وكتاب <أهل السنّة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى> للمصري، و<منهج أهل السنّة والجماعة في النقد والحكم على الآخرين> للصيني، والمقالات التي تنشر في مجلّتهم <البيان>، ومجلّتهم <السنّة>.
وافهم ـ معي ـ فهمًا دقيقًا لقوله: <...فقد اختار مؤسِّس الدعوة العباسية محمّد ابن علي بن عباس الزمان والمكان والأشخاص>، وقوله: <وكان الدعاة يجتمعون سنويًّا بالمؤسِّس محمّد بن علي العباس>، وقوله: <حيث كان التنظيم هرميًّا>.
ولكي تفهم الكلام السابق فهمًا صحيحً ـ إن شاء الله ـ فإنِّي سأطرح عليك ثلاثة أسئلة، ثمّ أجيب عنها بما أستطيعه من قرائن وأحوال، سائلاً المولي التوفيق والسداد في ذلك. أمَّا الأسئلة، فهي:
ـ أين سيكون خروجهم ؟
ـ ومَن هم الأشخاص الذين سيقومون به ؟
ـ وما هو الزمان المناسب لذلك ؟!!
فالسؤال الأول: أجاب عنه سلمان العودة في رسالته <جزيرة الإسلام> حيث قال: <إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ هو الخالق، وهو المختار، خلق البشر، واختار منهم الرسل والأنبياء، ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وخلق الملائكة، واصطفى منهم أفضلهم: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وخلق البلاد والأرضين، واختار منها بقاعًا هي أفضلها وأطهرها.. هناك أماكن اختارها الله ـ عزّ وجلّ ـ واصطفاها واختصّها، وهي كثيرة جدًّا فلنقف على شيء منها، وطرف مِمّا ورد في فضائلها:
أ ـ مكة والحرم: لقد اختار الله تعالى مكة والحرم من حولها...
ب ـ المدينة المنورة.
ج ـ أرض الحجاز: إنّ من الأماكن الفاضلة المصطفاة بلاد الحجاز في الجملة، حتى لقد قال فيها النبي r في حديث ابن عمر الذي رواه مسلم: <إنّ الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين، كما تأرز الحية في جحرها>. أي بين مسجدي مكة والمدينة.
إذن، فالدين يجتمع ويرجع إلى بلاد الحجاز، إلى مكة والمدينة وما بينهما.
د ـ اليمن: من الأماكن الفاضلة: اليمن، وهي جزء من جزيرة العرب، وقد ورد في فضلها عدّة أحاديث منها: <...الإيمان يمان، والحكمة يمانية...>. وفي رواية <الفقه يمان، والحكمة يمانية>.
واليمن يشمل مواقع عديدة، فحتى أهل المدينة هم في الأصل من اليمن، وكذلك ما تيامن عن الكعبة، فيعدّ من اليمن، وليس اليمن مقصورًا على البقعة الجغرافية التي تسمى اليوم ﺑ <اليمن>، وإن كانت هذه الرقعة الجغرافية داخلة فيه دون شكّ.
جاء ذكر الجزيرة العربية <جزيرة الإسلام> في أحاديث عدة، وتلك الأحاديث على نوعين:
النوع الأول:
نصوص صريحة أنّ النبي r حكم لهذه الجزيرة <عاصمة الإسلام> بأنّها تتميّز عن كلّ بلاد الدنيا، بحكم خاصٍّ، وهو: أنّه لا يجتمع فيها دينان، ولا يساكن الإسلام فيها ملة أخرى، لا يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا وثنية، ولا غيرها...
وما ذلك إلاّ أنّها المنطلق الأول والأخير للإسلام، ولأنّ الله ـ تعالى ـ كتب أن تكون في هذه الجزيرة <الدار>، كما قال الله عزّ وجلّ: }وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمًّا أُوتُوا{ [سورة الحشر، الآية: 9].
فهي دار الإيمان، وبلاده، وأرضه التي يأوي إليها أهل الإيمان من كلّ مكان، وفي كلّ زمان.
ميزات هذا الموقع:
هذه الجزيرة التي اختارها الله لتكون دار الإسلام، ومأوى المؤمنين، تتمتّع بعدّة ميزات، لا تجتمع في غيرها من البلاد، منها:
ـ أنَّها وسط في الأرض كلّها، فكأنّنا ـ نحن المسلمين ـ سرنا في البسيطة حتى إذا صرنا في مركز الأرض قعدنا، وقلنا: هذا هو موقعنا الذي اختاره الله لنا <جزيرة العرب>.
ـ أنّ الله عزّ وجلّ أودع في تلك الأرض كنوزًا وخيرات كثيرة، وجعل فيها خزائن الأرض.
فإنّ هذه الجزيرة تقوم على خزَّان من النفط، والنفط اليوم هو أعظم ثروة مادية تقوم عليها الحياة البشرية، فلا يمكن أن يستغني الناس اليوم في الشرق أو الغرب عن تلك الثروة؛ لأنّ اقتصادهم، وصناعتهم، ووسائل مدنيِّتهم، بشتى أنواعها، مبنية على الثروة النفطية.
إنّ الأمّة يوم تتمكّن من التحكم الحقيقي بالخيرات التي أودعها الله فيها ستكون ـ بدون شكّ ـ هي القائمة على الأمم، القادرة على قيادة البشرية، وتوجيه مسيرتها، ونشر دين الله في أرجاء الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، وإنَّ غدًا لناظره قريب.