العقيدة وأثرها على انتصار المسلمين)
( لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله)
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. ( لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله)
أما بعد:
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) [الأحزاب:70-71].
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) [النساء:1].
أيها الإخوة الكرام، يسرني أن ألتقي بكم، في هذه الليلة لأتحدث عن أمر مهم يتعلق بجنود الرحمن وذلك أن موضوع الجيش والقيادة العسكرية موضوع مهم وليس بالأمر الهين، فإن الإنسان في الواقع يرصد نفسه للقتل والمقاتلة إنه يرصد
نفسه التي هي أغلى ما يملك من الحياة الدنيا لأجل أن يقوم بالقتال وربما يقتل، هذا الجندي الذي رصد نفسه لهذا الأمر العظيم إما أن يقتل قتلة جاهلية، وإما أن يقتل شهيداً في سبيل الله ينال منزلة الشهداء الذين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام : " أن أرواحهم تكون في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" لأن هؤلاء الذين خرجت
أرواحهم من أجسامهم في سبيل الله أبدلهم الله أجساماً خير منها في جنات النعيم فأهل الجنة من المؤمنين غير الشهداء في سبيل الله لا يحصل لهم هذا الفضل أي لا تكون أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش وإذا كان هذا الأمر هو مآل الشهيد في سبيل الله فإنه لابد لنا أن نعرف من هو الشهيد في سبيل الله هل كل من قتل في حرب فهو شهيد في سبيل
الله؟ هل من دافع عن هدف هو في سبيل الله؟. لا، لقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم " عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل
حمية، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" . هذا هو الميزان الحقيقي الذي يجب علينا أن نزن به كل مقاتلة يتلبس بها المرء ويواجه بها أعداءه، إذا كان هذا المقاتل يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا لأن يكون هو الظاهر أو هو العالي، ولكن ليكون الظاهر دين الله ولتكون كلمة الله هي العليا فهذا هو الذي يقاتل في سبيل الله وهذا هو الذي إذا قتل فهو شهيد، هذا هو الشهيد حقاً الذي ينال درجة الشهداء، ومع ذلك فإنه لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد حتى لو قتل مظلوماً، أو قتل وهو يدافع عن حق فإنه لا يجوز أن نقول : فلان شهيد وهذا خلافاً لما عليه كثير من الناس اليوم حيث أرخصوا هذه الشهادة وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولاً في عصبية جاهلية يسمونه شهيداً وهذا حرام، لأن قولك عن شخص قتل إنه شهيد يعتبر شهادة سوف تسأل عنها يوم القيامة سوف يقال لك : هل عندك علم أنه قتل شهيداً ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: " ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم
القيامة وجرحه يثعب أو قال : وكلمه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك" فتأمل قول النبي عليه الصلاة والسلام: " والله أعلم بمن يكلم في سبيله" أي بمن يجرح فإن بعض الناس قد يكون ظاهر أمره أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولكن الله يعلم ما في قلبه وأنه خلاف ما يظهر من فعله، ولهذا بوب البخاري رحمه الله علي هذه المسألة في صحيحه فقال: " باب لا
يقال : فلان شهيد" لأن مدار الشهادة على ما في القلب ولا يعلم ما في القلب إلا علام الغيوب جل وعلا. أيها الإخوة: إن أمر النية أمر عظيم وكم من رجلين يقومان بأمر واحد يكون بينهما كما بين السماء والأرض وذلك من أجل النية ألم يبلغكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنياً يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" العمل واحد والمظهر واحد وهي الهجرة، لكن بين هذين المهاجرين كما بين السماء والأرض لاختلاف النية، لأن النية عليها مدار عظيم فعلينا أن نخلص النية لله من الأساس نتعلم أساليب الحرب لأجل أن نقاتل حماية لدين الله عز وجل وإعلاءً لكلمته وثقوا بأنه مادامت هذه النية هي النية التي ينويها المقاتل مع صلاح عمله واستقامة حاله فإن الله تعالى سوف يكتب له النصر فإذا نصر الإنسان ربه فإن الله قد ضمن له النصر كما قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [محمد:7] .
وهنا مثلان يجب أن نأخذ منهما عبرة:
المثل الأول:
في اعتماد الإنسان على نفسه وقوته فإنه متى اعتمد الإنسان على نفسه وقوته خذل مهما كان انظروا إلى ما وقع من المسلمين في غزوة الطائف " غزوة حنين " خرج الرسول عليه الصلاة والسلام باثني عشر ألفاً الذين فتحوا مكة وألفان من أهل مكة خرجوا إلى ثقيف وهوازن فقالوا: " لن نغلب اليوم من قلة "، أعجبوا بكثرتهم وأنهم لن يغلبوا بسبب الكثرة فماذا حصل ؟ هزموا بثلاثة آلاف وخمسمائة نفر ولهذا ذكرهم الله عز وجل بهذه الحال حيث قال: ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين . ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) [التوبة: 25-26] لما علم المسلمون أن الكثرة لن تغني شيئاً واستقر ذلك في نفوسهم تراجعوا ثم جعل الله لهم النصر في آخر الأمر، إذاً يجب علينا أن نعتقد أننا ما أوتينا من قوة في العدد أو العدد يجب أن نعتقد أنه سبب من الأسباب وأن الأمر بيد الله عز وجل وأن من لا ينصره الله فلا ناصر له حتى لا نعتمد على القوة وحتى لا نركن إلى الدعة والسكون، لأن الإنسان إذا اعتمد على قوته والكثرة في العدد والعدد فإنه لن ينشط على القتال، ولن ينشط على الأهبة والاستعداد، لأنه يرى نفسه غالباً بسبب ما عنده من الكثرة ولهذا يجب علينا أن نكون دائماً معتصمين بالله مستعينين به.
المثل الثاني:
في غزوة أحد كان النصر في أول الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، ولكن حصل منهم معصية واحدة وهي مخالفة الرماة جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم، في ثغر من الجبل وقال لهم: " لا تبرحوا مكانكم " لكن القوم لما رأوا أن المسلمين هزموا الكفار ظنوا أن لا رجعة للكافرين فتقدموا يقولون : الغنيمة، الغنيمة فماذا حصل؟ حصل أن استشهد من المؤمنين سبعون رجلاً ،
وجرح الرسول صلى الله عليه وسلم في وجنته وكسرت رباعيته وأغمي عليه، وحصل ما حصل من التعب والمشقة والجراح ولكن لله تعالى الحكمة في ذلك، ذكرهم الله بهذا في قوله: ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) لعل قائلاً يقول: أين جواب الشرط: ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون ) [آل عمران:152] ألا تترقبون شيئاً يأتي بعد هذه الجملة؟ بلى نترقب شيئاً أين هذا الشيء ؟ هذا الشيء حذف ليذهب الذهن كل مذهب في تقديره، يعني حصل ما تكرهون وحصل كذا وكذا، مما يمكن الذهن أن يقدره من خلال ما وقع في هذه الغزوة.
أيها الإخوة: إذا كان الأمر كذلك في جند من خير القرون، فإن خير قرون بني آدم: هم الصحابة رضي الله عنهم وحصل أيضاً مع خير رسول أرسله الله عز وجل إلى أهل الأرض بمعصية واحدة فما بالكم إذا كانت المعاصي كثيرة؟!
إننا إذا أملنا النصر مع كثرة المعاصي فما هي إلا أمنية مبنية على غير حقيقة، لابد أن نطهر أنفسنا أولاً، وأن نرجع إلى الله عز وجل وأن نعمل عملاً صالحاً حتى نستحق النصر يقول الله سبحانه وتعالى: ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [الحج:40]. فمن الذين ينصرون الله ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) [الحج:41] استقاموا في أنفسهم وحاولوا إقامة غيرهم، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة استقامة لأنفسهم، والأمر الجواب نقولها : وهي مرة لكن ما وافق الحقيقة فهو حلو نقول :هذا غيرموجود إلا أن يشاء الله. بالمعروف والنهي عن المنكر فيها محاولة إصلاح غيرهم، فهل هذا موجود الآن في أكثر الجيوش الإسلامية ؟.
الجواب: نقولها وهي مرة لكن ما وافق الحقيقة فهو حلو نقول هذا غير موجود إلا أن يشاء الله.
كيف كانت حال الرسول عليه الصلاة والسلام حينما دخل مكة فاتحاً مظفراً منصوراً كان عليه الصلاة والسلام خاضعاً الرأس يردد قوله تعالى: ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ) [الفتح:1] يردد كلام الله لا يردد أنشودة ولا أغنية ولم يصحب أحداً يغني معه، فيجب علينا مع الإخلاص أن نستقيم في أمرنا ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) [فصلت: 30] فلا لابد من الاستقامة ولا يكفي أن نقول: ربي الله ولا أن تؤمن. ولهذا يقدم الله العمل أحياناً على الإيمان (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه
حياة طيبة ) [النحل:97]. فقدم العمل، وبين أن أساس العمل الإيمان ، وقال عز وجل مقدم الإيمان أحياناً ( والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) [العصر:1-3].
أيها الإخوة: إن إخلاص النية أمر مهم لا تقاتل لأجل وطنك ولا تقاتل لأجل قومك، ولا تقاتل لأي أحد سوى وجه الله عز وجل حتى تنتصر وحتى تنال الشهادة إن قتلت، حتى ترجع بإحدى الحسنيين إما الشهادة وإما الظفر والسعادة إن الإنسان الذي يقاتل لغير الله فقد باء بالفشل وخسر الدنيا والآخرة، إن القتال لغير الله سبحانه وتعالى غير مجدٍ شيئاً من أزمنة طويلة وظهرت دعوى
الجاهلية دعوى القومية فماذا أنتجت هذه القومية؟ أنتجت تفريق المسلمين، وانضمام غير المسلمين إلى المسلمين بدعوى هذه القومية، بل إن القومية في حد ذاتها لم تجتمع ولا على قوميتها إننا نرى هؤلاء القوم ربما يقاتل بعضهم بعضاً، وربما يعين بعضهم على الآخر عدوه؟ لو كانت الراية راية الإسلام والقتال للإسلام لانضم إلينا أعداد هائلة من المسلمين الذين نعلم أن عندهم من تحقيق الإيمان والعمل الصالح ما يفوق كثيراً من الناس، ولهذا من الممكن أن ينظر الإنسان في أمره ويفكر هل هو على نية سليمة أو على نية غير سليمة ، إذا كان على نية سليمة فليحمد الله ويستمر ، وإذا كان على نية غير سليمةفليعد فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي فالباطل، فالقتال لأجل إعلاء كلمة الله هو الذي ينال به الإنسان إحدى
الحسنيين إما الظفر وإما الشهادة.
[يتبع]