أحكام عشر ذي الحجة
للشيخ
عبدالله السعد
للشيخ
عبدالله السعد
السلام عليكم:
أما بعد فهده رسالة قيمة لشيخنا الحبيب عبد الله السعد أحببت أن أضعها للأخوة وذلك لما رأيت من مناسبتها لما نحن فيه.
وهي حقيقة تحوي مواضيع قيمة ونكت حديثية نفيسة
أسأل الله أن ينفع بعلم الشيخ.
قال حفظه الباري:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله عز وجل شرع لعباده مواسم الخيرات، ويسر لهم طرق الطاعات؛ فعلى العباد أن يغتنموا هذه المواسم ليحققوا أعلى الدرجات .
وإن من المواسم العظيمة التي حث الله عباده على اغتنامها أيام عشر ذي الحجة
وقد دلت الأدلة - كما سيأتي إن شاء الله - على أن هذه الأيام أفضل أيام العام، وقد اجتمع فيها عبادات عظيمة، وطاعات جليلة.
* * *
فضائل عشر ذي الحجة
فضائل عشر ذي الحجة
الأدلة الدالة على فضل عشر ذي الحجة تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ورد في فضلها جميعا .
والثاني: ما ورد في فضل بعض أيامها .
فأما القسم الأول، وهو ما ورد في فضلها جميعا, فمنه:
1- قوله تعالى: (والفجر وليال عشر) [الفجر: 1-2].
والمقصود بالليالي العشر: العشر الأول من ذي الحجة، كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة، وجاء هذا عن عبد الله بن الزبير ومسروق بن الأجدع ومجاهد والضحاك وغيرهم، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال الإمام ابن جرير الطبري في «تفسيره» (30/168): (اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر, أي ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة.
ثنا ابن بشار ثنا ابن أبي عدي وعبدالوهاب ومحمد بن جعفر عن عوف عن زرارة عن ابن عباس قال: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة) ا.هـ.
ورواه أيضا بإسناد آخر فقال: حدثني يعقوب ثنا ابن علية أنا عوف به ) قد روى ابن جرير هذا القول عن ابن عباس من ثلاثة طرق عنه، وبعضها صحيح؛ أحدها هذا, وهو من طريق أربعة كلهم من الثقات المشاهير - وهم: ابن أبي عدي وعبدالوهاب ومحمد بن جعفر وابن علية - عن عوف - وهو ابن أبي جميلة الأعرابي - قال: حدثنا زرارة بن أوفى قال: قال ابن عباس:... فذكره.
والتصريح بالتحديث إنما وقع في رواية ابن علية دون باقي الروايات، وابن علية من كبار الحفاظ.(
ثم قال: (حدثني يونس أنا ابن وهب أخبرني عمر بن قيس عن محمد بن المرتفع عن عبدالله بن الزبير (وليال عشر) أول ذي الحجة إلى يوم النحر)ا.هـ.) هذا الإسناد لا يصح، عمر بن قيس الأقرب أنه المكي المعروف بسندل، فقد ذكر في ترجمته أن ابن وهب يروي عنه، وشيخه أيضا مكي، وهذا يؤيد كون عمر بن قيس هو المكي المعروف بسندل، وهو متروك، أما محمد بن المرتفع فهو القرشي العبدري، وثقه الإمام أحمد، وقال: روى عنه ابن جريح وابن عيينة. وقال ابن سعد: ثقة قليل الحديث. وذكره ابن حبان في «الثقات»، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير»وقال: (سمع ابن الزبير(
ورواه أيضا عن مسروق )أخرج عبد الرزاق في «المصنف» (8120) عن معمر عن الأعمش عن أبي الضحى قال: سئل مسروق عن (لفجر وليال عشر) قال: هي أفضل أيام السنة.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به.
ورواه ابن جرير الطبري في «التفسير» (30/ 169): حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا ابن ثور عن معمر عن أبي إسحاق عن مسروق... فذكره.
قلت: وهذا إما أن يكون اختلاف على معمر, فإن كان كذلك فالإسناد الأول هو الأصح؛ لأن عبدالرزاق أثبت الناس في معمر أو من أثبتهم فيه.
وإما أن يكون لمعمر في هذا الخبر إسنادان.(
وعكرمة ومجاهد ) قال ابن جرير: (حدثنا ابن عبدالأعلى ثنا ابن ثور عن معمر عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: ليس عمل في ليال من ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر، وهي عشر موسى التي أتمها الله له) ا.هـ.
هذا الإسناد فيه ضعف من أجل يزيد بن أبي زياد, فإنه لا يحتج به, ولكن يتسامح في مثل هذا, وما جاء عن رسول الله r في هذا فيه الغنية والكفاية. (
وقتادة والضحاك.
ثم قال: (حدثني يونس أنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله تعالى: (وليال عشر) قال: أول ذي الحجة, وقال: هي عشر المحرم من أوله).
ثم قال: (والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحى لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه, وأن عبدالله بن أبي زياد القطواني حدثني قال: حدثني زيد بن حباب قال: أخبرني عياش بن عقبة قال: حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله r قال: « (والفجر وليال عشر) قال: عشر الأضحى») ا.هـ.
قلت: حديث جابر رواه الإمام أحمد (3/327) عن زيد بن الحباب به.
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (4086، 11907) عن محمد بن رافع و(11608) عبدة بن عبدالله كلاهما عن زيد بن الحباب به.
ورواه ابن أبي حاتم – كما في «تفسير ابن كثير» (4/505) – من طريقه.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/505): (وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم, وعندي أن المتن في رفعه نكارة, والله أعلم) ا.هـ.
وقال رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: ( والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف...).
ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال: ( وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير ولم يعزه إلى أحد ) روى ابن جرير هذا القول عن ابن زيد, كما سبق ( ، وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس: (وليال عشر) قال: هو العشر الأول من رمضان، والصحيح القول الأول) ا.هـ.
وإقسام الله عز وجل بهذه الأيام يدل على عظمتها، قال أبو عبدالله ابن القيم: (وهو سبحانه يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته، وآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته) «التبيان في أقسام القرآن» (ص:3 ا.هـ.
* * *
2- روى البخاري (969) من طريق شعبة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي r قال: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه » قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء». )وفي بعض النسخ زيادة (العشر)
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (2/459): ( قوله: «ما العمل في أيام افضل منها في هذه» كذا لأكثر الرواة بالإبهام, ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني: «ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه» ...
والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر – وهو من الحفاظ – عن الكشميهني – شيخ كريمة – بلفظ: «ما العمل من أيام أفضل منها في هذا العشر»وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور، ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده»عن شعبة فقال: «في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة»،
وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة، ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني: أيام العشر»،
وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش، ورواه الترمذي من رواية أبي معاوية فقال: «من هذه الأيام العشر»بدون يعني، وقد ظن بعض الناس أن قوله: «يعني أيام العشر»تفسير من بعض رواته، لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر