أبو محمد عبدالحميد الأثري- المدير العام .. وفقه الله تعالى
- عدد الرسائل : 3581
البلد : مصر السنية
العمل : طالب علم
شكر : 7
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.06.08 11:32
قال ابن عقيل نقلته من خطه : وأنا أذم الصوفية لوجوه، يوجب الشرع ذم فعلها :
منها : أنهم اتخذوا مناخ البطالة( 13) وهي الأربطة؛ فانقطعوا إليها ( 14) عن الجماعات في المساجد؛ فلا هي مساجد ولا بيوت ولا خانات، وصمدوا فيها للبطالة عن أعمال المعاش(15 ) وبدنوا أنفسهم بدن البهائم للأكل والشرب والرقص والغناء وعولوا على الترقيع المعتمد به التحسين تلميعا والمشاوذ بألوان مخصوصة أوقع في نفوس العوام والنسوة من تلميع السقلاطون بألوان الحرير .
واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس، فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن(16 ) ثم يقبلون الطعام والنفقات من الظلمة والفجار وغاصبي الأموال كالعداد والأجناد وأرباب المكوس .
ويستصحبون المردان في السماعات( 17) يجلبونهم في الجموع مع ضوء الشموع ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة، ويستحلون بل يوجبون أقتسام ثياب من طرب فسقط ثوبه .
ويسمون الطرب وجدا( 18) والدعوة وقتا، واقتسام ثياب الناس حكما، ولا يخرجون عن بيت دعوا إليه إلا عن إلزام دعوة أخرى، يقولون أنها وجبت، واعتقاد ذلك كفر، وفعله فسوق .
ويعتقدون أن الغناء بالقضبان قربة( 19) وقد سمعنا عنهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخذة مجاب، اعتقادا منهم أنه قربة، وهذا كفر أيضا؛ لأن من اعتقد المكروه والحرام قربة كان بهذا الاعتقاد كافرا، والناس بين تحريمه وكراهيته .
ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم، فان عولوا إلى مرتبة شيخه، قيل الشيخ لا يعترض عليه( 20) . فحد من حل رسن ذلك الشيخ وانحطاطه في سلك الأقوال المتضمنة للكفر والضلال المسمى شطحا، وفي الأفعال المعلومة كونها في الشريعة فسقا .
فإن قبَّل أمردا! قيل : رحمة .
وإن خلا بأجنبية! قيل بنته، وقد لبست الخرقة .
وإن قسم ثوبا على غير أربابه من غير رضا مالكه! قيل : حكم الخرقة
وليس لنا شيخ نسلم إليه حاله، إذ ليس لنا شيخ غير داخل في التكليف، وأن المجانين( 21) والصبيان يضرب على أيديهم وكذلك البهائم
والضرب بدل من الخطاب، ولو كان لنا شيخ يسلم إليه حاله لكان ذلك الشيخ أبا بكر الصديق رضي الله عنه وقد قال : إن اعوججت فقوموني، ولم يقل فسلموا إلي .
ثم أنظر إلى الرسول صلوات الله عليه كيف اعترضوا عليه (22 ) :
فهذا عمر يقول : ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟
وآخر يقول : تنهانا عن الوصال وتواصل ؟
وآخر يقول : أمرتنا بالفسخ ولم تفسخ ؟
ثم إن والله تعالى تقول له الملائكة " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ..." سورة "البقرة" الآية(30) ويقول موسى "أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا ..." سورة "الأعراف" الآية(155)
وإنما هذه الكلمة جعلها الصوفية ترفيها لقلوب المتقدمين وسلطنة سلكوها على الأتباع والمريدين كما قال تعالى : " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ " سورة "الزخرف" الآية(54)
ولعل هذه الكلمة من القائلين منهم بأن العبد إذا عرف لم يضره ما فعل، وهذه نهاية الزندقة؛ لأن الفقهاء أجمعوا على أنه لا حالة ينتهي إليها العارف، إلا ويضيق عليه التكليف، كأحوال الأنبياء يضايقون في الصغائر .
فالله الله في الإصغاء إلى هؤلاء الفرغ الخالين من الإثبات، وإنما هم زنادقة جمعوا بين مدارع العمال مرقعات وصوف وبين أعمال الخلعاء الملحدة : أكل وشرب ورقص وسماع، وإهمال لأحكام الشرع .
ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاؤا بوضع أهل الخلاعة :
فأول ما وضعوا أسماء، وقالوا حقيقة وشريعة . وهذا قبيح؛ لأن الشريعة ما وضعه الحق لمصالح الخلق، فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين .
وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة، فمغرور مخدوع .
وإن سمعوا أحدا يروي حديثا، قالوا : مساكين! أخذوا علمهم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت
فمن قال حدثني أبي عن جدي، قلت حدثني قلبي عن ربي . فهلكوا وأهلكوا بهذه الخرافات قلوب الأغمار، وأنفقت عليهم لأجلها الأموال .
لأن الفقهاء كالأطباء، في ثمن الدواء صعبة، والنفقة على هؤلاء كالنفقة على المغنيات، وبغضهم الفقراء أكبر الزندقة؛ لأن الفقهاء يخطرونهم بفتاويهم عن ضلالهم وفسقهم، والحق يثقل كما تثقل الزكاة، وما أخف البذل على المغنيات، وإعطاء الشعراء على المدائح .
وكذلك بغضهم لأصحاب الحديث، وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون، والغناء المحرم سموه السماع والوجد، والتعرض بالوجد المزيل للعقل حرام .
كفى الله الشريعة شر هذه الطائفة الجامعة بين دهمثة في اللبس، وطيبة في العيش، وخداع بألفاظ معسولة ليس تحتها سوى إهمال التكليف وهجران الشرع
ولذلك خفوا على القلوب، ولا دلالة على أنهم أرباب باطل أوضح من محبة طباع الدنيا، لهم كمحبتهم أرباب اللهو والمغنيات(23 ) .
قال ابن عقيل : فان قال قائل : هم أهل نظافة ومحاريب وحسن سمت وأخلاق .
قال : فقلت لهم لو لم يضعوا طريقة يجتذبون بها قلوب أمثالكم، لم يدم لهم عيش، والذي وصفتهم به رهبانية النصرانية، ولو رأيت نظافة أهل التطفيل على الموائد، ومخانيث بغداد، ودماثة المغنيات؛ لعلمت أن طريقهم طريقة الفكاهة والخداع، وهل يخدع الناس إلا بطريقة أو لسان!!
فاذا لم يكن للقوم قدم في العلم، ولا طريقة، فبم ذا يجتذبون به قلوب أرباب الأموال ؟!
واعلم : أن حمل التكليف صعب، ولا أسهل على أهل الخلاعة من مفارقة الجماعة، ولا أصعب عليهم من حجر ومنع صدر من أوامر الشرع ونواهيه، وما على الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين :
فهؤلاء يفسدون عقائد الناس بتوهيمات شبهات العقول .
وهؤلاء يفسدون الأعمال، ويهدمون قوانين الأديان(24 ) يحبون البطالات، وسماع الأصوات .
وما كان السلف كذلك، بل كانوا في باب العقائد عبيد تسليم .
وفي الباب الآخر أرباب جد
قال : ونصيحتي إلى إخواني :
أن لا يقرع أفكار قلوبهم كلام المتكلمين .
ولا تصغي مسامعهم إلى خرافات المتصوفين .
بل الشغل بالمعاش أولى من بطالة الصوفية، والوقوف على الظواهر أحسن من توغل المنتحلة .
وقد خبرت طريقة الفريقين؛ فغاية هؤلاء الشك، وغاية هؤلاء الشطح .
قال ابن عقيل : والمتكلمون عندي خير من الصوفية؛ لأن المتكلمين قد( 25) يزيلون الشك . والصوفية يوهمون التشبيه فأكثر كلامهم يشير إلى إسقاط السفارة والنبوات
فإذا قالوا عن أصحاب الحديث، قالوا أخذوا علمهم ميتا عن ميت، فقد طعنوا في النبوات، وعولوا على الواقع، ومتى أزرى على طريق سقط الأخذ به
ومن قال حدثني قلبي عن ربي، فقد صرح أنه غني عن الرسول، ومن صرّح بذلك فقد كفر
فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة، تحتها هذه الزندقة
ومن رأيناه يزري على النقل، علمنا أنه قد عطل أمر الشرع
وما يؤمن هذا القائل "حدثني قلبي عن ربي" أن يكون ذلك من إلقاء الشياطين، فقد قال الله عز وجل : "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ" سورة "الأنعام" الآية(121)
وهذا هو الظاهر؛ لأنه ترك الدليل المعصوم وعول على ما يلقي في قلبه، الذي لم يثبت حراسته من الوساوس
وهؤلاء يسمون ما يقربهم خاطرا .
قال : والخوارج على الشريعة كثير(26 ) إلا أن الله عز وجل يؤيدها بالنقلة الحفاظ الذابين عن الشريعة حفظها لأصلها،
وبالفقهاء لمعانيها، وهم سلاطين العلماء، لا يتركون لكذاب(27 ) رأسا ترتفع .
قال ابن عقيل : والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية، قال : وأنا أقول وخراب دينه؛ لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب، فإذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض، فصارت الدعوة عرسا للشخصين( 28) فلا يخرج إلا وقد تعلق قلب شخص بشخص، ومال طبع إلى طبع، وتتغير المرأة على زوجها :
فإن طابت نفس الزوج : سمي بالديوث .
وإن حبسها : طلبت الفرقة، إلى من تلبس منه المرقعة، والاختلاط بمن لا يضيق الخنق ولا يحجر على الطباع، ويقال تابت فلانة، وألبسها الشيخ الخرقة، وقد صارت من بناته .
ولم يقنعوا هذا لعب وخطأ، حتى قالوا هذا من مقامات الرجال( 29) وجرت على هذه السنون، وبرد حكم الكتاب والسنة في القلوب .
هذا كله من كلام ابن عقيل رضي الله عنه فلقد كان ناقد مجيدا، متلمحا فقيها""تلبيس إبليس" تحت الترجمة المذكورة عاليه"
قلت : صدق وبر، ورحم الله تعالى العلامة ابن عقيل وغفر له والمسلمين .
وإنا إذ نذكر هذا، نذكر معه قول الشيخ عبد الرحمن الوكيل- رحمه الله تعالى- إذ يعلنها مدوية مشفقة ناصحة :
" فيا قوم : هؤلاء فئة جانبوا العقل، وجانبوا الدين، وجانبوا اللغة العربية التي نزل بها القرآن وفصلت أحكامه بها
السنة المطهرة، فماذا تنتظرون منهم بعد هذا ؟
العقل : يحكم عليه بالزيغ والباطل .
والدين : يحكم عليهم بالمروق والإلحاد .
واللغة : تسمهم بالتحريف اللئيم لأوضاعها .
أفتقولون بعد ذلك : إن الصوفية هم أرباب الحقيقة القدسية ؟!!
أفيقوا من سكرتكم . ثم انظروا هنالك في الأغوار السحيقة من الوثنية ترون مكانة الصوفية""من ضلالات الصوفية" ص(146)
والنصيحة : الأخذ بيد إخوانكم ودعوتهم، وإلا فالتذكير بالنصيحة الأولى التي صدّرت هنا، وهي قول الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى : "... ضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له" "سير أعلام النبلاء"لمؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي (10/42)
هذا .. وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وإخوانه وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتب
الفقير إلى عفو مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في 27/2/1429هـ - 5/3/2008م.