وجوب العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم وجوب العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد المرسل رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين ، وعلى آله وأصحابه الذين حملوا كتاب ربهم سبحانه وسنَّة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إِلى من بعدهم ، بغاية الأمانة والإتقان ، والحفظ التام للمعاني والألفاظ ، - رضي الله عنهم وأرضاهم - ، وجعلنا من أتباعهم بإِحسان . أما بعد : فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أن الأصول المعتبرة في إِثبات الأحكام ، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ثم سنَّة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - الذي لا ينطق عن الهوى إِن هو إِلا وحي يوحى ، ثم إِجماع علماء الأمة ، واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها القياس وجمهور أهل العلم على أنه حجة إِذا استوفى شروطه المعتبرة ، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر : أما الأصل الأول : فهو كتاب الله العزيز ، وقد دل كلام ربنا - عز وجل - في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به والوقوف عند حدوده قال تعالى : اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وقال تعالى وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال تعالى قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ وقال تعالى وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمرة بالتمسّك بالقرآن والاعتصام به دالة على أن من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال ومن ذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : في خطبته في حجة الوداع إِنِّي تاركٌ فيكُمْ مَا لَنْ تضلوا إِن اعْتَمَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللهِ رواه مسلم في صحيحه ، وفي صحيح مسلم أيضا عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إِنِّي تارك فِيكُمْ ثِقْلَين أَوَّلهُما كِتابُ الله فيهِ الهُدَى والنُّور فَخُذوا بِكتَابِ اللهِ وَتَمًسّكُوا بِهِ فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وَأَهْلُ بَيْتي أذَكِّركُمُ الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي وفي لفظ قال في القرآن : هو حبل الله من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وفي إِجماع أهل العلم والإِيمان من الصحابة ومن بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به والتحاكم إِليه مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يكفي ويشفي عن الإِطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن . أما الأصل الثاني : - من الأصول الثلاثة المجمع عليها فهو ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من أهل العلم والإِيمان ، يؤمنون بهذا الأصل الأصيل ويحتجون به ويعلمونه الأمة ، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح ، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة ، فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه وطاعته ، وذلك موجه إِلى أهل عصره ومن بعدهم لأنه رسول الله إِلى الجميع ، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة ، ولأنه - عليه الصلاة والسلام - هو المفسر لكتاب الله والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره ، ولولا السنَّة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها ، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات . ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة آل عمران وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله تعالى في سورة النساء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وقال تعالى في سورة النساء أيضاً مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وكيف تمكن طاعته ورد ما تنازع فيه الناس إِلى كتاب الله وسنَّة رسوله إِذا كانت سنَّته لا يحتج بها أو كانت كلها غير محفوظة ، وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إِلى شيء لا وجود له وهذا من أبطل الباطل ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به ، وقال - عز وجل - في سورة النحل وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وقال فيها أيضاً آية وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فكيف يكل الله سبحانه إِلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبيين المنزل إِليهم وسنَّته لا وجود لها أو لا حجة فيها ومثل ذلك قوله تعالى في سورة النور قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وقال تعالى في السورة نفسها وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال في سورة الأعراف قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه - عليه الصلاة والسلام - ، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنَّته أو القول بأنه لا صحة لها أو لا يعتمد عليها ، وقال - عز وجل - في سورة النور فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال في سورة الحشر وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على وجوب طاعته - عليه الصلاة والسلام - واتباع ما جاء به كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله والتمسك به وطاعة أوامره ونواهيه وهما أصلان متلازمان من جحد واحداً منهما فقد جحد الآخر وكذب به وذلك كفر و ضلال وخروج عن دائرة الإِسلام بإجماع أهل العلم والإِيمان ، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب طاعته واتباع ما جاء به وتحريم معصيته وذلك في حق من كان في عصره وفي حق من يأتي بعده إِلى يوم القيامة ، ومن ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مَنْ أَطَاعَنِي فَقد أَطَاعَ الله ومَن عَصَانِي فقد عَصَى الله وفي صحيح البخاري عنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كلّ أمَّتي يَدخُلونَ الجنةَ إِلا مَن أَبَى قِيلَ يا رسولَ اللهِ ومَن يَأبَى قَالَ مَن أَطَاعَني دَخَلَ الجنة ومَن عَصَاني فَقد أَبَى وخرج أحمد وأبو داود والحاكم بإِسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أَلا إٍني أوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَه مَعَهُ أَلا يُوشِكُ رَجلٌ شَبْعانُ على أريكَتِهِ يَقولُ عَليكمْ بِهذا القُرآنِ فَما وَجَدْتُمْ فيهِ مِن حَلال فأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُم فيِه مِن حَرامٍ فَحَرِّمُوهُ وخرج أبو داود وابن ماجه بسند صحيح : عن ابن أبي رافع عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا أَلْفَينَّ أَحَدَكُم مُتّكِئاً عَلى أَريكتِهِ يَأتِيهِ الأمْرُ مِن أَمْري مَمّا أَمَرْتُ بِهِ أو نَهَيْتُ عَنْهُ فَيقولُ لا ندْري ، ما وَجَدْنا في كِتابِ اللهِ اتَّبَعْنَاه وعن الحسن بن جابر قال سمعت المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - يقول : حًرّمَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ خَيْبَر أَشْياءَ ثم قَالَ يُوشِكُ أَحَدُكُم أَن يُكذِّبَني وَهو مُتّكِئ يُحًدّث بحدِيثي فَيقولُ بَيْنَنا وَبَيْنكُم كِتابُ اللهِ فما وَجَدْنَا فِيهِ من حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنا فيه من حَرام حًرّمْنَاهُ أَلا إِنَّ مَا حًرّمَ رسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حًرّمَ الله أخرجه الحاكم و الترمذي وابن ماجه بإِسناد صحيح . وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته أن يبلغ شاهدهم غائبهم ويقول لهم ربّ مبلغ أوعى من سامع ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر قال لهم فليبلغ الشاهد الغائب فرب من يبلغه أوعى له ممن سمعه فلولا أن سنَّته حجة على من سمعها وعلى من بلغته ، ولولا أنها باقية إِلى يوم القيامة لم يأمرهم بتبليغها ، فعلم بذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها من فيه - عليه الصلاة والسلام - وعلى من نقلت إِليه بالأسانيد الصحيحة .
بسم الله الرحمن الرحيم وجوب العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد المرسل رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين ، وعلى آله وأصحابه الذين حملوا كتاب ربهم سبحانه وسنَّة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إِلى من بعدهم ، بغاية الأمانة والإتقان ، والحفظ التام للمعاني والألفاظ ، - رضي الله عنهم وأرضاهم - ، وجعلنا من أتباعهم بإِحسان . أما بعد : فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أن الأصول المعتبرة في إِثبات الأحكام ، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ثم سنَّة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - الذي لا ينطق عن الهوى إِن هو إِلا وحي يوحى ، ثم إِجماع علماء الأمة ، واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها القياس وجمهور أهل العلم على أنه حجة إِذا استوفى شروطه المعتبرة ، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر : أما الأصل الأول : فهو كتاب الله العزيز ، وقد دل كلام ربنا - عز وجل - في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به والوقوف عند حدوده قال تعالى : اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وقال تعالى وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال تعالى قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ وقال تعالى وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمرة بالتمسّك بالقرآن والاعتصام به دالة على أن من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال ومن ذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : في خطبته في حجة الوداع إِنِّي تاركٌ فيكُمْ مَا لَنْ تضلوا إِن اعْتَمَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللهِ رواه مسلم في صحيحه ، وفي صحيح مسلم أيضا عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إِنِّي تارك فِيكُمْ ثِقْلَين أَوَّلهُما كِتابُ الله فيهِ الهُدَى والنُّور فَخُذوا بِكتَابِ اللهِ وَتَمًسّكُوا بِهِ فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وَأَهْلُ بَيْتي أذَكِّركُمُ الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي وفي لفظ قال في القرآن : هو حبل الله من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وفي إِجماع أهل العلم والإِيمان من الصحابة ومن بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به والتحاكم إِليه مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يكفي ويشفي عن الإِطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن . أما الأصل الثاني : - من الأصول الثلاثة المجمع عليها فهو ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من أهل العلم والإِيمان ، يؤمنون بهذا الأصل الأصيل ويحتجون به ويعلمونه الأمة ، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح ، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة ، فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه وطاعته ، وذلك موجه إِلى أهل عصره ومن بعدهم لأنه رسول الله إِلى الجميع ، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة ، ولأنه - عليه الصلاة والسلام - هو المفسر لكتاب الله والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره ، ولولا السنَّة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها ، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات . ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة آل عمران وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله تعالى في سورة النساء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وقال تعالى في سورة النساء أيضاً مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وكيف تمكن طاعته ورد ما تنازع فيه الناس إِلى كتاب الله وسنَّة رسوله إِذا كانت سنَّته لا يحتج بها أو كانت كلها غير محفوظة ، وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إِلى شيء لا وجود له وهذا من أبطل الباطل ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به ، وقال - عز وجل - في سورة النحل وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وقال فيها أيضاً آية وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فكيف يكل الله سبحانه إِلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبيين المنزل إِليهم وسنَّته لا وجود لها أو لا حجة فيها ومثل ذلك قوله تعالى في سورة النور قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وقال تعالى في السورة نفسها وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال في سورة الأعراف قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه - عليه الصلاة والسلام - ، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنَّته أو القول بأنه لا صحة لها أو لا يعتمد عليها ، وقال - عز وجل - في سورة النور فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال في سورة الحشر وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على وجوب طاعته - عليه الصلاة والسلام - واتباع ما جاء به كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله والتمسك به وطاعة أوامره ونواهيه وهما أصلان متلازمان من جحد واحداً منهما فقد جحد الآخر وكذب به وذلك كفر و ضلال وخروج عن دائرة الإِسلام بإجماع أهل العلم والإِيمان ، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب طاعته واتباع ما جاء به وتحريم معصيته وذلك في حق من كان في عصره وفي حق من يأتي بعده إِلى يوم القيامة ، ومن ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مَنْ أَطَاعَنِي فَقد أَطَاعَ الله ومَن عَصَانِي فقد عَصَى الله وفي صحيح البخاري عنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كلّ أمَّتي يَدخُلونَ الجنةَ إِلا مَن أَبَى قِيلَ يا رسولَ اللهِ ومَن يَأبَى قَالَ مَن أَطَاعَني دَخَلَ الجنة ومَن عَصَاني فَقد أَبَى وخرج أحمد وأبو داود والحاكم بإِسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أَلا إٍني أوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَه مَعَهُ أَلا يُوشِكُ رَجلٌ شَبْعانُ على أريكَتِهِ يَقولُ عَليكمْ بِهذا القُرآنِ فَما وَجَدْتُمْ فيهِ مِن حَلال فأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُم فيِه مِن حَرامٍ فَحَرِّمُوهُ وخرج أبو داود وابن ماجه بسند صحيح : عن ابن أبي رافع عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا أَلْفَينَّ أَحَدَكُم مُتّكِئاً عَلى أَريكتِهِ يَأتِيهِ الأمْرُ مِن أَمْري مَمّا أَمَرْتُ بِهِ أو نَهَيْتُ عَنْهُ فَيقولُ لا ندْري ، ما وَجَدْنا في كِتابِ اللهِ اتَّبَعْنَاه وعن الحسن بن جابر قال سمعت المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - يقول : حًرّمَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ خَيْبَر أَشْياءَ ثم قَالَ يُوشِكُ أَحَدُكُم أَن يُكذِّبَني وَهو مُتّكِئ يُحًدّث بحدِيثي فَيقولُ بَيْنَنا وَبَيْنكُم كِتابُ اللهِ فما وَجَدْنَا فِيهِ من حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنا فيه من حَرام حًرّمْنَاهُ أَلا إِنَّ مَا حًرّمَ رسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حًرّمَ الله أخرجه الحاكم و الترمذي وابن ماجه بإِسناد صحيح . وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته أن يبلغ شاهدهم غائبهم ويقول لهم ربّ مبلغ أوعى من سامع ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر قال لهم فليبلغ الشاهد الغائب فرب من يبلغه أوعى له ممن سمعه فلولا أن سنَّته حجة على من سمعها وعلى من بلغته ، ولولا أنها باقية إِلى يوم القيامة لم يأمرهم بتبليغها ، فعلم بذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها من فيه - عليه الصلاة والسلام - وعلى من نقلت إِليه بالأسانيد الصحيحة .