من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 21.04.10 17:12
------- ( الحاشية ) -------
([1]) معاوية رضي الله عنه من تلك الفئة التي اهتمّت بتعليم الناس دينهم، وكيف لا يهتمبتعليم الناس دينهم وهو الراوي لحديث النبي صلى الله عليه وسلّم : "من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين "رواه الإمامان "البخاري"(71)و"مسلم" (1037)وكان قلّما يخطب إلاّ ذكر هذا الحديث في خطبته ليحثّ الناس علىالتفقه في الدين" رواه الإمام أحمد (16954) وحسنه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1196) .ولهذا الصحابي الجليل 136 حديثاً مسنداًإلى رسولالله صلى الله عليه وسلّم، بعضها في الصحيحين والسنن الأربعة، وهذا يدلّنا علىاهتمامه بنشر العلم والسنة، وقد شهد له أهل عصره بالفقه والأمانة في نقل الحديث .وقد شكا غلامٌ لابن عباس إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن معاوية أوتر بعد صلاةالعِشاء بركعة واحدة، فقال له ابن عباس : إنه فقيه، وفي رواية : إنه قد صَحِبَ رسولالله صلى الله عليه وسلّم" رواه الإمام البخاري (3764 و 3765) وقال ابن سيرين : كانمعاوية لا يُتّهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم" رواه أبو داود 4129 (قلت : إذا اجتمع له مع الصحبة! كتابة الوحي وحفظ الحديث وروايته والدعوة إليه، لله أبوه، لله دره ([2]) ومن الجدير بالذكر أن حديث الافتراق قد ورد عن طريق عدد من الصحابة العظام- وكلهم كذلك- من حديث : أبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس بن مالك، وعوف بن مالك الأشجعي، وأبي أمامة الباهلي، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عوف المزني، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي الدرداء، وواثلة بن الأسقع - رضي الله عنهم ." قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : "و إن كان بعض الناس كابن حزم يضعف هذهالأحاديث ، فأكثر أهل العلم قبلوها و صدقوه" اهـ . الفتاوى(16/491 (ومن هؤلاءالأجلة – رحمهم الله جميعا :
الترمذي : قال في حديث أبي هريرة : "حسن صحيح"-
وأقره المنذري كما في "تحفة الأحوذي"(7/333) .وقال في حديث عبد الله بنعمرو "حسن غريب مفسر"
وقال الحاكم (1/218) : "هذا حديث كثر فيالأصول"وقال أيضا:" هذه أسانيد تقوم بها الحجة في تصحيح هذا الحديث"
ووافقهالذهبي في "تلخيص المستدرك"
ورواه بعض الأئمة ممن اشترط الصحة: كابن خزيمة في "صحيحه"
وابن حبان في "صحيحه" أيضاو الضياء المقدسي في "المختارة"..
وسكت عنه أبو داود ، فهو صالح عنده – كما عُلم من اصطلاحه -
ونقل الزركشيعن البيهقي تصحيحه - كما في كشف الخفاء (2/368) وقال ابن تيمية في الفتاوى (3/345): "الحديث صحيح "
وقال ابن كثير في "التفسير"(2/610): "طرقه يشد بعضهابعضا"
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الاحياء"(3/230): أسانيده جياد"
وقالالهيثمي في المجمع (6/350) : "رجاله ثقات"
وحسنه الحافظ ابن حجر في "تخريجالكشاف"(ص63) وأورد السخاوي في "المقاصد" تصحيح الترمذي الحاكم و سكتعليه.
وقال البوصيري في "الزوائد": "إسناده صحيح ، رجاله ثقات"
وصححهالسيوطي ، بل عده من المتواتر- كما في "فيض القدير" (2/20) وقال المناوي فيالتيسير "أسانيده جيدة" – كما في نظم المتناثر (ص31)وقال الفتني في "تذكرةالموضوعات" (ص 62) : "حسن صحيح"
وصححه الشاطبي في "الاعتصام" (2/189-191 )
وصححه الأمير الصنعاني في رسالة " افتراق الأمة"
وصححه ابن الوزير في "الروض الباسم" و المقبلي في "العلم الشامخ"(7) و من المعاصرين(8) :أحمد شاكروالألباني رحمهما الله، والأرناؤوط وغيرهم . وأظن أن في هذه النقول مقنعا وكفاية لطلاب الحق وأولي العقول، والله أعلم" عن "دفع الاختلاق عن حديث الافتراق" .نذكر ذا رداً على الطاعنين فيه! زاعمين للأمة السلامة والنجاة والاستقامة، لاهثين لإزالة الفوارق العقدية والمذهبية والحزبية!!! وقد علموا أن في اتباع الحق واستصحاب الصدق : السلامة والنجاة والاستقامة، كيف والأدلة متضافرة على إثباته، وبطلان استحسانهم وسيرهم .([3]) " لم يحصل من الصحابة افترق البتة، وما حصل بين الصحابة إنما هو خلافات كانت تنتهي إما بالإجماع وإما بالخضوع لرأي الجماعة والالتفاف حول الإمام، هذا ما حصل بين الصحابة، ولم يحصل من صحابي أن كان مفترقًا عن الجماعة، وليس فيهم من قال ببدعة، أو عمل محدثًا في الدين، إن الصحابة وهم الأئمة المقتدى بهم في الدين لم يحصل من أحد منهم أنه فارق الجماعة أبدًا، ولم يحصل أن أحدًا منهم أيضًا يُعد قوله أصلاً في البدع، ولا أصلاً في الافتراق، والذين نسبوا بعض المقولات أو نسبوا بعض الفرق إلى بعض الصحابة، إنما كذبوا عليهم، وافتروا عليهم أكبر الفرية، فلا صحة لما يقال من أن علي بن أبي طالب هو أصل التشيع، أو أن أبا ذر هو أصل الاشتراكية، أو أن أهل الصفة هم أصل الصوفية، أو أن معاوية هو أصل الجبرية، أو أن أبا الدرداء أصل القدرية، أو أن فلانًا من الصحابة هو أصل كذا من المقولات، أو المحدثات أو البدع أو المواقف الشاذة، بل كل ذلك إنما هو من لباطل المحض" "الافتراق : مفهومه، أسبابه، سبل الوقاية منه" للدكتور العقل .([4]) ومما ينبغي أن يعلم، أن اختلاف الفهم، والذي وقع أحيانا بين بعض الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين- مع كونه لم يولد فراقا، ولم يفرز شقاقا، فيه "... توسعةً على الأمة، كما رُوِيَ أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه- قال: ما أحب أن الصحابة لم يختلفوا في الأحكام؛ وذلك لأنهم لو اتفقوا فخالفهم شخص لَعُدَّ مبتدعا، ولَعُدَّ مخالفا؛ فإذا اختلفوا فأخذ هذا بقول هؤلاء، وهذا بقول هؤلاء لم يكن هذا أصوب من هذا، ولم يكن هذا أبعد من هذا؛ بل كل منهم له سلف من الصحابة، وله مَنْ اعتمد على قوله" .
وبعد ذلك نقول: إن المسائل التي اختلفوا فيها كلها تتعلق بالأحكام وبالفروع، وإن الاختلافات سببها الاجتهاد في المسائل التي ليس فيها نَصٌّ صريح" الشيخ ابن جبرين – رحمه الله تعالى- حال حديثه على الافتراق في موقعه .قلت : واجتماعهم حجة قاطعة، واختلافهم – مع ندرته- له أسبابه المرقومة، وقبلة الجميع واحدة : النّص([5]) في رواية، انظرها في "صحيح سنن أبي داود" (4/198) برقم(4597) ([6]) دليل ذلك : "كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ"وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ..."الآيات ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ" "السلسلة الصحيحة" (2648)وعلَّق عليه العلامة الألباني – رحمه الله تعالى- قائلاً : "وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم جميعاً :
أحدهما : التسليم عند الافتراق ....
والأخرى : نستفيدها من التزام الصحابة لها . وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً ، أو فعلاً ، أو تقريراً ، ولِمَ لا ؟ وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء ، فقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100" انتهى .([7]) وهذا ظاهر هنا، ويوضحه على وجه تفصيلي حديث الصحيح : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" "صحيح الجامع" برقم(2679) . وعن جابر بن سمرة – رضي الله تعالى عنه- قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال مالي أراكم عزين" "صحيح سنن أبي داود" (4/258) برقم(4823) وكذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي ناحية الصف ويسوي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" "صحيح الترغيب والترهيب" برقم(493)تلك في العبادات، وفي المعاملات : "وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال : فلعلكم تفترقون ؟ قالوا : نعم . قال : فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه" "صحيح سنن أبي داود"(3/346) برقم(3764) في نصوص ([8]) في بعض روايات حديث جبريل المشهور : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسايعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه ".
استنبط منه الإمام القرطبي: استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليمونحوه" "الفتح" باب سؤالجبريلالنبي صلى الله عليه وسلم عنالإيمان والإسلام والإحسان ([9]) وهذا أحد الفلاسفة التائبين : ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه "التفرقة بينالإيمان والزندقة" أن النبي– صلى الله عليه وسلم- قال : "ستفترق أمتي نيفًا وسبعين فرقة، كلهمفي الجنة إلا الزنادقة، وهي فرقة. هذا لفظ الحديث في بعض الروايات . قال : وظاهر الحديث يدل على أنه أراد الزنادقة منأمته؛ إذ قال ( ستفترقأمتي ) ومن لم يعترف بنبوته فليس منأمته . والذين ينكرون أصل المعاد والصانع فليسوا معترفين بنبوته؛ إذ يزعمون أن الموتعدم محض، وأن العالم لم يزل كذلك موجودًا بنفسه من غير صانع، ولا يؤمنون بالله ولاباليوم الآخر، وينسبون الأنبياء إلى التلبيس؛ فلا يمكن نسبتهم إلى الأمة" انتهى .قلت : يقصد منكري النبوات : أهل التخييل من الفلاسفة المخابيل، والرجل ذو بضاعة مزجاة في علم الحديث، بيد أنه فهم منه ما لم يفهمه الزاعمون . ([10]) قال المناوي – عفا الله تعالى عنه : " واعلم أن جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم تجد لها أصلافلذلك سموا فرقا لأنهم فارقوا الإجماع" "فيض القدير" تحت شرحه للحديث .([11]) وهو المحمود في قوله تعالى : "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة : 100] وقوله تعالى : "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً" [النساء : 115] وفي الصحيح" من حديث ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه : " عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..." الحديث "متفق عليه . ([12]) " الافتراق في اللغة : من المفارقة وهي المباينة والمفاصلة والانقطاع ، والافتراق أيضًا مأخوذ من الانشعاب والشذوذ ومنه الخروج عن الأصل ، والخروج عن الجادة ، والخروج عن الجماعة .وفي الاصطلاح : الافتراق هو الخروج عن السنة والجماعة في أصل أو أكثر من أصول الدين القطعية ، سواءً كانت الأصول الاعتقادية ، أو الأصول العملية المتعلقة بالقطعيات ، أو المتعلقة بمصالح الأمة العظمى ، أو بهما معًا .عن أبي هريرة - t - عن النبي - e -أنه قال : "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ، مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهدًا عهده فليس مني ولست منه" رواه الإمام مسلم .فمخالفة أهل السنة والجماعة في أصل من أصول الدين في العقيدة افتراق ومفارقة للجماعة ، ومخالفة إجماع المسلمين افتراق ومفارقة للجماعة ، ومخالفة جماعة المسلمين وإمامهم فيما هو من المصالح الكبرى افتراق ومفارقة للجماعة" "الافتراق مفهومه، أسبابه، سبل الوقاية منه" للدكتور ناصر العقل . ([13])قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى : "إنه لم يكن من طريقة السلف الجزم بتعيين هذه الفرق، وإن عينوا أصولها كقولهم: أصول البدع أربع: المرجئة، والقدرية، والجهمية، والشيعة، أو ما إلى ذلك من جمل السلف" فهم قد يعينون أصول البدع . أما أنهم اشتغلوا بتسمية الفرق المخالفة للسلف - وهم ثنتان وسبعون فرقة- فإن هذا الاشتغال لم يقع من أحد من السلف، وإنما اشتغل به بعض المتأخرين .وأصل الاشتغال به من طريقة متكلمة أهل الإثبات كأصحاب أبي الحسن الأشعري المنتسبين إلى السنة والجماعة، فإنهم سموا الطوائف الثلاث والسبعين، واستعمل هذا أيضاً بعض الفقهاء من أصحاب الأئمة رحمهم الله الذين يجانبون طريقة المتكلمين. لكن هذا الاشتغال ليس اشتغالاً سلفياً، بل هو من القول على الله بغير علم؛ لأنه إن اعتبرت أسماء الطوائف التي ظهرت في تاريخ المسلمين فإن العدد لا يمكن أن ينضبط عليها، بل قد يزيد عنها إذا اعتبر تفرق الطوائف، كأن يقال الخوارج: خمس عشرة طائفة.. المرجئة: ثنتا عشرة طائفة، إذا اعتبر هذا التقرير كما هي طريقة أهل المقالات فإن الفرق تزيد كثيراً عن ثلاث وسبعين. وإذا اعتبرت أصول الطوائف فإن الفرق تقل عن ثلاث وسبعين؛ ولذلك إن صح هذا الحرف عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه حرفٌ يعلم علماً مجملاً، كلياً، فيعلم أن الفرق ستكثر .وكأن المراد من كلمته صلى الله عليه وسلم : أن البدع ستكثر، وأنه سيكون لها أوجهاً متعددة. وأما أن المكلفين يعلمون أسماء هذه الفرق فهذا ليس بصحيح، وقد أوضحنا في شرح كتاب الإيمان لـأبي عبيد أنه لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سمى طائفةً بدعيةً باسمها، كاسم المرجئة أو القدرية أو الشيعة، أو ما إلى ذلك، بل كل ما روي مرفوعاً إليه لا يصح، وإنما صح كلامه صلى الله عليه وسلم في الخوارج . إذاً قوله : (على ثلاث وسبعين فرقة) هذا التحديد هو الذي أفاده هذا الحديث . فإن صح قيل: هذا من العلم المجمل الكلي، وإن لم يصح فالاعتبار بثبوت الافتراق وليس بماهية العدد"([14]) ومع كونها الأخيرة الأكثر فهي المتقدمة الأتقى، في دلالة على أن اختلافها محجوج وصاحبه ممجوج وهو في ذاته منبوذ . كيف لا والوحي محفوظ؟!([15]) قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى : " فمن كفَّر الثنتين والسبعين فِرقة كلَّهم : فقد خالف الكتاب والسنَّة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ... وليس قوله " ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة " بأعظم من قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ، وقوله { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار" "منهاج السنة" (5/249،250) .([16]) "بعض الدعاة وبعض طلاب العلم الذين لم يكتمل فقههم في الدين، لا يفرقون بين مسائل الخلاف ومسائل الافتراق، ومن هنا قد يرتب بعضهم على مسائل الاختلاف أحكام الافتراق، وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق، ومتى يكون هذا؟ وكيف يكون؟ ومن الذي يحكم بمفارقة شخص أو جماعة ما؟من هنا كان لابد من ذكر بعض الفروق بين الاختلاف وبين الافتراق، وسأذكر خمسة فروق على سبيل المثال لا على سبيل الحصر :الفرق الأول : أن الافتراق أشد أنواع الاختلاف، بل هو من ثمار الخلاف، إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق، وقد لا يصل ، فالافتراق اختلاف وزيادة، لكن ليس كل اختلاف افتراقًا . وينبني على هذا الفرق الثاني الفرق الثاني : وهو أنه ليس كل اختلاف افتراقًا، بل افتراق اختلاف، فكثير من المسائل التي يتنازع فيها المسلمون هي من المسائل الخلافية، ولا يجوز الحكم على المخالفة فيها بالكفر ولا المفارقة ولا الخروج من السنة الفرق الثالث : أن الافتراق لا يكون إلا على أصول كبرى، أي أصول الدين التي لا يسع الخلاف فيها، والتي ثبتت بنص قاطع أو بإجماع، أو استقرت منهجًا عمليًا لأهل السنة والجماعة لا يختلفون عليه ، فما كان كذلك فهو أصل، من خالف فيه فهو مفترق، أما ما دون ذلك فإنه يكون من باب الاختلاف ...الفرق الرابع : أن الاختلاف قد يكون عن اجتهاد وعن حسن نية ويؤجر عليه المخطئ ما دام متحريًا للحق ، والمصيب أكثر أجرًا، وقد يحمد المخطئ على الاجتهاد أيضًا ، أما إذا وصل إلى حد الافتراق فهو مذموم كله ، بينما الافتراق لا يكون عن اجتهاد ، ولا عن حسن نية، وصاحبه لا يؤجر عليه ، بل هو مذموم وآثم على كل حال، ومن هنا فهو لا يكون إلا عن ابتداع أو عن اتباع هوى، أو تقليد مذموم، أو جهل مطبق .الفرق الخامس : أن الافتراق يتعلق به الوعيد، وكله شذوذ وهلكة، أما الاختلاف فليس كذلك، مهما بلغ الخلاف بين المسلمين في أمور يسع فيها الاجتهاد، أو يكون صاحب الرأي المخالف له مسوغ أو يحتمل أن يكون قال الرأي المخالف عن جهل بالدليل ولم تقم عليه الحجة، أو عن إكراه يعذر به قد لا يطلع عليه أحد ، أو عن تأول ولا يتبين ذلك إلا بعد إقامة الحجة" "الافتراق ..." للعقل .([17]) في "الصحيح" أن رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- قال : "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة . أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة . أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة : إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر" "صحيح الجامع" برقم(89)([18]) وفيه : حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه – قال : خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوماً خطاً ثم قال : "هذه سبيل الله" ثم خط خطوطاً عن يمينه، وخطوطاً عن يساره ثم قال : "هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه" ثم قرأ هذه الآية : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرق بكم عن سبيله } ([19]) تحت قول الله تعالى : "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" "الأنعام"(153) .قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله تعالى– تحت هذه الآية : "إنما وحّد سبيله لأن الحق واحد ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها" .([20]) قال الإمام الشاطبي – رحمهالله تعالى : " وهذه سنة الله في الخلق : أن أهل الحق فيجنب أهل الباطل قليل لقوله تعالى : "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" [ سورةيوسف الآية 103 ] وقوله : "وقليل من عبادي الشكور" [سورة سبأ الآية 13] ولينجزالله ما وعد به نبيه صلى الله عليه وسلم من عود وصف الغربة إليه فإن الغربة لا تكونإلا مع فقد الأهل أو قلتهم وذلك حين يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا وتصير السنةبدعة والبدعة سنة ..." اهـ "الاعتصام"(1/11-12)قال العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى :" ولما رأى المنافقون ومَن فى قلبه مرض قِلَّة حزبِ الله وكثرةَ أعدائه، ظنُّوا أنالغلبة إنما هى بالكثرة، وقالوا: ( غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ ) [الأنفال: 49]،فأخبر سبحانه أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة، ولا بالعدد، والله عزيز لايُغالَب، حكيم ينصر مَن يستحق النصر، وإن كان ضعيفاً، فعزتُه وحكمتُه أوجبت نصرَالفئةِ المتوكِّلَةِ عليه. " "زاد المعاد" (3/181) وقال – رحمه الله تعالى- في "نونيته" :
واصدع بما قال الرسول ولا تخف *** من قلة الأنصار والأعوان
فالله ناصر دينه وكتابــــــه *** والله كاف عبده بأمـــان
إلى أنقال : لا تخش كثرتهم فهم همج الورى *** وذبابه أتخاف منذبـــان" "النونية"ص(16-17)
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى- في " كتاب التوحيد : بابمن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب بعدما ذكر حديث ابن عباس السابق" : "فيه مسائل :الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة ".اهـقال العلامة ابن باز – رحمه الله تعالى : " وليحذر كل مسلم أنيغتر بالأكثرين، ويقول : إن الناس قد ساروا إلى كذا، واعتادوا كذا ، فأنا معهم،فإن هذه مصيبة عظمى، قد هلك بها أكثر الماضين، ولكن أيها العاقل، عليك بالنظرلنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعلهالناس، فالحق أحق بالاتباع، كما قال تعالى : "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِيالْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه" وقال تعالى : "وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِوَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" وقال بعض السلف رحمهم الله : "لا تزهد في الحق لقلةالسالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين" اهـ ."نصيحة موجهة إلى كافةالمسلمين" أنظر فتاويه رحمه الله ص(12/411– 416) قال العلامة الألباني –رحمه الله تعالى : " فالمؤمن لا يستوحش من قلةالسالكين على طريق الهدى ولا يضره كثرة المخالفين "اهـ "صلاة العيدين في المصلى" ص(47)وقال معالي الشيخالعلامة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله تعالى " فالعبرة ليست بالكثرة, العبرة بالصواب وإصابة الحق . نعم, إذا كانت الكثرة على صوابفهذا طيب , ولكن سنة الله جل وعلا أن الكثرة تكون على الباطل "ومآ أكثر الناس ولوحرصت بمؤمنين" "وأن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله" اهـ "شرح مسائل الجاهلية" ص(60)عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 21.04.10 17:33 عدل 1 مرات