العلماء حفظة الشريعة
قال العلامة ابن القيم–
رحمه الله تعالى:
"أن الله سبحانه جعل العلماء وكلاء وأمناء على دينه ووحيه
وارتضاهم لحفظه والقيام به والذبّ عنه
وناهيك بها منزلة شريفة، ومنقبة عظيمة
قال تعالى:
"ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين"
سورة "الأنعام"الآية (88-89)
وقد قيل أن هؤلاء القوم هم: الأنّبياء.
وقيل: أصحابه رسول الله–صلى الله عليه وسلم.
وقيل: كل مؤمن.
هذه أمهات الأقوال بعد أقوال متفرعة عن هذه
كقول من قال: هم الأنّصار، أو المهاجرون والأنّصار، أو قوم من أبناء فارس.
وقال آخرون: هم الملائكة.
قال ابن جرير([b][1])–رحمه الله تعالى:
"وأولى هذه الأقوال بالصواب : أنهم الأنّبياء الثمانية عشر الذين سماهم في الآيات قبل هذه الآية
قال :
وذلك أن الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى وفي التي بعدها عنهم ذكر فما يليها بأن يكون خبراً عنهم أولى وأحق بأن يكون خبراً عن غيرهم
فالتأويل :
فإن يكفر قومك من قريش يا محمد بآياتنا وكذبوا بها وجحدوا حقيقتها
فقد استحفظناها واسترعينا القيام بها رسلنا وأنبياءنا من قبلك
الذين لا يجحدون حقيقتها ولا يكذبون بها، ولكنهم يصدقون بها ويؤمنون بصحتها
قلت
السورة مكية والإشارة بقوله هؤلاء إلى من كفر به من قومه أصلاً ومن عداهم تبعاً فيدخل فيها كل من كفر بما جاء به من هذه الأمة
والقوم الموكلون بها هم الأنّبياء أصلاً والمؤمنون بهم تبعاً
فيدخل كل من قام بحفظها والذنب عنها والدعوة إليها
ولا ريب أن هذا للأنّبياء أصلاً وللمؤمنين بهم تبعاً وأحق من دخل فيها من أتباع الرسول–صلى الله عليه وسلم-خلفاؤه في أمته وورثته فهم الموكلون بها
وهذا ينظم في الأقوال التي قيلت في الآية…
وأيضاً
فإن تحت هذه الآية إشارة وبشارة بحفظها
وأنه لا ضيعة عليها
وأن هؤلاء وإن ضيعوها ولم يقبلوها فإن لها قوماً غيرهم يقبلونها ويحفظونها ويرعونها ويذبون عنها
فكفر هؤلاء بها لا يضيعها ولا يذهبها ولا يضرها شيئاً
فإن لها أهلاً ومستحقاً سواهم
فتأمل شرف هذا المعنى وجلالته وما تضمنه من تحريض عباده المؤمنين على المبادرة إليها والمسارعة قبولها
وما تحته
من تنبيههم على محبته لهم وإيثاره إياهم بهذه النعمة على أعدائه الكافرين
وما تحته
من احتقارهم وازدرائهم وعدم المبالاة والاحتفال بهم
وإنكم وأن تؤمنوا بها فعبادي المؤمنون بها الموكلون بها سواكم كثير
كما قال تعالى:
"قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً"
سورة "الإسراء" الآية (107-108)…
والمقصود :
أن هذا التوكيل خاص بمن قام بها علماً وعملاً وجهاداً لأعدائها، وذباً عنها
ونفياً لتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وأيضاً
فهو توكيل رحمة وإحسان وتوفيق واختصاص
لا توكيل حاجة كما يوكل الرجل من يتصرف عنه في غيبته لحاجة إليه
ولهذا قال بعض السلف :
"فقد وكلنا بها قوماً"
سورة "الأنعام" الآية (89)
يقول رزقناها قوماً. فلهذا لا يقال لمن رزقها ورحم بها أنه وكيل لله
وهذا بخلاف اشتقاق ولي الله من الموالاة فإنها المحبة والقرب
فكما يقال عبد الله وحبيبه يقال وليه.
والله تعالى يوالي عبده إحسانا إليه وجبراً له ورحمه
بخلاف المخلوق فإنه يوالي المخلوق لتعززه به وتكثره بموالاته لذلّ العبد وحاجته
وأما العزيز الغني فلا يوالي أحداً من ذل ولا حاجة قال تعالى :
"وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا"
سورة "الإسراء" الآية (111)
فلم ينف الولي نفياً عاماً مطلقاً بل نفى أن يكون له ولي من الذل
وأثبت في موضع آخر أن له أولياء بقوله :
"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
سورة "يونس"الآية (62)
وقوله :
" الله ولي الذين آمنوا"
سورة"البقرة" الآية (257)
فهذا موالاة رحمة وإحسان وجبر والموالاة المنفية موالاة حاجة وذلّ"
"مفتاح دار السعادة" للعلامة ابن القيم (1/491-495) بتصرف
قال يحيى بن معين –رحمه الله تعالى :
"إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطّوا رحالهم في الجنة من أكثر من مئتي سنة".
قال ابن مهرويه –رحمه الله تعالى :
"فدخلت على ابن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل
فحدثته بهذه الحكاية فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده
وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية"
"سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي (11/95)
وقال ابن الجوزي – رحمه الله تعالى :
"سبحان من منّ على الخلق بالعلماء والفقهاء الذين فهموا مقصود الأمر، ومراد الشارع
فهم حفظة الشريعة فأحسن الله جزاءهم"
"صيد الخاطر" لأبي الفرج ابن الجوزي (253)
وأختم هذا المبحث بما ذكره المواردي–رحمه الله-عن بعض البلغاء قوله :
"إن من الشريعة أن تجلّ أهل الشريعة"
"أدب الدنيا والدين" للمواردي ص (56)
نقلا عن كتاب
"بيان الشريعة الغراء لفضل العلم والعلماء..."
([1]) "جامع البيان"لشيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري (7/263)
قال العلامة ابن القيم–
رحمه الله تعالى:
"أن الله سبحانه جعل العلماء وكلاء وأمناء على دينه ووحيه
وارتضاهم لحفظه والقيام به والذبّ عنه
وناهيك بها منزلة شريفة، ومنقبة عظيمة
قال تعالى:
"ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين"
سورة "الأنعام"الآية (88-89)
وقد قيل أن هؤلاء القوم هم: الأنّبياء.
وقيل: أصحابه رسول الله–صلى الله عليه وسلم.
وقيل: كل مؤمن.
هذه أمهات الأقوال بعد أقوال متفرعة عن هذه
كقول من قال: هم الأنّصار، أو المهاجرون والأنّصار، أو قوم من أبناء فارس.
وقال آخرون: هم الملائكة.
قال ابن جرير([b][1])–رحمه الله تعالى:
"وأولى هذه الأقوال بالصواب : أنهم الأنّبياء الثمانية عشر الذين سماهم في الآيات قبل هذه الآية
قال :
وذلك أن الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى وفي التي بعدها عنهم ذكر فما يليها بأن يكون خبراً عنهم أولى وأحق بأن يكون خبراً عن غيرهم
فالتأويل :
فإن يكفر قومك من قريش يا محمد بآياتنا وكذبوا بها وجحدوا حقيقتها
فقد استحفظناها واسترعينا القيام بها رسلنا وأنبياءنا من قبلك
الذين لا يجحدون حقيقتها ولا يكذبون بها، ولكنهم يصدقون بها ويؤمنون بصحتها
قلت
السورة مكية والإشارة بقوله هؤلاء إلى من كفر به من قومه أصلاً ومن عداهم تبعاً فيدخل فيها كل من كفر بما جاء به من هذه الأمة
والقوم الموكلون بها هم الأنّبياء أصلاً والمؤمنون بهم تبعاً
فيدخل كل من قام بحفظها والذنب عنها والدعوة إليها
ولا ريب أن هذا للأنّبياء أصلاً وللمؤمنين بهم تبعاً وأحق من دخل فيها من أتباع الرسول–صلى الله عليه وسلم-خلفاؤه في أمته وورثته فهم الموكلون بها
وهذا ينظم في الأقوال التي قيلت في الآية…
وأيضاً
فإن تحت هذه الآية إشارة وبشارة بحفظها
وأنه لا ضيعة عليها
وأن هؤلاء وإن ضيعوها ولم يقبلوها فإن لها قوماً غيرهم يقبلونها ويحفظونها ويرعونها ويذبون عنها
فكفر هؤلاء بها لا يضيعها ولا يذهبها ولا يضرها شيئاً
فإن لها أهلاً ومستحقاً سواهم
فتأمل شرف هذا المعنى وجلالته وما تضمنه من تحريض عباده المؤمنين على المبادرة إليها والمسارعة قبولها
وما تحته
من تنبيههم على محبته لهم وإيثاره إياهم بهذه النعمة على أعدائه الكافرين
وما تحته
من احتقارهم وازدرائهم وعدم المبالاة والاحتفال بهم
وإنكم وأن تؤمنوا بها فعبادي المؤمنون بها الموكلون بها سواكم كثير
كما قال تعالى:
"قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً"
سورة "الإسراء" الآية (107-108)…
والمقصود :
أن هذا التوكيل خاص بمن قام بها علماً وعملاً وجهاداً لأعدائها، وذباً عنها
ونفياً لتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وأيضاً
فهو توكيل رحمة وإحسان وتوفيق واختصاص
لا توكيل حاجة كما يوكل الرجل من يتصرف عنه في غيبته لحاجة إليه
ولهذا قال بعض السلف :
"فقد وكلنا بها قوماً"
سورة "الأنعام" الآية (89)
يقول رزقناها قوماً. فلهذا لا يقال لمن رزقها ورحم بها أنه وكيل لله
وهذا بخلاف اشتقاق ولي الله من الموالاة فإنها المحبة والقرب
فكما يقال عبد الله وحبيبه يقال وليه.
والله تعالى يوالي عبده إحسانا إليه وجبراً له ورحمه
بخلاف المخلوق فإنه يوالي المخلوق لتعززه به وتكثره بموالاته لذلّ العبد وحاجته
وأما العزيز الغني فلا يوالي أحداً من ذل ولا حاجة قال تعالى :
"وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا"
سورة "الإسراء" الآية (111)
فلم ينف الولي نفياً عاماً مطلقاً بل نفى أن يكون له ولي من الذل
وأثبت في موضع آخر أن له أولياء بقوله :
"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
سورة "يونس"الآية (62)
وقوله :
" الله ولي الذين آمنوا"
سورة"البقرة" الآية (257)
فهذا موالاة رحمة وإحسان وجبر والموالاة المنفية موالاة حاجة وذلّ"
"مفتاح دار السعادة" للعلامة ابن القيم (1/491-495) بتصرف
قال يحيى بن معين –رحمه الله تعالى :
"إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطّوا رحالهم في الجنة من أكثر من مئتي سنة".
قال ابن مهرويه –رحمه الله تعالى :
"فدخلت على ابن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل
فحدثته بهذه الحكاية فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده
وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية"
"سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي (11/95)
وقال ابن الجوزي – رحمه الله تعالى :
"سبحان من منّ على الخلق بالعلماء والفقهاء الذين فهموا مقصود الأمر، ومراد الشارع
فهم حفظة الشريعة فأحسن الله جزاءهم"
"صيد الخاطر" لأبي الفرج ابن الجوزي (253)
وأختم هذا المبحث بما ذكره المواردي–رحمه الله-عن بعض البلغاء قوله :
"إن من الشريعة أن تجلّ أهل الشريعة"
"أدب الدنيا والدين" للمواردي ص (56)
نقلا عن كتاب
"بيان الشريعة الغراء لفضل العلم والعلماء..."
([1]) "جامع البيان"لشيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري (7/263)
[/b]