اندحار شبهة الانتحار
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اندحار شبهة الانتحار
------------
الشبهة :
قالوا :
البخاري يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بمحاولة الانتحار ، وتصدقونه عندما ينتقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم ويطعن في عصمته أليس هذا دليل على سقوط عدالة البخاري ؟ ودليل على عدم صحة كل ما في البخاري كما تزعمون !
الجواب :
مقصدهم من هذا الشبه الطعن في صحة كتاب البخاري ..
ومن ثم الطعن في عقيدة أهل السنة ..
ولكنهم
لم ينجحوا ولن ينجحوا
لأنهم
وقعوا في ثلاث مخالفات منهجية :
- ألزموا أهل السنة بلوازم لم يلتزم بها أهل السنة .
- نقلوا نقلاً غير الدقيق ، وبتروا النصوص .
- أوردوا دليلاً غير صحيح .
وإليك بيان هذا بالتفصيل :
أولا ً :
ألزموا أهل السنة بلوازم لم يلتزم بها أهل السنة .. فزعموا أننا نقول :
- أن كل ما في صحيح البخاري صحيح .
- وأن كتاب البخاري فوق الدراسة والنقد .
- وأنه كتاب مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!
وغير ذلك من الإلزامات غير الصحيحة ..
والصحيح أننا نقول :
كتاب البخاري أصح كتاب . وفرق بين أصح وبين كل ما فيه صحيح .
وإليك مثال لذلك :
قال البخاري في كتاب الأذان - باب مُكْثِ الإِمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ :
ويُذكر عن أبي هريرة ورفعه : لا يتطوع الإمام في مكانه .
ولم يصح .
قال ابن حجر : قوله : ( ولم يصح ) هو كلام البخاري، وذلك لضعف إسناده .
ستفاجأ بصراخهم نص ضعيف وهو في البخاري .. نعم ضعيف ..
فالبخاري التزم بصحة ما يسنده للرسول صلى الله عليه وسلم
وقد يأتي بنصوص ويبين ضعفها لفائدة ..
لكن المبتدعة قد يتغافلون عن منهج البخاري الدقيق بهدف الطعن في الكتاب كله . ثم الطعن في أهل السنة ..
فنحن لسنا ممن يقول بالعصمة لأحد بعد رسول الله r
فلا نقول بعصمة البخاري ولا غيره
فعلماؤنا شرحوا كتاب البخاري وعلقوا عليه ..
ومنهم من انتقد بعض المواطن في كتاب البخاري ..
ورد ابن حجر هذه الانتقادات فقال : وقد حررتها وحققتها وقسمتها وفصلتها، لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر".
هدي الساري (ص348)
ومع هذا فجميع علماؤنا حتى الذين انتقدوا بعض ما جاء في البخاري ..
أجمعوا على أن البخاري أجاد في تصنيف هذا الكتاب
حتى أصبح ( أصح ) كتب الحديث .
فأين القداسة التي تزعمون .
ثانياً :
النقل غير دقيق وبتر النصوص .
قالوا ( جاء في صحيح البخاري ج 8 ص 68 : ( وفتر الوحي حتى حزن النبي r فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقاً فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك . )
السؤال الأول ..
أين سند هذا النص ، ونحن نعلم أن البخاري يذكر الأسانيد قبل الروايات ؟
السؤال الثاني ..
هل هذا نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم ..
هل هذا حديث ؟
(( الجواب ))
البخاري ذكر رواية بالسند إلى عائشة r .. وبعد نهاية الرواية نقل نصاً للزهري ..
والشيعة يبترون ويقتطعون كلام الزهري ويدعون أن البخاري ينسب هذا للنبي ، وأنه يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بمحاولة الانتحار .
والصحيح :
أن البخاري نقل نصين مختلفين الأول حديث صحيحاً متصل السند عن عائشة ، والثاني نصاً ضعيفاً لا سند له للزهري ..
وهما نصين مختلفين لكنهم ينقلون الثاني ويخفون الأول ليوهموا الناس أنهما حديثاً واحداً وأن البخاري يصححهما .
وإذا رجعت لفتح الباري تجد أن ابن حجر رحمه الله قد أورد نص حديث عائشة لوحده فقال :
7068 ـ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهْوَ التَّعَبُّدُ ـ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ اقْرَأْ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ اقْرَأْ. فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ. فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ". حَتَّى بَلَغَ {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ " يَا خَدِيجَةُ مَا لِي ". وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ " قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ". فَقَالَتْ لَهُ كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَىٍّ ـ وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ ـ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ أَىِ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ وَرَقَةُ ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا، حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ". فَقَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ .
ثم اورد نص بلاغ الزهري لوحده فقال :
وَفَتَرَ الْوَحْىُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَىْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَىْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا. فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْىِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
حتى يبين لك أنهما نصين مختلفين . راجع ( فتح الباري / كتاب التعبير / باب أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة / حديث ( 6982) )
بل
إن البخاري نفسه كرر رواية عائشة في أكثر من موضع من كتابه ولم يورد معها نص الزهري .. مما يدل على أنها ليست من رواية عائشة .
راجع مثلاً
( صحيح البخاري / كتاب بدء الوحي / باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله الرواية الثالثة )
ثالثاً :
ضعف ( قول الزهري ) الذي احتجوا به :
قال الحافظ ابن حجر ما نصه :
" ثم إن القائل ( فيما بلغنا ) هو الزهري ، ومعنى الكلام : أن في جملة ما وَصَلَ إلينا من خبر رسول الله r في هذه القصة ، وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا ) أ.هـ
( فتح الباري 16/290 )
مرسل الإمام الزهري ضعيف عند أهل الحديث قال يحيى القطان : ( مرسل الزهري شر من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ ، وكلما يقدر أن يسمي سمى ؛ وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه ! )
انظر ( شرح علل الترمذي ) لابن رجب 1 / 284"
قال الشيخ الألباني رداً على البوطي لما عزى نص الزهري للبخاري :
هذا العزو للبخاري خطأ فاحش، ذلك لأنه يوهم أن قصة التردي هذه صحيحة على شرط البخاري، و ليس كذلك .
وقال أيضا :
أنـها مرسلة معضلة، فإن القائل: ((فيما بلغنا)) إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق
و بذلك جزم الحافظ في ((الفتح)) (12/302) و قال:
(( و هو من بلاغات الزهري و ليس موصولاً ))
قلت – أي الألباني - :
و هذا مما غفل عنه الدكتور أو جهله، فظن أن كل حرف في ((صحيح البخاري)) هو على شرطه في الصحة! و لعله لا يفرق بين الحديث المسند فيه و المعلق! كما لم يفرق بين الحديث الموصول فيه و الحديث المرسل الذي جاء فيه عرضاً كحديث عائشة هذا الذي جاءت في آخره هذه الزيادة المرسلة.
و اعلم أن هذه الزيادة لم تأت من طريق موصولة يحتج بـها
كما بينته في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) برقم (4858) و أشرت إلى ذلك في التعليق على مختصري لصحيح البخاري (1/5) .
وقال الألباني :
وخلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لا عن ابن عباس ولا عن عائشة ، ولذلك نبهت في تعليقي على كتابي مختصر صحيح البخاري (1/5) على أن بلاغ الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغترّ أحد من القراء بصحته لكونه في الصحيح
والله الموفق"ا.هـ.
( السلسلة الضعيفة المجلد الثالث حديث رقم(1052) صـ 160-163 )
والخلاصة :
لقد تبين لي بحمد الله تعالى أن رواية إقدامه صلى الله عليه وسلم على الانتحار من رؤوس الجبال ضعيفة سنداً ، باطلة متناً ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أرفع قدراً ، وأجل مكانة ، وأكثر ثباتاً من أن يقدم على الانتحار بسبب فترة الوحي وانقطاعه عنه .
وقد رد علماؤنا على الشبهة بردود كثيرة .. ليس المجال لاستقصائها ..
تركناها حرصاً منا لعدم تشتيت القارئ .
المصدر صحوة الشيعه