون علماءنا الأفاضل ونحن نسكت عن هذا ؟!
فلابد من الجمع بين هذا وذاك ، أما لو قرأنا سير الصحابة وقرأنا سير التابعين وأتباع التابعين ، هؤلاء يقولون : كيف لو سمعوا كلام الذهبي : رتن وما رتن دجال من الدجاجلة ادعى الصحبة بعد ستمائة عام ، أو سمعوا قول الشافعي : الرواية عن حرام بن عثمان : حرام ، أو قول الشافعي أيضا : من روى عن البياضي بيض الله عيونه ، كيف لو سمعوا هذا الكلام ، يقولون الإمام الشافعي هذا متشدد متزمت يطعن في المسلمين والعلماء .
نحن نتحداكم أن تثبتوا أننا طعنا في العلماء ، طعنا في الديمقراطيين والذين يقولون بالرأي والرأي الآخر ، وفي الذين يعترفون بقرارات مجلس الأمن ، ويقولون : ليس هذا زمان حدثنا وأخبرنا وهذا حديث صحيح وهذا حديث ضعيف .
فنقول لهم : بل هذا زمانه لأنه قد كثرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ونختم كلامنا هذا بقول الحافظ الصوري رحمه الله تعالى إذ يقول :
قل لمن عاند الحديث وأضحى عائبـا أهلـه ومن يدعيــه
أبعلم تقــول هــذا أبن لي أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الديـ ـن من الترهات والتمويــه
وإلى قولـهم ومـا قـد رووه راجع كـل عالـم وفقيــه
وأنا لا أريد من السني أن يشغل وقته ، يجعل وقتا للجماعات ، ووقتا أكبر للتنفس والنزهة ، ووقتا للأكل والنوم ، بل أريده كما قيل :
فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا
وقد كتب إلي بعض إخواني في الله وقالوا : لا تشغل نفسك بهذا ، فهم يظنون أنني أشغل نفسي بهذا الأمر ، فأنا لا أشغل نفسي بهذا الأمر بحمد الله ، فالكتابة في وقتها والتعليم في وقته ، والجرح والتعديل في وقته .
وكان ابن الجوزي يتحدى أهل زمانه أن يأتوا أو يحدثوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة وهو موجود . وهكذا غير ابن الجوزي من العلماء المتقدمين قبله كانوا يتحدون معاصريهم أن يأتوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وهم موجودون .
والحمد لله انتشرت السنة وأخذ الإخوان المفلسون يدرسون في المصطلح ، ولكن كما يقال : تسبيحة حارس ، فليست إلا من أجل أن يقبضوا شبابهم حتى لا يتفلتون عليهم .
وعبدالله صعتر ، أخذ "شرح الطحاوية" يدرس فيه ، لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا عبدالله صعتر ، فحضر أول ليلة جمع كبير ، والليلة الثانية أقل ، والليلة الثالثة أقل ، وبعدها نحو سبعة وبعدها نحو ثلاثة ، فهو لا يعرف إلا قالت صحيفة الحياة وقالت إذاعة لندن ، وقالت صحيفة كذا ، فهم أرادوا أن يتشبثوا بشبابهم يقولون : نحن ندرس العقيدة وندرس المصطلح وكذا وكذا .
ولكن كما يقال : رجعت حليمة إلى عادتها القديمة ، لما رأوا هذا لا ينفع ولا يجدي رجعوا إلى الكذب والتلبيس .
( من كتاب فضائح ونصائح / ص 111-116 )
وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى :
( ... فأنا أنصحكم أن تقبلوا إقبالا كليا على طلب العلم النافع ، وأن تحيوا سنة المحدثين رحمهم الله تعالى .
فتحصيل العلم النافع أمر مهم ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " التوبة : 122 ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) .
وعلماؤنا المتقدمون الذين ذاقوا حلاوة العلم وعرفوا قدر العلم كان أحدهم يرحل من مسافة بعيدة من أجل حديث واحد كما في كتاب "الرحلة" للخطيب .
وإياكم إياكم أن تشتغلوا بالقيل والقال ، أو بالحزبيات والجمعيات التي هي حزبيات مغلفة ، أو حتى بالكلام في المبتدعة ، فأنا أريد منكم قبل هذا أن تطلبوا العلم ، وتجدون وتجتهدون في تحصيله ، وتطلبون العلم من أهله ، فما تطلبون العلم من المبتدعة ، فإن المبتدع ربما يركب سيارته من أقصى الأرض ويأتي إليك بمحاضرة ، وهو لا يريد إلا أن يقنعك بفكرته حتى ولو لم يذكرها في المحاضرة ، فهناك آخرون يأتون بها في الأسئلة والأجوبة.
... فهذه الفرقة والفتن والشبهات ما يزيلها إلا كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وإلا سيفنى عمرك وأنت تقول : فلان أحسن وفلان حزبي ، وفلان قصير وفلان طويل ، وفلان ليس تأليفه طيب وفلان تأليفه عجيب ، وأنا أريد منك أن تكون مؤلفا مثل ذلك المؤلف الذي أعجبك كتابه ، وأريدك أن تكون داعيا إلى الله تهز المنابر مثل ذلك الداعي الذي أعجبك كلامه أو أحسن وهكذا في التعليم.
وبعض الناس يقول : قد أصبحت الدعوة وسيلة إلى الارتزاق .
فهذا كلام أكثره صحيح ، وهو أن كثيرا من الناس قد أصبح يتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، لكن هب أن الناس فعلوا ذلك ، فأريدك أن تقوم وتدعو إلى الله ولا تتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، فإن المسلمين أحوج ما يكون إلى من يقدم لهم الشرع صافيا كما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإلا فلن تزال صريعا للشبهات ، فتارة شبهات من قبل الشيعة ، وأخرى من قبل الصوفية ، وأخرى من قبل الحزبية ، وأخرى من قبل أصحاب الأهواء ، فهل تظن أن أهل العلم ما فيهم أصحاب أهواء ، كما يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " الأعراف :175-176 .
فأناكما قلت : أريد منك أن تقوم بواجب نحو المسلمين ، فالمسلمون أحوج ما يكون إلى علماء ، وبعضهم يقول : نحن محتاجون إلى الطبيب المسلم وإلى المهندس المسلم وإلى الطيار المسلم ، فأقول صحيح نحن محتاجون إلى هذا ، لكن قد وجد كثير من الأطباء وكثير من المهندسين والطيارين ، والتخصصات الكثيرة.
لكن ما سمعناهم يقولون : نحن محتاجون إلى العالم المسلم المتخصص ، فذاك يتخصص في اللغة العربية ، حتى يصبح مرجعا في هذا ، وآخر يتخصص في علم التفسير ، وآخر في علم الحديث ، وآخر في الفقه الإسلامي ، وآخر في التاريخ ، وآخر في الأدب إلى غير ذلك ، فما سمعناهم يقولون هذا ، وسبب في هذا أنه كما قيل : من جهل شيئا عاداه ، بل بلغ ببعضهم أن يقول : إذا حدثت الناس فلا تحدثهم بآية ولا حديث ، ولكن تكلم معهم من قلبك ومن نفسك ، نعم قال هذا بعض الإخوان المسلمين بخمر ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون "
... فاحرصوا على وصيتي لكم ، واستفيدوا من علمائكم ... واتركوا الحزبيين لتستريحوا ، ورحم الله مالكا إذ يقول وقد أتاه مبتدع فقال : يا مالك إني أريد أن أناظرك ، قال : فإن غلبتني ؟ قال : اتبعتني ، قال : فإن جاءني رجل آخر يناظرني وغلبني ؟ قال : اتبعته ، قال : إذا يصير ديننا عرضة للتنقل ، اذهب إلى شاك مثلك فإني على ثبات من ديني .
فإذا جاءك الحزبي يريد أن يناظرك ، تقول له : عندك فراغ ، وما أكثر الذين يأتوني ثم يخرجون منكسفين سواء في رحلاتي ، أو إلى البيت ، فأقول لهم : أنتم عندكم فراغ ، وأنا لست بفارغ فانصرفوا.
وأنت الآن مطالب بالتأليف في المشاكل التي يتدارسونها ، فإنهم يخافون من النشر غاية الخوف ، وإذا علموا أنك ستكتب فيهم سيرسلون لك شخصا لحيته تملأ صدره ، ويقولون له : ما هذا وقت هذا التأليف ، ولا يخرج هذا الكتاب . فلا تشعر به أحدا حتى يخرج ، بل تعرضه على بعض أهل العلم المحبين للخير حتى لو كان فيه خطأ يعدلونه أو بنبهون عليه أو يحذفونه ، فالنشر هو الذي يقصم ظهورهم .
وما انتشرت دعوة أهل السنة في اليمن إلا بسبب النشر من الأشرطة وكتب ووجود الإخوة الأفاضل حفظهم الله إذا خرجوا دعوة .
وإذا خرجوا دعوة فهم لا يشغلون أنفسهم : بفلان صعد القمر ، والشمس ثابتة والأرض تدور ، وعمر البشير يعتبر حاكما مسلما يطبق الإسلام مائة بالمائة ، وهكذا ، فهم لا يشغلون الناس بهذه الترهات ، بل يسمعون منهم قال الله قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فموعظة في صفة الجنة والنار ، وأخرى في صفة الحب في الله ، وأخرى في تعليم الصلاة ، وأخرى في التوحيد ، وأخرى في باب الأسماء والصفات من التوحيد ، وهكذا تنشرح صدور الناس ... )
وعلماؤنا المتقدمون الذين ذاقوا حلاوة العلم وعرفوا قدر العلم كان أحدهم يرحل من مسافة بعيدة من أجل حديث واحد كما في كتاب "الرحلة" للخطيب .
وإياكم إياكم أن تشتغلوا بالقيل والقال ، أو بالحزبيات والجمعيات التي هي حزبيات مغلفة ، أو حتى بالكلام في المبتدعة ، فأنا أريد منكم قبل هذا أن تطلبوا العلم ، وتجدون وتجتهدون في تحصيله ، وتطلبون العلم من أهله ، فما تطلبون العلم من المبتدعة ، فإن المبتدع ربما يركب سيارته من أقصى الأرض ويأتي إليك بمحاضرة ، وهو لا يريد إلا أن يقنعك بفكرته حتى ولو لم يذكرها في المحاضرة ، فهناك آخرون يأتون بها في الأسئلة والأجوبة.
... فهذه الفرقة والفتن والشبهات ما يزيلها إلا كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وإلا سيفنى عمرك وأنت تقول : فلان أحسن وفلان حزبي ، وفلان قصير وفلان طويل ، وفلان ليس تأليفه طيب وفلان تأليفه عجيب ، وأنا أريد منك أن تكون مؤلفا مثل ذلك المؤلف الذي أعجبك كتابه ، وأريدك أن تكون داعيا إلى الله تهز المنابر مثل ذلك الداعي الذي أعجبك كلامه أو أحسن وهكذا في التعليم.
وبعض الناس يقول : قد أصبحت الدعوة وسيلة إلى الارتزاق .
فهذا كلام أكثره صحيح ، وهو أن كثيرا من الناس قد أصبح يتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، لكن هب أن الناس فعلوا ذلك ، فأريدك أن تقوم وتدعو إلى الله ولا تتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، فإن المسلمين أحوج ما يكون إلى من يقدم لهم الشرع صافيا كما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإلا فلن تزال صريعا للشبهات ، فتارة شبهات من قبل الشيعة ، وأخرى من قبل الصوفية ، وأخرى من قبل الحزبية ، وأخرى من قبل أصحاب الأهواء ، فهل تظن أن أهل العلم ما فيهم أصحاب أهواء ، كما يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " الأعراف :175-176 .
فأناكما قلت : أريد منك أن تقوم بواجب نحو المسلمين ، فالمسلمون أحوج ما يكون إلى علماء ، وبعضهم يقول : نحن محتاجون إلى الطبيب المسلم وإلى المهندس المسلم وإلى الطيار المسلم ، فأقول صحيح نحن محتاجون إلى هذا ، لكن قد وجد كثير من الأطباء وكثير من المهندسين والطيارين ، والتخصصات الكثيرة.
لكن ما سمعناهم يقولون : نحن محتاجون إلى العالم المسلم المتخصص ، فذاك يتخصص في اللغة العربية ، حتى يصبح مرجعا في هذا ، وآخر يتخصص في علم التفسير ، وآخر في علم الحديث ، وآخر في الفقه الإسلامي ، وآخر في التاريخ ، وآخر في الأدب إلى غير ذلك ، فما سمعناهم يقولون هذا ، وسبب في هذا أنه كما قيل : من جهل شيئا عاداه ، بل بلغ ببعضهم أن يقول : إذا حدثت الناس فلا تحدثهم بآية ولا حديث ، ولكن تكلم معهم من قلبك ومن نفسك ، نعم قال هذا بعض الإخوان المسلمين بخمر ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون "
... فاحرصوا على وصيتي لكم ، واستفيدوا من علمائكم ... واتركوا الحزبيين لتستريحوا ، ورحم الله مالكا إذ يقول وقد أتاه مبتدع فقال : يا مالك إني أريد أن أناظرك ، قال : فإن غلبتني ؟ قال : اتبعتني ، قال : فإن جاءني رجل آخر يناظرني وغلبني ؟ قال : اتبعته ، قال : إذا يصير ديننا عرضة للتنقل ، اذهب إلى شاك مثلك فإني على ثبات من ديني .
فإذا جاءك الحزبي يريد أن يناظرك ، تقول له : عندك فراغ ، وما أكثر الذين يأتوني ثم يخرجون منكسفين سواء في رحلاتي ، أو إلى البيت ، فأقول لهم : أنتم عندكم فراغ ، وأنا لست بفارغ فانصرفوا.
وأنت الآن مطالب بالتأليف في المشاكل التي يتدارسونها ، فإنهم يخافون من النشر غاية الخوف ، وإذا علموا أنك ستكتب فيهم سيرسلون لك شخصا لحيته تملأ صدره ، ويقولون له : ما هذا وقت هذا التأليف ، ولا يخرج هذا الكتاب . فلا تشعر به أحدا حتى يخرج ، بل تعرضه على بعض أهل العلم المحبين للخير حتى لو كان فيه خطأ يعدلونه أو بنبهون عليه أو يحذفونه ، فالنشر هو الذي يقصم ظهورهم .
وما انتشرت دعوة أهل السنة في اليمن إلا بسبب النشر من الأشرطة وكتب ووجود الإخوة الأفاضل حفظهم الله إذا خرجوا دعوة .
وإذا خرجوا دعوة فهم لا يشغلون أنفسهم : بفلان صعد القمر ، والشمس ثابتة والأرض تدور ، وعمر البشير يعتبر حاكما مسلما يطبق الإسلام مائة بالمائة ، وهكذا ، فهم لا يشغلون الناس بهذه الترهات ، بل يسمعون منهم قال الله قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فموعظة في صفة الجنة والنار ، وأخرى في صفة الحب في الله ، وأخرى في تعليم الصلاة ، وأخرى في التوحيد ، وأخرى في باب الأسماء والصفات من التوحيد ، وهكذا تنشرح صدور الناس ... )
(من كتاب فضائح ونصائح / ص88-94 باختصار )
والنقل
لطفا من هنا