من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 25.07.10 10:26
السلام عليكم ورحمة الله هذه الفقرة الأخيرة المنتقدة من القسم الأول ومعضمها حول تحقيق في قضية هل اسم الله جامد أم مشتق؟ فاسأل الله
التوفيق والسداسد وبسم الله:
12.ص19[. " إذن: فالأسماء الحسنى للحق عز وجل هي تلك الأسماء التي وضعها للدلالة على ذاته, وهذه الدلالة تنقسم إلى قسمين : دلالة عَلَمية, ودلالة وصفية.
والدلالة العلمية التي تطلق على ذات الحق سبحانه وتعالى, وهي لفظ الجلالة (الله).
فالله-إذن- دلالة على واجب الوجود, أما سائر الأسماء الحسنى كالرحمن –مثلا- فهي في الأصل للوصف .. فنحن نطلق عليها أسماء, وإن كان في حقيقتها أوصافاً تدل على بلوغ القمة في الوصف."ا.هـ
وقال تكملة في ص 26 " وينطبق ذلك على جميع الأسماء عدا لفظ الجلالة (الله)؛ لأنه ليس صفة من صفات الله, وليس مشتقا من فعل معين , وإنما هو علم على واجب الوجود, أي: علم على الحق تبارك وتعالى بذاته وصفاته التي وصف بها نفسه, فهو يحوي جميع صفات الكمال الواجبة للحق عز وجل.
فالقاعدة –إذن- أن كل اسم من أسماء الله الحسنى يمثل صفة من صفاته عدا لفظ الجلالة ..فإنه وإن كان لا يمثل صفة بعينها, إلا أنه يحوي جميع الصفات الأخرى ..فحين تقول يا الله ..فأنت تدعوه بجميع صفات الكمال الواجبة لذاته عز وجل, والتي وصف بها نفسه."ا.هــ
وفصل الكلام حول هذا الإسم في ص 134-136 ومن الأمور التي جعلته يميل إلى ما ذكر أن لفظ الجلالة (الله) ورد في القرآن ألفين وسبعمائة مرة
أ-لم يستخدم للدلالة على معبود غير الله عز وجل.
ب- وكذلك لم يستخدم لفظ الجلالة في القرآن كوصف من الأوصاف مثل سائر الأسماء.
جـ- وأنه سبحانه إذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين أو ينسب لنفسه سبحانه فعلا أتى بلفظ الجلالة (الله) كعلم عليه ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد.[1]]ا.هـــ
وهنا مسألتان:
1- الأولى قوله " فالقاعدة –إذن- أن كل اسم من أسماء الله الحسنى يمثل صفة من صفاته عدا لفظ الجلالة .. فإنه وإن كان لا يمثل صفة بعينها, إلا أنه يحوي جميع الصفات الأخرى ..فحين تقول يا الله ..فأنت تدعوه بجميع صفات الكمال الواجبة لذاته عز وجل, والتي وصف بها نفسه."ا.هــ
والمؤلف هنا وقع في خطأ فاحش ناتج عن عدم تعقله فهو بين أمرين أحلاهما مر:
الأول أنه يريد بكلامه المذكور سابقا التوسل بالإسم وما اشتمل عليه من الصفة فيكون المعنى هكذا:
المتوسل باسم (الله) متوسلا بجميع صفات الكمال[2] فأنت إن كان دعاءك طلبا للرحمة فتقول مثلا "يا الله ارحمني" ..فتكون قد توسلت بكل صفات الكمال التي لله كـ "عزته وجبروته وعظمته وأنه شديد العقاب وسريع الحساب..ألخ" وهذا لا يناسب المقام.
فإن قيل فما المعنى الثاني الذي قد يحمل عليه الكلام فأقول:
أنه يريد أن الأسماء الحسنى غير لفظ الجلالة (الله) إنما تدل على الذات المجردة إضافة لتلك الصفة, فالرحمن مثلا يدل على الذات المجردة وصفة الرحمة.
وهذا بناء على تصوره ذاتا مجردة عن الصفات أما اسم الله عنده فيدل على الذات المتصفة بجميع الصفات.
فإن قيل: أين الخطأ في هذا ؟ فأهل السنة ما زالوا يتكلموا في كتبهم عن أن اسم العليم يدل على صفة العلم والذات بالمطابقة ولا يذكرون بقية الصفات.
قلت: هذا صواب لكن في باب استخراج دلالة اللفظ لكن حين النظر إليه كونه علماً على الله عز وجل واسما له سبحانه فنقول اسم الرحمن يدل على الذات المتصفة بكل صفات الكمال وكذا غيره من الأسماء فأنت إذا قلت يا حكيم أو يا عليم أو يا رحيم لا تريد بكلامك هذا دعاء الذات المتصفة فقط بصفة العلم أو الرحمة أو الحكمة بل تريد دعاء الله عز وجل المتصف بجميع صفات الكمال.
قال ابن القيم رحمه الله:
والتحقيق: أن صفات الرب-جل جلاله- داخلة في مسمى اسمه. فليس اسمه
"الله, والرب, والإله" أسماء لذات مجردة لا صفة لها ألبتة فإن هذه الذات المجردة وجودها مستحيل. وإنما يفرضها الذهن فرض الممتنعات ثم يحكم عليها. واسم "الله" سبحانه و"الرب, والإله" اسم لذات لها جميع صفات الكمال ونعوت الجلال. كالعلم, والقدرة, والحياة, والإرادة, والكلام, والسمع, والبصر, والبقاء, والقدم, وسائر الكمال الذي يستحقه الله لذاته. فصفاته داخلة في مسمى اسمه. فتجريد الصفات عن الذات, والذات عن الصفات. فرض وخيال ذهني لا حقيقة له. وهو أمر اعتباري لا فائدة فيه. ولا يترتب عليه معرفة. ولا إيمان, ولا هو علم في نفسه."ا.هـ النقل.[3]
المراد أنك كيفما فسرت عبارة الكاتب فهي خاطئة والله المستعان.
2- المسألة الثانية: هي في قوله أن اسم الله لفظ جامد وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
أ- فاختار أكثر " الأصوليين والفقهاء, وهو قول السهيلي وشيخه ابن العربي والفخر الرازي والخليل وسيبويه في أحد قوليه ذهبوا كلهم إلى أن لفظ الجلالة جامد"[4] ا.هـ وزاد حافظ حكمي رحمه الله[5] الشافعي والخطابي وإمام الحرمين, ورجحه من المتأخرين من علماء السنة العلامة تقي الدين الهلالي والشيخ رحمهم الله.
ب- قول سيبوبه وجمهور أصحابه ورجحه ابن جرير في تفسيره وهو قول أكثر محققي علماء السنة واختاره شيخ الإسلام وابن القيم وابن باز والعثيمين والعباد والفوزان وغيرهم من علماء السنة المعاصرين.
واحتج أهل القول الأول بعدة حجج:
1- قال ابن القيم رحمه الله" زعم أبو القاسم السهيلي وشيخه ابن العربي أن اسم الله غير مشتق لأن الإشتقاق يستلزم مادة يشتق منها واسمه تعالى قديم والقديم لا مادة له فيستحيل الإشتقاق" ا.هـ من البدائع.
ما ذكره الشعراوي وهي ثلاث حجج:
2-لم يستخدم للدلالة على معبود غير الله عز وجل.
3- وكذلك لم يستخدم لفظ الجلالة في القرآن كوصف من الأوصاف مثل سائر الأسماء.
4- وأنه سبحانه إذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين أو ينسب لنفسه سبحانه فعلا أتى بلفظ الجلالة (الله) كعلم عليه ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد.
5- زاد العلامة الهلالي رحمه الله حجة وهو وجود اسم "الله" في اللغات اليهودية وغيرها وكلامه هذا بمعناه والكتاب بعيد عني الآن.[6]
والرد على هذه الحجج بأن يقال:
1- ما ذكره ابن القيم رحمه الله عن السهيلي فقد رده عليه في نفس الموضع فقال:
ولا ريب أنه إن أريد بالإشتقاق هذا المعنى وأنه مستمد من أصل آخر فهو باطل
ولكن الذين قالوا بالإشتقاق لم يريدوا هذا المعنى ولا ألم بقلوبهم وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والرحيم والسميع والبصير فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب وهي قديمة والقديم لا مادة له فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسم الله ثم الجواب عن الجميع أننا لا نعني بالإشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله
وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة ا.هـ[7] وهو كلام متين لا زيادة عليه.
2- قوله لم يستخدم للدلالة على معبود غير الله عز وجل" ا.هـ بمعناه
قلت لأنه لا يستحق العبادة إلا الله وأما كون الله عز وجل وصف بعض ما أشرك به بالآلهة فذلك لأنهم اتخذوها معبودات من دون الله و"إله" اسم بمعنى مألوه فهو دال مطابقة على المعنى أما الله فهو قد انضاف إليه دلالته على خالق العباد المتصف بصفات الكمال ولذا قلنا غلبت عليه العلمية.ولو تفكر الإنسان لوجد أسماء أخرى لم يتسمَّ بها البشر مثل القدوس والسلام..ألخ
3- قوله وكذلك لم يستخدم لفظ الجلالة في القرآن كوصف من الأوصاف مثل سائر الأسماء. ا.هـ بمعناه
قلت بل الصحيح أنه قد أتى فقال سبحانه {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }الأنعام3 ففي هذه الآية المراد من لفظ الجلالة ما اشتمل عليه من الصفة أي هو المعبود في السماء وفي الأرض[8] ,قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية:
" فأصح الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض، أي: يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغبا ورهبا، إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } [الزخرف: 84]، أي: هو إله من في السماء وإله من في الأرض، وعلى هذا فيكون قوله: { يعلم سركم وجهركم } خبرا أو حالا." ا.هـ
ولا أريد الإكثار من النقول ولكن أذكر لك جملة ممن رجح هذا القول منهم: ابن الأنباري [9]فمنهم القرطبي والسعدي و الشنقيطي وابن عاشور في تفسيره وظاهر كلام الآلوسي[10] فقال:
متعلق على ما قيل بالمعنى الوصفي الذي تضمنه الاسم الجليل كما في قولك : هو حاتم في طيىء على معنى الجواد . والمعنى الذي يعتبر هنا يجوز أن يكون هو المأخوذ من أصل اشتقاق الاسم الكريم أعني المعبود أو ما اشتهر به الاسم من صفات الكمال إلا أنه يلاحظ في هذا المقام ما يقتضيه منها أو ما يدل عليه التركيب الحصري لتعريف طرفي الإسناد فيه من التوحيد والتفرد بالألوهية ا.هـ ثم ذكر احتمالات أخرى للتقدير.
4- الحجة الرابعة قوله: وأنه سبحانه إذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين أو ينسب لنفسه سبحانه فعلا أتى بلفظ الجلالة (الله) كعلم عليه ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد ا.هـ بمعناه
أقول هذا مسلم به لكنه ليس بمانع أن يشتمل لفظ الجلالة على صفة قال العلامة هراس في شرح الواسطية "وعلى القول بالاشتقاق يكون وصفاً في الأصل, ولكن غلبت عليه العَلَمية, فتجري عليه بقية الأسماء أخباراً وأوصافاً.ا.هـ[11]
ثم أقول لك إن كنت تعتقد هذه حجة برأسها فاجعلها مطردة فقل أن اسم الرحمن جامد لا مشتق لأن الله عز وجل قد ألحق به بعض الصفات والأفعال في القرآن قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
قلت [12]: أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية فالرحمن اسمه تعالى ووصفه لا تنافي اسميته وصفيته فمن حيث هو صفة جرى تابعا على اسم الله ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع بل ورود الإسم العلم
ولما كان هذا الإسم مختصا به تعالى حسن مجيئه مفردا غير تابع كمجيء اسم الله كذلك وهذا لا ينافي دلالته على صفة الرحمن كاسم الله تعالى فإنه دال على صفة الألوهية ولم يجيء قط تابعا لغيره بل متبوعا وهذا بخلاف العليم والقدير والسميع والبصير ونحوها ولهذا لا تجيء هذه مفردة بل تابعة فتأمل هذه النكتة البديعة يظهر لك بها أن الرحمن اسم وصفة لا ينافي أحدهما الآخر وجاء استعمال القرآن بالأمرين جميعاا.هـ
ومن الأمثلة التي جاء الرحمن غير تابع في القرآن بل ألحق بأفعال لله مثل قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }طه5, و قوله: {الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4}}الرحمن 1-4 فهنا هذه الأفعال والأوصاف عطفت على اسم الرحمن فكان علماً فلم يمنع من كونه مشتملا على صفة كمال لله عز وجل كما ذكر ابن القيم رحم الله.
فان قال قائل إنما استدل الشعراوي بها مجتمعة فهي حجة مركبة فلا تستطيع إلزامه بالقول أن اسم الرحمن جامد.
قلت: فالحمدلله قد نقضت بكلام أهل العلم هذه الحجج فانتهى النقاش.
وبقي حجة العلامة تقي الدين الهلالي وهي قوله أن اسم الله موجود في اللغات السامية الأخرى فهذا يحتاج للرد عليه علم بتلك اللغات وإن كان لا مانع أن نرد عليه بقولنا:
هل تحكم بأنه جامد عندهم أم مشتق؟ فإن قال جامد[13] ولا بد أن يجيب بهذا.
قلنا:
بما أنك حكمت أنه جامد في لغتهم فالجمع سهل حينها وهو:
أنه في لغتنا مشتق لأنه أصل لفظ الجلالة "الله"بالعربية ولما كان في لغتهم مدخل من لغة أجنبية –التي هي العربية هنا- لم يصح اشتقاقه عندهم, أما إن قال الشيخ هو مشتق عندهم فسنرد عليه بما استدل به علينا وهو وجوده في لغتنا والله أعلم.
بقي أن يقال فما هي حجج محققي السنة في إثبات اشتقاق اسم الله فأقول استدلوا بالأدلة العامة التي تذكر عند الصفات والأسماء الأخرى وكذا ببعض تفسيرات السلف لبعض الآيات بخصوصها واعلم أن هؤلاء اختلفوا فمنهم من قال أنه مشتق من أله يأله ألوهية ومنهم قال من أله بمعنى من التحير والراجح الأول لما ذكر من بعض تفسيرات السلف وكذا للآية السابق ذكرها في سورة الأنعام.بهذا يكون تم القسم الأول والله يسر وضع القسم الثاني مع الرد.
الهامش
[1] هذا ملخص كلامه.
[2] كما ذكر بقوله " فأنت تدعوه بجميع صفات الكمال"ا.هـ
[3] المدارج ج2/496- 497 وانظر النقل الآتي عنه.
[4] تعليق ياسين على شرح هراس ص32, بدائع الفوائد ج1ص26,ونقل كلام ابن القيم الشيخ أحمد بن عيسى في شرح النونية في بداية الشرح.
[5] تحت فصل: خلاصة القول في تفسير البسملة , من معارج القبول, وكذا رأيت الشيخ الغامدي زاد الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله ولم أقف عليه مباشرة.
[6] كلامه هذا موجود في رسالة ضمن الجامع المختصر لرسائله رحمه الله وهي في تفسير أسماء الله وصفاته.
[7] وهذا الكلام قد تناقله العلماء في كتبهم مقرين له كما في تيسير العزيز الحميد و شرح النونية لأحمد بن عيسى وغيرها من الكتب.
[8] قلت: هذه أحد الوجوه في تفسير الآية ومن أراد معرفة الوجوهين الآخرين فليرجع إلى أضواء البيان المجلد الأول عند هذه الآية من سورة الأنعام وزاد ابن كثير عند الآية تفسير الجهمية فأصبح هناك أربع تفاسير لها وزاد كذلك ابن الجوزي تأويل لبعض المفسرين فليرجع لزاد المسير.
[9] نسبه إليه ابن الجوزي في تفسيره ولم أقف عليه.
[10] حيث قدمه على غيره من الأقوال.
[11] ص32-33 من شرح الواسطية.
[12] أي ابن القيم رحمه الله.
[13] لأن الحجة مطردة عنده أي أن وجود اللفظ في لغتهم منع كونه مشتق عندنا فكذلك العكس.
والنقل
لطفا من هنا
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=6264