أقوال أهل العلم فى مسالة قنوت الوتر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أولاً: صفة صلاة الوتر:
أ- تعريفها:
لغة: - بفتح الواو وكسرها - العدد الفردي، كالواحد والثلاثة، أو ما يتشفع من العدد. [لسان العرب: 52/4757]. ومنه الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن».
- اصطلاحًا: هي صلاة نفل ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، تختم بها صلاة الليل
وسميت بذلك لأنها تصلى وترًا، ولا يجوز جعلها شفعًا. [راجع الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية: 27/289].
ب- حكم الوتر:
الوتر سنّة مؤكدة غير واجب، وبهذا قال الحنابلة، والشافعي، ومالك، وقال أبو حنيفة: واجب. والراجح: أنه سنة مؤكدة، وهو مذهب جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
جـ- وقت صلاة الوتر:
اتفق الفقهاء على أن وقته ما بين العشاء وطلوع الفجر، قال ابن قدامة: وأيُّ وقت أوتر من الليل بعد العشاء أجزأه، لا نعلم فيه خلافًا. اهـ.
[المغني: 2/193].
والأفضل أن يكون في الثلث الأخير من الليل، ومن كان له تهجُّد جعل الوتر بعد تهجده، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث المتفق عليه من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «من كلِّ الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أول الليل، وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر».
فإن خاف ألا يقوم من آخر الليل، استحب له أن يوتر أوله، وإن قام للتهجد، فالمستحب له أن يصلي مثنى مثنى، ولا ينقض وتره.
[المغني: 2/163] أي: له أن يصلي ما شاء لكنه لا يعيد الوتر.
روى مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من خاف منكم ألا يستيقظ من آخر الليل، فليوتر من أوله وليرقد، ومن طمع منكم أن يستيقظ من آخر الليل فليوتر من آخره، فإن صلاة آخر الليل محضورة فذلك أفضل».
والمحظور: تكرار الوتر. لما رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم والحديث حسن، من حديث طلق بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا وتران في
ليلة».
د- عدد ركعات الوتر:
أقل الوتر ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات.روى الإمام أحمد والإمام مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة.
وفي الحديث المتفق عليه: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة».وإن أوتر بأكثر من ركعة، فله الفصل والوصل، ومحل التفصيل في ذلك كتب الفقه. [راجع الموسوعة الفقهية: 27/295، 296].
هـ- القراءة في الوتر:
اتفق الفقهاء على أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر الفاتحة وما تيسر من القرآن، والأفضل عند الحنابلة: أن يقرأ في الركعة الأولى سورة «سبح اسم ربك الأعلى»، وفي الثانية سورة «قل يا أيها الكافرون»، وفي الثالثة سورة «قل هو الله أحد»، وزاد المالكية والشافعية في الركعة الثالثة: سورة الإخلاص والمعوذتين.
و- الجهر والإسرار:
الحنفية: يجهر في الوتر إن كان إمامًا في رمضان لا في غيره.
المالكية: الجهر في الوتر سواء صلاَّه ليلاً، أو بعد الفجر.
الشافعية: يسن لغير المأموم أن يجهر بالقراءة في وتر رمضان، ويسر في غيره.
الحنابلة: يخير المنفرد في صلاة الوتر في الجهر وعدمه، والبعض على أن الجهر
يختص بالإمام فقط.
ويندب الجماعة في الوتر الذي يكون عقب التراويح تبعًا لها، ولا يسن أن يصلي
الوتر في جماعة في غير رمضان، هذا رأي الشافعية والحنابلة.
ثانيًا: القنوت في الوتر:
أ- التعريف:
القنوت لغة: يطلق على عدة معانٍ منها:الطاعة:[]لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ[[البقرة:
116].] يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ[] [آل عمران: 43].السكون:[i]وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[[البقرة: 238].
والدعاء: وهو أشهرها. قال الزجاج: المشهور في اللغة أن القنوت الدعاء.
وذكر النووي: أن القنوت يطلق على الدعاء بخيرٍ وشرٍّ، يقال: قنت له وقنت عليه.
راجع بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (4/298).
اصطلاحًا: اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوصٍ من القيام. [الموسوعة الفقهية
34/57].
ب- حكم القنوت في الوتر:
اختلف الفقهاء والأئمة في وجوب القنوت في الوتر وفي سنته، وجمهور الفقهاء على أن القنوت في الوتر مسنون في جميع السنة.
وقال ابن قدامة في تعليل مشروعيته كلّ السنة، لأنه وتر، فيشرع فيه القنوت، كالنصف الأخير من رمضان، ولأنه ذكر شرع في الوتر، فيشرع في جميع السنة كسائر الأذكار. (المغني: 2/581).
فالحنفية والحنابلة: ذهبوا إلى استحباب القنوت في صلاة الوتر غالب السنة
ودليلهم ما رواه الخمسة بإسناد صحيح، صححه الألباني من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال:
«علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وباركْ لي فيما أعطيت،
وقني شَرَّ ما قضيت، فإنك تَقْضِي ولا يُقْضَى عليك، وإنه لا يذلُ من واليت تباركتَ ربنا وتعاليت».
وزاد البيهقي والنسائي: «ولا يَعزُّ من عاديت».
وزاد النسائي في روايته: «وَصَلَّى اللهُ على النبيّ».
وهي زيادة ضعيفة ضعفها الحافظ ابن حجر.
قال شيخ الإسلام: لا يقنت في غير الوتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة، فيقنت كل مصلّ في جميع الصلوات لكنه في الفجر والمغرب آكد، بما يناسب تلك النازلة ومن
تدبر السنة علم علمًا قطعيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت دائمًا في شيء من الصلوات.
وقال العراقي: جاء قنوت الوتر من طرق تدل على مشروعيته منها ما هو حسن، ومنها ما هو صحيح. (توضيح الأحكام من بلوغ المرام 2/84، 86).
والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر، وابن مسعود، والرواية عنهم أصحُّ من القنوت في الفجر.
وقال الترمذي في حديث الحسن بن علي - السابق - وفي الباب عن علي رضي الله عنه، وهذا حديث حسن
ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئًا أحسن من هذا. اهـ.
وروى أبو داود والنسائي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذُ برضاكَ من سَخَطِكَ وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
وهذا يحتمل قبل فراغه منه وبعده.
وعليه .. فالقنوت في الوتر مشروع ومستحب في أي وقت من السنة، وكان صلى الله عليه وسلم يفعله أحيانًا، وهو غير واجب،
قال شيخ الإسلام: ويفضل أن يختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن تميم: محل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : أول الدعاء، ووسطه وآخره.
والبعض يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدعاء.
راجع الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب أحمد (2/167، 168) بتصرف.
قال القاضي: عندي أن أحمد رجع عن القول بأن لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير، لأنه صرح في رواية خطاب، فقال: كنت أذهب إليه ثم رأيت السَّنَة كلها.
[المرجع السابق 2/166].
جـ- محل القنوت:
ذهب بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع، وهو مذهب الحنفية
واستدلوا بحديث رواه النسائي (2/235)، وابن ماجه (1182)، وغيرهما وسنده حسن من حديث أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُوتر فيقنت قبل الركوع.
وروى الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قنت في آخر الوتر قبل الركوع. ذكر الحافظ ابن حجر أن في
إسناده عمرو بن شمر، وهو واهٍ.
والجمهور على أن محل القنوت في الوتر بعد رفع الرأس من الركوع
لما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع.
وعن عاصم قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال: «قد كان القنوت».
فقلت: قبل
الركوع؟
فقال: كذبت، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا.
ورواية أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع.
وعليه فلو كبر ورفع يديه ثم قنت قبل الركوع جاز، والمستحب بعد الركوع وعليه جمهور العلماء
فأكثر الصحابة والتابعين وفقهاء الحديث كأحمد وغيره يختارون
القنوت بعد الركوع.
د- رفع اليدين في القنوت:
يستحب رفع اليدين في القنوت، ويرفع يديه إلى صدره حال قنوته، ويبسطها وتكون بطونهما نحو السماء.
(الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: 2/168).
هـ- ما يُسنُّ الدعاء به في القنوت:
سبق حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: «اللهم اهدني فيمن هديت».
وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة، قال في شرح الإقناع : ولا بأس أن يدعو في قنوت وتر بما شاء، والمأموم يُؤَمِّن على الدعاء إن سمع، وإن لم يسمع دعا.
وقال شيخ الإسلام: يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه أي: بأن يدعو بما شاء.
وقول الحسن في الحديث: «كلمات أقولهن في قنوت الوتر».
هذا يدل على أنه يجوز أن يزيد الإنسان في دعاء قنوت الوتر على هذه الكلمات؛ لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم : لا تقل غيرهن، وإنما علمه إياهن لتكون مما يقول.
قال الإمام أحمد: يدعو بدعاء عمر: «اللهم إنَّا نستعينك... إلخ».
وبدعاء الحسن : «اللهم اهدنا فيمن هديت...» إلخ.
وقال: ويدعو معه بما في القرآن، ونقل أبو الحارث: بما شاء، اختاره بعض الأصحاب.
قال أبو بكر في التنبيه: ليس في الدعاء شيء مؤقت، ومهما دعا به جاز، واقتصر بعض
الأصحاب على دعاء: «اللهم اهدنا...». (الإنصاف في معرفة الراجح 2/167).
وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقنت بقدر مائة آية، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
وهل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ ؟
على روايتين:
الأولى:
أنه يمسح لما روى السائب بن يزيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم :
«كان إذا دعا فرفع يديه، مسح وجهه بيديه». رواه أبو داود وفي إسناده راوٍ مجهول
كما في الميزان للذهبي.
الثانية:
لا يمسح:
قال البيهقي: فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت. (سنن البيهقي 2/212).
قال القاضي: لا يمسح، نقلها الجماعة، واختارها الآجري. الإنصاف (2/169).
قال شيخ الإسلام: وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه صلى الله عليه وسلم فيه إلا حديث أو حديثان لا
يقوم بهما حجة. الفتاوى (22/519).
وعليه فلا يسن مسح الوجه باليدين بعد القنوت، لعدم صحة الدليل.
و- التسبيح بعد الوتر:
يستحب بعد التسليم من الوتر التسبيح، والوارد في ذلك: «سبحان الملك القدوس»
ثلاث مرات، كما روى أبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب وإسناده صحيح.
قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ «سبح اسم ربك الأعلى» و«قل يا أيها
الكافرون» و«قل هو الله أحد»، فإذا سلم قال: «سبحان الملك القدوس ثلاثَ مرات، يمد بها صوتَهُ في الثالثة ويرفع». وزاد الدارقطني: «رَبِّ الملائكة والروح».
وإسناده صحيح.
وروى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك...».
قال أهل العلم: هذا يحتمل أنه قبل فراغه منه وبعده، وفي إحدى الروايات عن النسائي: كان
يقولُ إذا فرغ من صلاته، وتبوأ مضجعه، وفي هذه الرواية: «لا أحصي ثناءً عليك
ولو حرصتُ».
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في السجود، فلعله قاله في الصلاة وبعدها.
(زاد المعاد، تحقيق الأرنؤوط 1/335، 336).
والنقل
لطفـــــــــــــاً .. من هنــــــــــــــــا
لطفـــــــــــــاً .. من هنــــــــــــــــا