إن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فى عقيدتنا أصل من أصول الإيمان والإسلام، وهى عقيدة لا تنفك عن شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. والطعن في عصمة البلاغ طعن في هذه الشهادة، وهى أيضاً دليلنا على حجية الوحي الإلهي ،ومن هنا تناول علماء الأصول العصمة في مباحث القرآن الكريم والسنة الشريفة، لتوقف حجيتهما على عصمة رسول الله وذلك يستلزم أن كل خبر بلاغي عن رسول الله صادق مطابق لما عند الله إجماعاً ،فيجب التمسك به0يدل على ذلك قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى( النجم 3،4) فكلمة "ينطق" في لسان العرب تشمل كل ما يخرج من الشفتين قولاً أو لفظاً أي ما يخرج نطقه صلى الله عليه وسلم عن رأيه، إنما هو بوحي من الله عز وجل"الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17/84
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإنى لن أكذب على الله عز وجل" أخرجه مسلم (2361)ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتيه من قبل قرينه الجني ما ينتاب غيره من الوسوسة لأن قرينه أسلم فلا يأمر إلا بخيركما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال : "وإياي. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم. فلا يأمرني إلا بخير" أخرجه مسلم (2814)0
وقد حكي القاضي عياض اتفاق السلف وإجماعهم على أنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم خبر بخلاف إخباره عنه، قال ابن تيمية : " الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَفِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أُوتُوهُ" "وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة فان النبي هو المنبأ عن الله و الرسول هو الذي أرسله الله تعالى وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين" فتاوى ابن تيمية ج10/ص290. ومع هذا كله فإن الترابي لا يزال مردداً في منتدياته بإصرار أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمعصوم بل هو معتصم! .
سادساً : تكذيبه بما هو معلوم ثبوته من القرآن بالضرورة .
1) إقرارالترابي بأن الإنسان أصله قرد وأن نظرية (داروين) لا تعارض القرآن:
حيث سئل في حوار أجرته معه صحيفة الأنباء بتاريخ24/1/1998م:هل تقرون الادعاء بأن الإنسان ينحدر من سلالة القردة؟! فأجاب الترابي بالنص: (( لا أرى في ذلك تناقضا مع النص القرآني ، كما في الإنجيل يقول الإسلام أن الله خلق الإنسان من طين غير أن النباتات والحيوانات والإنسان تتركب من نفس العناصر، إلى أن قال : (( يجب الأخذ في الاعتبار هذه النظرية الأساسية ثم توسيعها)). وهذه زندقة مكشوفة ، ومعارضة للقرآن مفضوحة ، فبئس المنتجع، ولبئست الهواية ، ويا ويحه يوم تبلى السرائر يوم القيامة.
يقول الله تعالى عن الإنسان وأطوار خلقه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [ المؤمنون 12-16] وبين الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن صورة قائما معتدلا كما قال تعالى : الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الإنفطار 7-8]. وقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4].إن كل ذي لب وعينين،ممن هداه الله النجدين؛ يعلم علم اليقين أن نظرية (دارون)التي روج لها اليهود (إخوان القردة)؛ تناقض ما أخبر الله به في خلق الإنسان جملة وتفصيلاً ، فيا لله من هذا البهتان .
لقد تلقف الترابي عن الملاحدة الغربيين الذين رضع من لبانهم فأعجب بهم حتى الثمالة في نظرياتهم وزبالات أذهانهم ، بل ورقصهم ! ما ذهبوا إليه في فكرة التطور المطلق، بما في ذلك قولهم بتطوير الأديان ، مسميا إفكه ذلك في تطوير الدين الإسلامي وأصوله :(التجديد)
وإنما يريد بالتجديد حده الأعلى كما يدعي وهو التطوير، وليس التجديد بمفهومه الشرعي وهو: إحياء ما اندثر من شرع الله وهداه عن طريق إحياء السنن وإماتة البدع. وإليكم المزيد من البرهان على ذلك من كلام الترابي في الفقرة التالية.
2- قوله بتطوير الدين والشريعة حتى في نصها :
يقول الترابي: (( وليست صورة التدين ولا مشكلاته التي عاشها الرعيل الأول هي صورة الإسلام الوحيدة)) ويقول أيضا :((ليس في تصريف الشرع ما ينكر ، فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتا فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر )) كما يقول في موضع آخر من نفس الكتاب ))بل جاءت شريعته –وهي دليل التدين الإسلامي- تحمل قابلية التجديد في طبيعتها ونصها ، وأوصى رسولها علماء الأمة أن يكونوا لها كما كان بني إسرائيل للشريعة الموسوية)).ويقول أيضا: (( ولم تعد بعض صور الأحكام التي كانت تمثل الدين منذ ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم ولا توافي المقاصد التي يتوخاها ، لأن الإمكانات قد تبدلت وأسباب الحياة قد تطورت ".نقلا عن كتاب قضايا التجديد للترابي.
سبحان الله ! أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور : 50]. إن قول الترابي هذا يعني عدم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ، وأنها نزلت في وقت معين ،بل ولأشخاص معينين كما صرح بذلك قائلا :" فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتاً فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر" والمعنى أن الشريعة لابد أن تتطور لتوافق النمط الاجتماعي الجديد، ولو كان في هذا تجاوز لأحكام الله المنزلة المحكمة ، وهذه هي ذات الدعوة التي صرخ بها المنافقون المنحرفون كمحمد أحمد خلف الله ، وعلي عبد الرازق ،ولكن قالها أولئك بوضوح وجلاء ، بينما الترابي دبجها بمواربة والتواء ،على طريقة ما حكاه القرآن عن المنافقين؛ في سورة النساء :
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً [النساء : 62 ] ، ويم الله إن المقاصد والمصلحة والإحسان كله إنما هو في شريعة الله وهداه الذي أنزله الله تعالى وارتضاه ، وخير مانقذف به باطلهم فيدمغه قول الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية : 18]. ومن شك فيما فهمناه من كلام الترابي فليتأمل هذه المقابلة التي أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية مع د. الترابي في (17/4/1995):
السؤال: ".. لكن لا يوجد تفسير موحد للشريعة، هل يجب قطع يدي ورجلي السارق؟، وهل جزاء المرتدين عن الدين القتل؟".فقال: "هذه الحدود لا تقام اليوم في السودان، لأن تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى لا يوجد أحد قط في مؤتمرنا الشعبي الإسلامي يُحرِّم المرأة من حق توليها مناصب عامة في الدولة، أو ينكر لها الحق في تولي منصب رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء". وفي مقابلته له مع جريدة القدس يقلل من شأن إقامة الحدود. ويهاجم العلماء لأنـهم لا يحملون إلا التراث محفوظاً في أذهانـهم، ويعتقد أن بعض الأحكام مثل "الربا" تحتاج إلى اجتهاد جديد، كما اجتهد من قبل في الردة فألغاها جريمة وعقوبة.
يقول علماؤنا: "من المسائل المجمع عليها قولاً واعتقاداً أن إباحة المجمع على تحريمه: كالزنا، والسكر، واستباحة الحدود، وشرع ما لم يأذن به الله كفر وردة". (تفسير المنار: 6/367).
وبعد هذا فلا غرو من دعوى الترابي أن في الإسلام جوانب كثيرة علمانية، كما صرح بذلك في جريدة الراية القطرية (19/10/1986) قائلاً:
"إن للإسلام جوانب علمانية كثيرة.. وإن العلمانية لا دينية سياسية.. ليس لأنـها ضد الدين، ولكنها ليست من الدين في شيء.. كما أنـها لا تريد أن تلغي دور الدين أو تـهمله في الحياة عامة.. فلا شأن لها بذلك.. ولكنها نظرية أو مذهب أو عقيدة سياسية يحسن أن نسميها اللادينية السياسية".
3- زعم الترابي أن حواء أول الخلق وليس آدم عليه السلام.
وذلك في محاضرة بعنوان ( المرأة والبندقية): وهذا قول شاذ لم يقل به أحد. قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً} (سورة النساء/1) وقوله: (واحدة) على تأنيث لفظ النفس. ولفظ النفس يؤنث وإن عنى به مذكر. ويجوز في الكلام من نفس واحد وهذا على مراعاة المعنى إذ المراد بالنفس آدم قاله مجاهد و قتادة . وهي قراءة ابن أبي عبلة واحد بغير هاء. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (سورة الأعراف/189) وقد خلق الله تعالى أمنا حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصر كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان: "ولأمّ مكانه لحمًا" قيل لذلكَ سميت حواء بهذا الاسم لأنها خلقت من شيء حيّ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذَهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" الحديث. ويعني بزوجها في الآيتين: حواء، والزوج في لغة العرب:امرأة الرجل، ويقال:زوجة، قاله ابن عطية في تفسيره
4- أنكاره أن يكون في الجنة حور عين:
وكان ذلك في محاضرة له في جامعة القرآن ،وفي ذلك ردٌ لقوله عز وجل: "حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ. فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ"، مدعيا أن نساء الدنيا هن نساء أهل الجنة.
5- دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفسر القرآن لهذا اليوم .
ألقى الترابي محاضرة بجامعة الخرطوم (في: 30/4/1995)، وقد احتوت على أهم آرائه في علم التفسير والمفسرين، وكان مما قاله: إن كتب التفسير عبارة عن حكايات وقصص وآراء شخصية لمؤلفيها، وسخر من بعض ما ورد فيها وخاصة في تفسير القرطبي، وأضاف بكل استهتار:
"الرسول بشر مثلنا يوحى إليه - ماحَيْفَسر القرآن لهذا اليوم، لأنه لا يعرف هذا اليوم". ومعنى ذلك أن ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم غير مواكب لعصرنا هذا ، لأنه لا يعرف يومنا ، مع أن الله تعالى قد جعل نبيه صلى الله عليه وسلم مبينا لمراد الله من كلامه قال الله تعالى}:وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ا لنحل :44] .
سابعا : طعونه في السنه النبوية :
بعد إنكار الترابي عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ،ذهب يتطاول على أعلام الإسلام من الصحابة نقلة السنة : فاتهمهم باتباع الهوى، يقول في هذا الشأن:
"إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ، قد نجيء بعمل تنقيح جديد. نقول الصحابي إذا روى حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ فيه، نعمل روايته درجة ضعيفة جداً. وإذا روى حديثاً ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر ويمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية".
وقال في موطن آخر من المحاضرة نفسها مشككاً بعدالة الصحابة وبصحيح البخاري:
"لازم لمن تجي تقوم تمتحن ضوابطه [أي البخاري] لمن تجي وأنت مؤتمن البخاري.. المسلمين.. آه .. آه.. آه خلاص ما في شيء.. من وثقه فهو كذا.. ومن جرحه فهو مجروح.. ومن عدله فهو عدل.. كل الصحابة عدول ليه؟ ما شرط يشترط ذلك في كثير أو قليل. يمكن لنا اليوم عندنا وسائل كثيرة جداً، البخاري ما كان يعرفها!!".
ابن حجر –رحمه الله- في الإصابة في تمييز الصحابة (ج1 ص162) ما نصه: "(اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول (يعني الصحابة رضي الله عنهم)، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك، فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران: 110]، وقوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" [البقرة: 143]، وقوله: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم" [الفتح: 18]، وقوله: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه] [التوبة: 100].
إلى أن قال: (في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لـه إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- فيهم شيء مما ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها - من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين - القطع على تعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله.
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإنى لن أكذب على الله عز وجل" أخرجه مسلم (2361)ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتيه من قبل قرينه الجني ما ينتاب غيره من الوسوسة لأن قرينه أسلم فلا يأمر إلا بخيركما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال : "وإياي. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم. فلا يأمرني إلا بخير" أخرجه مسلم (2814)0
وقد حكي القاضي عياض اتفاق السلف وإجماعهم على أنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم خبر بخلاف إخباره عنه، قال ابن تيمية : " الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَفِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أُوتُوهُ" "وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة فان النبي هو المنبأ عن الله و الرسول هو الذي أرسله الله تعالى وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين" فتاوى ابن تيمية ج10/ص290. ومع هذا كله فإن الترابي لا يزال مردداً في منتدياته بإصرار أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمعصوم بل هو معتصم! .
سادساً : تكذيبه بما هو معلوم ثبوته من القرآن بالضرورة .
1) إقرارالترابي بأن الإنسان أصله قرد وأن نظرية (داروين) لا تعارض القرآن:
حيث سئل في حوار أجرته معه صحيفة الأنباء بتاريخ24/1/1998م:هل تقرون الادعاء بأن الإنسان ينحدر من سلالة القردة؟! فأجاب الترابي بالنص: (( لا أرى في ذلك تناقضا مع النص القرآني ، كما في الإنجيل يقول الإسلام أن الله خلق الإنسان من طين غير أن النباتات والحيوانات والإنسان تتركب من نفس العناصر، إلى أن قال : (( يجب الأخذ في الاعتبار هذه النظرية الأساسية ثم توسيعها)). وهذه زندقة مكشوفة ، ومعارضة للقرآن مفضوحة ، فبئس المنتجع، ولبئست الهواية ، ويا ويحه يوم تبلى السرائر يوم القيامة.
يقول الله تعالى عن الإنسان وأطوار خلقه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [ المؤمنون 12-16] وبين الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن صورة قائما معتدلا كما قال تعالى : الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الإنفطار 7-8]. وقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4].إن كل ذي لب وعينين،ممن هداه الله النجدين؛ يعلم علم اليقين أن نظرية (دارون)التي روج لها اليهود (إخوان القردة)؛ تناقض ما أخبر الله به في خلق الإنسان جملة وتفصيلاً ، فيا لله من هذا البهتان .
لقد تلقف الترابي عن الملاحدة الغربيين الذين رضع من لبانهم فأعجب بهم حتى الثمالة في نظرياتهم وزبالات أذهانهم ، بل ورقصهم ! ما ذهبوا إليه في فكرة التطور المطلق، بما في ذلك قولهم بتطوير الأديان ، مسميا إفكه ذلك في تطوير الدين الإسلامي وأصوله :(التجديد)
وإنما يريد بالتجديد حده الأعلى كما يدعي وهو التطوير، وليس التجديد بمفهومه الشرعي وهو: إحياء ما اندثر من شرع الله وهداه عن طريق إحياء السنن وإماتة البدع. وإليكم المزيد من البرهان على ذلك من كلام الترابي في الفقرة التالية.
2- قوله بتطوير الدين والشريعة حتى في نصها :
يقول الترابي: (( وليست صورة التدين ولا مشكلاته التي عاشها الرعيل الأول هي صورة الإسلام الوحيدة)) ويقول أيضا :((ليس في تصريف الشرع ما ينكر ، فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتا فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر )) كما يقول في موضع آخر من نفس الكتاب ))بل جاءت شريعته –وهي دليل التدين الإسلامي- تحمل قابلية التجديد في طبيعتها ونصها ، وأوصى رسولها علماء الأمة أن يكونوا لها كما كان بني إسرائيل للشريعة الموسوية)).ويقول أيضا: (( ولم تعد بعض صور الأحكام التي كانت تمثل الدين منذ ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم ولا توافي المقاصد التي يتوخاها ، لأن الإمكانات قد تبدلت وأسباب الحياة قد تطورت ".نقلا عن كتاب قضايا التجديد للترابي.
سبحان الله ! أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور : 50]. إن قول الترابي هذا يعني عدم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ، وأنها نزلت في وقت معين ،بل ولأشخاص معينين كما صرح بذلك قائلا :" فالخطاب الشرعي لم يكن خطاب عين إلا لمن عناهم ذاتاً فلا يلي خلفهم بنصه ولفظه المباشر" والمعنى أن الشريعة لابد أن تتطور لتوافق النمط الاجتماعي الجديد، ولو كان في هذا تجاوز لأحكام الله المنزلة المحكمة ، وهذه هي ذات الدعوة التي صرخ بها المنافقون المنحرفون كمحمد أحمد خلف الله ، وعلي عبد الرازق ،ولكن قالها أولئك بوضوح وجلاء ، بينما الترابي دبجها بمواربة والتواء ،على طريقة ما حكاه القرآن عن المنافقين؛ في سورة النساء :
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً [النساء : 62 ] ، ويم الله إن المقاصد والمصلحة والإحسان كله إنما هو في شريعة الله وهداه الذي أنزله الله تعالى وارتضاه ، وخير مانقذف به باطلهم فيدمغه قول الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية : 18]. ومن شك فيما فهمناه من كلام الترابي فليتأمل هذه المقابلة التي أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية مع د. الترابي في (17/4/1995):
السؤال: ".. لكن لا يوجد تفسير موحد للشريعة، هل يجب قطع يدي ورجلي السارق؟، وهل جزاء المرتدين عن الدين القتل؟".فقال: "هذه الحدود لا تقام اليوم في السودان، لأن تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى لا يوجد أحد قط في مؤتمرنا الشعبي الإسلامي يُحرِّم المرأة من حق توليها مناصب عامة في الدولة، أو ينكر لها الحق في تولي منصب رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء". وفي مقابلته له مع جريدة القدس يقلل من شأن إقامة الحدود. ويهاجم العلماء لأنـهم لا يحملون إلا التراث محفوظاً في أذهانـهم، ويعتقد أن بعض الأحكام مثل "الربا" تحتاج إلى اجتهاد جديد، كما اجتهد من قبل في الردة فألغاها جريمة وعقوبة.
يقول علماؤنا: "من المسائل المجمع عليها قولاً واعتقاداً أن إباحة المجمع على تحريمه: كالزنا، والسكر، واستباحة الحدود، وشرع ما لم يأذن به الله كفر وردة". (تفسير المنار: 6/367).
وبعد هذا فلا غرو من دعوى الترابي أن في الإسلام جوانب كثيرة علمانية، كما صرح بذلك في جريدة الراية القطرية (19/10/1986) قائلاً:
"إن للإسلام جوانب علمانية كثيرة.. وإن العلمانية لا دينية سياسية.. ليس لأنـها ضد الدين، ولكنها ليست من الدين في شيء.. كما أنـها لا تريد أن تلغي دور الدين أو تـهمله في الحياة عامة.. فلا شأن لها بذلك.. ولكنها نظرية أو مذهب أو عقيدة سياسية يحسن أن نسميها اللادينية السياسية".
3- زعم الترابي أن حواء أول الخلق وليس آدم عليه السلام.
وذلك في محاضرة بعنوان ( المرأة والبندقية): وهذا قول شاذ لم يقل به أحد. قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً} (سورة النساء/1) وقوله: (واحدة) على تأنيث لفظ النفس. ولفظ النفس يؤنث وإن عنى به مذكر. ويجوز في الكلام من نفس واحد وهذا على مراعاة المعنى إذ المراد بالنفس آدم قاله مجاهد و قتادة . وهي قراءة ابن أبي عبلة واحد بغير هاء. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (سورة الأعراف/189) وقد خلق الله تعالى أمنا حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصر كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان: "ولأمّ مكانه لحمًا" قيل لذلكَ سميت حواء بهذا الاسم لأنها خلقت من شيء حيّ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذَهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" الحديث. ويعني بزوجها في الآيتين: حواء، والزوج في لغة العرب:امرأة الرجل، ويقال:زوجة، قاله ابن عطية في تفسيره
4- أنكاره أن يكون في الجنة حور عين:
وكان ذلك في محاضرة له في جامعة القرآن ،وفي ذلك ردٌ لقوله عز وجل: "حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ. فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ"، مدعيا أن نساء الدنيا هن نساء أهل الجنة.
5- دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفسر القرآن لهذا اليوم .
ألقى الترابي محاضرة بجامعة الخرطوم (في: 30/4/1995)، وقد احتوت على أهم آرائه في علم التفسير والمفسرين، وكان مما قاله: إن كتب التفسير عبارة عن حكايات وقصص وآراء شخصية لمؤلفيها، وسخر من بعض ما ورد فيها وخاصة في تفسير القرطبي، وأضاف بكل استهتار:
"الرسول بشر مثلنا يوحى إليه - ماحَيْفَسر القرآن لهذا اليوم، لأنه لا يعرف هذا اليوم". ومعنى ذلك أن ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم غير مواكب لعصرنا هذا ، لأنه لا يعرف يومنا ، مع أن الله تعالى قد جعل نبيه صلى الله عليه وسلم مبينا لمراد الله من كلامه قال الله تعالى}:وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ا لنحل :44] .
سابعا : طعونه في السنه النبوية :
بعد إنكار الترابي عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ،ذهب يتطاول على أعلام الإسلام من الصحابة نقلة السنة : فاتهمهم باتباع الهوى، يقول في هذا الشأن:
"إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ، قد نجيء بعمل تنقيح جديد. نقول الصحابي إذا روى حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ فيه، نعمل روايته درجة ضعيفة جداً. وإذا روى حديثاً ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر ويمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية".
وقال في موطن آخر من المحاضرة نفسها مشككاً بعدالة الصحابة وبصحيح البخاري:
"لازم لمن تجي تقوم تمتحن ضوابطه [أي البخاري] لمن تجي وأنت مؤتمن البخاري.. المسلمين.. آه .. آه.. آه خلاص ما في شيء.. من وثقه فهو كذا.. ومن جرحه فهو مجروح.. ومن عدله فهو عدل.. كل الصحابة عدول ليه؟ ما شرط يشترط ذلك في كثير أو قليل. يمكن لنا اليوم عندنا وسائل كثيرة جداً، البخاري ما كان يعرفها!!".
ابن حجر –رحمه الله- في الإصابة في تمييز الصحابة (ج1 ص162) ما نصه: "(اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول (يعني الصحابة رضي الله عنهم)، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك، فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران: 110]، وقوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" [البقرة: 143]، وقوله: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم" [الفتح: 18]، وقوله: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه] [التوبة: 100].
إلى أن قال: (في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لـه إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- فيهم شيء مما ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها - من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين - القطع على تعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله.