فتاوى في طلب العلم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ؟
فتاوى في طلب العلم :
سئل فضيلته – حفظه الله -: هل يعذر طلبة العلم الذين درسوا العقيدة على غير مذهب السلف الصالح محتجبين بأن العالم الفلاني أو الإمام الفلاني يعتقد هذه العقيدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يعذر به صاحبه حيث بلغه الحق؛ لأن الواجب عليه أن يتبع الحق أينما كان، وأن يبحث حتى يتبين له.
والحق – ولله الحمد – ناصع، بين لمن صلحت نيته، وحسن منهاجه، فإن الله – عز وجل يقول في كتابه: ] )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر[ (القمر الآية:17) . ولكن بعض الناس – كما ذكر الأخ السائل- يكون لهم متبوعون معظمون لا يتزحزحون عن آرائهم،
مع أنه قد ينقدح في أذهانهم أن آراءهم ضعيقة أو باطلة، لكن التعصب والهوى يجملهم على موافقة متبوعيهم، وإن كان قد تبين لهم الهدي.
-----------------------------------------------------------------------------
2- وسئل فضيلة الشيخ: عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟
فأجاب بقوله: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لابد للإنسان منها في دينه ودنياه، لابد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله – تبارك وتعالى على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر؛ لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة. أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ولا يخشى أن تكون سببا لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها مادام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماما حتى يصل فيها إلى اليقين.
وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال – ولله الحمد – والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هم أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لم)) والإنسان مسؤول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لم)) و ((كيف)) فلم عملت كذا ؟ هذا الإخلاص. كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لم)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً ، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد .
لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدين يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه ، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنه مع الأسف الشديد لا يهتم بجانب التوحيد وجانب العقيـدة، وهذا ليس من العامة فقط ولكن من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته.
كما أن التركيز على العقدية فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو القيدة السمحاء وما أشبه ذلك من العبارات، وفي الحقيقة أن هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لابد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على ((لم)) وعلى ((كيف)).
وخلاصة الجواب : أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة؛ ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده – جل وعلا – على بصيرة بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره.
وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم ( الفقه الأكبر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) (1) . وأول ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم ومن أي مصدر يتلقاه، فليأخذ من هذا العلم أولاً ما صفا منه وسلم من الشبهات، ثم ينتقل ثانيا إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات؛ ليقوم بردها وبيانها مما أخذ من قبل العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الصحابة – رضي الله عنهم – ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، وخصوصا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
------------------------------------------------------------------------------
3- سئل فضيلة الشيخ : يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج؟
فأجاب بقوله : يجاب على ذلك بأمور:
أحدها: أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس غالباً لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة.
الثاني: أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد.
الثالث: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك؛ لأن الله يقول] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا [ ]2[ ] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق الآيتان: 2 ، 3 ) وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي.
فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يُقال بأنه مخلص ؟
فالجواب: أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته بل قصد أمراً مادياً من ثمرات العبادة، فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية؛ فمثلاً يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم – مثلاً أنه سبب للتقوى، فالفوائد الدينية هي الأصل، والدنيوية ثانوية، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية، وعندما نتكلم عند ممن لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال.
يتبع بإذن الله ..
فتاوى في طلب العلم :
سئل فضيلته – حفظه الله -: هل يعذر طلبة العلم الذين درسوا العقيدة على غير مذهب السلف الصالح محتجبين بأن العالم الفلاني أو الإمام الفلاني يعتقد هذه العقيدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يعذر به صاحبه حيث بلغه الحق؛ لأن الواجب عليه أن يتبع الحق أينما كان، وأن يبحث حتى يتبين له.
والحق – ولله الحمد – ناصع، بين لمن صلحت نيته، وحسن منهاجه، فإن الله – عز وجل يقول في كتابه: ] )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر[ (القمر الآية:17) . ولكن بعض الناس – كما ذكر الأخ السائل- يكون لهم متبوعون معظمون لا يتزحزحون عن آرائهم،
مع أنه قد ينقدح في أذهانهم أن آراءهم ضعيقة أو باطلة، لكن التعصب والهوى يجملهم على موافقة متبوعيهم، وإن كان قد تبين لهم الهدي.
-----------------------------------------------------------------------------
2- وسئل فضيلة الشيخ: عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟
فأجاب بقوله: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لابد للإنسان منها في دينه ودنياه، لابد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله – تبارك وتعالى على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر؛ لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة. أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ولا يخشى أن تكون سببا لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها مادام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماما حتى يصل فيها إلى اليقين.
وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال – ولله الحمد – والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هم أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لم)) والإنسان مسؤول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لم)) و ((كيف)) فلم عملت كذا ؟ هذا الإخلاص. كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لم)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً ، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد .
لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدين يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه ، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنه مع الأسف الشديد لا يهتم بجانب التوحيد وجانب العقيـدة، وهذا ليس من العامة فقط ولكن من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته.
كما أن التركيز على العقدية فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو القيدة السمحاء وما أشبه ذلك من العبارات، وفي الحقيقة أن هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لابد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على ((لم)) وعلى ((كيف)).
وخلاصة الجواب : أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة؛ ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده – جل وعلا – على بصيرة بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره.
وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم ( الفقه الأكبر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) (1) . وأول ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم ومن أي مصدر يتلقاه، فليأخذ من هذا العلم أولاً ما صفا منه وسلم من الشبهات، ثم ينتقل ثانيا إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات؛ ليقوم بردها وبيانها مما أخذ من قبل العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الصحابة – رضي الله عنهم – ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، وخصوصا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
------------------------------------------------------------------------------
3- سئل فضيلة الشيخ : يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج؟
فأجاب بقوله : يجاب على ذلك بأمور:
أحدها: أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس غالباً لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة.
الثاني: أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد.
الثالث: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك؛ لأن الله يقول] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا [ ]2[ ] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق الآيتان: 2 ، 3 ) وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي.
فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يُقال بأنه مخلص ؟
فالجواب: أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته بل قصد أمراً مادياً من ثمرات العبادة، فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية؛ فمثلاً يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم – مثلاً أنه سبب للتقوى، فالفوائد الدينية هي الأصل، والدنيوية ثانوية، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية، وعندما نتكلم عند ممن لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال.
يتبع بإذن الله ..