الجواب الموسوم : بِالصَّبَا الفَائِح ، فيِ حُكْمِ أصْحَابِ الرَّوَائِح
السلام عليكم ورحمة الله :
أستاذنا الفاضل
نحن جماعة في مسجد ويصلي معنا بعض العمال فيتأذى أهل المسجد من روائحهم الشديدة التي تفوق الثوم والبصل
فما الحكم والحالة هذه ؟
و
هل يلحق غير الثوم به أم لا ؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا
مقدمه :
مطر بن عبد الله
الجواب :
والله أعلم
أن العمال الذين ذكرتم ينبغي أن يرشدوا إلى الاغتسال وتبديل ملابسهم ليلا تفوت عليهم الجماعة في المسجد
فإن لم يكن ذلك في الإمكان فأولى لهم أن يصلوا في أماكن عملهم أو بيوتهم
لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يأتين المساجد )
متفق عليه من حديث ابن عمر
ومن حديث أنس
( فلا يصل معنا )
متفق عليه
ولهما أي الشيخين من رواية جابر بن عبد الله واللفظ للبخاري
(من أكل من هذه الشجرة يريد الثوم (فلا يغشانا في مساجدنا )
وفي رواية لهما
( من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته )
وأخرج الشيخان من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
( من أكل البصل والثوم والكرّاث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس السابق
( فلا يقربنا ولا يصل معنا )
يدل على أن أي رائحة كريهة تؤذي الناس تنـزل منـزلة الثوم فيبعد صاحبها عن المسجد
ولذا قال الإمام القرطبي في شرح هذا الحديث :
يدل على أن مجتمع الناس حيث كان للصلاة أو غيرها كمجالس العلم والولائم وما أشبهها لا يقربه من أكل الثوم وما في معناه مما له رائحة كريهة تؤذي الناس
المفهم ج2 ص166
وقد تكلم الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله على حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وأصله في الموطأ
قال ابن عبد البر في التمهيد في باب ابن شهاب بعد سرد الحديث والكلام عليه في الحديث المذكور من الفقه:
أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( لا يقرب مسجدنا أو مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم )
وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد
بأن
يكون ذرب اللسان سفيها عليهم في المسجد مستطيلا
أو
كان ذا رائحة قبيحة لا تريمه لسوء صناعته
أو
عاهة مؤذية كالجذام وشبهه
وكل ما يتأذى به الناس
إذا وجد في أحد جيران المسجد ، وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه
كان ذلك لهم
ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول
فإذا زالت بأي وجه كان له مراجعة المسجد .
وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشور فيه
فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه وأن لا يشاهد معهم الصلاة
إذ
لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه
فذاكرته يوما أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول
فاستدل
بحديث الثوم
وقال هو عندي أكثر أذى من آكل الثوم وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد
وذكر الحديث أنه كان إذا وجد من أحد ريح ثوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عنه وربما أبعد حتى يبلغ به البقيع
التمهيد ج6ص422-423
وفي كلامه رحمه الله بعض التكرار أتينا به للأمانة العلمية في النقل.
ونقل الإمام أبو الوليد الباجي في المنتقى عن مالك
أن المواضع المتخذة للعبادة لها حرمة يجب أن يتنـزه بها عن كريه الارايح
ثم قال
في من أكل الفجل إذا كان يؤذي ويظهر فلا يدخل من أكله المسجد
المنتقى شرح الموطأ ج1 ص33
وقد جاء ذكر الفجل في حديث جابر عند الطبراني ولكن في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف
قال الحافظ في الفتح :
وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر
أو
به جرح له رائحة
وزاد بعضهم
فألحق أصحاب الصنائع : كالسمّاك
و
العاهات كالمجذوم
و
من يؤذي الناس بلسانه
وأشار ابن دقيق العيد أن ذلك كله توسع غير مرضي
فتح الباري ج2 ص344دار المعرفة
أقول
والجملة الأخيرة التي نسبها الحافظ لابن دقيق العيد لعلها في بعض نسخ العمدة أو بعض كتبه الأخرى
فإنني لم أظفر بها في نسخة إحكام الأحكام التي بحوزتي والذي فيها بعد لفظ حديث جابر هو :
وقد توسع القائسون في هذا حتى ذهب بعضهم إلى أن من به بخر أو جرح منه ريح يجرى هذا المجرى
كما أنهم توسعوا وأجروا حكم المجامع التي ليست بمساجد:
كمصلى العيد
و
مجمع الولائم مجرى المساجد،
لـ
مشاركتها في تأذي الناس بها
وقوله عليه السلام
( فإن الملئكة تتأذى )
إشارة إلى التعليل بهذا
وقوله في حديث آخر
( يؤذينا بريح الثوم )
يقتضي ظاهره التعليل بتأذي بني آدم ولا تنافي بينهما
والظاهر أن كل واحد منهما علة مستقلة
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد ج1ص304ط عالم الكتب تحقيق أحمد شاكر
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب
وكل ما يخاف هذا الأمر حري بأن يمنع
فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب)
رواه الخمسة إلا النسائي
وعن سمرة بن جندب قال
( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها )
رواه أحمد والترمذي وصححه أبو داوود
ولفظه
( كان يأمرنا بالمساجد أن نضعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها )
والمراد بالدور هنا
المحال التي فيها الدور
ومنه قوله تعالى
﴿سأوريكم دار الفاسقين﴾
لأنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها القبيلة دارا
قال الشوكاني في نيل الأوطار
وأن تنظف المراد تنظيفها من الوسخ والدنس
وقوله تطيب
قال ابن رسلان : بطيب الرجال وهو ماخفي لونه وظهر ريحه، فإن اللون ربما شغل بصر المصلي
والأولى في تطييب المسجد مواضع المصلين ومواضع سجودهم
ويجوز أن يحمل التطيب على التجمير: أي البخور
ثم سرد حديث جابر في الثوم
وقال بعده :
قال العلماء ويلحق بالثوم والبصل والكراث ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها
قال القاضي عياض:
ويلحق به من أكل الفجل وكان يتجشأ
قال ابن المرابط :
ويلحق به من به بخر في فيه أوبه جرح له رائحة
قال القاضي :
وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد، كمصلى العيد والجنائز ونحوهما من مجامع العبادات
وكذا
مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها
وهل تلحق الأسواق بما سلف ؟
عند مالك لا تلحق
واعتبر الشوكاني في نيل الأوطار العلة
وعليه ..
إذا كانت العلة : تأذي الملائكة
فينبغي الاقتصار على إلحاق المواطن التي تحضرها الملائكة
وإن اعتبرنا قوله صلى الله عليه وسلم ( يؤذينا بريح الثوم ) فالأسواق كغيرها من مجامع العبادات
نيل الأوطار ج2 ص160-162
فتحصل من هذه النقول المتقدمة عن جهابذة العلماء الأجلاء:
أن
أي رائحة كريهة تؤذي الناس تنـزل منـزلة ما ورد فيه النص
لأن
العلة الموجودة في الأصل
وهي
تأذي الملائكة أو الناس موجودة في كل ماله رائحة كريهة
ومعروف من شروط القياس أن علة الأصل، إذا وجدت في الفرع، قيس على أصله
وقد بيّنت ذلك في الدرر بقولي :
وَحَقِّقَنْ وُجُودَ تِلْكَ الْعِلَّةْ *
فيِ الْفَرْعِ كَالأَصْلِ عَنِ الأَجِلَّةْ*
كقياس النبيذ على الخمر بجامع الإسكار .
والله تعالى أعلم
ونسبة العلم إليه أسلم ،،،،،،،،،
جمعه ورتبه :
راجي رحمة الودود
الشيخ أحمد بن مود
1416هـ
الملفات المرفقة
والنقل
لطفــاً .. من هنـــــــا
لطفــاً .. من هنـــــــا