خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:31

    توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين أما بعد:

    فهذا جمع مبارك لكلام كبار العلماء في التوفيق بين نصوص الشريعة الغراء مما يوهم تعارضها ، وسميته:

    توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء


    العلامة ابن باز – رحمه الله تعالى - :

    (1) التوفيق بين حديثي ((لا عدوى ولا طيرة)) و ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)).

    كيف نوفق بين الحديثين الشريفين: ((لا عدوى ولا طيرة)) و((فر من المجذوم فرارك من الأسد))؟

    (لا منافاة عند أهل العلم بين هذا وهذا وكلاهما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول))، وذلك نفي لما يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض كالجرب تعدي بطبعها، وأن من خالط المريض أصابه ما أصاب المريض وهذا باطل، بل ذلك بقدر الله ومشيئته، وقد يخالط الصحيح المريض المجذوم ولا يصيبه شيء كما هو واقع ومعروف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الإبل الصحيحة يخالطها البعير الأجرب فتجرب كلها، قال له عليه الصلاة والسلام: ((فمن أعدى الأول))،
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((لا يورد ممرض على مصح))، فالجواب عن ذلك: أنه لا يجوز أن يعتقد العدوى ولكن يشرع له أن يتعاطى الأسباب الواقية من وقوع الشر وذلك بالبعد عمن أصيب بمرض يخشى انتقاله منه إلى الصحيح بإذن الله عز وجل كالجرب والجذام، ومن ذلك عدم إيراد الإبل الصحيحة على الإبل المريضة بالجرب ونحوه توقيا لأسباب الشر وحذرا من وساوس الشيطان الذي قد يملي عليه أنما أصابه أو أصاب إبله هو بسبب العدوى)اهـ.
    مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء السادس

    (2) الجمع بين حديثين متعلقين بالقضاء والاجتهاد

    كيف نوفق بين الحديثين التاليين: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار))[1] رواه أبو داود. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه: (المجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد). وفقوا بين الحديثين؟[2]

    الجواب:

    (ليس بينهما بحمد الله تعارض، بل المعنى واضح، فالحديث الأول فيمن قضى للناس على جهل ليس عنده علم لشرع الله يقضي به بين الناس فهو متوعد بالنار؛ لقوله على الله بغير علم، وهكذا الذي يعلم الحق ولكن يجور من أجل الهوى لمحبته لشخص أو لرشوة أو ما أشبه ذلك فيجور في الحكم فهذان في النار، لأن الأول ليس عنده علم يقضي به فهو جاهل فليس له القضاء، أما الثاني فقد تعمد الجور والظلم فهو في النار. أما الأول فقد عرف الحق وقضى به فهو في الجنة.

    أما حديث الاجتهاد الذي رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه وما جاء في معناه وهو في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر))، فهذا في العالم الذي يعرف الأحكام الشرعية وليس بجاهل، ولكن قد تخفى عليه بعض الأمور وتشتبه عليه بعض الأشياء فيجتهد ويتحرى الحق وينظر في الأدلة الشرعية من القرآن والسنة ويتحرى الحكم الشرعي لكنه لم يصبه، فهذا له أجر الاجتهاد ويفوته أجر الصواب وخطئه مغفور؛ لأنه عالم عارف بالقضاء، ولكن في بعض المسائل قد يغلط بعد الاجتهاد والتحري والنية الصالحة، فهذا يعطى أجر الاجتهاد ويفوته أجر الصواب.
    الثاني: اجتهد طلب الحق واعتنى بالأدلة الشرعية وليس له قصد سيء بل هو مجتهد طالب للحق فوفق له واهتدى إليه وحكم بالحق، فهذا له أجران أجر الإصابة وأجر الاجتهاد. وبهذا يُعلم أنه ليس بين الحديثين تعارض والحمد لله)اهـ.

    ----------------------------------

    [1] أخرجه أبو داود برقم 3102 (كتاب الأقضية)، باب في القاضي يخطئ.

    [2] سؤال أجاب عنه سماحته في تاريخ 28/5/1412هـ.

    مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثالث والعشرون.

    (3) كيف الجمع بين حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))، وحديث: ((كانت أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان))؟
    لقد قرأت في صحيح الجامع الحديث رقم (397) تحقيق الألباني وتخريج السيوطي (398) صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان)). ويوجد حديث آخر خرجه السيوطي برقم (8757) صحيح، وحققه الألباني في صحيح الجامع برقم (4638) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت أحب الشهور إليه - صلى الله عليه وسلم أن يصومه، شعبان ثم يصله برمضان)) فكيف نوفق بين الحديثين؟
    الجواب:
    (بسم الله والحمد لله، وبعد:

    فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله وربما صامه إلا قليلاً كما ثبت ذلك من حديث عائشة وأم سلمة، أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح، كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة، والله ولي التوفيق)اهـ.

    نشر في مجلة الدعوة بتاريخ 3/11/1414هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الخامس والعشرون.

    (4) الجمع بين قوله( يمحو الله ما يشاء ويثبت) وحديث(رفعت الأقلام وجفت الصحف).
    كيف نوفق بين قوله تعالى: ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: رُفعت الأقلام وجفت الصحف؟ وضحوا لنا جزاكم الله خيراً.

    الجواب:

    (لا منافاة بين الأحاديث وبين الآية الكريمة، فإن الآية فسرها أهل العلم بأن المراد منها الشرائع يمحو الله ما يشاء مما شرع ويثبت منها ما شاء سبحانه وتعالى، فينسخ شيئاً ويثبت شيئاً مما شرع سبحانه وتعالى، والبعض فسرها بالحسنات والسيئات، يمحو الله ما يشاء من السيئات بالتوبة وبالحسنات، ويمحو بعض الحسنات بتعاطي ما حرم الله عز وجل مما يزيلها. فالحاصل أنها ليست المراد بها ما سبق به القدر، ما سبق به القدر لا يمحى، ما استقر في علم الله أنه يقع لا يُمحى، بل الأقدار ماضية (رفعت الأقلام وجفت الصحف) فما قدره الله وسبق في علمه أنه يكونُ يكون، وما سبق في علمه أنه لا يكون لا يكون، فهو غير داخل في الآية الكريمة، وإنما الآية فيما يتعلق بالشرائع والأحكام أو بالحسنات والسيئات لا فيما يتعلق بالأقدار، هذا هو أصح ما قيل في الآية الكريمة)اهـ.
    (نور على الدرب).


    (5) كيف نوفق بين حديث: (مات الرسول عن فدك) ، وحديث (مات ولم يورث شيئا)؟!

    قرأت بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- مات عن فدك -كتبت هكذا- وأموال، وكذلك قرأت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات ولم يترك ديناراً ولا درهماً, كيف أوفق بين هذين؟

    الجواب:

    (نعم توفي وما خلف نقودا ، ما جاء من النقود أنفقه-عليه الصلاة والسلام-؛ لكن خلف أراضي في خيبر وفي فدك أراضي للمسلمين لمصلحة المسلمين, فالرسل والأنبياء ما يورثون لا دينارا ولا درهما إنما يورثون ما هو نفع المسلمين ، ما تركوه هو صدقة تصرف في مصارف المسلمين, كما قال-صلى الله وعليه وسلم-: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة).
    فهو ما ورث دراهم ولا دنانير, وإنما خلف أرضاً في خيبر وفدك)اهـ.
    (نور على الدرب).

    (6) صلة الرحم من أسباب بركة العمر.

    كيف نوفق بين الأحاديث التي وردت في زيادة العمر وذلك حين صلة الرحم وليلة القدر وغير ذلك مما ورد فيها أحاديث التي ورد أنها مما يزاد في العمر وينسأ في الأجل، ومعنى الحديث الذي ورد أن الإنسان حينما يتكون أو يصير في أربعين يوماً يكتب أجله وشقي أو سعيد أفيدونا مأجورين؟[1]

    الجواب:
    (ليس بين الأحاديث منافاة ولا تناقض فإن الله جل وعلا قَدَّر الأشياء؛ قدر الآجال، قدر الأرزاق، قدر الأعمال والشقاء والسعادة، وقدر أسبابها، وقدر أن هذا يبر والديه ويصل أرحامه، ويكون له بسبب ذلك زيادة في عمره، وقدر أن الآخر يكون قاطعاً وغير بار ويكون النقص في العمر وقد يكون هذا، هذا طويل العمر وهذا قصير العمر لأسباب أخرى، فالله قدر الأشياء وقدر أسبابها سبحانه وتعالى فلا منافاة؛ فبر الوالدين وصلة الأرحام من أسباب بركة العمر وطوله، والقطيعة والعقوق من أسباب قصره ومحق بركته، ولا منافاة بين هذا وبين كون الأجل معدوداً ومحدوداً، وليس هناك زيادة ولا نقص فيما قدره الله سبحانه وتعالى، لكن هذه الأقدار مقدرة بأسبابها فهذا يطول عمره إلى كذا بأسباب كذا وكذا، وهذا ينقص عمره بأسباب كذا وكذا، وهذا يقتل لسن كذا وكذا، وهذا يموت لسن كذا وكذا إلى آخره، ربنا قدر الأشياء بأسبابها سبحانه وتعالى)اهـ.

    ----------------------------------

    [1] من أسئلة حج عام 1406هـ الشريط الثالث.

    مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الخامس والعشرون.


    (7) كيف نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أفتان أنت يا معاذ)) وفعله هو عليه الصلاة والسلام حيث ثبت عنه أنه قرأ بالبقرة وآل عمران والمائدة والأعراف وغيرها؟

    الجواب:

    (مراده صلى الله عليه وسلم الحث على التخفيف إذا كان إماماً يصلي بالناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء))[1]، وكان صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام، كما قال أنس رضي الله عنه: ((ما صليت خلف أحد أتم صلاة ولا أخف صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم))[2] متفق عليه.
    أما إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. وقراءته صلى الله عليه وسلم بالبقرة والنساء وآل عمران كانت في تهجده بالليل. وفق الله الجميع)اهـ.
    ----------------------------------

    [1] رواه البخاري في (الأذان) برقم (662)، ومسلم في (الصلاة) برقم (714).
    [2] رواه البخاري في (الأذان) برقم ( 66)، ومسلم في (الصلاة) برقم (721).
    من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من ( المجلة العربية ) - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الثاني عشر

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:34

    (8)الجمع بين حديث النهي عن الصلاة والدفن في ثلاث ساعات، وحديث التعجيل بالجنازة.

    كيف نجمع بين نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والدفن في ثلاث ساعات، وبين حديث التعجيل بالجنازة، وكانت الجنازة مثلا بعد العصر؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب:

    (ليس بين الأحاديث تعارض، فالسنة تعجيل الصلاة على الجنازة ودفنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))، ولكن إذا صادف ذلك وقت الساعات الثلاث أجلت الصلاة عليها ودفنها؛ لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب) أخرجه مسلم في صحيحه. وهذه الساعات الثلاث كلها قليلة لا يضر تأخير الصلاة على الميت فيها ولا تأخير دفنه، ولله الحكمة البالغة سبحانه في ذلك، وهو سبحانه أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، والله الموفق)اهـ.

    مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثالث عشر.يتبع..

    .__________________
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
    ( ما من أمير عشرة ، إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور.
    رواه أحمد والدارمي وغيرهماوصححه الألباني في الصحيحة(2621) ).


    (9)الجمع بين حديثين في الطيرة.

    كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا طيرة ولا هامة))، وقوله: ((إن كانت الطيرة ففي البيت والمرأة والفرس)) أفيدونا جزاكم الله خيراً؟[1]


    الجواب:


    (الطيرة نوعان: الأول من الشرك وهي التشاؤم من المرئيات أو المسموعات فهذه يقال لها: طيرة وهي من الشرك ولا تجوز، الثاني: مستثناة وهذا ليس من الطيرة الممنوعة؛ ولهذا في الحديث الصحيح: ((الشؤم في ثلاث: في المرأة وفي الدار وفي الدابة))[2]، وهذه هي المستثناة وليست من الطيرة الممنوعة؛ لأن بعضهم يقول: إن بعض النساء أو الدواب فيهن شؤم وشر بإذن الله، وهو شر قدري، فإذا ترك البيت الذي لم يناسبه، أو طلق المرأة التي لم تناسبه، أو الدابة أيضاً التي لم تناسبه فلا بأس فليس هذا من الطيرة)اهـ.
    ----------------------------------

    [1] نشر في كتاب فتاوى إسلامية، جمع وترتيب محمد المسند، ج 4، ص121.

    [2] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من شؤم الفرس برقم 2646، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، برقم 4128.

    مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الخامس والعشرون.

    (10) لا تعارض بين الآيتين.


    سائل يسأل فيقول : كيف نجمع بين هاتين الآيتين: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى وهل بينهما تعارض؟


    الجواب:


    (ليس بينهما تعارض ، فالآية الأولى في حق من مات على الشرك ولم يتب فإنه لا يغفر له ومأواه النار كما قال الله سبحانه : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[1] وقال عز وجل : وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[2] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
    أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[3] فهي في حق التائبين وهكذا قوله سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[4] أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين. والله ولي التوفيق)اهـ.
    ----------------------------------
    [1] سورة المائدة الآية 72.
    [2] سورة الأنعام الآية 88.
    [3] سورة طه الآية 82.
    [4] سورة الزمر الآية 53.
    مجلة الدعوة العدد 983 في 27/6/1405هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الرابع.


    (11) الجمع بين حديث: ((يقطع الصلاة الحمار والمرأة...)) وبين حديث أن عائشة كانت تنام أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي.
    كيف نجمع بين حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا يقطع الصلاة إلا المرأة والكلب الأسود والحمار، وبين حديث أن عائشة رضي الله عنها كانت تنام أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي حتى إذا أراد أن يوتر غمزها فقامت؟


    الجواب:


    (ليس بين الحديثين تخالف؛ لأن وجودها أمامه وهي في الفراش لا يسمى مروراً، وهكذا انسلالها من الفراش ليس مروراً)اهـ.

    مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد التاسع والعشرون.


    (12) عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كنت ألعب بالبنات، فربما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي الجواري، فإذا دخل خرجنا وإذا خرج دخلنا]، كيف نجمع بين هذا الحديث وبين تحريم المجسمات ذوات الأرواح، وهل يجوز اقتناء لعب الأطفال المجسمة باعتبارها مهانة؟


    الجواب:


    (هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمة الله عليهم، فمنهم من أجاز ذلك احتجاجاً بحديث عائشة وما عندها من اللعب، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها وهو لا يُقر على باطل، فدل على أنه يسمح اللعب للبنات ليتمرن على خدمة الأولاد وتربية الأولاد بتمرنهن على هذه اللعب؛ ولأنها في حكم الامتهان والابتذال فرخصوا فيها، وقال آخرون: إن هذا كان قبل النهي، قبل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصور، وقبل لعنه المصورين، وقبل أمره بطمس الصور، فلا يسمح لهن بذلك، وقالوا: إنما يسمح لهن بالشيء الذي ليس فيه صورة، كاللعب العادية التي في الأعواد والعظام، فتلبس بعض الثياب وهي ليست صورة، إنما هي شبه صورة، يعتادها البنات سابقاً من غير تصوير، وهذا القول محتمل وهو أحوط، ولكن قول من قال بالجواز بلعب البنات قول قوي، والأصل عدم النسخ. ويجمع بين النصوص بأن لعب البنات في حكم الامتهان، ولأن فيها تدريباً لهن على خدمة الأطفال وتربية الأطفال، فيكون هذا مستثنى من الأحاديث العامة، التي فيها النهي عن اقتناء الصور، والأمر بطمسها، وتكون ذلك في حكم الصور التي تكون في البسط والوسائد، لها حكم الامتهان)اهـ.
    (نور على الدرب).


    (13) الجمع بين قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) وحديث السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة.
    كيف نجمع بين قوله - صلى الله عليه وسلم -: سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وبين قوله تبارك وتعالى: (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ))[مريم:71]؟


    الجواب:


    (ليس بين الآية وبين الحديث اختلاف، فالورود هو المرور على الصراط وكل الناس يمرون عليه كل أهل الجنة يمرون عليه، لأنه الطريق إلى دخول الجنة ، والصراط منصوب على متن جهنم فيمر أولهم عليه كالبرق وكلمح البصر ثم كالريح ثم كالطير ثم كأجاود الخيل والركاب تجري بهم أعمالهم ، هذا مرور لكن ليس فيه عذاب وإنما هو مرور بغير عذاب ، إلا من أراد الله جل وعلا تعذيبه من العصاة الذين قد تأخذهم الكلاليب ويسقطون في النار لمعاصيهم وكبائرهم التي لم يتوبوا إلى الله منها، فإن على الجسر كلاليب تخطف الناس بأعمالهم لا يعلم قدرها إلا الله سبحانه وتعالى، فمن الناس من يمر يمشي ومنهم من يمر يزحف ومنهم من تخدشه الكلاليب ولكن يسلم ومنهم يخدش ويلقى في النار بسبب معاصيه وكبائره التي مات عليها، أما الكفار فإنهم لا يمرون عليه بل يساقون إلى النار نسأل الله العافية، فالحاصل أن هذا ا لمرور لا بد منه وهو الورود المذكور في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم: 71-72) فالمتقون ينجيهم الله ويمرون والظالمون يساقون إلى جهنم فيدخلونها، والعصاة على خطر عظيم منهم من ينجو ومنهم من يسلم، ومنهم من يدخل النار ويعذب بقدر معاصيه ثم يخرجه الله منها بفضل رحمته سبحانه وتعالى؛ لأنه مات على التوحيد والإسلام، وتحل الشفاعة فالنبي يشفع، والملائكة يشفعون، والمؤمنون يشفعون والمؤمنون يشفعون ، والأفراط يشفعون.


    أما الكفار فإنهم لا شفاعة فيهم، بل خلودهم في النار دائم قال الله تعالى (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48) (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)(غافر: من الآية18)، فالكفار مخلدون في النار وليس فيهم شفاعة، وإنما الشفاعة في العصاة الذين يدخلون النار بمعاصيهم فإنهم يشفع فيهم الأنبياء، ويشفع نبينا - صلى الله عليه وسلم - في عصاة أمته ويشفع المؤمنون وتشفع الأفراط، ويبقى بقية في النار من أهل المعاصي يخرجهم الله من النار سبحانه بفضل رحمته، بعدما يمضي فيهم أمر الله، وتنتهي مدة عذابهم في النار يخرجهم الله منها بسبب توحيدهم وإسلامهم إلى نهر يقال له نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام)اهـ.
    (نور على الدرب).

    (14)الجمع بين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} وقول النبي: (كلكم راع).


    قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))[المائدة:105]، هل تتقابل، أو كيف نجمع بينها وبين قول الرسول: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ؟

    الجواب:

    (ليس بين الآية المذكورة الكريمة وبين الحديث الشريف المذكور تخالف ولا تضاد، هذه الآية والحديث متفقان والله يقول - سبحانه وتعالى -: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) ، والمعنى عليكم أن تجاهدوا أنفسكم، عليكم إصلاح أنفسكم، ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم، يعني لا يضركم من ضل إذا أديتم الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بما أوجب على الله العبد، فإن هذه هي الهداية، لا يكون العبد مهتدياً حتى يقوم بالواجب، وكونه يرعى من تحت يده ويقوم بما يلزم، وكونه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله كل هذا من طرق الهداية، فلا يكون مهتدياً حتى يؤدي ما أوجب عليه من الواجبات العينية والواجبات المتعلقة بالمجتمع، من أمرٍ بالمعروف ونهيٍ من المنكر وغير هذا مما يلزم المجتمع.


    فالحاصل أن قوله - سبحانه وتعالى - ((لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) معناه إذا أديتم الواجب، ومن ترك الحبل على الغالب ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن منكر، ولم يقم بحق الرعية ما أدى الواجب ولا اهتدى الهداية الكاملة، بل هدايته ناقصة غير كاملة فيكون مؤاخذ بذلك، يكون هذا الرجل الذي قصر بالواجب يكون مؤاخذاً بما قصر فيه؛ لأن هدايته ناقصة والله يقول: (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، والذي لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر ولم يقم بالدعاية التي عليه ما يكون متهدياً الهداية المطلقة الكاملة، فتكون هدايته ناقصة ضعيفة فيها خلل، فيؤاخذ بهذا الخلل وبهذا النقص)اهـ.
    (نور على الدرب).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:40

    (15)الجمع بين حديث (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) وحديث (غسل الجمعة واجب على كل محتلم).
    سماحة الشيخ: قال - صلى الله عليه وسلم-:
    (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت, ومن اغتسل فالغسل أفضل). رواه أحمد, وحديث:
    (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) رواه الشيخان.
    كيف نجمع بين هذين الحديثين، وهل الاغتسال سنة أم واجب، وما معنى: (على كل محتلم) واشرحوا لنا الأحاديث؟


    الجواب:


    (معنى واجب يعني متأكد ليس معناه الوجوب الذي يأثم به، معناه متأكد ولهذا جاء في حديث فيما معناه: أن يستاك وأن يتطيب، والسواك والطيب مستحب عند الجميع، بإجماع أهل العلم، وجاء في الحديث: (من توضأ يوم الجمعة ثم أتى المسجد وصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يبدأ الخطبة كتب له ثواب الجمعة وما بعده إلى الجمعة الأخرى)، المقصود أن كونه يتوضأ ولا يغتسل لا حرج فيه، لكن الغسل أفضل، وقوله في رواية أبي سعيد: (واجب) يعني متأكد، لأن هذا في وجه بين الروايات، الغسل متأكد وليس بفريضة، هذا هو الصواب)اهـ.
    (نور على الدرب).

    (16) الجمع بين حديث: (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) ، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    كيف نجمع بين الحديث الذي فيما معناه: بأن "من ستر على مسلم ستره الله يوم القيامة", وبين فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟


    الجواب:


    (تأمره وتستر عليه، إذا رأيته يتعاطى ما حرم الله من خمر أو نحوه تستر عليه، ما تقول: رأيت فلان يشرب الخمر! تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر تنصحه توصيه بالخير ولا تفضحه عند الناس، إلا إذا هو فضح نفسه فيشرب الخمر عند الناس فضح نفسه، من أعلن المعاصي ما له غيبة، هو الذي فضح نفسه، لكن إذا كان يتستر في بيته ورأيته صادفته لا تكشف ستره، لا تعلن أمره، يقول النبي:
    (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) ، لكن تنصحه تأمره بالمعروف تنهاه عن المنكر ولا تفضحه)اهـ.
    (نور على الدرب).يتبع...



    قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :

    ( ما من أمير عشرة ، إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور.
    رواه أحمد والدارمي وغيرهماوصححه الألباني في الصحيحة(2621) ).


    (17) الجمع بين حديث (إن الله يغفر الذنوب جمعا إلا الغيبة...)، وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ...}
    ما مدى التوفيق بين الآية الكريمة وبين قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – (بأن الله يغفر جميع الذنوب إلا الغيبة فلا يغفرها لنا إلا بأن نستسمح الشخص المغتاب)، أما الآية فهي قوله تعالى:
    (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ))[النساء:48]؟

    الجواب:

    (الآية عامة، والحديث عن الغيبة ليس بصحيح، لا أصل له، والآية عامة تعم جميع الذنوب كلها تحت المشيئة، الغيبة والقتل جميع الذنوب، حتى القتل الذي هو أعظم من الغيبة تحت المشيئة، لكن حق المخلوق لا يضيع، الله جل وعلا يعوضه عن حقه إذا تاب توبةً صادقة يعوض المغتاب عن حقه، الذي اغتابه غيره، فالحاصل أن الذنوب كلها تحت المشيئة، سواء كانت الذنوب تتعلق بحق الله، أو كانت تتعلق بحق المخلوق كالغيبة والقتل والنميمة، ونحو ذلك فكلها تحت مشيئة الله، إن شاء الله سبحانه غفر لصاحبها، وإن شاء عذبه بها ما لم يتب، أما إذا تاب فإنها تمحى عنه الذنوب بالتوبة، ولكن حق المخلوق لا يضيع عليه، بل يجازيه الله عن حقه الذي تاب صاحبه منه، ... به الله سبحانه ويرضيه عن ذلك جل وعلا إذا صدق التائب في توبته، فالله يرضي عنه المظلوم بما يشاء سبحانه وتعالى،
    والواجب على الظالم أن يستسمح المظلوم إن استطاع إذا كان موجوداً، يقول: فعلت كذا يا أخي إن كان مالاً يرد عليه مالاً، إن كان عمل يوجب القصاص مكنه من القصاص، إن كان غيبة قال: يا أخي أنا اغتبتك فسامحني واعف عني، فإن سمحه وإلا أعطاه حقه، مكنه من القصاص، رد عليه المال، دعا له وذكره بالخير في المجالس التي ذكره فيها بالسوء، يذكره بأعماله الطيبة التي يعلمها عنه حتى يكون ذلك قائماً مقام هيبته له، وإذا كان يخشى أنه إذا أخبره بالغيبة أنه يحصل فساد فلا يخبره ولكن يدعو له ويترحم عليه ويذكره بمحاسنه التي يعلمها عنه وخصاله الطيبة التي يعلمها عنه في المجالس والمجامع التي اغتابه فيها حتى يكون هذا مقام هذا)اهـ.
    (نور على الدرب).

    (18) التوفيق بين (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و(كمل من الرجال كثير) الحديث.
    قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسيا بنت مزاحم، وفاطمة بنت محمد، وخديجة..) الحديث، هل هناك تعارض بين الآية والحديث؟، وما معنى الكمال في الحديث؟

    الجواب:

    (ليس بين الآية والحديث المذكور ...... تعارض، فالآية تبين لنا أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لا أعظمهم نسباً ولا أكثرهم مالاً، ولا أرفعهم وظيفة، يقول -جل وعلا-:
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13]، فأكرم الناس عند الله وأفضلهم عنده أتقاهم له، ومعنى أتقاهم: يعني أقومهم بحقه في طاعته -سبحانه- وترك معصيته -جل وعلا-، وهم الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ثم العلماء المستقيمون على طاعة الله وتقواه وهم طبقات، ثم الأكمل فالأكمل والأفضل فالأفضل في طاعة الله -عز وجل-، فالمقصود أن أكمل الناس بعد الرسل هم أتقاهم هم أكمل الناس وأكرم الناس عند الله -عز وجل-، ولما سئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أكرم الناس قال: (أتقاهم)
    . أما ....... خديجة وآسيا ومريم بنت عمران وعائشة -كذلك- وفاطمة كل هذا مسلم صحت به السنة وليس فيه تعارض، خديجة -رضي الله عنها- أم المؤمنين وهي أم أكثر أولاد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا فاطمة بنتها -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا مريم بنت عمران أم عيسى -عليه الصلاة والسلام- وهكذا آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون، وهكذا عائشة -رضي الله عنها- كلهن من كمّل النساء، والكامل النساء أقل من الكامل الرجال، فالكمل في الرجال كثيرون ومن النساء قليلون، ولهذا بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، والكمال بالنظر إلى تقوى الله والقيام بحقه -سبحانه وتعالى-، وقال في عائشة -رضي الله عنها-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، والثريد هو الخبز واللحم خبز الحنطة واللحم يقال الثريد، وهذا الطعام وهو أفضل الطعام وأنفعه، اللحم والحنطة: البر،
    والمقصود أن عائشة لها فضل كبير وخديجة كذلك ومريم وآسيا وفاطمة هؤلاء خمس هن أكمل النساء وأفضل النساء، وهن متساويات في الفضل، وقد اختلف العلماء في تفضيل بعضهن على بعض، فيكفينا أنهن أفضل النساء -رضي الله عنهن وأرضاهن ورحمهن-، وكمالهن من جهة تقواهن لله، وقيامهن بحقه، واستقامتهن على دينه.
    لكن الكمل من الرجال في تقوى الله أكثر لأنهم أصبر على التقوى، وهم أعلم بالله في الأغلب، وأكثر اطلاعاً على كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وأكثر اطلاعا على حلقات العلم، وأسفاراً لطلب العلم، فبهذا يغلب على الرجال أن يكون علمهم أكثر من علم النساء، وكمالهم أكثر، بسبب ما حباهم الله من القوة على طلب العلم، والحرص على تحصيله، ولما جبل عليه النساء من الضعف في بعض النواحي، والعجز عن تحصيل العلوم من كل وجه، لما يعتريهن من الحمل والولادة وحاجات البيت وحاجات الزوج وغير ذلك،
    فالمقصود أن الكمل من الرجال بنص النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من الكمل من النساء، فالكمل من النساء قليلون لأسباب كثيرة، والكمل من الرجال كثيرون، ولا تعارض بين الحديث وبين الآية الكريمة)اهـ.
    (نور على الدرب).

    (19) حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أوبودان فرده عليه وقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم))[1] متفق عليه.
    هل هو ناسخ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه في قصة صيده الحمار الوحشي وهو غير محرم قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين: ((هل منكم أحد أعانه أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمه)) متفق عليه.
    لأن حديث أبي قتادة في الحديبية وحديث الصعب في الصلح؟ هل ورد في بعض الروايات أنه حي؟ أبو قتادة هل صاده لأجلهم أم أنه أهداه لهم؟

    الجواب:

    (لا تعارض بينهما؛ لأن أبا قتادة لم يصده للمحرمين ولم يعينوه عليه. وأما الصعب فقد أهداه للنبي -صلى الله عليه وسلم- حياً والمحرم ممنوع من الصيد الحي كما أنه ممنوع من أكل ما صيد من أجله ولو كان صاحبه قد ذبحه، هذا هو الجمع بين الحديثين ويدل على ذلك أيضاً حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصَدْ لكم))[2].
    في بعض الروايات أنه حي، وفي بعضها: ((أنه أهدي عجز حمار أو رجل حمار))، ورواية: ((رجل حمار أو عجز حمار)) محمولة على أنه صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
    وأبو قتادة لم يصده لأجلهم ، وإنما أهداه لهم كما تقدم.
    والله ولي التوفيق)اهـ.
    ----------------------------------

    [1]رواه البخاري في (الحج) باب إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل برقم 1852 ، ومسلم في (الحج) باب تحريم الصيد للمحرم برقم 1193.
    [2]رواه أبو داود في (المناسك) باب لحم الصيد للمحرم برقم 1851.
    من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء السابع عشر.

    (20) كثر القول في تحية المسجد منهم من قال: إنها لا تفعل في أوقات النهي مثل عند طلوع الشمس وعند غروبها، ومنهم من قال: إنها تجوز حيث إنها من ذوات الأسباب التي لا توقيت لها وتفعل حتى ولو كانت الشمس قد مضى نصفها في الغروب: أرجو إفادتي عن ذلك تفصيليا.

    الجواب:

    (في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن تحية المسجد مشروعة في جميع الأوقات حتى بعد الفجر وبعد العصر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق على صحته، ولأنها من ذوات الأسباب كصلاة الطواف وصلاة الخسوف والصواب فيها كلها أنها تفعل في أوقات النهي كلها كقضاء الفوائت من الفرائض لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الطواف: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: في صلاة الكسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف))[1] متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك))[2]، وهذه الأحاديث تعم أوقات النهي وغيرها، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، والله ولي التوفيق)اهـ.
    ----------------------------------
    [1] رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1000)، ومسلم في (الكسوف) برقم (1522) واللفظ له.
    [2] رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (562)، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1103).
    نشرت في ( كتاب الدعوة ) الجزء الأول ص ( 54 ) - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الحادي عشر.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:41

    (21) ورد في القرآن الكريم آية كريمة في مجال تعدد الزوجات تقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[1] الآية، وورد في مكان آخر قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[2] الآية، ففي الأولى اشتراط العدل للزواج بأكثر من واحدة، وفي الثانية أوضح أن شرط العدل غير ممكن، فهل يعني هذا نسخ الآية الأولى وعدم الزواج إلا من واحدة؛ لأن شرط العدل غير ممكن؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب:

    (ليس بين الآيتين تعارض وليس هناك نسخ لإحداهما بالأخرى، وإنما العدل المأمور به هو المستطاع وهو العدل في القسمة والنفقة، أما العدل في الحب وتوابعه من الجماع ونحوه فهذا غير مستطاع وهو المراد في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}.. الآية، ولهذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:
    (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: ((اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك))[3] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم. والله ولي التوفيق)اهـ.
    ----------------------------------

    [1] سورة النساء، الآية 3.

    [2] سورة النساء، الآية 129.

    [3] رواه أبو داود في (كتاب النكاح) باب في القسم بين النساء، حديث رقم (1822).

    نشر في (المجلة العربية) - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الحادي العشرون.

    (22) معنى الخلود في النار.
    السؤال:
    قال عز وجل : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا...} الآية.
    أرجو من فضيلة الشيخ أن يذكر الجمع بين الآيتين الكريمتين؟

    الجواب:

    ( ليس هناك بحمد الله بينهما اختلاف ، فالآية الأولى فيها بيانه سبحانه لعباده أن ما دون الشرك تحت مشيئته قد يغفره فضلا منه سبحانه ، وقد يعاقب من مات على معصية بقدر معصيته لانتهاكه حرمات الله ولتعاطيه ما يوجب غضب الله ، أما المشرك فإنه لا يغفر له بل له النار مخلدا فيها أبد الآباد إذا مات على ذلك - نعوذ بالله من ذلك -.
    وأما الآية الثانية :
    ففيها الوعيد لمن قتل نفسا بغير حق وأنه يعذب وأن الله يغضب عليه بذلك ؛ ولهذا قال تعالى : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
    معنى ذلك : أن هذا هو جزاؤه إن جازاه سبحانه وهو مستحق لذلك ، وإن عفا سبحانه فهو أهل العفو وأهل المغفرة جل وعلا ، وقد يعذب بما ذكر الله مدة من الزمن في النار ثم يخرجه الله من النار ، وهذا الخلود خلود مؤقت ، ليس كخلود الكفار ، فإن الخلود خلودان :
    خلود دائم أبدا لا ينتهي ، وهذا هو خلود الكفار في النار ، كما قال الله سبحانه في شأنهم : {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.هكذا في سورة البقرة .
    وقال في سورة المائدة :
    {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}.
    أما العصاة : كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون وهكذا أشباههم ، هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه :
    {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيدهم وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين ، أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم .
    وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها ، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه يشفع للعصاة من أمته ، وأن الله يحد له حدا في ذلك عدة مرات ، يشفع ويخرج جماعة بإذن الله ثم يعود فيشفع ، ثم يعود فيشفع ، ثم يعود فيشفع عليه الصلاة والسلام ( أربع مرات ) ، وهكذا الملائكة ، وهكذا المؤمنون ، وهكذا الأفراط كلهم يشفعون ويخرج الله سبحانه من النار بشفاعتهم من شاء سبحانه وتعالى ، ويبقي في النار بقية من العصاة من أهل التوحيد والإسلام فيخرجهم الرب سبحانه بفضله ورحمته بدون شفاعة أحد ، ولا يبقى في النار إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي وهم الكفار .
    وبهذا تعلم السائلة الجمع بين الآيتين وما جاء في معناهما من النصوص ، وأن أحاديث الوعد بالجنة لمن مات على الإسلام على عمومها إلا من أراد الله تعذيبه بمعصيته فهو سبحانه الحكيم العدل في ذلك يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد جل وعلا .
    ومنهم من لا يعذب فضلا من الله لأسباب كثيرة من أعمال صالحة ومن شفاعة الشفعاء ، وفوق ذلك رحمته وفضله سبحانه وتعالى )اهـ (مجموع فتاويه).

    (23) الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة.

    السؤال: هل غسل الجمعة واجب أم مستحب؟

    الجواب:

    ( الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة؛ لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستاك ويتطيب وقوله صلى الله عليه وسلم : من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام رواه مسلم في صحيحه ، وفي لفظ له : من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا مع أحاديث كثيرة في الباب .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : واجب على كل محتلم معناه عند أكثر أهل العلم : متأكد ، كما تقول العرب : ( العدة دين ، وحقك علي واجب ) ، ويدل على هذا المعنى : اكتفاؤه صلى الله عليه وسلم بالوضوء في بعض الأحاديث .
    وهكذا الطيب ، والاستياك ، ولبس الحسن من الثياب ، والتبكير إلى الجمعة ، كله من السنن المرغب فيها ، وليس شيء منها واجبا)اهـ .
    نشرت في جريدة البلاد في العدد (10708) ليوم الأحد الموافق 16 / 5 / 1413هـ وفي مجلة الدعوة في العدد (1355) بتاريخ 29 / 2 / 1413هـ وفي في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته الجزء الثاني ص 68.

    (24) الجمع بين حديث: « إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه » (1) وقوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (2)
    س : يوجد حديث عند الإمام البخاري رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه » (3) . وحديث آخر عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ترفض هذا القول وتقول: حسبكم القرآن: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (4) فما جوابكم أثابكم الله عن هذه المسألة؟ هل الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، أم أنه ليس للإنسان إلا ما سعى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (5) ؟ (6) .

    الجواب:

    ( ليس هناك تعارض بين الأحاديث والآية التي ذكرتها عائشة -رضي الله عنها- فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث ابن عمر ومن حديث المغيرة وغيرهما في الصحيحين وليس في البخاري وحده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :
    « إن الميت يعذب بما يناح عليه » (7)
    وفي رواية للبخاري : "ببكاء أهله عليه" (8) والمراد بالبكاء النياحة وهي رفع الصوت ، أما البكاء الذي هو دمع العين فهذا لا يضر ، وإنما الذي يضر هو رفع الصوت بالبكاء وهو المسمى بالنياحة. والرسول -صلى الله عليه وسلم- قصد بهذا منع الناس من النياحة على موتاهم ، وأن يتحلوا بالصبر ويكفوا عن النوح ، ولا بأس بدمع العين وحزن القلب ، كما قال عليه الصلاة والسلام -لما مات ابنه إبراهيم- :
    « العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون » (9) فالميت يعذب بالنياحة عليه من أهله ، والله أعلم بكيفية العذاب الذي يحصل له بهذه النياحة ، وهذا مستثنى من قوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (10) فإن القرآن والسنة لا يتعارضان ، بل يصدق أحدهما الآخر ويفسر أحدهما الآخر فالآية عامة ، والحديث خاص ، والسنة تفسر القرآن وتبين معناه ، فيكون تعذيب الميت بنياحة أهله عليه مستثنى من الآية الكريمة ، ولا تعارض بينها وبين الأحاديث.
    وأما قول عائشة -رضي الله عنها- فهذا من اجتهادها وحرصها على الخير ، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على قولها وقول غيرها لقول الله سبحانه: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } (11) وقوله عز وجل: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (12) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
    والله الموفق)اهـ .
    __________
    (1) صحيح البخاري الجنائز (1242).
    (2) سورة الأنعام الآية 164
    (3) صحيح البخاري الجنائز (1242).
    (4) سورة الأنعام الآية 164
    (5) سورة الأنعام الآية 164
    (6) من برنامج ( نور على الدرب ) .
    (7) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) من حديث المغيرة بن شعبة برقم (17737) ، والبخاري في (الجنائز) ، باب ما يكره من النياحة على الميت برقم (1291) ، ومسلم في (الجنائز) باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (933) .
    (8) رواه البخاري في (الجنائز) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم - : ''يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه'' برقم (1288) .
    (9) رواه البخاري في (الجنائز) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم - : ''إنا بك محزونون'' برقم (1303) واللفظ له، ومسلم في (الفضائل) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال برقم (2315).
    (10) سورة الأنعام الآية 164
    (11) سورة الشورى الآية 10
    (12) سورة النساء الآية 59

    يتبع – إن شاء الله تعالى – بالعلامة ابن عثيمين ، ثم العلامة الألباني ، ثم العلامة الفوزان ....
    والحمد لله رب العالمين.
    والنقل
    لطفـــاً .. من هنـــــــــــا
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:43

    العلامة ابن عثيمين-رحم الله تعالى- :

    (1) التوفيق بين حديثي: ((لا عدوى ولا طيرة)وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)).
    السؤال:
    فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم:
    (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؟
    الجواب:
    (نوفق بينهما: بأن النفي في قوله: (لا عدوى ولا طيرة) نفي لما يعتقده أهل الجاهلية بأن العدوى مؤثرة بنفسها دون تقدير الله عز وجل، وأما الأمر بالفرار من الأسد فهو أمر بالفرار مما يخشى شره؛ لأن الجذام -نسأل الله العافية- من الأمراض المعدية السريعة العدوى، فالأمر بالفرار منه أمر بالأسباب الواقية كما نقول مثلاً: اتق النار بالبعد عنها، مع أن قربك من النار وبعدك عنها كله بقضاء الله وقدره، فيكون النفي مُنْصبّاً على ما كان معهوداً أو معتقداً عندهم في الجاهلية من أن العدوى مؤثرة بنفسها، ولهذا لما أُورد عند النبي عليه الصلاة والسلام إيرادٌ بأن الرجل تكون عنده الإبل صحيحة ليس فيها شيءٌ من الجرب ، فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فهذه عدوى، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟!) يعني: أن إعداءها بتقدير الله عز وجل، كما أن وجود الجرب في الأول من الله عز وجل)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(6) وجه أ.

    (2) التوفيق بين كره العاصي والتلطف معه.
    السؤال:
    كيف يتم التوفيق بين الحب في الله والكره فيه ، والتودد إلى العصاة لجذبهم إلى الهداية؟
    الجواب:
    ( الحب في الله: أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله، والكره في الله: أن تكرهه لا تكرهه إلا لله.
    وأما التودد لشخص من أجل تأليف قلبه للإسلام أو للطاعة إذا كان عاصياً فهذا ليس حباً ، ولكنه تلطف، فأنت تتودد إليه تلطفاً فقط في المعاملة، أما قلبك فيكرهه ويكره ما عليه من المعاصي، فهذا هو الفرق، الحب في الله قلبك يحبه، وأما التودد لشخص من أجل أن نحمله على التقوى إن كان عاصياً، أو على الإسلام إن كان كافراً، فهذا ليس حباً له ولكن حباً لما ندعوه إليه مع كراهتنا لعمله وكفره)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(95) ب.

    (3) التوفيق بين جمع لفظة (السبيل) المضافة إلى الله سبحانه وتعالى في القرآن وبين إتيانها جمعا(سبلنا).
    السؤال :
    ذكر الله تعالى لفظة السبيل في القرآن بصيغة الإفراد، كقوله سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] ؛ لأن السبيل الموصل إلى الله تبارك وتعالى واحد، وهو: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] .
    ولكن ذكر في مواطن أخرى في القرآن الكريم لفظة السبيل بصيغة الجمع، كقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] ، وقوله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم:12] فكيف نحل هذه الإشكال يا شيخ جزاكم الله خيرا؟
    الجواب:
    ( السبيل المضاف إلى الله تعالى تارة يكون مفرداً، وتارة يكون جمعاً؛ لكن إذا كان جمعاً، فإنه لا بد أن يكون مضافاً إلى الله، وأما إذا كان غير مضاف إلى الله فهو سبل الضلال، يُفْرَد السبيل المضاف إلى الله تعالى؛ لأنه واحد سبيل واحد يوصل إلى الله، وهو الإسلام، وتُجْمَع سبل الضلال؛ لأنها متفرقة هذا نصراني، وهذا يهودي، وهذا شيوعي، وهذا بعثي، وهذا ملحدُ، إلى آخره، فهي سبل متفرقة، وكلها ضلال، وما جمعه الله تعالى من السبيل المضاف إليه، فإنما يجمعه لتنوع العبادات التي هي سبيل الله عز وجل؛ هذه صلاة، وهذه زكاة، وهذا صيام، وهذا حج، وهذا جهاد، وهذا أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذه دعوة إلى الله عز وجل، فصار جمعه له وجه، وإفراده له وجه آخر.
    أما سبل الضلال فإنها متفرقة فلا تكون إلا مجموعة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(131)أ

    (4) التوفيق بين حديثين في الهم بالسيئة ثم تركها: أحدهما فيه تكتب له حسنة ، والآخر لا تكتب له.
    السؤال:
    وردت بعض النصوص الشرعية تدل على أن من هم بالسيئة ولم يعملها تكتب له حسنة، ونصوص أخرى: من هم بالسيئة ولم يعملها لا تكتب له. فكيف التوفيق؟

    الجواب:
    ( الهم بالسيئة في الواقع له أقسام:
    القسم الأول: أن يهم بالسيئة ويعمل لها ولكن يحال بينه وبينها، فهذا يكتب عليه وزرها، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه).
    القسم الثاني: أن يهم بها ثم يدعها لله عز وجل، فهذا تكتب له حسنة، لأنه في الحديث الذي أشرت إليه قال الله تعالى: (إنما تركها من جرّائي) أي: من أجلي.
    القسم الثالث: أن يهم بها ثم يدعها لا خوفاً من الله ولا عجزا عنها ، لكن طابت نفسه ، فهذا لا له ولا عليه، فالميزان بالقسط ، لأن الرجل لم يتركها لله حتى يؤجر ولم يحرص عليها حتى يأثم، فهذا لا شيء عليه وليس له شيء)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(153)ب.


    (5) الجمع بين قوله تعالى ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) ، وقوله –صلى الله عليه وسلم- (وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة).
    السؤال: يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في آخر الحديث: (وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة) كيف نجمع بين الآية والحديث؟

    الجواب:
    ( الجمع بين الآية والحديث من أحد وجهين: الوجه الأول: أن قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج:25] أي: من يهم فيفعل، لقول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام وهي مكية: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160] ولم يقل: ومَن هَمَّ، بل قال: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ [الأنعام:160] فيكون المعنى: مَن يرد فيه بإلحاد بظلم ويفعل، وعلى هذا فلا تعارض.
    الوجه الثاني: أن يقال: إن قوله: (ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة) هذا في غير مكة وتكون مكة مستثناة من ذلك، أي: أنه يؤاخذ الإنسان فيها بالهم، وفي غيرها لا يؤاخذ.
    ولكن هنا نسأل: إذا هم بالسيئة وتركها، هل يؤجر على كل حال؟ لا. يؤجر إذا تركها لله، ولهذا جاء في تعليل هذا الحديث: (فإنه إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي؛ لأن من هم بالسيئة ولم يعملها تختلف أحواله:
    إذا هم بالسيئة فتركها لله عزَّ وجلَّ فإنه يُثاب، ولا سيما إذا كانت هذه السيئة تدعو إليها النفس دعوة شديدة فإنه يثاب أكثر، ولهذا جاء في الحديث: أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله) ترك المعصية مع قدرته عليها خوفاً من الله.
    الثانية: أن يدع السيئة التي هَمَّ بها خجلاً من الناس لا خوفاً من الله، فهذا لا أجر له، بل قد يأثم على ذلك؛ لأن هذا الترك -أعني: ترك المعصية- عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله.
    الثالث: أن يدعها عجزاً عنها، فهذا يعاقب على نيته السيئة، ولا ينفعه عدم الفعل؛ لأنه غير قادر.
    الرابع: أن يدعها عجزاً عنها مع فعل الوسائل التي توصل إليها، فهذا يُكْتَب عليه وزر الفاعل، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار! قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه).
    فترك المعصية ينقسم إلى أربعة أقسام:
    الأول: أن يتركها خوفاً من الله، فهذا يؤجر.
    الثاني: أن يتركها خوفاً من الناس، فهذا يأثم.
    الثالث: أن يتركها عجزاً دون أن يفعل الوسائل التي توصل إليها، فهذا أيضاً يأثم بالنية.
    الرابع: أن يتركها عجزاً مع فعل الوسائل التي توصل إليها؛ لكن لا يتحقق مراده، فهذا يكتب عليه إثم الفاعل.
    أما مَن لم يهم بالسيئة، ولم تطرأ له على بال، فهذا ليس عليه إثم وليس له أجر)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(25) ب.

    (6) التوفيق بين قوله تعالى(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و قول : إن جنس العرب أفضل من جنس العجم.
    السؤال:
    فضيلة الشيخ! كيف التوفيق بين قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وبين ما هو ثابت من أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وكذلك فضل قريش على سائر العرب, كيف نوفق بين هذا؟ وجزاكم الله خيراًَ.
    الجواب:
    ( أقول: لا تَنافي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن: (خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية) ، وعلى هذا فأكرم الناس من قريش أتقاهم لله، وأكرم الناس من تميم أتقاهم لله، وهَلُمَّ جَرَّاً.
    أما الجنس فالجنس شيء آخر، فجنس العرب أفضل من جنس العجم، لا شك، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    (إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ، فهنا الخيار يعني بين الناس من هؤلاء، أما عند الله فأكرمهم أتقاهم، حتى وإن كان من الجنس المفضَّل...)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(125) ب.

    (7) التوفيق بين قوله تعالى: (في يوم كان مقداره ألف سنة) وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة).
    السؤال:
    ورد في سورة السجدة قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}[السجدة:5]، وفي سورة المعارج قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] فما التوفيق بين الآيتين؟

    الجواب:
    ( أما آية السجدة فإن الله يقول: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:5] هذا في الدنيا ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ [السجدة:5] وذلك أنه قد جاء في الحديث:
    (أن بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة، وأن كثف السماء خمسمائة سنة). فعلى هذا يكون خمسمائة وخمسمائة ألفاً.
    أما في سورة المعارج فإن ذلك في الآخرة، ولهذا يظهر لي أن قوله تبارك وتعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] متعلق بقوله: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ [المعارج:1-2] أي: أن هذا العذاب الواقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، وليس متعلقاً بقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4] بل تعرج الملائكة والروح إليه في الدنيا حسب ما جاء في سورة: (ألم تنزيل) السجدة، هذا الذي يظهر لي)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) الشريط(157)ب.

    (8) التوفيق بين قول الله تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً) وقوله: ( وترى الجبال تحسبها جامدة ).
    السؤال:
    قول الله تعالى: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً [النبأ:20]، وفي آية النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] كيف التوفيق بينهما؟
    الجواب:
    ( وردت نصوص في اليوم الآخر مختلفة في هذا وفي غيره، حتى في بني آدم ورد أنهم يحشرون زرقاً يعني: المجرمين منهم، وورد: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] وكلها لا تعارض بينها؛ لأن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة ، فتتغير الأحوال وتتنقل وتختلف، وإذا كنا نرى أن الجو يختلف في الدنيا بين عشية وضحاها، وبين يوم وآخر، وبين أسبوع وأسبوع، وبين شهر وشهر، وبين السنة أولها وآخرها، فإن الجبال والأحوال يوم القيامة تتغير من شيء إلى آخر، ولذلك نقول كل النصوص في يوم القيامة التي ظاهرها التعارض ليس فيها تعارض، والجواب: تحمل على تغيير الأحوال، يعني: يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(158)ب.
    يتبع..
    __________________
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
    ( ما من أمير عشرة ، إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور.
    رواه أحمد والدارمي وغيرهماوصححه الألباني في الصحيحة(2621) ).
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:44

    تابع العلامة العثيمين:

    (9) التوفيق بين صلاة الرسول قبل ليلة الإسراء والمعراج وكونها فرضت في ليلة الإسراء والمعراج.
    السؤال:
    فضيلة الشيخ: ثبت أن الصلوات الخمس المفروضة فرضت على النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج، وكذلك ثبت أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي وكذلك الصحابة قبل الإسراء والمعراج، فكيف التوفيق بين هذا؟ وكيف كانت نوعية الصلاة التي تصلى: هل هي نفس الصلاة التي فرضت ليلة المعراج أم ماذا؟
    الجواب:
    ( الذي نعلمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل المعراج في الصباح والمساء بكرة وعشياً، وكيف كان يصلي؟
    لا أعلم ، الله أعلم.
    السائل: هل كان باجتهاد منه – عليه الصلاة والسلام -؟
    الشيخ: الله أعلم ، هو لا شك أنه كان باجتهاد أو بوحي، إن كان بوحي فهو منسوخ، وإن كان باجتهاد فقد تبين الشرع )اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(164)أ.

    (10) التوفيق بين حديث (ما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ ...) و قوله تعالى : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ...}.
    السؤال:
    هل يستفاد من الحديث الذي صدَّرتم به اللقاء أن الحج أفضل من الجهاد في سبيل الله؟
    الشيخ: من أي ناحية؟
    السائل: من ناحية بقيته: (ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل ...)؟
    الجواب:
    ( أما بعمومه: (ما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ ...) فهو يقتضي هكذا؛ لكن إذا كان الجهاد في هذه الأيام صار أفضل من غيره، فقوله: (ولا الجهاد في سبيل الله) يعني: في غير هذه الأيام، وحينئذٍ يكون الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام أفضل من غيره في هذه الأيام.
    السائل: وكيف التوفيق بين هذا الحديث وآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ...}[التوبة:19]، وقد قال شيخ الإسلام بأفضلية الجهاد استناداً إلى هذه الآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ [التوبة:19]؟! أفيدونا يرحمكم الله!
    الشيخ: المشركون يفتخرون على المسلمين بأنهم يسقون الحجيج ويعمرون المسجد الحرام، فقال الله تعالى: أجعلتم هذا كهذا، أنتم لو عملتم هذا فسقيتم الحاج وعمرتم المسجد الحرام ومُتُّم على الكفر ، فلا حَظَّ لكم في هذا، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23])اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(3)أ.

    (11) : التوفيق بين حديث :
    (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وأنه (لا يجتمع فيها دينان)، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي.

    السؤال:
    قضية بقاء اليهود والنصارى في جزيرة العرب؛ كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وأنه (لا يجتمع فيها دينان)، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أخرج يهود خيبر وأجلاهم عن الجزيرة قتله مجوسي فقال: [الحمد لله إذ لم يقتلني رجل سجد لله سجدة]، فكيف نجمع بين هذا وذاك؟
    الجواب:
    ( أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) فالمعنى: لا تقام شعائر الكفر في جزيرة العرب ، أي: لا تُبنى الكنائس، ولا ينادى فيها بالناقوس وما أشبه ذلك، وليس المعنى أنه لا يتدين أحد من الناس في نفسه فقط، المراد أنه لا يكون لهم كنائسُ أو معابدُ أو بِيَعٌ كما للمسلمين مساجد.
    وأما قوله: (أخرجوا اليهود و النصارى من جزيرة العرب ) فالمراد منها السُّكنى، وأما الأجراء وما أشبه ذلك فلا يدخلون في هذا؛ لأنهم ليسوا قاطنين بل سيرحلون.
    وأما إبقاء الرسول صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فيها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبقهم إبقاءً مطلقاً عاماً، بل قال: (نقركم فيها ما شاء الله -أو قال-: ما شئنا) يعني: إلى أمد، وهذا الأمد كان لانتهائه سبب، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه، حيث اعتدوا على عبد الله بن عمر وعلى الرجل الذي بات عندهم، ولم يفوا بما عليهم؛ فطردهم عمر رضي الله عنه)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(39) ب

    (12) الجمع بين قوله تعالى: (ما يبدل القول لدي ) وبين مراجعة الرسول لربه في تخفيف الصلاة ليلة الإسراء.
    السؤال:
    فضيلة الشيخ: كيف نوفق بين قول الله عز وجل: { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [ق:29] وبين مراجعة الرسول لربه في حديث الإسراء في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس صلوات؟ وجزاك الله خيراً.

    الجواب:
    ( لا تعارض بين قوله تعالى: { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [قّ:29] وبين ما ذكرت، فهل قال الله تعالى: ما نبدل القول؟ لا.
    إنما قال: { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } [ق:29] فإنه: { لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } [يونس:64] لا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله.
    وإذا قلنا: الآية مبنية لما لم يسمَّ فاعله، وأنه هو نفسه لا يبدل ما قال عز وجل؛ فنقول: إن ما حدث من مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في الصلاة كان لإتمام القول الذي ارتضاه أولاً أنها خمس، لكنه عز وجل شرع لنبيه خمسين لحكمة، وهي ظهور مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفرضه الله عليه هذا من وجه.
    والوجه الثاني: أن يكتب لهذه الأمة أجر خمسين صلاة؛ لأننا الآن نصلي خمساً لكننا كالذي يصلي خمسين، ليس من باب أن الحسنة بعشر أمثالها، فكل عمل صالح الحسنة فيه بعشر أمثالها، لكن من باب أن الصلاة الواحدة تكتب لنا عشر صلوات، وهذه نعمة كبيرة، وهي من حكمة الله عز وجل ورحمته.
    فيكون الأصل هو القول الأول الذي ارتضاه الله عز وجل وقضى بأنها ستكون خمس صلوات، لكنه فرضها خمسين لهذه الحكمة؛ أولاً: ليظهر مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم لفرائض الله تعالى، وإن كانت في صورة شاقة، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس قبولاً لما ألزمه به ربه تبارك وتعالى.
    وثانياً: من أجل أن يكتب للأمة أجر خمسين صلاة مع أن الأمة تؤديها خمساً بالفعل، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة)اهـ.
    ( لقاء الباب المفتوح) الشريط(49) ب.

    (13) التوفيق بين حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أنس : ( رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم ).

    السؤال:
    فضيلة الشيخ: نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن حزم أنه قال: صح حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أنس : ( رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم ) وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً انتهى.
    وذكر الحافظ -أيضاً- حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمها إبقاءً على أصحابه ) وهذا أيضاً ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى وقال: إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر، فكيف نوفق بين هذه الأدلة وبين ما ذهبتم إليه -حفظكم الله- من إفطار الصائم بالحجامة؟

    الجواب:
    ( نرد على هذا بما رد به الإمام أحمد : أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وحديث أنس بن مالك الذي أشرت إليه ضعيف هذا أمر.
    الأمر الثاني: إن قولنا بالإفطار هو من مصلحة الصائم في الواقع؛ لأن من المعروف أن الإنسان إذا سحب منه الدم فسوف يلحقه هزال ومشقة وتعب، فإذا قلنا: إنه يفطر بالحجامة، معناه أنك لا تحتجم إلا للضرورة، فإذا كنت صائماً صيام فرض واحتجمت للضرورة فكل واشرب واقض ذلك اليوم، والآخرون يقولون: إذا احتجمت للضرورة فلابد أن تبقى على صومك ولو كنت في غاية ما يكون من الضعف.
    فصار القول بأنه يفطر هو الأيسر الذي تقتضيه مصلحة الصائم وتدل عليه الأدلة الشرعية؛ لأننا نقول: إن كنت لا تحتاج إلى الحجامة فلا تحتجم إلا في الليل، وإن كنت تحتاج إليها ولابد -كما لو هاج به الدم- فنقول: احتجم، ونرخص له أن يأكل ويشرب حتى يستعيد قوته؛ فتبين بهذا أن القول بأنها تفطر هو القول الموافق للحكمة.
    وقد حقق شيخ الإسلام رحمه الله ذلك في رسالة له صغيرة تسمى: حقيقة الصيام ، ومن أحب أن يتسع له الجواب فليرجع إليها .
    والتبرع بالدم مثل الحجامة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتبرع بالدم وهو صائم صيام فرض إلا للضرورة، فإذا اضطر الذي يحتاج للدم ، فإنه يسحب منه ، ويأكل ويشرب )اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(49) ب.

    (14) الجمع بين حديث الذين يدخلون الجنة ولم يسجدوا لله سجدة ، وأحاديث كفر تارك الصلاة.
    السؤال:
    كيف التوفيق بين قوله صلى الله عليه وسلم في أقوام يدخلون الجنة ولم يسجدوا لله سجدة، والأحاديث التي جاءت بكفر تارك الصلاة؟
    الجواب:
    ( يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: إنهم يدخلون الجنة ولم يسجدوا لله سجدة، على أناس يجهلون وجوب الصلاة، كما لو كانوا في بلاد بعيدة عن الإسلام أو في بادية لا تسمع عن الصلاة شيئاً، أويحمل -أيضاً- على من ماتوا فور إسلامهم دون أن يسجدوا لله سجدة، وإنما قلنا بذلك؛ لأن هذا الحديث -الذي ذكرت- من الأحاديث المتشابهة، وأحاديث كفر تارك الصلاة من الأحاديث المحكمة البينة،والواجب على المؤمن في الاستدلال بالقرآن أو السنة أن يحمل المتشابه على المحكم ، واتباع المتشابه واطراح المحكم من سيرة من في قلوبهم زيغ والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } [آل عمران:7].
    ولعله بلغك قصة الأصيرم من بني عبد الأشهل الذي خرج إلى أحد وقتل فوجده قومه في آخر رمق وقالوا: يا فلان! ما الذي جاء بك؟ أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، ثم طلب منهم أن يقرأوا السلام على النبي –صلى الله عليه وسلم-، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم وأظنه قال: ( إنه من أهل الجنة ) مع أن هذا الرجل ما سجد لله سجدة، لكنه منَّ الله عليه بحسن الخاتمة، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(53)ب.

    (15) التوفيق بين حديثي :
    (النهي عن التشاؤم) و: (الشؤم في ثلاثة).
    السؤال:
    فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين حديث ( نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار )؟
    الجواب:
    ( التشاؤم هو التطير بمرئي أو مسموع أو زمان، فيتطير مثلاً من النكاح في شوال، كما يفعل أهل الجاهلية، أو يسمع صوتاً يكون فيه مخالفة لما يريد فيتشاءم، أو يرى طيراً يطير أو ما أشبه ذلك فيتشاءم، والتشاؤم منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى سوء الظن بالله، وإلى عدم الإقدام على ما فيه مصلحة العبد، وإلى التذبذب في أموره، وربما يؤدي إلى الوساوس التي يحصل بها المرض النفسي، فلهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
    وأما حديث: ( الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار ) فهذا ورد الحديث فيه على وجهين:
    وجه : ( إنما الشؤم في ثلاثة ).
    ووجه آخر: ( إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة ).
    ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم: أن نفس هذه الأشياء قد يكون فيها شؤم، فمثلاً: قد يسكن الإنسان الدار و يكون من حين دخلها يضيق صدره ويقلق ويتألم ، أو المركوب ويكون فيه حوادث كثيرة من حين اشترى -مثلاً- هذه السيارة؛ صار عليها حوادث ونواقص كثيرة ، فيتشاءم منها ويبيعها، والمرأة كذلك، قد يتزوج هذه المرأة وتكون سليطة اللسان بذيئة، تحزنه كثيراً وتقلقه كثيراً، فهذا هو الشؤم الذي يذكر في هذه الثلاثة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم إن كان الشؤم، وليس الشؤم المنهي عنه الذي ليس له أصل، والذي يوجب للإنسان ما ذكرناه من المفاسد)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(58)ب

    (16) الجمع بين قول السلف في المعية وقول ابن تيمية.
    السؤال:
    فضيلة الشيخ! المعهود عن السلف أنهم يفسرون المعية بالعلم، فيقولون في مثل قوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ } [الحديد:4] قالوا: أي بعلمه، وتفسيرهم المعية بالعلم إنما لقرينة السياق والسباق، كما سئل علي بن المديني عن قوله: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ } [المجادلة:7] فقال: اقرأ ما قبله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ } [المجادلة:7] السؤال: كيف نوفق بين ما قاله السلف وبين ما قاله شيخ الإسلام في أن المعية حقيقية؟
    الجواب:
    ( الواقع أنه لا منافاة بين القولين؛ لأن السلف فسروها بلازمها، فإن من لازم المعية أن يكون عالماً بالخلق، سامعاً لهم، مبصراً لهم، له السلطان عليهم، كل ما تتضمنه الربوبية داخل في قوله: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد:4] وتفسير الكلام باللازم لا بأس به، لا سيما وأنه فيما سبق كان قد فشا مذهب الجهمية الحلولية ، الذين يقولون: إن الله معنا بذاته في مكاننا في الأرض، ولهذا قال عبد الله بن المبارك : (ولا نقول: إنه ها هنا في الأرض).
    أي: كما تقول الجهمية ، ومن المعلوم أن عامة الناس لا يتصورون معنى المعية حقيقة مع علو الله عز وجل، فكان أقرب ما يكون لأفهامهم أن يقال إنها هي العلم، وكذلك السمع والبصر وما أشبه ذلك، والتفسير باللازم لا بأس به.
    السائل: سواء إذا كانت الحاجة تدعو إلى أنه يبين أنها حقيقية ثم يذكر اللازم...
    فالعامة لا يعرفون، وكما قلت لك إنه شاع مذهب الجهمية هناك، لو قلت -مثلاً- لعامي قد شاع عنده مذهب الجهمية : إن الله بذاته في الأرض، وقلت: معنا حقاً ماذا سيفهم؟ يفهم أنه في الأرض، لكن إذا قلت معنا يعني: يعلمنا؛ والذي يعلمك كأنه معك، يسمعنا؛ والذي يسمعك كأنه معك، ويبصرنا؛ والذي يبصرك كأنه معك، فلهذا فسروها باللازم، وإلا فقد احتج الأشاعرة وغيرهم من المعطلة على أهل السنة قالوا: كيف تقولون وهو معكم تقولون وهو يعلمكم؟ قل هو معنا وهو في السماء ولا مانع؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء بالسماوات السبع والأرضين السبع، كلها في كف الرحمن كأنها خردلة في كف أحدنا، ولا مانع من أن يكون الشيء معك وهو في السماء، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية ، وفي الفتوى الحموية بأن العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو ما زلنا نسير والنجم الفلاني معنا، ومعلوم أن القمر في السماء وكذلك النجم، فهذه عبارة عربية معروفة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(65)ب.
    يتبع...

    __________________
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
    ( ما من أمير عشرة ، إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور.
    رواه أحمد والدارمي وغيرهماوصححه الألباني في الصحيحة(2621) ).
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:48

    تابع: العلامة العثيمين.


    (16) الجمع بين قول السلف في المعية وقول ابن تيمية.
    السؤال:
    فضيلة الشيخ! المعهود عن السلف أنهم يفسرون المعية بالعلم، فيقولون في مثل قوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ } [الحديد:4] قالوا: أي بعلمه، وتفسيرهم المعية بالعلم إنما لقرينة السياق والسباق، كما سئل علي بن المديني عن قوله: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ } [المجادلة:7] فقال: اقرأ ما قبله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ } [المجادلة:7] السؤال: كيف نوفق بين ما قاله السلف وبين ما قاله شيخ الإسلام في أن المعية حقيقية؟


    الجواب:


    ( الواقع أنه لا منافاة بين القولين؛ لأن السلف فسروها بلازمها، فإن من لازم المعية أن يكون عالماً بالخلق، سامعاً لهم، مبصراً لهم، له السلطان عليهم، كل ما تتضمنه الربوبية داخل في قوله: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد:4] وتفسير الكلام باللازم لا بأس به، لا سيما وأنه فيما سبق كان قد فشا مذهب الجهمية الحلولية ، الذين يقولون: إن الله معنا بذاته في مكاننا في الأرض، ولهذا قال عبد الله بن المبارك : (ولا نقول: إنه ها هنا في الأرض).
    أي: كما تقول الجهمية ، ومن المعلوم أن عامة الناس لا يتصورون معنى المعية حقيقة مع علو الله عز وجل، فكان أقرب ما يكون لأفهامهم أن يقال إنها هي العلم، وكذلك السمع والبصر وما أشبه ذلك، والتفسير باللازم لا بأس به.

    السائل: سواء إذا كانت الحاجة تدعو إلى أنه يبين أنها حقيقية ثم يذكر اللازم...

    لا ، لأن العامة لا يعرفون، وكما قلت لك إنه شاع مذهب الجهمية هناك، لو قلت -مثلاً- لعامي قد شاع عنده مذهب الجهمية : إن الله بذاته في الأرض، وقلت: معنا حقاً ماذا سيفهم؟ يفهم أنه في الأرض، لكن إذا قلت معنا يعني: يعلمنا؛ والذي يعلمك كأنه معك، يسمعنا؛ والذي يسمعك كأنه معك، ويبصرنا؛ والذي يبصرك كأنه معك، فلهذا فسروها باللازم، وإلا فقد احتج الأشاعرة وغيرهم من المعطلة على أهل السنة قالوا: كيف تقولون وهو معكم تقولون وهو يعلمكم؟ قل هو معنا وهو في السماء ولا مانع؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء بالسماوات السبع والأرضين السبع، كلها في كف الرحمن كأنها خردلة في كف أحدنا، ولا مانع من أن يكون الشيء معك وهو في السماء، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية ، وفي الفتوى الحموية بأن العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو ما زلنا نسير والنجم الفلاني معنا، ومعلوم أن القمر في السماء وكذلك النجم، فهذه عبارة عربية معروفة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(65)ب.


    (17) التوفيق بين حديث: ( رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصلِّ عليّ ) وحديث: ( من قال لصاحبه: أنصت).
    السؤال:
    في حديث: ( رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصلِّ عليّ ) والحديث الآخر: ( من قال لأخيه: صه فقد لغا ) كيف نوفق بين الحديثين في خطبة الجمعة؟

    الجواب:

    أما الأول: ( رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصلِ عليّ ) فقد أخذ منه بعض العلماء: أن الإنسان إذا سمع ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجب عليه أن يقول: صلى الله عليه وسلم .
    وأما الثاني: فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( من قال لصاحبه: أنصت ) وهذا خطاب للبشر, والدعاء خطاب لله وليس للبشر, فالفرق بينهما: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دعاء ، وقولك لصاحبك: أنصت خطاب آدميين)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(113) أ.


    (18) التوفيق بين قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } وكون الشياطين يعملون أعمالا غير عادية.

    السؤال:
    في قول الله عز وجل عن الشيطان: { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم:22] دليل على أن دعوة الشيطان وأنصاره وأعوانه هي الوسوسة والإيحاء, ثم نرى ونسمع كثيراً أن بعض الناس من أولياء الشيطان يطيرون في الهواء، و يأتون بأعمال خارقة, فكيف نوفق بين أن الله قال في أمر الشيطان: إنه دعوة, ثم إتيانهم بأعمال غير عادية, فنريد التوضيح؟

    الجواب:

    ( هؤلاء الذين يقومون بأفعال خارقة للعادة تعينهم الشياطين على ذلك؛ لأنهم أجابوا دعوة الشيطان، فأعانتهم الشياطين على ما يريدون، فمثلاً: لا يمكن هؤلاء أن يقوموا بما يقومون به من هذه الخوارق, إلا بعد أن يشركوا بالله ويكفروا به بطاعة الشيطان, إما أن يقول له الشيطان: اسجد له, أو اذبح له, أو ما أشبه ذلك مما يكون شركاً وكفراً, ثم تعينهم الشياطين في هذه الأمور, والشياطين تحملهم فعلاً إلى الأماكن البعيدة لكن الناس لا يرونهم, فيظن الإنسان أن هؤلاء الذين فعلوا هذه الخوارق من أولياء الله, وهم في الحقيقة من أعداء الله وأولياء الشياطين.

    وقوله: { إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم:22] أعم مما ذكرت, حتى إذا دعا الإنسان إلى الشرك وأشرك فإنه يكون قد أجاب الشيطان .
    فهو يقول: أنا ما لي عليكم من سلطان، ولا عليكم من قوة ولا قدرة ولا حجة، لكني دعوتكم إلى ما دعوتكم إليه فاستجبتم لي).اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(117) ب.


    (19) الجمع بين قوله تعالى: (وهم فيها لا يسمعون) وقوله: (سمعوا لها شهيقاً).

    السؤال:
    كيف يجمع بين قول الله عز وجل: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ } [الأنبياء:100]، وقوله تعالى: { إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } [الملك:7]؟

    الجواب:

    (ما هو الإشكال؟
    السائل: كيف نوفق بين الآيتين؟
    الشيخ: لا يسمعون كلام الناس من خارجها، لكن يسمعون شهيقها -والعياذ بالله-)اهـ.
    (لقاء الباب الفتوح) شريط(162)ب.


    (20) الجمع بين أمر الله لموسى باللين مع فرعون ، وغلظة موسى على فرعون.

    السؤال:
    فضيلة الشيخ : بالنسبة لقول الله سبحانه وتعالى: { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [طه:44] نجد في سورة الإسراء أن موسى حصل بينه وبين فرعون كلام فيه شدة وغلظة ومنه قول موسى: { وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً } [الإسراء:102] كيف نجمع بين هذه الآية والقول باللين؟

    الجواب:

    ( الجمع بينهما أنه خاطبه باللين أولاً، فلما طغى وشمخ وارتفع كان حقه أن يهان، وهذا من التدرج في الدعوة إلى الله بالحكمة، تتكلم مع المدعو أولاً باللين والسهولة، فإذا أصر وعاند فليس جزاؤه إلا أن يغلظ عليه)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(16) أ.


    (21) الجمع بين آية: (..عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وحديث: (من رأى منكم منكراً فليغيره..).
    السؤال:
    كيف نجمع بين قول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة:105]، وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ) إلى آخر الحديث؟

    الجواب:

    ( ليس بين الآية والحديث منافاة، وليس بين الآية وبين قوله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر } [آل عمران:104] منافاة؛ لأن الآية التي ذكرت قوله: { لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة:105] ومن هدايتنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، لكن إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفيد شيئاً فحينئذٍ على الإنسان بخاصة نفسه، ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مر بالمعروف، وانه عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام ).
    فآية المائدة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة:105] هي فيما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، أو كان أمره ونهيه لا يفيد، ولهذا قرأ أبو بكر هذه الآية، وقال: ( أيها الناس! إنكم تقرءون قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة:105] وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ))اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(31) أ.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: توفيق كبار العلماء في دفع إيهام تعارض نصوص الشريعة الغراء.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.04.09 8:49

    (22) الجمع بين حديثي: إتيان العراف ، وتصديقه.
    السؤال:
    كيف نجمع بين الحديثين التاليين: حديث: ( مَن أتى عرافاً فسأله عن شيء فَصَدَّقه، لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً ).
    وحديث: ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدَّقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم )؟ فالسؤال هنا: هل التصديق يستمر مع الشخص، أم أنه ينقطع، حيث أنه صدقه في تلك اللحظة فقط، ولم يستمر في التصديق، كأن سأله شخص آخر، فدله، وهكذا؟


    الجواب:

    ( أما لفظ الحديث الأول فليس فيه (فَصَدَّقه) والصحيح: ( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً ) وليس فيه لفظ التصديق.
    أما الثاني: ففيه التصديق، ووجهُ كُفْرِه بما أنزل على محمد: أنه إذا استقر في نفسه أن هذا صادق وهو أمر غيبي مُسْتَقْبَل؛ فإن ذلك يتضمن الكفر بقوله تعالى: { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } [النمل:65].
    والتصديق يكفي فيه أن يصدقه في أول الأمر، وليس معناه أن ينتظر حتى يصدقه الواقع، أو لا يصدقه؛ لأنه إذا انتظر وقال: ننظر، هل يقع ما قال أو لا يقع، فهذا لم يصدقه في الواقع؛ لكن لا تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً.


    فالتصديق أن يطمئن إلى قوله، ويرى أنه حق وأنه واقع.
    أما أن يقول: سأجرب، فهذا ما صدَّقه.
    كذلك أيضا لو أتى كاهناً أو عرافاً فسأله ليُظْهِر كذبه، فإن هذا لا بأس به، فقد سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابن صياد الذي يدعي أنه يأتيه مَن يأتيه، سأله عن شيءٍ أضْمَرَه له النبي –صلى الله عليه وسلم- (الدُّخان)، فقال: الذي في نفسك هو (الدُّخ) ولم يتمكن من الوصول إلى التلفظ به كاملاً، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( اخسأ! فلن تَعْدُوَ قَدْرَك ))اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(44)ب.


    (23) التوفيق بين حديث: ( من قال: إله إلا الله ...دخل الجنة) وكون بعض الرافضة والمبتدعة يموت على قول: (لا إله إلا الله ).
    السؤال:
    كيف نجمع بين الحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم : عن أبي الأسود الدؤلي أن أبا ذر حدثه فقال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وعليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه، فقال: ( ما من عبد قال: (لا إله إلا الله)، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة! قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق! قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق! ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر ، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر ). ما الجمع بين
    وبين ما نراه وما نقرأه عن أصحاب الفرق الضالة؛ كـ الرافضة و الخوارج ، وما يكون من المنافقين؛ حيث إنهم يشهدون شهادة التوحيد، ويموتون عليها؟ أفيدونا وفقكم الله وأثابكم؟

    الجواب:


    ( الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    حديث أبي ذر -كما سمعتم- يدل دلالة ظاهرة على أن هذا القائل -أي: قائلَ: (لا إله إلا الله)- مؤمن حقاً؛ لكن سولت له نفسه ففعل بعض المعاصي، بل بعضَ الكبائر من الزنا والسرقة وغير ذلك.
    وطريقُ أهل السنة والجماعة أن الإنسان المؤمن، وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنة من العقوبة راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء:48]، فصار جميع فاعلي المعاصي -وإن عَظُمَت- إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة، فمآل فاعلها إلى الجنة؛ لكن قد يُعذَّب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله، { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء:48].


    أما المنافقون، وأهل البدع المكفِّرة التي تكفِّرهم بدعُهم فإنهم حقيقة لم يقولوا: (لا إله إلا الله) بقلوبهم؛ لأن هذا الانحراف الذي أدى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقولُ: (لا إله إلا الله) لابد فيه من الإخلاص.

    أما أن يقول: (لا إله إلا الله) وهو يعتقد أن لا رب ولا إله -والعياذ بالله- أو يعتقد أن مع الله إلهاً يدبر الكون، أو يعتقد -مثلاً- أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا كلهم بعد موته، أو يعتقد أن أبا بكر و عمر ارتدا بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك من البدع المكفِّرة، فهؤلاء لم يخلصوا في قول: (لا إله إلا الله)، فكانت بدعُهم هذه تنافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من شهد أن لا إله إلا الله -أو من قال: (لا إله إلا الله)- دخل الجنة ).

    السائل: أمَا قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: من قال: (لا إله إلا الله) ، هذا اللفظ ألا يدل على أن أي واحد قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنة؟!
    الشيخ: لا،لا.


    بل لابد من الإخلاص، ولهذا استَمِعْ إلى قول الله تعالى في المنافقين: { يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً } [النساء:142]، وفي نفس السورة يقول: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [النساء:145]، ويقول عنهم: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } [المنافقون:1] هذه شهادة بالرسالة، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون:1] أي: كاذبون في قولهم: نشهد إنك لرسول الله)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(45)أ.


    (24) الجمع بين حديثي: (إن البحر هو جهنم) و (يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون زمام).
    السؤال:
    فضيلة الشيخ! ما وجه الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البحر هو جهنم ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى يوم القيامة بجهنم ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) كيف نجمع بينهما؟

    الجواب:


    ( أما الأول وهو قولك إنه قال: ( إن البحر هو جهنم ) فلا أعلم هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن كثيراً من العلماء قالوا في قول الله تعالى: { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [التكوير:6] : إنها هي جهنم، ومعنى سجرت: أوقدت فتكون ناراً.

    ولا منافاة بين هذا وهذا؛ لأن أحوال يوم القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا؛ أحوال يوم القيامة لا يعرفها أحد -أي: لا يعرف حقيقتها وكنهها- إلا الله عز وجل، أو من شاهدها يوم القيامة، أما الآن فأحوال الآخرة لا يمكن أن نقيسها بأحوال الدنيا، فيمكن أن تكون هذه البحار يؤتى بها يوم القيامة وهي نار تجر ، ولا غرابة في ذلك.

    وأقول لكم: إنه لا يمكن أن تقاس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لئلا يشتبه عليكم شيء آخر أعظم من هذا، وهو أنه يوم القيامة تدنو الشمس من الرؤوس حتى تكون على قدر ميل، والميل هو: إما هو ميل المكحلة وهو قصير جداً، وإما ميل المسافة الذي هو كيلو ونصف تقريباً، وأياً كان فإننا لو قسنا أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لكانت الشمس إذا قربت من الناس إلى هذا الحد انمحوا من الوجود لشدة حرارتها.

    وأيضاً أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يعرقون يوم القيامة على قدر أعمالهم، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ العرق إلى حقويه، ومنهم من يلجمهم العرق، وهم في مكان واحد!.

    ولو قسنا هذا بأحوال الدنيا لكان ذلك متعذراً، لكن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وهذا أمر يجب على الإنسان أن يتفطن له وألا يقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا، كما أنه لا يجوز أن يقيس صفات الله عز وجل بصفات المخلوقين، فمثلاً: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ) وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته، وجاءت الآية الكريمة: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } [البقرة:255] وقوله: { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر:67] فيقول: كيف يكون هذا؟! كيف يكون نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا، والسماء الدنيا بالنسبة إليه ليست بشيء؟!

    فيقال: يجب عليك السمع والتصديق في الأخبار، والسمع والطاعة في الأحكام، سواءٌ أدرك ذلك عقلك أم لم يدركه؛ لأن ما يتعلق بالرب جل وعلا لا يشبه ما يتعلق بالمخلوقين، فنحن نؤمن بأن الله ينزل نزولاً حقيقياً إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، ولكن كيف ذلك؟ الله أعلم، وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن قول الله: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه:5] فقيل له: يا أبا عبد الله { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه الرحضاء -وهو العرق- خجلاً وحياءً، وتحملاً لهذا السؤال العظيم، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(60) أ.


    (25) قول الله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) [الذايات:35-36].
    السؤال:
    كيف نجمع بين قول الله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) [الذايات:35] * { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )). [الذريات:36]؟

    الجواب:


    ( ما فيها إشكال ، لأن الدار دار لوط عليه الصلاة و السلام دار إسلام ، بيته الذي فيه مسلمون، حتى زوجته الكافرة لا تعلن كفرها، لكن لما أراد الله إنجاء أهل الدار ، أنجى المؤمنين الذي إيمانهم ظاهر وباطن، فبقيت هي لأنها مسلمة وليست مؤمنة)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط(182) ب.

    (26) الجمع بين قوله تعالى:
    (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث) الآية، وقوله تعالى:(يوم يخرجون من الأجداث سراعاً ...) الآية.


    السؤال:
    أشكل عليَّ الجمع بين قوله تعالى: { خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } [القمر:7] وبين قوله تعالى: { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [المعارج:43] أي: كأنهم يعرفون طريقهم بالعلامات التي يذهبون إليها؟


    الجواب:
    أنت تدري يوم القيامة كم يوم؟
    السائل: خمسون ألف سنة.
    طيب ، تتغير الأحوال، فهم كأنهم جراد منتشر، ثم بعد ذلك يهتدون إلى الطريق ويسعون)اهـ.
    (لقاء الباب المفتوح) شريط (182) ب.

    يتبع...

      الوقت/التاريخ الآن هو 26.11.24 7:52