البدعة
أولًا: تعريف البدعة:
البدعة في اللغة: قال ابن فارس: «الباء والدال والعين أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر: الانقطاع والكلال».[مقاييس اللغة: بدع]
والبدعة: الشيء المخترع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مّنَ ٱلرُّسُلِ﴾ [الأحقاف:9]. [لسان العرب: بدع]
البدعة في الشرع:
قال الشافعيُّ: «والبدعة ما خالف كتابًا أو سُنة أو أثرًا عن بعض أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-»
[إعلام الموقعين: 1/80].
قال العزُّ بن عبد السلام:
«فعلُ ما لم يُعهد في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»
[قواعد الأحكام: 2/172].
قال ابن الجوزي:
«البدعة عبارة عن فعلٍ لم يكن؛ فابتدع».
[تلبيس إبليس: ص 16]
قال ابن رجب:
«والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة». [
size=9][جامع العلوم والحكم: 2/127][/size].
قال الشاطبيُّ:
«طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى»
. [الاعتصام: 1/51].
- طريقة في الدين، الطريقة:
ما أُعِدَّ للسير عليه، وقُيِّدت بالدين لأنَّ صاحبها يضيفها إليه.
- مخترعة:
أي جاءت على غير مثالٍ سابق، لا تعرف في الدين.
- تضاهي الشرعية:
تشبهها وليست منها.
- يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد:
لأنه المقصود منها.
ثانيًا: قواعد عامة لمعرفة البدعة:
1. كل عبادة ليس لها مستندٌ إلاَّ حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة مثل صلاة الرغائب.
2. إذا ترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منتفيًا؛ فإن فعلها بدعة. مثل التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة، والأذان لغير الصلوات الخمس، والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة.
3. كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات من وجه لم يعتبره الشارع فهو بدعة، مثل اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقة إلى الله، والتقرب إلى الله بالصمت الدائم، أو بالامتناع عن الخبز واللحم وشرب الماء البارد، أو بالقيام في الشمس وترك الاستظلال.
4. كل تقرب إلى الله بفعل ما نَهى عنه سبحانه فهو بدعة، مثل التقرب إلى الله –تعالى- بالغناء.
5. كل عبادة يُتعبد اللهُ بِها يجب أن تتحقق فيها المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا يتحقق فيها ذلك إلاَّ بموافقتها للشريعة في ستة أوصاف، فتغيير صفةٍ من هذه الصفات بدعة، وهذه الصفات الست هي:
1- أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها، فأيُّ عبادة ليس لها سببٌ ثابتٌ بالشرع مردودة، مثل الاحتفال بمولد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
2- أن تكون موافقة للشريعة في جنسها، فلو ضحى أحدٌ بفرس كان بذلك مخالفًا للشريعة.
3- أن تكون العبادة موافقة للشريعة في قدرها، فمَن زاد في الصلاة –الظهر مثلاً- ركعتين لم يكن موافقًا للشريعة بالعبادة في قدرها.
4- أن تكون العبادة موافقة للشريعة في كيفيتها، فمن ابتدأ في وضوئه بغسل الرجلين ثم مسح الرأس لم يكن موافقًا للشريعة في كيفيتها.
5- أن تكون العبادة موافقة للشريعة في زمانِها، فلا تصح صلاة الظهر قبل الزوال.
6- أن تكون العبادة موافقة للشريعة في مكانِها، فلا يصح في اليوم التاسع من ذي الحجة الوقوف بغير عرفة.
[دروس وفتاوى الحرم المكي لابن عثيمين: 1/17-19].
ثالثًا: خطر البدعة، وما ينتج عنها من آثار:
1- إحداث في الدين.
2- البدعة بريد الكفر.
3- القول على الله بغير.
4- استدراكٌ على صاحب الشريعة.
5- تفريق الأمة.
6- هجر السنة.
7- الفتنة.
8- اتهام صاحب الرسالة.
9- مضاهاة الأنبياء في النبوة.
10- تحريف الدين وتبديله.
رابعًا: شبهات المبتدعة:
1- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال:
(من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بِها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بِها إلى يوم القيامة).
[أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي مطولًا: 1017]
2- عن عمر -رضي الله عنه-، قال عن صلاة التراويح جماعة في المسجد:
(نعمت البدعة هذه)
[أخرجه البخاري في صحيحه: 2010].
3- قول ابن مسعود:
«فما رأى المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسنٌ، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ»
. [المسند (1/379)، وحسَّن الشيخ شعيب إسناده في طبعته: 6/84]
4- تقسيم العزّ بن عبد السلام البدعة إلى واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح.
خامسًا: الردّ على الشبهات على الترتيب:
1- قال الشاطبيُّ ردًّا على المستدل بالحديث:
«يلزم منه التعارض بين الأدلة، على أنَّ السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة، بدليل ما في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنهما-، قال: (كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار -أو العباءة- متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بِهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن وأقام فصلَّى، ثم خطب، فقال: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ﴾ إلى آخر الآية: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً﴾ [النساء:1]. والآية التي في الحشر: ﴿ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: 18].
وبعد: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاءه رجل من الأنصار بِصُرَة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء)
فتأملوا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من سنّ سنة حسنة) تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه، حتى بتلك الصرّة، فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسُرّ بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة) الحديث،
فدل على أنَّ السنة هاهنا مثل ما فعل الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنّة». [الاعتصام: 1/142-145]
2- قال ابن رجب:
«وأمَّا ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر -رضي الله عنه- لمَّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك، فقال: نعمت البدعة هذه»
. [جامع العلوم والحكم: 1/129].
3- قال السندي:
«ظاهر السَّوق يقتضي أنّ المراد بهم الصحابة، على أنّ التعريف للعهد، فالحديث مخصوص بإجماع الصحابة لا يعم إجماع غيرهم، فضلًا عن أن يعم رأي بعض، ثم الحديث مع ذلك موقوف غير مرفوع». [
نقلًا عن تعليق الشيخ شعيب في طبعته للمسند: 6/85]، والسَّوق المراد منه: سياق الكلام.
4- قال الشاطبيُّ - رحمه الله تعالى :
«إنّ هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛
لأنّ حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده؛
إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة،
ولكان العمل داخلًا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخيَّر فيها،
فالجمع بين عدِّ تلك الأشياء بدعًا، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين»
[الاعتصام: 1/188-220].
[/size]
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 17.08.09 11:14 عدل 2 مرات