تيسير أحكام اللقطة
مقدمة
الحمد لله رب العالمين .الرحمن الرحيم .مالك يوم الدين .
اياك نعبد و اياك نستعين .اهدنا الطراط المستقيم .وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، اله الأولين و الأخرين و ملجاء السائلين .
و أشهد أن محمد عبده و رسوله، قدوة المؤمنين. اللهم صل و سلم عليه و على صحبه الهداة المهتدين ،و على من تبعهم باحسان الى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه رسالة لطيفة في أحكام اللقطة جمعتها إحياً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، و قد اندرس منها الكثير في هذا الزمان،ثم إنني رأيت أنه يصعب على كثير من الناس البحث ، و القراءة،و استخراج أحكام هذه المسألة من مضانها في أمهات الكتب الفقهية، فأحببت أن أقدمها لهم ميسرة ، مسهلة ،و لا أدعي أنني لم أسبق لمثل هذا العمل فقد رأيت رسالة خاصة في هذا الباب بعنوان" أحكام اللقطة في الشريعة الاسلامية"للدكتور:عبد الكريم زيدان ،و هي رسالة قيمة جداً ولكنه أسهب في نقل المذاهب الفقهية ،و هذا ما لم أشترطه على نفسي بل اكتفيت بالإشارة إليها، ومما يؤخذ عليه غفر الله لنا وله أن حشر المذاهب المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة كالزيدية ،والجعفرية في معرض البحث مع المذاهب السنية ،وهذا ما تحاشيته في بحثي هذا ، وكذلك مما يؤخذ عليه أنه لم يبالي بتخريج الأحاديث و العزو الى مصادرها والحكم عليها صحةً أو ضعفاً ،و لكنني حاولت جهدي في تخريج الأحاديث والعزو إلى مضانها ثم الحكم عليها بما حكم به أهل الأختصاص بهذا العلم الشريف و بالخصوص الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله رحمةً واسعةً ، ومع هذا وذاك فإن رسالة الدكتور زيدان تعتبر أفضل ما قرأت في هذا الباب ،و لقد استفدت منها كثيراً لاسيما في التبويب و التقسيم ،و ما ذكرت من مراجع ومصادر فهي من جهدي إلا ما نذر منها فقد استفدتها من بحث الدكتور زيدان ، و قد رجحت ما رأيته صواباً في المسائل المختلف فيها معتمداً على صحة الحديث و دلالته على الحكم .
و اللـه أسأل ان يوفقنا للسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه
و كتبه
رأفت الحـامد
عـدن _ اليمـن
أولاً : تعريف اللقطة:
لغةً: اللقط – بسكون القاف – أخذ الشيء، ومنه قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } القصص 8
ومعناه: أسم للمال الملقوط، أي المأخوذ بأن تجده ملقى فتأخذه.
شرعاً: مال محترم، غبر محرز، لا يعرف الواجد مستحقه.
توضيح التعريف: "مال محترم": هو المال المعصوم، وهو الذي لا يجوز لأحد التصرف فيه بغير إذن صاحبه، ويدخل فيه مال الذمي المعاهد. (سبل السلام 3/120)
ويخرج منه المال الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان فماله الساقط يعتبر غنيمة لا لقطة. (حاشية ابن العابدين 6/432)
- ويخرج بقيد "غير محرز": ما يجده الوارث من الودائع المجهولة عند مورثه فهذه أموال ضائعة لا لقطة، فأمرها إلى الإمام، وكذلك ما يجده عند الحاكم وغيره من الأماكن المغلقة ولم يعرف مالكه. ( المجموع 16/132)
- ويخرج بقيد "لا يعرف الواجد مستحقه" ما عُرف مستحقه ولا يسمى لقطة، وما ليس له مستحق فهو المال المباح وهو لآخذه ولا يكون لقطة.
ثانياً : أركان اللقطة:
وهي ثلاثة : (1) اللقط (2) الملتقط (3) الملقوط (السلسبيل 2/597)
الركن الأول : اللقط: لغة: معناه، أخذ الشيء، ووضع اليد عليه.
شرعاً: فيه معنى الأمانة والولاية ابتداءً ،ومعنى الاكتساب والتملك انتهاءً.
حكم اللقط:
مذهب الحنفية والشافعية هو استحباب اللقط،وعند المالكية (الاستذكار 22/326) والحنابلة هو كراهة اللقط. وقد يكون اللقط دائراً على الأحكام التكليفيه الخمسة(الاستذكار 22/326):
1_ اللقط الواجب: إذا خيف على المال الضائع، وتعين اللقط طريقاً لحفظها.
2_ اللقط المندوب: عند عدم الخوف عليها، ووثوقه بنفسه وقدرته على التعريف.
3_ اللقط المحرم: عندما يأخذ الملتقط المال الضائع لا لحفظه ورده إلى صاحبه بل لتملكه.
4_ اللقط المكروه: إذا التقطها الفاسق لئلا تسوّل له نفسه الخيانة فيقع في الإثم، أي بمعنى يلتقطها من يشك في أمانة نفسه.
5_ اللقط المباح: إذا استوى الترك واللقط.
قال الحافظ ابن حجر :" ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يدخل باختلاف الأشخاص والأموال فمتى رجّح أخذها فوجب أو استحب، ومتى رجّح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائزً. (فتح الباري 5/111)
الإشهاد على الالتقاط:
يجب الإشهاد على الالتقاط، بأن يشهد الملتقط عليه عدلاً واحداً فأكثر لحديث عياض بن حمار مرفوعا ً:" من وجد لقطةً فليشهد ذا عدل _ في لفظ (ذوي عدل )_ لا يكتم ولا يُغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء". رواه احمد في المسند(4/266) و أبي داود(2/335) رقم (1709) كتاب اللقطة، وابن ماجة (2/837) رقم (2505)، وابن حبان (ص284) رقم(1169)الموارد وهو صحيح.
والوجوب مذهب الظاهرية (المحلى 5/257) ،وقول عند الشافعي، واليه ذهب الشوكاني (المحلى 5/257) والصنعاني (السبل3/119)، وذهب الحنابلة(المغني6/362) والمالكية وقول عن الشافعي(روضة الطالبين4/471) إلى استحباب الإشهاد احتياطاً .
وسبب الوجوب: إنه يمتنع به من الخيانة، وأنه قد يموت فجأة فتصير اللقطة من تركته فتفوت على مالكها.
كيفية الإشهاد: فيه طريقتان:
الأولى: يُشهد أنه وجد لقطة ولا يُعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها.
الثانية: يُشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث.
وأشار بعض الشافعية إلى التوسط بين الوجهين فقالوا : لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها. قال النووي :" وهو الأصح".(النيل5/339)
- ما تقدم في حكم الالتقاط والإشهاد إنما في غير التقاط الحيوان من الجمادات وما يشبهها.
التقاط الحيوان :
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بعدم التقاط الحيوان للنهي الوارد في حديث زيد بن خالد، وحمل بعضهم النهي على من التقطها ليتملكها لا ليحفظها فيجوز له وهو قول للشافعية(الفتح5/96)، وأما الحنفية جعلوا الحيوان كغيره في حكم الالتقاط.
- والصحيح أنه لا يجوز لقط الإبل لما ورد مرفوعاً من حديث زيد بن الحارث:" مالك، ولها معها حذائها وسقاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها".(البخاري برقم 2427 و 2428 ، و مسلم 1722 الفتح 5/96 و شرح مسلم 12/20-27 )، وهو كما سبق قول الجمهور قاسوا على الإبل كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع(الفتح5/97)، (النيل 5/345)، ويقوى على ورود الماء . وذهبوا أيضاً إلى جواز التقاط الإبل من قِبل الإمام أو نائبه عند الضرورة كحالة الخوف عليها من الهلاك أو النهب في أوقات اضطراب الأمن، وإن كان الملتقط من العامة لزمه تسليمها للإمام.
- ضالة الغنم فيجوز التقاطها لما ورد في حديث زيد بن خالد صريحاً :" خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب". متفق عليه، وقاس عليها الجمهور ما يشبهها في الضعف واحتمال الضياع لعدم امتناعها من صغار السباع، وصغار السباع كالذئب، الثعلب، ابن آوى، وولد الأسد عندهم. (المغني6/390)
التقاط لقطة الحاج :
جاء في الشرع ما يدل على النهي عن لقطة الحاج، أي من التقاط ما ضاع من الحاج أو ما ضاع في مكة المكرمة لحديث أبي هريرة مرفوعاً :" … ولا يلتقط ساقطتها _ أي مكة_ إلا منشد.". ( البخاري برقم 2434 و مسلم برقم 1724 ، الفتح 5/104 و شرح مسلم 9/126 ) ، ولحديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نهى عن لقطة الحاج"رواه مسلم (12/ 28 برقم 1724 نووي)، وأبو داود(رقم 1719) كتاب اللقطة باب التعريف باللقطة، وحمل الفقهاء هذا النهي عن التقاطها للتملك لا للتعريف كما هو نص الحديث وهذا مذهب الظاهرية(المحلى 5/258)
، ورواية عن الشافعي(المجموع 16/134) ورواية عن احمد(المغني6/360) وأختارها الشوكاني (النيل5/344) ،وذهب الأحناف(حاشية بن العابدين6/437)، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في رواية عن(المغني6/360) أنه لا فرق بين لقطة الحرم وغيره.
- والصحيح أن هذا الحكم من خصوصيات بلد الله الحرم، وذكر الفقهاء لهذه الخصوصية تعليلات أخرى منها:
(1) أنه إذا عرفها ملتقطها كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها لوجود الوفدين.
(2) إنما خصت مكة بذلك للمبالغة في تعريف ما يلتقط فيها لان مالكها لا يوجد عادةً لرجوع الحجاج لبلادهم فبين أنه لا يسقط عليه التعريف وإنما عليه المبالغة في التعريف والبحث عن صاحبها.
الركن الثاني:" الملتقط":
وهو من له أهلية الإكتساب أو الإحتفاض، قال النووي:" أن يكون حرً، مسلماً، مكلفاً، أميناً. (المجموع16/134) ، ومن أهل العلم من أجاز التقاط الذمي لأنه من أهل الإكتساب فهو كالمسلم . (المغني 6/389)،وفي (المجموع16/176) ذكر روايتان أصحها أنه يمكّن منه
- وكذلك الصغير والمجنون والسفيه، فإذا التقط واحد منهم مال ضائعاً ثبتت يده عليه، لأنه اكتساب فيصح منه كالاصطياد والإحتطاب، ولكن يختلف ناقص الأهلية كالمجنون والصغير في أن وليه ينزع القطه منه ويتولى حفظها وتعريفها، هذا عند الشافعية (المجموع16/173) والحنابلة (المغني6/386)، وأما الحنفية فيصح عندهم التقاط الصبي ولا يصح التقاط المجنون . (حاشية بن العابدين6/435)
تعدد الملتقط :
1. لو التقط اثنان مالاً ضائعاً ثم ترك أحدهما حقه منه للأخر لم يسقط حقه . (المغني6/356)
2. لو أراد التخلص من مسؤولية اللقطة رفع أمره الى الحاكم.
3. لو أقام كلاهما البينه على أنه هو الملتقط وحده ولا تاريخ في البينتين، تبقى القطة بيد الملتقط لأنه صاحب اليد عليها.
4. لو أمر إنسان آخر بالتقاط شيءٍ رآه فالتقطه فهو للآمر إن قصده الملتقط وإن قصد الآمر ونفسه فلهما. (المصدر السابق)
5. إن رأياها معاً فبادر أحدهما فأخذها أو رائها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهي لأخذها لان استحقاق القطة بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد . (المصدر السابق)
الركن الثالث:" الملقوط" :
وهو المال المحترم شرعاً الذي لا يعرف الملتقط مالكه، وهو إما حيوان فيسمى" ضالة" أو غير حيوان ويسمى "لقطة" ، و المال المباح فلا يصير لقطة لإنه ليس له مالك وقد مر.
ذكر ما يشتبه في كونه لقطة أو مملوك لا يغرف مالكه:
(1) اللؤلؤ في البحر خارج صدفه يعتبر لقطة، لان وجوده خارج صدفه يعني انه له مالكاً، لإنه لا يوجد في البحر إلا داخل الصدف، وقيده بعضهم بأن يجده مثقوباً . (المغني6/370)
(2) من أصطاد سمكة فوجد فيها دُرةً فهي للصائد لأنها مال مباح، حتى لو باع السمكة دون أن يعلم أن فيها دُرة، ولا يتملكها المشتري لان البائع لم يقصد بيعها، كمن باع داراً وله فيها مال مدفون لا يدخل في البيع تبعا ً. ( المصدر السابق )
(3) إذا عثر على دراهم أو دنانير في البحر فهي لقطة لأنها لا تخلق في البحر فلابد لها من مالك . ( المصدر السابق )
إذا أخذ ثياب غيره أو متاعه أو حذائه قصداً أو سهواً وترك غيره، فهل يعتبر المتروك لقطة عند المأخوذة ثيابه أم لا؟
الجواب: إن لم يتعمد الأخذ فالمتروك لقطة، وإن تعمد الأخذ جاز للمأخوذة ثيابه بيع المتروك، واستيفاء حقه منه، ومن أهم علامة التعمد الأخذ أن يكون المأخوذ أفضل من المتروك، ولو كان المتروك خيراً من المأخوذ أو مثله دل ذلك على السهو والغفلة فهو بمنزلة الضائع تجري عليه أحكام اللقطة . (المغني 6/373 ,و السلسبيل في معرفة الدليل 2/601 )
(4) ومن ترك دابةً بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها من الهلاك فهي له، لأنها كالمال المباح، لما أخرجه أبو داود بسند حسن ( صحيح الجامع برقم 6584 ) عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً:" من وجد دابةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها، فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له". وهذا مذهب الحنابلة ( المغني 6/400 )، وقال مالك والشافعي وابن المنذر: هي لمالكها، والآخر متبرع . ( المصدر السابق )
فإذا تحققت الأركان الثلاثة السابقة فعليه:
أولاً: معرفة اللقطة:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد بمعرفة اللقطة فقال :"اعرف عفاصها وكائها"…
والوكاء: هو الخيط الذي يربط به، والعفاص: هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلداً كان هو غيره . ( الفتح 1/225 و 5/98 ، شرح مسلم 12/21 ، و إحكام الأحكام 2/159 )
والغرض من تعيين الوكاء والعفاص معرفة الآلات التي تحفظ النفقة ( الفتح 5/98 ) .
ويقاس عليهما كل ما يلزم لمعرفة اللقطة ويبين أوصافها مثل جنسها ونوعها وقدرها وما تتميز به، وكل هذا لمعرفة صدق أوصافها إذا ادعى ملكيتها ( الفتح 5/98 ) ، وقال الحافظ :" اختلف في هذه المعرفة على قولين للعلماء أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر ". (المصدر السابق)
وعند التعريف على اللقطة يستحب بعض أهل العلم كتابة أوصافها خوف النسيان ، هذا قول الإمام أحمد ،والنووي . (المغني 6/363)،و(روضة الطالبين 4/453)
مقدمة
الحمد لله رب العالمين .الرحمن الرحيم .مالك يوم الدين .
اياك نعبد و اياك نستعين .اهدنا الطراط المستقيم .وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، اله الأولين و الأخرين و ملجاء السائلين .
و أشهد أن محمد عبده و رسوله، قدوة المؤمنين. اللهم صل و سلم عليه و على صحبه الهداة المهتدين ،و على من تبعهم باحسان الى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه رسالة لطيفة في أحكام اللقطة جمعتها إحياً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، و قد اندرس منها الكثير في هذا الزمان،ثم إنني رأيت أنه يصعب على كثير من الناس البحث ، و القراءة،و استخراج أحكام هذه المسألة من مضانها في أمهات الكتب الفقهية، فأحببت أن أقدمها لهم ميسرة ، مسهلة ،و لا أدعي أنني لم أسبق لمثل هذا العمل فقد رأيت رسالة خاصة في هذا الباب بعنوان" أحكام اللقطة في الشريعة الاسلامية"للدكتور:عبد الكريم زيدان ،و هي رسالة قيمة جداً ولكنه أسهب في نقل المذاهب الفقهية ،و هذا ما لم أشترطه على نفسي بل اكتفيت بالإشارة إليها، ومما يؤخذ عليه غفر الله لنا وله أن حشر المذاهب المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة كالزيدية ،والجعفرية في معرض البحث مع المذاهب السنية ،وهذا ما تحاشيته في بحثي هذا ، وكذلك مما يؤخذ عليه أنه لم يبالي بتخريج الأحاديث و العزو الى مصادرها والحكم عليها صحةً أو ضعفاً ،و لكنني حاولت جهدي في تخريج الأحاديث والعزو إلى مضانها ثم الحكم عليها بما حكم به أهل الأختصاص بهذا العلم الشريف و بالخصوص الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله رحمةً واسعةً ، ومع هذا وذاك فإن رسالة الدكتور زيدان تعتبر أفضل ما قرأت في هذا الباب ،و لقد استفدت منها كثيراً لاسيما في التبويب و التقسيم ،و ما ذكرت من مراجع ومصادر فهي من جهدي إلا ما نذر منها فقد استفدتها من بحث الدكتور زيدان ، و قد رجحت ما رأيته صواباً في المسائل المختلف فيها معتمداً على صحة الحديث و دلالته على الحكم .
و اللـه أسأل ان يوفقنا للسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه
و كتبه
رأفت الحـامد
عـدن _ اليمـن
أولاً : تعريف اللقطة:
لغةً: اللقط – بسكون القاف – أخذ الشيء، ومنه قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } القصص 8
ومعناه: أسم للمال الملقوط، أي المأخوذ بأن تجده ملقى فتأخذه.
شرعاً: مال محترم، غبر محرز، لا يعرف الواجد مستحقه.
توضيح التعريف: "مال محترم": هو المال المعصوم، وهو الذي لا يجوز لأحد التصرف فيه بغير إذن صاحبه، ويدخل فيه مال الذمي المعاهد. (سبل السلام 3/120)
ويخرج منه المال الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان فماله الساقط يعتبر غنيمة لا لقطة. (حاشية ابن العابدين 6/432)
- ويخرج بقيد "غير محرز": ما يجده الوارث من الودائع المجهولة عند مورثه فهذه أموال ضائعة لا لقطة، فأمرها إلى الإمام، وكذلك ما يجده عند الحاكم وغيره من الأماكن المغلقة ولم يعرف مالكه. ( المجموع 16/132)
- ويخرج بقيد "لا يعرف الواجد مستحقه" ما عُرف مستحقه ولا يسمى لقطة، وما ليس له مستحق فهو المال المباح وهو لآخذه ولا يكون لقطة.
ثانياً : أركان اللقطة:
وهي ثلاثة : (1) اللقط (2) الملتقط (3) الملقوط (السلسبيل 2/597)
الركن الأول : اللقط: لغة: معناه، أخذ الشيء، ووضع اليد عليه.
شرعاً: فيه معنى الأمانة والولاية ابتداءً ،ومعنى الاكتساب والتملك انتهاءً.
حكم اللقط:
مذهب الحنفية والشافعية هو استحباب اللقط،وعند المالكية (الاستذكار 22/326) والحنابلة هو كراهة اللقط. وقد يكون اللقط دائراً على الأحكام التكليفيه الخمسة(الاستذكار 22/326):
1_ اللقط الواجب: إذا خيف على المال الضائع، وتعين اللقط طريقاً لحفظها.
2_ اللقط المندوب: عند عدم الخوف عليها، ووثوقه بنفسه وقدرته على التعريف.
3_ اللقط المحرم: عندما يأخذ الملتقط المال الضائع لا لحفظه ورده إلى صاحبه بل لتملكه.
4_ اللقط المكروه: إذا التقطها الفاسق لئلا تسوّل له نفسه الخيانة فيقع في الإثم، أي بمعنى يلتقطها من يشك في أمانة نفسه.
5_ اللقط المباح: إذا استوى الترك واللقط.
قال الحافظ ابن حجر :" ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يدخل باختلاف الأشخاص والأموال فمتى رجّح أخذها فوجب أو استحب، ومتى رجّح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائزً. (فتح الباري 5/111)
الإشهاد على الالتقاط:
يجب الإشهاد على الالتقاط، بأن يشهد الملتقط عليه عدلاً واحداً فأكثر لحديث عياض بن حمار مرفوعا ً:" من وجد لقطةً فليشهد ذا عدل _ في لفظ (ذوي عدل )_ لا يكتم ولا يُغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء". رواه احمد في المسند(4/266) و أبي داود(2/335) رقم (1709) كتاب اللقطة، وابن ماجة (2/837) رقم (2505)، وابن حبان (ص284) رقم(1169)الموارد وهو صحيح.
والوجوب مذهب الظاهرية (المحلى 5/257) ،وقول عند الشافعي، واليه ذهب الشوكاني (المحلى 5/257) والصنعاني (السبل3/119)، وذهب الحنابلة(المغني6/362) والمالكية وقول عن الشافعي(روضة الطالبين4/471) إلى استحباب الإشهاد احتياطاً .
وسبب الوجوب: إنه يمتنع به من الخيانة، وأنه قد يموت فجأة فتصير اللقطة من تركته فتفوت على مالكها.
كيفية الإشهاد: فيه طريقتان:
الأولى: يُشهد أنه وجد لقطة ولا يُعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها.
الثانية: يُشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث.
وأشار بعض الشافعية إلى التوسط بين الوجهين فقالوا : لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها. قال النووي :" وهو الأصح".(النيل5/339)
- ما تقدم في حكم الالتقاط والإشهاد إنما في غير التقاط الحيوان من الجمادات وما يشبهها.
التقاط الحيوان :
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بعدم التقاط الحيوان للنهي الوارد في حديث زيد بن خالد، وحمل بعضهم النهي على من التقطها ليتملكها لا ليحفظها فيجوز له وهو قول للشافعية(الفتح5/96)، وأما الحنفية جعلوا الحيوان كغيره في حكم الالتقاط.
- والصحيح أنه لا يجوز لقط الإبل لما ورد مرفوعاً من حديث زيد بن الحارث:" مالك، ولها معها حذائها وسقاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها".(البخاري برقم 2427 و 2428 ، و مسلم 1722 الفتح 5/96 و شرح مسلم 12/20-27 )، وهو كما سبق قول الجمهور قاسوا على الإبل كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع(الفتح5/97)، (النيل 5/345)، ويقوى على ورود الماء . وذهبوا أيضاً إلى جواز التقاط الإبل من قِبل الإمام أو نائبه عند الضرورة كحالة الخوف عليها من الهلاك أو النهب في أوقات اضطراب الأمن، وإن كان الملتقط من العامة لزمه تسليمها للإمام.
- ضالة الغنم فيجوز التقاطها لما ورد في حديث زيد بن خالد صريحاً :" خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب". متفق عليه، وقاس عليها الجمهور ما يشبهها في الضعف واحتمال الضياع لعدم امتناعها من صغار السباع، وصغار السباع كالذئب، الثعلب، ابن آوى، وولد الأسد عندهم. (المغني6/390)
التقاط لقطة الحاج :
جاء في الشرع ما يدل على النهي عن لقطة الحاج، أي من التقاط ما ضاع من الحاج أو ما ضاع في مكة المكرمة لحديث أبي هريرة مرفوعاً :" … ولا يلتقط ساقطتها _ أي مكة_ إلا منشد.". ( البخاري برقم 2434 و مسلم برقم 1724 ، الفتح 5/104 و شرح مسلم 9/126 ) ، ولحديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نهى عن لقطة الحاج"رواه مسلم (12/ 28 برقم 1724 نووي)، وأبو داود(رقم 1719) كتاب اللقطة باب التعريف باللقطة، وحمل الفقهاء هذا النهي عن التقاطها للتملك لا للتعريف كما هو نص الحديث وهذا مذهب الظاهرية(المحلى 5/258)
، ورواية عن الشافعي(المجموع 16/134) ورواية عن احمد(المغني6/360) وأختارها الشوكاني (النيل5/344) ،وذهب الأحناف(حاشية بن العابدين6/437)، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في رواية عن(المغني6/360) أنه لا فرق بين لقطة الحرم وغيره.
- والصحيح أن هذا الحكم من خصوصيات بلد الله الحرم، وذكر الفقهاء لهذه الخصوصية تعليلات أخرى منها:
(1) أنه إذا عرفها ملتقطها كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها لوجود الوفدين.
(2) إنما خصت مكة بذلك للمبالغة في تعريف ما يلتقط فيها لان مالكها لا يوجد عادةً لرجوع الحجاج لبلادهم فبين أنه لا يسقط عليه التعريف وإنما عليه المبالغة في التعريف والبحث عن صاحبها.
الركن الثاني:" الملتقط":
وهو من له أهلية الإكتساب أو الإحتفاض، قال النووي:" أن يكون حرً، مسلماً، مكلفاً، أميناً. (المجموع16/134) ، ومن أهل العلم من أجاز التقاط الذمي لأنه من أهل الإكتساب فهو كالمسلم . (المغني 6/389)،وفي (المجموع16/176) ذكر روايتان أصحها أنه يمكّن منه
- وكذلك الصغير والمجنون والسفيه، فإذا التقط واحد منهم مال ضائعاً ثبتت يده عليه، لأنه اكتساب فيصح منه كالاصطياد والإحتطاب، ولكن يختلف ناقص الأهلية كالمجنون والصغير في أن وليه ينزع القطه منه ويتولى حفظها وتعريفها، هذا عند الشافعية (المجموع16/173) والحنابلة (المغني6/386)، وأما الحنفية فيصح عندهم التقاط الصبي ولا يصح التقاط المجنون . (حاشية بن العابدين6/435)
تعدد الملتقط :
1. لو التقط اثنان مالاً ضائعاً ثم ترك أحدهما حقه منه للأخر لم يسقط حقه . (المغني6/356)
2. لو أراد التخلص من مسؤولية اللقطة رفع أمره الى الحاكم.
3. لو أقام كلاهما البينه على أنه هو الملتقط وحده ولا تاريخ في البينتين، تبقى القطة بيد الملتقط لأنه صاحب اليد عليها.
4. لو أمر إنسان آخر بالتقاط شيءٍ رآه فالتقطه فهو للآمر إن قصده الملتقط وإن قصد الآمر ونفسه فلهما. (المصدر السابق)
5. إن رأياها معاً فبادر أحدهما فأخذها أو رائها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهي لأخذها لان استحقاق القطة بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد . (المصدر السابق)
الركن الثالث:" الملقوط" :
وهو المال المحترم شرعاً الذي لا يعرف الملتقط مالكه، وهو إما حيوان فيسمى" ضالة" أو غير حيوان ويسمى "لقطة" ، و المال المباح فلا يصير لقطة لإنه ليس له مالك وقد مر.
ذكر ما يشتبه في كونه لقطة أو مملوك لا يغرف مالكه:
(1) اللؤلؤ في البحر خارج صدفه يعتبر لقطة، لان وجوده خارج صدفه يعني انه له مالكاً، لإنه لا يوجد في البحر إلا داخل الصدف، وقيده بعضهم بأن يجده مثقوباً . (المغني6/370)
(2) من أصطاد سمكة فوجد فيها دُرةً فهي للصائد لأنها مال مباح، حتى لو باع السمكة دون أن يعلم أن فيها دُرة، ولا يتملكها المشتري لان البائع لم يقصد بيعها، كمن باع داراً وله فيها مال مدفون لا يدخل في البيع تبعا ً. ( المصدر السابق )
(3) إذا عثر على دراهم أو دنانير في البحر فهي لقطة لأنها لا تخلق في البحر فلابد لها من مالك . ( المصدر السابق )
إذا أخذ ثياب غيره أو متاعه أو حذائه قصداً أو سهواً وترك غيره، فهل يعتبر المتروك لقطة عند المأخوذة ثيابه أم لا؟
الجواب: إن لم يتعمد الأخذ فالمتروك لقطة، وإن تعمد الأخذ جاز للمأخوذة ثيابه بيع المتروك، واستيفاء حقه منه، ومن أهم علامة التعمد الأخذ أن يكون المأخوذ أفضل من المتروك، ولو كان المتروك خيراً من المأخوذ أو مثله دل ذلك على السهو والغفلة فهو بمنزلة الضائع تجري عليه أحكام اللقطة . (المغني 6/373 ,و السلسبيل في معرفة الدليل 2/601 )
(4) ومن ترك دابةً بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها من الهلاك فهي له، لأنها كالمال المباح، لما أخرجه أبو داود بسند حسن ( صحيح الجامع برقم 6584 ) عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً:" من وجد دابةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها، فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له". وهذا مذهب الحنابلة ( المغني 6/400 )، وقال مالك والشافعي وابن المنذر: هي لمالكها، والآخر متبرع . ( المصدر السابق )
فإذا تحققت الأركان الثلاثة السابقة فعليه:
أولاً: معرفة اللقطة:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد بمعرفة اللقطة فقال :"اعرف عفاصها وكائها"…
والوكاء: هو الخيط الذي يربط به، والعفاص: هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلداً كان هو غيره . ( الفتح 1/225 و 5/98 ، شرح مسلم 12/21 ، و إحكام الأحكام 2/159 )
والغرض من تعيين الوكاء والعفاص معرفة الآلات التي تحفظ النفقة ( الفتح 5/98 ) .
ويقاس عليهما كل ما يلزم لمعرفة اللقطة ويبين أوصافها مثل جنسها ونوعها وقدرها وما تتميز به، وكل هذا لمعرفة صدق أوصافها إذا ادعى ملكيتها ( الفتح 5/98 ) ، وقال الحافظ :" اختلف في هذه المعرفة على قولين للعلماء أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر ". (المصدر السابق)
وعند التعريف على اللقطة يستحب بعض أهل العلم كتابة أوصافها خوف النسيان ، هذا قول الإمام أحمد ،والنووي . (المغني 6/363)،و(روضة الطالبين 4/453)