الشيخ محمد حسين يعقوب يمهد للخوارج من جديد
الشيخ محمد حسين يعقوب شخصية دعوية معروفة ومشهورة إعلاميًا عبر الشرائط المسجلة وعبر الفضائيات الخاصة ، لا أنكر أن الرجل ذو شخصية جذابة وهيّابة وسمته ومظهره يمثلان علامتين للالتزام بالسنَّة كما لا أنكر أن الرجل واعظ مؤثر ومكثر ، ولكن الرجل مع فرط الحماس وكثرة الأتباع وكثرة الطلب عليه خاصة في دول الخليج تخطي مرحلة الوعظ [ الترهيب والترغيب ] وصار مؤصِّلا ً ومقعِّدًا ومع كثرة هذه الحشود المتيّمة به صار الرجل إمامًا يُنصت له ويُتعصب له من قِبل الأتباع ، وهو ومشاهير غيره كمحمد حسان وأبي إسحاق الحويني وعمرو خالد وطارق سويدان وغيرهم يفتون الناس في الفروع وليتهم اقتصروا على الفتاوي في فروع الدين إلا أننا نجد في كتبهم وشرائطهم ما هو أشد وأعظم من الإفتاء في الفروع ، فالقوم يؤصلون منهجًا وأصولا ً لا ينسبونها لأنفسهم بل ربما زعموا أنها من مفاهيم وأصول السلف الصالح ، لذلك تجد حسان ويعقوب والحويني ومعهم مدرسة السلفية بالإسكندرية يكررون هذه المقولة " الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة " ولا شك أن هذه قاعدة عظيمة وهي الأسلم والأعلم والأحكم ، لكن هل ما يؤصله محمد حسين يعقوب منهجًا سنيًا سلفيًا ؟ وإجابة هذا السؤال هي موضوع المقال :
أولا ً : استمعت لمجموعة شرائط وعظية لمحمد حسين يعقوب تحتوي على مؤثرات صوتية مثيرة تؤثر على الوجدان بحيث يمكن أن تفقد السامع تقييم أو إدراك بعض الخلل فيما يسمع ، وهنا السؤال لمن يتشدق بالسلف الصالح هل كان دأب السلف الصالح تقديم أصوات مزعجة قبل وعظهم ومحاضراتهم ؟ ألا تكفي صحة الاستدلالات بالكتاب والسنة للتأثير في الناس حتى صرنا في حاجة إلى هذه المؤثرات المحدثة ؟!! .كشرائط الإسعاف – العناية المركزة .... الخ
ثانيًا : يُلاحظ على وعظ محمد حسين يعقوب الغلو في تضخيم بعض المعاصي وربما بعض المكروهات مما يُوهِم السامع أن الإصرار على هذه المعاصي يخرجه من الإسلام ، وفي الوقت نفسه لا نجد نفسًا طويلا ً ضخمًا في التحذير من مظاهر الشرك القولية والفعلية كما كان دأب الأنبياء جميعًا وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ثالثًا : كتب محمد حسين يعقوب كتابًا تحت عنوان : " كيف أتوب " طبعة مكتبة الصحابة ومكتبة التابعين الطبعة الثانية ص 65 حيث يقول :
تحطيم الأصنام : الأهواء أصنام تعبد من دون الله لذلك قال تعالي { أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} [ الفرقان : 43 ] ، فالربا صنم ... والزنا صنم ... والتبرج صنم ... وأكل أموال الناس بالباطل ... وكل ما تهواه الأنفس مما يغضب الله صنم ... فالأغاني
وحبها صنم ... والتلفزيون وتعلق القلب بما فيه صنم ... وحب المظاهر والزينة الحرام والافتخار والاستعلاء على الناس صنم ... ولا تصفوا التوبة حتى تتحطم هذه الأصنام ... فمطرب يحطم آلات الطرب ... ورسام يمزق اللوحات ... ومراهق يحرق المجلات والصور الداعرة ... ومتبرجة تحرق ثيابها كلها . إنها فعلا ً صور تتكرر بأتباع إبراهيم عليه السلام حينما حطم الأصنام لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم حينما حطم الأصنام لغرس التوحيد في أرض الإسلام الجديدة . أهـ
قلت :
لقد كتب محمد حسين يعقوب هذا الكلام منذ سنوات ، وقد كنت أُجِلُّ شخصيته كمظهر سنيّ سلفيّ ، ولانتفاع بعض الناس من العصاة بمواعظه خاصة شريطه في تارك الصلاة ، فشجعني مظهر الرجل أن أرحل إليه ناصحًا ومحبًا لأناقشه فيما كتبه زورًا وبهتانًا وتحريفًا لأصول الديانة ، حيث أنزل المعاصي سواء كانت كبيرة أم صغيرة منزلة الصنم الذي يُعبد ، وحرّف دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما حرّف نفس الدعوة لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم موهمًا القراء والسامعين أن تحطيم آلات الطرب وتمزيق اللوحات وحرق المجلات المخلة هو عين تحطيم إبراهيم عليه السلام للأصنام وهو نفس صنيع محمد صلى الله عليه وسلم في تحطيمها في أرض الإسلام الجديدة ، فما حقيقة هذا الهراء الذي زعمه محمد حسين يعقوب ؟!! ورغم نصحي له إلا أنه رفض تصحيح خطئه الكبير الذي يغير منارة الدين من أساسها كما سيأتي .
فأقول : الصنم هو الوثن أي التمثال الذي يُعبد سواء كان من خشب أو حجر أم نحاس ، ومعني يُعبد أي يُؤله فيُدعي من دون الله أو مع الله ويُقدم إليه القرابين والشعائر ، هذه الأصنام هي الآلهة الباطلة التي كانت ولا زالت تمثل أصل الشرك في البشرية وحتى قيام الساعة ، واستدلال محمد حسين يعقوب بالآية { أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} [ الفرقان : 43 ] ليثبت أن الأهواء أصنام تُعبد من دون الله ما هو إلا تلاعب بظاهر الآية بدون الرجوع لتفسيرها ومعرفة أسباب نزولها ليتبيَّن المقصود ، فالهوى لا يكون إلهًا يُعبد إلا إذا كان ما يهواه معبودًا باطلا ً ويفسر ذلك ابن عباس في الآية المذكورة أن الرجل في الجاهلية كان يعبد الحجر الأبيض زمانًا فإذا رأي غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول وعلى ضوء ذلك تُفهم الآية { أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} كما أن ما قبلها يُبين المقصود من أن الحديث عن هوي المشركين الذين كانوا عاكفين صابرين على آلهتهم واستنكارهم واستهزائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدعوهم لترك أهوائهم في الأصنام قال تعالي { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ] [ الفرقان : 41 : 43 ] كما أن أي عاصٍ فيما دون الشرك لا يقدم على المعصية مختارًا إلا عن هوي وميل للمعصية فلو أخذنا بمفهوم محمد حسين يعقوب لصار كل عاص وقع في معصية دون الشرك مشركًا وهذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة ، والصحيح أن اتباع الهوى في الشرك شرك واتباع الهوى فيما دونه من سائر المعاصي معصية دون الشرك .
أما نعته كبائر المعاصي بأنها أصنام فما ذاك إلا من أثر القطبية - نسبة لسيد قطب - فيه كمظهر من مظاهر الغلو في اعتباره المرابين والمتبرجات ما هم إلا عابدو أصنام ، وليته تكلم عن الأصنام الأصلية التي تُدعي من دون الله ، ثم شبه مرتكب الكبيرة بأنه كمن يعبد كبيرته ولو فعل ما استقام الكلام كذلك ، إنما تحدث عن أصنام وهميّة أي عن شرك وهمي ، يُربي في نفوس الناشئة ويغذي فيهم لهجة التكفير من خلال وصف الكبائر فيما دون الشرك بالأصنام التي تُعبد ، وهذا تحريف جليّ في أصول الدين ، ومن جانب آخر تحريف لحقيقة دعوة الأنبياء .
ويتضح الغلو والتحريف كذلك في حثه للمتبرجة بعد حجابها وتوبتها أن تحرق ثيابها كلها ، ولقد نزلت آيات الحجاب وتحجبت نساء الصحابة ولم يُؤْمَرْن بحرق ثيابهن، غاية الأمر أن المرأة إذا خرجت من بيتها لزمت حجابها وإذا كانت في بيتها لبست ملابسها العادية بين محارمها ولا داعي لحرقها ، وما ذاك إلا غلو في الأحكام وادعاء أحكام جديدة ، وكما قُلت سابقًا إن أشد التحريف فيما سبق هو زعمه أن تحطيم المنكرات التي ذكرها هو عين تحطيم الأصنام من قِبل نبي الله إبراهيم عليه السلام ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وشتان بين الأمرين فتحطيم الأصنام تحطيم صور الشرك الأكبر الذي يُخلد صاحبه في النار أما تحطيم آلات الطرب ... الخ ما هو إلا تحطيم لمعصية لا يخلد صاحبها في النار إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بلا خلود ، فالبون شاسع بين عبادة الأصنام وبين الإصرار على المعاصي التي دون الشرك .
إن استمرار هذا المنهج يؤصل التكفير والعنف من جيل إلى جيل ، والنجاة في إحياء المنهج السلفي الصحيح المدون في المراجع القديمة المعروفة وليس في إحياء كلام مهجن من فكر سيد قطب بشئ من السلفية .
رابعًا : يكرر محمد حسين يعقوب تحريفه لمعني الشرك فيذكر في كتابه " جدية الالتزام " ص 63 ط 2 :
فالنفس قد تكون طاغوتًا يُعبد من دون الله دون أن يدري الإنسان منا قال تعالي { أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} [ الجاثية : 23 ] .أ.هـ
قلت : إن محمد حسين يعقوب ومعه محمد حسان وقبلهما سيد قطب لم يدركوا معني التوحيد الصحيح ولا معني الشرك الحقيقي ، فالنفس لا تكون طاغوتًا إلا إذا كانت تُعبد من دون الله ، ويوضح ذلك سبب نزول الآية كما ذكر الشوكاني في تفسيره ج 5 ص 9 : كان الرجل من العرب يعبد الحجر فإن وجد أحسن منه أخذه وألقي الآخر فأنزل الله { أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} [ الجاثية : 23 ] .
خامسًا : ينفث محمد حسين يعقوب عن قطبيته المستترة بقصد أم بدون قصد فيقول ص 128 : ص 129 من كتابه " الجدية في الالتزام " :
نعم إخوتاه ، الكل يتعزي بهذا إننا لم نجد الرجل الكبير الذي تلتف حوله الأمة وهذا الرجل لا يجتمع إلا في شخص خليفة المسلمين أمير المؤمنين وهذا الرجل في حال فقده الآن فإنه ينبغي [ إخوتاه ] - وهذا منهجنا وطريقنا – إيجاد أهل الحل والعقد من المسلمين لتنصيب الخليفة ...
قلت :
لو اقتصر محمد حسين يعقوب على أن يكون واعظًا وقصاصًا ما لا مه أحد لومًا شديدًا لكن الرجل ارتدي رداء العلماء الأئمة وتعدي الفتاوى المتشددة أحيانًا في الفروع إلى ما هو أخطر وأجلّ ألا وهو تأصيل أصول وتحديد معالم للشباب المتعطش للدين والمحب للسنَّة وللسلف الصالح ، فيغرر بهم أمثال محمد حسان ومحمد حسين يعقوب عن جهل أو عمد - ليس هذا مهمًا وإنما القصد بيان الانحراف الفكري لهؤلاء - ، إن محمد حسين يعقوب يسير في فلك الإخوانيين والقطبيين الذين أصلوا أن غاية الدين هي إقامة الخلافة أو الدولة أو النظام وهذا كما بينته سابقًا غير صحيح ، كما أن دعوي إقامة الخلافة الراشدة لا تستند إلى دليل حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الخلافة الراشدة ستكون ثلاثين عامًا ثم تصير ملكًا عضودًا ، ومنذ أن صارت ملكًا عضودًا لا يوجد بين أيدينا تأصيلا ً وتقعيدًا من أئمة أهل السنة والجماعة منذ انقضاء الخلافة الراشدة حتى الآن للمطالبة أو لإيجاد هذه الخلافة فهل غفل عن ذلك أئمة المسلمين حتى جاء حسن البنا وسيد قطب والمودودى إنتهاءً بأسامة بن لادن ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ؟ وهل نحن في زمن نفتقد فيه للإمام [ الحاكم ] حيث يؤكد محمد حسين يعقوب أننا الآن نفتقد أمير المؤمنين الذي تجتمع عليه الأمة بأسرها ، فإذا كان هذا واقعنا فمن يكون إذن حاكم البلاد الحالي وأميرها الرئيس مبارك وكذلك حكام الدول الإسلامية الأخرى ؟ إن المنهج عند محمد حسين يعقوب لإيجاد أهل الحل والعقد لتنصيب الخليفة هو نفس منهج التيارات الأخرى التي لا تسمع ولا تطيع لولاة الأمر في المعروف ، ولكن محمد حسين يعقوب وأقرانه في مرحلة التكوين أو في مرحلة الاستضعاف التي تتطلب الصبر على التربية لتوسيع القاعدة ثم بعد ذلك تأتي الأمور الأخرى المعروفة من الصدام وحدوث الكوارث ، وليته صبر على الشباب والناس عمومًا بدعوة صحيحة وفهم سديد إنما مصابرة وصبر وحشد الشباب وتجميعهم على مفاهيم مغلوطة وإن ظهر من حالها حسن بيان وجمال أداء ، ودليل هذا الفهم أن محمد حسين يعقوب يخاطب الشباب قائلا ً في نفس المصدر السابق : " إنك إذا أردت أن تعمل للتمكين فابدأ بأن تعد نفسك لتكون من أهل الحل والعقد "أ.هـ
وكأن الأمة الإسلامية الآن تخلو من ولاية ليس فيها أهل حل وعقد سواء كانوا علماء شريعة أو علماء في التخصصات الأخرى ، إنه نفس منطق سيد قطب حينما قرر أن الأمة الإسلامية غير موجودة وما ذاك إلا لغياب الشريعة في زعمه وزعم غيره ، إذن إنه نفس الفكر المكرر الذي يغرر بالشباب ويمنيهم بأحلام لا يلبثون إلا أن يصدموا بها على أرض الواقع فلا يجدون إلا السراب والدمار ، إن أمثال هؤلاء الدعاة علموا شيئًا من الدين وغابت عنهم أشياء ، علموا بعض السنن وبعض الآداب مع بعض الواجبات وغابت عنهم أصول أخري لم يستوعبوها كأصل حقيقة التوحيد وكأصل السمع والطاعة في المعروف للحكام ، فأحبهم الشباب لمظهرهم وسمتهم وترغيبهم وترهيبهم وشئ من براعة في الأداء والإلقاء ، والناس في ذلك لا يفرقون بين عالم راسخ وبين خطيب مفوه ، فأعطوا عقولهم ونفوسهم للخطباء المفوهين وأعرضوا عن العلماء الراسخين .
هذا بعض ما تيسر في بيان منهج محمد حسين يعقوب ومدي موافقته من عدمه للمفاهيم الدينية الصحيحة ، وعمومًا لقد ناديت سابقًا هؤلاء الدعاة أصحاب الحضور الفضائي وأصحاب اللحي والوجاهة السنيّة السلفيّة أن يجيبوا على هذه الأسئلة الخمسة هل توجد جماعة في مصر ؟ وهل لها أمير ؟ ومن هو ؟ وهل له سمع وطاعة ؟ وهل يجوز الخروج عليه ؟ فبماذا سيجيب وجهاء قنوات الناس والرحمة والرسالة وأقرأ والمجد وغيرها الذين يدَّعون أنهم سلفيون ، وهم في الحقيقة على منهاج سيد قطب سائرين والله من وراء القصد .
كتبه
محمود عامر
ليسانس شريعة – دبلوم في الدعوة
Mahmoud_amer53@yahoo.com
/منقول من سحاب السلفية
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في 19.11.10 13:36 عدل 2 مرات