قال شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى : "الرؤيا قد تكون من الله تعالى فتكون حقاً، وقد تكون من الشيطان، كما ثبت تقسيمها إلى هذين في الأحاديث الصحيحة .
والشيطان كما قد يتمثل في المنام بصورة شخص، فقد يتمثل أيضاً في اليقظة بصورة شخص يراه كثير من الناس، يضل بذلك من لم يكن من أهل العلم والإيمان، كما يجري لكثير من مشركي الهند وغيرهم، إذا مات ميتهم يرونه قد جاء بعد ذلك وقضى ديوناً ورد ودائع، وأخبرهم بأمور عن موتاهم، وإنما هو شيطان تصور في صورته
وقد يأتيهم في صورة من يعظمونه من الصالحين، ويقول : أنا فلان، وإنما هو شيطان .
وقد يقوم شيخ من الشيوخ ويخلف موضعه شخصاً في صورته يسمونه روحانية الشيخ ورفيقه، وهو جني تصور في صورته، وهذا يقع لكثير من الرهبان، وغير الرهبان من المنتسبين إلى الإسلام .
وقد يرى أحدهم في اليقظة من يقول له : أنا الخليل أو أنا موسى أو أنا المسيح أو محمد أو أنا فلان -لبعض الصحابة- أو الحواريين، ويراه طائراً في الهواء .
وإنما يكون ذلك من الشياطين ... فرؤيته- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- في المنام حق، وأما في اليقظة فلا يرى بالعين، هو ولا أحد من الموتى، مع أن كثيراً من الناس قد يرى في اليقظة من يظنه نبياً من الأنبياء، إما عند قبره، وإما عند غير قبره ..." "الجواب الصريح..."(3/347)
وقال- رحمه الله تعالى : " وإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها .
وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر، وتقول : هنيئاً لك يا ولي الله، فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك .
وأعرف من يقصد صيد الطير، فتخاطبه العصافير وغيرها، وتقول : خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه([1])بذلك و..و.. وكله من مكر الشيطان، وهذا باب واسع، لو ذكرت ما أعرفه منه لاحتاج إلى مجلد كبير"أهـ "الفرقان"ص(188)وانظر"المقدمات العشر في نقض صوفية العصر"ص(138-141)
نقل الاتفاق على عدم حجية الرؤى فضلاً عن الأحلام والأوهام :
قال العلامة المعلمي اليمني- رحمه الله تعالى : " ... وقد اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه وتصلح للاستناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة كماثبت عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما.
ولا ريب أن من التمس الهدى من غير الصراط المستقيم مستحق أن يضله الله عزّ وجلّ ...
فأما ما عرف عن المتصوفة من تحريف النصوص ربما أشنع وأفظع من تحريف الباطنية، فهذا لا يشهد لكشفهم، بل يشهد عليه أوضح شهادة بأنه من أبطل الباطل، وذلك لأمور :
أولاً : لأن النصوص بدلالاتها المعروفة حجة، فإذا شهدت ببطلان قولهم علم أنه باطل .
ثانياً : لأنهم يعترفون أن الكشف محتاج إلى شهادة الشرع، فإن قبلوا من الكشف تأويل الشرع فالكشف شهد لنفسه، فمن يشهد له على تأويله" " القائد إلى تصحيح العقائد"للمعلمي ط. المكتب الإسلامي 1402هـ والنقل بتصرف من "مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية..."(1/106-107)
أسباب دعوى اتخاذ دجاجلة التصوف الرؤى أصلاً في الاستدلال .
أولاً : كفرهم بالعلم، ومن ثم الشريعة؛ وما ذا إلا لكونها فاضحة لأصولهم، كاشفة لفجورهم، شاهدة على انحرافهم، مع قدسيتها في قلوب العامة قبل الخاصة، وفيها أن الرؤى جزء من النبوة، وهو الثاني وبيانه كالتالي .
ثانياً : أن الصوفية لا يجدون دليلاً مستقيماً يبرر لهم الاستغاثة بغير الله إلا المنامات، وليس طريقاً سوياً ولا منهجاً مرضياً، إذ أنه من المعلوم أن الأحلام والمنامات إذا صادمة الشرع، يضرب بها عرض الحائط، وذلك لما قد يدخلها من تلابيس النفس، ووساوس الشياطين، وتلاعب الأبالسة، وليس عند هؤلاء الصوفية ما ينسخ ذلك اللبس، حتى يؤخذ قولهم ويصير حجة على غيرهم .
وهذا بخلاف رؤيا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فهي وحي من الله تعالى؛ لأن الله تعالى تعهد بحفظها من أماني الشياطين .
قال العلامة شمس الدين ابن القيم– رحمه الله تعالى : "ورؤيا الأنبياء وحي، فإنها معصومة من الشياطين، وهذا باتفاق الأمة، ولذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام برؤيا .
وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح، فإن وافقته وإلا لم يعلم بها .
فإن قيل : فما تقولون إن كانت رؤيا صادقة أو تواطأت ؟ " انتهى "مدارج السالكين"(1/51) و"موازين الصوفية"ص(264)
ثالثاً : توطيد وترسيخ لعرشهم واستدامة لخدمة المغرر بهم من أتباعهم، واستحلابا لجيوب مريدهم، في سيادة تامة، غير أنها خزي وندامة على أربابها – تابعاً كان أو متبوعا .
وصفوة القول :
" ولذا أقول إن سلوك هذا الطريق لا يمكن أن يكون مقرباً إلى الله عزَّ وجل وموصلاً إلى ولايته ومحبته .
1. وإنما هو طريق مبعد عن الله تعالى ويدخل الإنسان الذي يسلكه في وساوس وأوهام شيطانية يتخيلها المسكين أنها فتوحات رحمانية فيظن أنه قد وصل إلى ولاية الله فيتيه في أودية الضلال المبين كما حصل لهؤلاء المتصوفة الذين سلكوا الطريق حيث أعرضوا عن الكتاب وسنة رسوله وصار دينهم الذي يدينون به المنامات والأحلام وقال فلان وقال خضر وكلها متاهات وخرافات إبليسية لا أساس لها من الصحة" نقلاً عن "مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية ..."(2/804).
وانظر فيما تقدم وزيادة مفيدة كتاب " الرؤية في معتقدى الرؤيا" لأبي عبد الله محمد بن عبد الحميد حسونة – وفقه الله تعالى .
وصلى الله تعالى على نبينا محمد وآله، والحمد لله على كل حال
([1]) وهذا قول من أقول، ونقل من نقول موافقة للنصوص في جواز دخول الجني جسد الإنسي .