ثالثاً:لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة :
أولاً:في القرآن: هذا وقد ورد لفظ (الإمام) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى لإبراهيم u:﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾([1]).قال شيخ المفسرين الإمام الطبري-رحمه الله- والمعنى :(أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به ، ويقتدى به )([2]).
كما ورد في قوله تعالى عن دعاء المؤمنين :﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ ([3]) أي :(أئمة يقتدي بنا من بعدنا ) ([4]) وقال الإمام البخاري-رحمه الله-:( أئمة نقتدي بمن قبلنا ، ويقتدي بنا من بعدنا ) ([5]).
وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ ([6]). أي : ( أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في إتباع أمره ونهيه ، ويقتدى بهم ، ويتبعون عليه) ([7]).
وفي قوله تعالى:﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ ([8]) أي : ولاة وملوكًا ([9]) .
كما ورد اللفظ بمعنى : من يؤتم بهم في الشر . فقال تعالى:﴿ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ﴾ ([10]) أي : ( رؤساء الكفر بالله ) ([11]) وقوله : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾ ([12]) أي : ( جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به ) ([13]) .قلت: لكن إذا أطلق لفظ ( الإمام ) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل ، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة . كما في هذه الآيات .
ثانياً: في السنة: وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله e:« فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه.. » الحديث ([14])، وقوله e:« الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ » ([15]) . والمراد : الحاكم أو الخليفة .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .
وهكذا أخذت الإمامة معنى اصطلاحيًا إسلاميًا ، فقصد بالإمام : خليفة المسلمين وحاكمهم ، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة ، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة ، كما أوضح ذلك ابن حزم-رحمه الله ([16]) .
رابعاً:الترادف بين ألفاظ:الإمام والخليفة وأمير المؤمنين ([17]):والذي يبدو من استعراض الأحاديث الواردة في باب الخلافة والإمامة أن الرسول e والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام ، ومن بعد تولية عمر بن الخطاب t أضافوا إليها لفظ:أمير المؤمنين - وإلى ذلك ذهب العلماء فجعلوها من الكلمات المترادفة المؤدية إلى معنى واحد فيقول الإمام النووي-رحمه الله-:( يجوز أن يقال للإمام : الخليفة ، والإمام ، وأمير المؤمنين )([18]).
ويقول ابن خلدون-رحمه الله-:(وإذ قد بيَّنَّا حقيقة هذا المنصف وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإمام ) أ.هـ ([19]) ويعرف ابن منظور-رحمه الله- الخلافة بأنها الإمارة ([20]).
خامساً:استعمالات لفظي الخلافة والإمامة:ومن الملاحظ أن لفظ (الإمامة) يغلب استعمالهم عادة عند أهل السنة في مباحثهم العقدية والفقهية ، بينما الغالب استعمالهم لفظ ( الخلافة ) في كتاباتهم التاريخية ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المباحث - خاصة العقدية - قد كتبت للرد على المبتدعة في هذا الباب كالشيعة والخوارج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة البقرة آية 124 .
([2]) تفسير الطبري المسمى ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن )(1/529) ط .ثالثة . 1388 هـ . ن . مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي القاهرة .
([3]) سورة الفرقان آية 74 .
(]4] ) تفسير الطبري (19/52) .
([5]) صحيح البخاري : ك : الاعتصام ب : الإقتداء بسنن الرسول e فتح الباري (13/248) .
([6]) سورة الأنبياء آية 73 .
([7]) تفسير الطبري (17/49) .
([8]) سورة القصص آية 5 .
([9]) تفسير الطبري (20/28) .
([10]) سورة التوبة آية 12 .
([11]) تفسير الطبري (10/87) .
([12]) سورة القصص آية 41 .
([13]) تفسير الطبري (20/79) .
([14]) متفق عليه: رواه الأئمة البخاري - واللفظ له - ك . الأحكام ب : 1، انظر : فتح الباري (13/111) ، ورواه مسلم أيضًا في ك : الإمارة ، ح 1829 (3/1459) ، وأبو داود في ك : الإمارة ب : 1 ، عون (8/146) ، والترمذي ك : الجهاد ب : 7 ، ح 1705 (4/208) ، ورواه أحمد في مسنده (2/54) .
([15]) صحيح: رواه الإمام أحمد-رحمه الله- في مسنده (3/183) ،قلت:وصححه العلامة الألباني-رحمه الله- في "الإرواء" ح (520)(2/298)، وقال-رحمه الله- ورد من حديث جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك وعلي ابن أبي طالب وأبو برزة الأسلمي y وذكر العلامة القاري في شرحه ل ( شرح النخبة ) أن الحافظ قال في هذا الحديث إنه متواتر . ولا يشك في ذلك من وقف على بعض الطرق التي جمعها الحافظ-رحمه الله.
([16]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/90) ط . ثانية 1395 هـ . ن . دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان .
([17]) هذا الترادف من قبيل دلالتها وإطلاقها على ذات واحدة ، أما من حيث معانيها فلكل واحدة منها معناها الخاص بها . مثل القرآن والفرقان والهدى والنور فهي مترادفة من حيث دلالتها على القرآن ، ومتباينة من حيث معانيها .
([18]) روضة الطالبين ليحيى بن شرف الدين النووي (10/49) . ن : المكتب الإسلامي . وانظر : نحوه في مغنى المحتاج للشربيني (4/132) .
([19]) المقدمة (ص 190) .
([20]) لسان العرب (9/83) .
أولاً:في القرآن: هذا وقد ورد لفظ (الإمام) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى لإبراهيم u:﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾([1]).قال شيخ المفسرين الإمام الطبري-رحمه الله- والمعنى :(أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به ، ويقتدى به )([2]).
كما ورد في قوله تعالى عن دعاء المؤمنين :﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ ([3]) أي :(أئمة يقتدي بنا من بعدنا ) ([4]) وقال الإمام البخاري-رحمه الله-:( أئمة نقتدي بمن قبلنا ، ويقتدي بنا من بعدنا ) ([5]).
وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ ([6]). أي : ( أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في إتباع أمره ونهيه ، ويقتدى بهم ، ويتبعون عليه) ([7]).
وفي قوله تعالى:﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ ([8]) أي : ولاة وملوكًا ([9]) .
كما ورد اللفظ بمعنى : من يؤتم بهم في الشر . فقال تعالى:﴿ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ﴾ ([10]) أي : ( رؤساء الكفر بالله ) ([11]) وقوله : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾ ([12]) أي : ( جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به ) ([13]) .قلت: لكن إذا أطلق لفظ ( الإمام ) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل ، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة . كما في هذه الآيات .
ثانياً: في السنة: وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله e:« فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه.. » الحديث ([14])، وقوله e:« الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ » ([15]) . والمراد : الحاكم أو الخليفة .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .
وهكذا أخذت الإمامة معنى اصطلاحيًا إسلاميًا ، فقصد بالإمام : خليفة المسلمين وحاكمهم ، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة ، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة ، كما أوضح ذلك ابن حزم-رحمه الله ([16]) .
رابعاً:الترادف بين ألفاظ:الإمام والخليفة وأمير المؤمنين ([17]):والذي يبدو من استعراض الأحاديث الواردة في باب الخلافة والإمامة أن الرسول e والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام ، ومن بعد تولية عمر بن الخطاب t أضافوا إليها لفظ:أمير المؤمنين - وإلى ذلك ذهب العلماء فجعلوها من الكلمات المترادفة المؤدية إلى معنى واحد فيقول الإمام النووي-رحمه الله-:( يجوز أن يقال للإمام : الخليفة ، والإمام ، وأمير المؤمنين )([18]).
ويقول ابن خلدون-رحمه الله-:(وإذ قد بيَّنَّا حقيقة هذا المنصف وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإمام ) أ.هـ ([19]) ويعرف ابن منظور-رحمه الله- الخلافة بأنها الإمارة ([20]).
خامساً:استعمالات لفظي الخلافة والإمامة:ومن الملاحظ أن لفظ (الإمامة) يغلب استعمالهم عادة عند أهل السنة في مباحثهم العقدية والفقهية ، بينما الغالب استعمالهم لفظ ( الخلافة ) في كتاباتهم التاريخية ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المباحث - خاصة العقدية - قد كتبت للرد على المبتدعة في هذا الباب كالشيعة والخوارج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة البقرة آية 124 .
([2]) تفسير الطبري المسمى ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن )(1/529) ط .ثالثة . 1388 هـ . ن . مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي القاهرة .
([3]) سورة الفرقان آية 74 .
(]4] ) تفسير الطبري (19/52) .
([5]) صحيح البخاري : ك : الاعتصام ب : الإقتداء بسنن الرسول e فتح الباري (13/248) .
([6]) سورة الأنبياء آية 73 .
([7]) تفسير الطبري (17/49) .
([8]) سورة القصص آية 5 .
([9]) تفسير الطبري (20/28) .
([10]) سورة التوبة آية 12 .
([11]) تفسير الطبري (10/87) .
([12]) سورة القصص آية 41 .
([13]) تفسير الطبري (20/79) .
([14]) متفق عليه: رواه الأئمة البخاري - واللفظ له - ك . الأحكام ب : 1، انظر : فتح الباري (13/111) ، ورواه مسلم أيضًا في ك : الإمارة ، ح 1829 (3/1459) ، وأبو داود في ك : الإمارة ب : 1 ، عون (8/146) ، والترمذي ك : الجهاد ب : 7 ، ح 1705 (4/208) ، ورواه أحمد في مسنده (2/54) .
([15]) صحيح: رواه الإمام أحمد-رحمه الله- في مسنده (3/183) ،قلت:وصححه العلامة الألباني-رحمه الله- في "الإرواء" ح (520)(2/298)، وقال-رحمه الله- ورد من حديث جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك وعلي ابن أبي طالب وأبو برزة الأسلمي y وذكر العلامة القاري في شرحه ل ( شرح النخبة ) أن الحافظ قال في هذا الحديث إنه متواتر . ولا يشك في ذلك من وقف على بعض الطرق التي جمعها الحافظ-رحمه الله.
([16]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/90) ط . ثانية 1395 هـ . ن . دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان .
([17]) هذا الترادف من قبيل دلالتها وإطلاقها على ذات واحدة ، أما من حيث معانيها فلكل واحدة منها معناها الخاص بها . مثل القرآن والفرقان والهدى والنور فهي مترادفة من حيث دلالتها على القرآن ، ومتباينة من حيث معانيها .
([18]) روضة الطالبين ليحيى بن شرف الدين النووي (10/49) . ن : المكتب الإسلامي . وانظر : نحوه في مغنى المحتاج للشربيني (4/132) .
([19]) المقدمة (ص 190) .
([20]) لسان العرب (9/83) .