((( إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين )))
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وإخوانه وآله ومن ولاه
أما بعد
تأويلا للأمر النبوي السامي، القاضي بالتناصح([1]) ولا سيما مع سادة الناس ورؤوسهم، ولاة الأمر- علماء وأمراء- وضعت أحرفا؛ لتكون مني مشاطرة في خير : تصلح به معيشة، وتنعم به صدور، وتهنأ به دور .
والله ربنا المسؤول : سلامة في إسلامنا وأنفسنا، وأمنا في إيماننا وأيامنا .
فأقول للسادة الناصحين :
أولاً :
شكر الله تعالى لك – أخي- إرادتك الخير العام، وأبشرك بما جاء في الصحيح، إذ قال رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " ... ثلاث لا يُغِلّ([2]) عليهن قلبُ امرئ مسلم : إخلاص العمل لله . والنصح لأئمة المسلمين . ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحوط من وراءهم" "صحيح الجامع..." برقم(6766) .
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني – رحمه الله تعالى : " من نصح الولاة والأمراء اهتدى، ومن غشهم غوى واعتدى" "فضيلة العادلين"ص(140)ولما كان ذلك كذلك، كن فيه مساهما محتسباً متبعاً، و :
ثانياً :
اعلم – أيها الرشيد- أنه : "لا ينبغي لأحد أن يفتات عليه([3]) ( ولي الأمر كل بحسبه ) وإلا يكون قد عدا طوره، وأضل رشده، وتعرّض للعطب، ومهّد الطريق إلى هلاكه، ووجه سهام الطعن إلى نحره" "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي
وعليه .. نذكرك – قبل البيان أو الإنكار- بالتثبت في المقال : علما أو طرحا، وحبذا - حال العرض- لو سيق مساق الاستفسار، فالاقتراح " رأيت – رؤية بصرية كانت أو الأخرى العلمية- كذا ... فما قولكم لو كان كذا ..."
واعلم – أرشدك الله تعالى لطاعته- أن : " الإدلال على السلطان من أعظم مصارع التلف، وأقرب الأشياء إلى زوال النعم، ولأجلها هلك من هلك من بطانة السلطان" "صبح الأعشى ..."فابتغ بين ذلك سبيلا، و :
ثالثاً :
يجب أن يقوم بالنصح أهله، القادرون على كشف الحقائق وتجليتها، ومن ثم رفعها، أو بعضها .
رابعاً :
الوصية– أيا نبيل- باستخدام الأسلوب الأمثل اللائق بمقامهم الراقي، والمعبّر المعرب عن شخصكم الرفيع الرفيق، الناطق بإرادة الخير([4]) إذ القصد - مع النصح وإرادة الخير- إعزاز السلطان([5]) لا تجهيله([6]) أو تسفيهه، وإلا حرمت الأجر، والبر، بل والأثر .
فعليك – رحمك الله تعالى : بانتقاء بل اقتطاف أحرف بهيّة قليلة، عريقة عبقة، جامعة رفيعة، واقية وافية؛ تثلج صدرا، وتمتع مقلا وتبهج مُهجا، دالة؛ لما يرجى معها النظر فالإجابة، إذ "مكاتبة الملوك أحوج شيء إلى التفخيم والتعظيم، وذكر التهاويل الرائعة والأشياء المرغبة" "صبح الأعشى ..."
وأنت .. أنت أيها المفضال الناصح للراعي المشفق على الرعية : "أولى الناس باقتناء ذخائر الحمد، وابتناء المعالي، وبذل الرغائب" "صبح الأعشى ..."
خامسا :
كن عليما – قبل النصح- رفيقا – أثناءه - حليما - بعده . وإياك والمداهنة! فإنها مع كونها مهلكة، رذيلة مزرية! واحذرن التشفي([7])!! فما منّا، إلا ! .
سادساً :
قد تقدم إن الأمر دين، فلزم فيه المتابعة ومعه الإخلاص، ومن ذلك – مع ما تقدم- السّريّة، وعدم إشاعة اللقاء، أو إذاعة الأنباء، فمع ما يعتلجه من رياء، مفسد لنصح بنّاء، وقد يردف ببلاء – خاص أو عام- إذ :
الأصل في نصح ولاة الأمر الإسرار : ويدلّ عليه، قوله رَسُولُ اللَّهِ r :" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ
لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ([8])" أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3/403) وابن أبي عاصم في "السنة" (507) رقم(1096) وصححه العلامة الألباني في "ظلال الجنة" (507)
سابعاً :
نذكرك -أحبيب- بهذا الخلق السلفي الرحيب، المستصحب في الباب، المتعلق بجناب الاعتقاد، وهو ما كان من خبر الأجداد، ذوي العقيدة والاجتهاد . إذ قام طويل النجاد، ساع في شفاعة جاد، مذكرا في غروب المعاد، قائلا :
" إن قضيت لي حاجتي : حمدت الله وشكرتك . وإن لم تقض لي حاجتي : استغفرت الله، وعذرتك"
نعم .. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والأصل الاتباع، والقصد إرادة الخير، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وبذا :
قد تطابقت سبع سموات تحت عرش النصح، ووفق أمر النصّ؛ وضعتها بين يديك – أخي - لتكون : منارة خير، ونبراس هدى، وسراج تقى .
منّا العمل، وعلى الله القبول، وبين يديه هناك المثول، و"... مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ..." سورة "التوبة" الآية(91) .
،،، وبعد ،،،
تلكم كانت نبذة معتصرة، وضعتها بين يديك، مشاركة مني في الخير، مذكراً أنه : " لا يقوم بآدابها ويستكمل رسومها إلا من ( صفت عقيدته، وصحّت سريرته([9]) و ) علت في الأدب درجته، وسمت في رجاحة العقل منزلته" أهـ "صبح الأعشى ..."
وربنا سبحانه المسؤول صلاحا للراعي والرعية، وسترا وسدادا في العاجلة، وسلامة وسمو في الآجلة .
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى عفو مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في : 8/5/1429هـ - 13/5/2008م
عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 14.05.08 13:44 عدل 1 مرات