{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ }
أخيتي الغاليةإن الدنيا دار ابتلاء ولكلشخص في هذه الدنيا ابتلاءلا تقولي أنا ليس لدي ابتلاء.. لا والله حتى حينتنعمين بالنعم فيما حولكفهذا ابتلاء.. هل تشكرين الله عليها أم لا ...
(( اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطان ))لكنأخيةاخترت لك هذه الكلمات الجميلة من شيخ الإسلام ابن تيميةفأوصيكغاليتي بقراءتهاوالتمعن في معانيهاوتذكريها حين تصابينبإبتلاءفلنبدأ ....
وبعد، فإن الصبر من أعظم خصالالخير التي حث الله عليها في كتابه العظيم،وأمر بها رسوله الكريم صلى الله عليهوسلم في سنته المطهرة، وقد وردت مادة (صبر) في القرآن الكريم في مائة وأربعة مواضع،على تنوع في مواردها وأسباب ذكرها.
فقد أمر الله نبيه بخلق الصبرفقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [النحل 127] وقال تعالى : فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 35].
وأمر الله به المؤمنين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران 200].
وأثنىعلى أهله، فقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَالْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة 177].
وأخبر بمحبته للصابرين، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّالصَّابِرِينَ} [آل عمران 146]، ومعيته لهم، فقال تعالى : {وَاصْبِرُوا إِنَّاللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال 46].
ووعدهم أن يجزيهم أعلىوأوفى وأحسن مما عملوه، فقال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواأَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل 96]
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر 10].
وبشرهم فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة 155]
وأخبر أنجزاءهم الجنة فقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان 12].
وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوابِالصَّبْرِ وَالصَّلاة} [البقرة 153]
وقوله تعالى في سورة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ} [يوسف 90]
وقرن الله - تبارك وتعالى - الصبربالعمل، فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَلَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود 11]
وقرنه بالاستغفار: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْبِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ}
وقرنه بالتسبيح،في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَحِينَ تَقُومُ} [الطور 48]
وفي قوله تعالى في سورة طه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَغُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَتَرْضَى} [طه 130]
وقرنه بالشكر في عدة آيات، قال تعالى: {إِنَّ فِيذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم 5].
وحديث القرآنعن الصبر متنوع وممتع مما يدل على أهميته ومكانته العظيمة، وكذا الشأن في السنةالنبوية، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على هذا الخلق الكريم، وكانت سيرتهصلى الله عليه وسلم أنموذجاً يحتذى في التخلق بخلق الصبر بشتى أنواعه وأعلى درجاته،ومن قرأ في سيرته العملية وسنته القولية سيجد أن للصبر شأناًعظيماً.
قال صلـى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلهعجب، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراًله،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".
فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبدهالمؤمن وأنها خيرله إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمىالإيمان كما قال بعض السلف: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" لقوله تعالى: {إِنَّفِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
وإذا اعتبر العبد الدين كلهرآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر،وذلك لأن الصبر ثلاثةأقسام:
**صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلابعد صبرٍ ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر ، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤهللمأمورات وفعله للمستحبات.
**النوع الثاني: صبر عن المنهي عنه حتى لايفعله، فإن النفس ودواعيها، وتزيين الشيطان، وقرناء السوء،تأمره بالمعصية وتجرئهعليها،فبحسب قوة صبره يكون تركه لها، قال بعضالسلف: أعمال البر يفعلها البروالفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق .
***النوع الثالث: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب وهي نوعان:
*نوع لا اختيار للخلق فيه،كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيهاقضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا،وإما اختيارا، فإنفتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها من النعم والألطاف انتقل منالصبر عليها إلى الشكر لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة، فلا يزال هجيرىقلبه ولسانه رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، وهذا يقوى ويضعف بحسب [قوة] محبةالعبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر يخاطب محبوبا له [ناله ببعض ما يكره] :
*النوع الثاني : أن يحصل له بفعل الناس في ماله أوعرضه أو نفسه.
فهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً، لأن النفس تستشعر المؤذي لها ،وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياءوالصديقون،وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول: يرحم الله موسى لقد أوذيبأكثر من هذا فصبر
وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه فجعل يقول: "اللهم اغفرلقومي فإنهم لا يعلمون"
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه جرى له هذا مع قومه [فجعل يقول مثل ذلك] ، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم،والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون
وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والعز والسروروالأمن والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له وزيادة العلم،ولهذاقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّاصَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} فبالصبر واليقين تنال الإمامة فيالدين،فإذا انضاف إلى هذا الصبر قوة اليقين والإيمان ترقى العبد في درجات السعادةبفضل الله،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضلالعظيم.
غالياتيربما أكثرت عليكن .. لكن كلامه جميلجداأسأل الله أن أستفيد أنا منهأسأل الله أن يفتح على قلبي وقلوبكن"