قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة
ان انواع السعادة التي تؤثرها النفوس ثلاثة :
سعادة خارجية عن ذات الانسان بل هي مستعارة له من غيره يزول باسترداد العارية وهي سعادة المال والحياة فبينا المرء بها سعيدا ملحوظا بالعناية مرموقا بالابصار إذا اصبح في اليوم الواحد اذل من وتد بقاع يشج رأسه بالفهرواجي فالسعادة والفرح بهذه كفرح الاقرع بحمة ابن عمه والجمال بها كجمال المرء بثيابه وبزينته فاذا جاوز بصرك كسوته فليس وراء عبادان قرية ويحكى عن بعض العلماء انه ركب مع تجار في مركب فانكسرت بهم السفينة فاصبحوا بعدعز الغنى في ذل الفقر ووصل العالم الى البلد فاكرم وقصد بانواع التحف والكرامات فلما ارادوا الرجوع الى بلادهم قالوا له هل لك الى قومك كتاب او حاجة فقال نعم تقولون لهم اذا اتخدتم مالا لا يغرق اذا انكسرت السفينة فاتخذوا العلم تجارة واجتمع رجل ذو هيئة حسنة ولباس جميل ورواء برجل عالم فجس المخاضة فلم ير شيئا فقالوا كيف رايته فقال رأيت دارا حسنة مزخرفة ولكن ليس بها ساكن
السعادة الثانية سعادة في جسمه وبدنه كصحته واعتدال مزاجه وتناسب اعضائه وحسن تركيبه وصفاء لونه وقوة اعضائه فهذه الصق به من الاولى ولكن هي في الحقيقة خارجة عن ذاته وحقيقته فان الإنسان انسان بروحه وقلبه لا بجسمه وبدنه كما قيل :
يا خادم الجسم كم يشقى بخدمته ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
فنسبة هذه الى روحه وقلبه كنسبة ثيابه ولباسه الى بدنه فان البدن ايضا عارية للروح وآلة لها ومركب من مراكبها فسعادتها بصحته وجماله وحسنة سعادة خارجة عن ذاتها وحقيقتها
السعادة الثالثة هي السعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية وهي سعادة العلم النافع ثمرته فانها هي الباقية على تقلب الاحوال والمصاحبة للعبد في جميع اسفاره وفي دوره الثلاثة اعني دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال اما الاولى فانها تصحبه في البقعة التي فيها ماله وجاهه والثانية تعرضه للزوال والتبدل بنكس الخلق والرد الى الضعف فلا سعادة في الحقيقة الا في هذه الثالثة التي كلما طال الامد ازدادات قوة وعلوا وإذا عدم المال والجاه فهي مال العبد وجاهه وتظهر قوتها وأثرها بعد مفارقة الروح البدن اذا انقطعت السعادتان الاوليتان وهذه السعادة لا يعرف قدرها ويبعث على طلبها الا العلم بها فعادت السعادة كلها الى العلم وما تقضيه والله يوفق من يشاء لا مانع لما اعطى ولا معطى لما منع وانما رغب اكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب تحصيلها وانها لاتنال الا على جد من التعب فانها لاتحصل الا بالجد المحض بخلاف الاوليين فانهما حظ قد يحوزه غير طالبه وبخت قد يحوزه غير جالبه من ميراث او هبة او غير ذلك واما سعادة العلم فلا يورثك اياها الا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية وقد احسن القائل في ذلك :
فقل لمرجي معالي الامور ... بغير اجتهاد رجوت المحالا
وقال الآخر
لولا المشقة ساد للناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
ومن طمحت همته الى الامور العالية فواجب عليه ان يشد على محبة اطرق الدينية وهي السعادة وان كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي وانها متى اكرهت النفس عليها وسيقت طائعة وكارهة اليها وصبرت على لاوائها وشدتها افضت منها الى رياض مونقة ومقاعد صدق ومقام كريم تجد كل لذة دونها لعب الصبي بالعصفور بالنسبة الى لذات الملوك فحينئذ حال صاحبها كما قيل :
وكنت ارى ان قدتناهى بي الهوى ... الى غاية ما بعدها لي مذهب
فلما تلاقينا وعاينت حسنها ... تيقنت اني انما كنت العب ...
فالمكارم منوطة بالمكارة والسعادة لا يعبر اليها الا على جسر المشقة فلا تقطعمسافتها الا في سفينة الجد والاجتهاد قال مسلم في صحيحه قال يحيى بن ابي كثير لاينال العلم براحة الجسم وقد قيل من طلب الراحة ترك الراحة
فيا وصل الحبيب اما اليه ... بغير مشقة ابدا طريق
ولولا جهل الاكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف ولكن حفت بحجاب من المكاره وحجبوا عنها بحجاب من الجهل ليختص الله لها من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم
ان انواع السعادة التي تؤثرها النفوس ثلاثة :
سعادة خارجية عن ذات الانسان بل هي مستعارة له من غيره يزول باسترداد العارية وهي سعادة المال والحياة فبينا المرء بها سعيدا ملحوظا بالعناية مرموقا بالابصار إذا اصبح في اليوم الواحد اذل من وتد بقاع يشج رأسه بالفهرواجي فالسعادة والفرح بهذه كفرح الاقرع بحمة ابن عمه والجمال بها كجمال المرء بثيابه وبزينته فاذا جاوز بصرك كسوته فليس وراء عبادان قرية ويحكى عن بعض العلماء انه ركب مع تجار في مركب فانكسرت بهم السفينة فاصبحوا بعدعز الغنى في ذل الفقر ووصل العالم الى البلد فاكرم وقصد بانواع التحف والكرامات فلما ارادوا الرجوع الى بلادهم قالوا له هل لك الى قومك كتاب او حاجة فقال نعم تقولون لهم اذا اتخدتم مالا لا يغرق اذا انكسرت السفينة فاتخذوا العلم تجارة واجتمع رجل ذو هيئة حسنة ولباس جميل ورواء برجل عالم فجس المخاضة فلم ير شيئا فقالوا كيف رايته فقال رأيت دارا حسنة مزخرفة ولكن ليس بها ساكن
السعادة الثانية سعادة في جسمه وبدنه كصحته واعتدال مزاجه وتناسب اعضائه وحسن تركيبه وصفاء لونه وقوة اعضائه فهذه الصق به من الاولى ولكن هي في الحقيقة خارجة عن ذاته وحقيقته فان الإنسان انسان بروحه وقلبه لا بجسمه وبدنه كما قيل :
يا خادم الجسم كم يشقى بخدمته ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
فنسبة هذه الى روحه وقلبه كنسبة ثيابه ولباسه الى بدنه فان البدن ايضا عارية للروح وآلة لها ومركب من مراكبها فسعادتها بصحته وجماله وحسنة سعادة خارجة عن ذاتها وحقيقتها
السعادة الثالثة هي السعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية وهي سعادة العلم النافع ثمرته فانها هي الباقية على تقلب الاحوال والمصاحبة للعبد في جميع اسفاره وفي دوره الثلاثة اعني دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال اما الاولى فانها تصحبه في البقعة التي فيها ماله وجاهه والثانية تعرضه للزوال والتبدل بنكس الخلق والرد الى الضعف فلا سعادة في الحقيقة الا في هذه الثالثة التي كلما طال الامد ازدادات قوة وعلوا وإذا عدم المال والجاه فهي مال العبد وجاهه وتظهر قوتها وأثرها بعد مفارقة الروح البدن اذا انقطعت السعادتان الاوليتان وهذه السعادة لا يعرف قدرها ويبعث على طلبها الا العلم بها فعادت السعادة كلها الى العلم وما تقضيه والله يوفق من يشاء لا مانع لما اعطى ولا معطى لما منع وانما رغب اكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب تحصيلها وانها لاتنال الا على جد من التعب فانها لاتحصل الا بالجد المحض بخلاف الاوليين فانهما حظ قد يحوزه غير طالبه وبخت قد يحوزه غير جالبه من ميراث او هبة او غير ذلك واما سعادة العلم فلا يورثك اياها الا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية وقد احسن القائل في ذلك :
فقل لمرجي معالي الامور ... بغير اجتهاد رجوت المحالا
وقال الآخر
لولا المشقة ساد للناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
ومن طمحت همته الى الامور العالية فواجب عليه ان يشد على محبة اطرق الدينية وهي السعادة وان كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي وانها متى اكرهت النفس عليها وسيقت طائعة وكارهة اليها وصبرت على لاوائها وشدتها افضت منها الى رياض مونقة ومقاعد صدق ومقام كريم تجد كل لذة دونها لعب الصبي بالعصفور بالنسبة الى لذات الملوك فحينئذ حال صاحبها كما قيل :
وكنت ارى ان قدتناهى بي الهوى ... الى غاية ما بعدها لي مذهب
فلما تلاقينا وعاينت حسنها ... تيقنت اني انما كنت العب ...
فالمكارم منوطة بالمكارة والسعادة لا يعبر اليها الا على جسر المشقة فلا تقطعمسافتها الا في سفينة الجد والاجتهاد قال مسلم في صحيحه قال يحيى بن ابي كثير لاينال العلم براحة الجسم وقد قيل من طلب الراحة ترك الراحة
فيا وصل الحبيب اما اليه ... بغير مشقة ابدا طريق
ولولا جهل الاكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف ولكن حفت بحجاب من المكاره وحجبوا عنها بحجاب من الجهل ليختص الله لها من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم