للشّيخ الفَاضِل أبي عَبدِ المعِزّ مُحمَّد عَلي فَركُوس - حفظه الله -
السؤال:
ما هو الرّاجحُ عندكم في مفهومِ العددِ؟ هل هو حجّةٌ مطلقًا أم لا أم فيه تفصيلٌ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فالمرادُ بمفهومِ العددِ هو تقييدُ الخطابِ بعددٍ مخصوصٍ وتعليقُ الحكمِ به(١)، فيدلّ على نفيِ الحكمِ عمّا عدا ذلك العددَ زائدًا كان أو ناقصًا، وهو حجّةٌ عند مالكٍ والشّافعيِّ وأحمدَ وجمهورِ القائلين بالمفهومِ، ومنعه نفاةُ مفهومِ الصّفةِ وكذا المعتزلةُ وابنُ شاقلا من الحنابلةِ(٢).
علمًا أنّ المقيَّدَ بعددٍ مخصوصٍ إذا دلّ دليلٌ أو قرينةٌ على انتفاءِ الحكمِ عمّا عداه كعددِ الرّكعاتِ في الصّلواتِ ومقاديرِ الزّكاةِ وعددِ أشواطِ الطّوافِ والطّلاقِ وغيرِها، أو دلّت على عدمِ انتفاءِ الحكمِ عمّا عداه كما هو الشّأنُ في الخمسِ من الفواسقِ التي تُقتل في الحلِّ والحرمِ؛ فإنّ الاحتجاجَ بمفهومِ العددِ وعدمَه متوقِّفٌ على الدّليلِ أو القرينةِ، وهذا خارجٌ عن محلِّ النّزاعِ.
والصّحيحُ -عندي- أنّ مفهومَ العددِ إذا لم يخرجْ على وجهِ التّكثيرِ أو يُسَقْ للمبالغةِ وخلا من قرينةٍ لفظيّةٍ أو سياقيّةٍ أو خارجيّةٍ تدلّ على أنّ مفهومَه غيرُ مرادٍ؛ فإنّه يُعدّ دليلاً كمفهومِ الصّفةِ سواءً، ولكنّه ليس من أقوى المفاهيمِ.
ويدلّ عليه من الشّرعِ حديثُ عمرَ بنِ الخطّابِ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم قال له لمّا أكثر عليه في شأنِ عبدِ اللهِ بنِ أبيِّ بنِ سلولٍ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ [التّوبة: 80]، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ»(٣)، ففُهم أنّ الزّيادةَ على السّبعينَ يكون لها من الحكمِ خلافُ المنطوقِ، والحديثُ صحيحٌ، والمعلومُ أنّ خبرَ الواحدِ تثبت به القاعدةُ الأصوليّةُ إذا كانتْ وسيلةً إلى العملِ.
كما أنّ الأمّةَ قد علمتْ -من تحديدِ حدِّ القاذفِ في قولِه تعالى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النّور: 4]- انتفاءَ وجوبِ الزّيادةِ وعدمَ جوازِ النّقصانِ.
ويدلّ عليه من لغةِ العربِ أنّ الآمرَ إذا قيّد خطابَه بعددٍ مخصوصٍ؛ فإنّه يحسن إنكارُه على المأمورِ إذا زاد عليه أو نقص عنه، فإنِ ادّعى المأمورُ أنّه أدّى الفعلَ الذي أُمر به مع كونِه زاد عليه أو نقص عنه؛ كانتْ دعواه مردودةً عليه عند عامّةِ من يعرف لغةَ العربِ.
ويدلّ عليه من جهةِ المعقولِ أنّ المقيَّدَ بعددٍ مخصوصٍ لو لم يدلَّ على انتفاءِ الحكمِ عمّا عداه للزم تجريدُ كلامِ الشّارعِ من فائدةٍ سواء في ذكرِ العددِ أو الصّفةِ أو الشّرطِ، فإذا كان اللاّزمُ باطلاً فالملزومُ مثلُه، فثبتتْ فائدةُ ذكرِ العددِ بانتفاءِ الحكمِ عمّا عدا المقيَّدَ بالعددِ، وهذا هو مفهومُ العددِ.
هذا، ولا يخفى في بابِ ترجيحاتِ المتنِ أنّ مفهومَ العددِ وغيرَه من مفاهيمِ المخالَفةِ إذا عارضه منطوقٌ قُدّم عليه لقوّتِه، فمِن أمثلةِ ذلكِ قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ»(٤)، فإنّ مفهومَه أنّ ما دون القلّتين يحمل الخبَثَ(٥)، وبهذا احتجّ الشّافعيُّ على أنّ النّجاسةَ إذا وقعتْ فيما دون القلّتين نجّستْه(٦)، خلافًا لمالكٍ وغيرِه ممّن عمل بعمومِ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه مرفوعًا: «المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٧)، ولا شكَّ أنّ العمومَ أقوى من جهةِ كونِه منطوقًا، فهو مقدَّمٌ على المفهومِ حالَ التّعارضِ من جهةِ التّرجيحِ، وأنّ دلالةَ العامِّ قطعيّةٌ على أصلِ المعنى مع الاختلافِ في دلالتِه على أفرادِه، بينما مفهومُ المخالفةِ فمحلُّ خلافٍ بين أهلِ العلمِ، لذلك يُقدَّم العمومُ من حيث الحجيّةُ والتّرجيحُ، وهذه المسألةُ مفصَّلةٌ في إحدى الفتاوى(٨).
ومن ذلك -أيضًا- قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ ...»(٩)، فمفهومُه يدلّ على أنّ ما عداه ليس من الكبائرِ الموبقاتِ، غيرَ أنّه وردتْ نصوصٌ شرعيّةٌ تدلّ بمنطوقِها على زيادةِ الكبائرِ على السّبعِ، وأنّها لا تنحصر في ذلك العددِ، قال الشّنقيطيُّ -رحمه الله-: «التّحقيقُ أنّها لا تنحصر في سبعٍ، وأنّ ما دلّ عليه من الأحاديثِ على أنّها سبعٌ لا يقتضي انحصارَها في ذلك العددِ؛ لأنّه إنّما دلّ على نفيِ غيرِ السّبعِ بالمفهومِ، وهو مفهومُ لقبٍ، والحقُّ عدمُ اعتبارِه.
ولو قلنا: إنّه مفهومُ عددٍ - لكان غيرَ معتبرٍ أيضًا؛ لأنّ زيادةَ الكبائرِ على السّبعِ مدلولٌ عليها بالمنطوقِ.
وقد جاء منها في الصّحيحِ عددٌ أكثرُ من سبعٍ، والمنطوقُ مقدَّمٌ على المفهومِ، مع أنّ مفهومَ العددِ ليس من أقوى المفاهيمِ»(١٠).
قلت: فمِن حيث القوّةُ فمفهومُ العلّةِ أقوى من مفهومِ الصّفةِ، ومفهومُ الحصرِ بالنّفيِ والإثباتِ أقوى من المفاهيمِ الأخرى، ومفهومُ اللّقبِ أضعفُ المفاهيمِ.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
٢- انظر: « المعتمد» لأبي الحسين (1/ 157)، « التّمهيد» للكلواذانيّ (2/ 197)، « روضة النّاظر» لابن قدامة (2/ 224)، « الإحكام» للآمديّ (2/ 230)، « الإبهاج» للسّبكيّ وابنه (1/ 381)، « التّمهيد» (252)، « نهاية السّول» (1/ 437) كلاهما للإسنوي، « المسوّدة» لآل تيميّة (358)، « مناهج العقول» للبدخشيّ (1/ 435)، « شرح الكوكب المنير» للفتوحيّ (2/ 507)، « فواتح الرّحموت» للأنصاريّ (1/ 432)، « إرشاد الفحول» للشّوكانيّ (181)، « تفسير النّصوص» لمحمد أديب (1/ 729).
٣- أخرجه التّرمذيّ في « التّفسير» باب: ومن سورة التّوبة (3097)، وحسّنه الألبانيّ في «السّلسلة الصّحيحة» (3/ 123)، وأخرجه البخاريّ بنحوه في «الجنائز» باب ما يُكره من الصّلاة على المنافقين (1366)، من حديث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
٤- أخرجه أبو داود في «الطّهارة» باب ما ينجّس الماء (63)، والتّرمذيّ في «الطّهارة» (67)، والنّسائيّ في « الطّهارة» (52) وغيرهم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث صحيح، انظر: « المجموع» للنّوويّ (1/ 112)، « التّلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 16 - 20)، « إرواء الغليل» للألبانيّ (1/ 60).
٥- انظر: « المحصول» للفخر الرّازيّ (1/ 2/ 218)، « الإبهاج» للسّبكيّ وابنه (1/ 383)، « نهاية السّول» للإسنوي (1/ 437)، « المدخل» للباجقنيّ (80).
٦- انظر: « المهذّب» للشّيرازيّ (1/ 13)، « المجموع» للنّوويّ (1/ 112)، « المحتاج» للشّربينيّ (1/ 22)، « نهاية المحتاج» للرّمليّ (1/ 78).
٧- أخرجه أبو داود في «الطّهارة» باب ما جاء في بئر بضاعة (66)، والتّرمذيّ في «الطّهارة» باب ما جاء: الماء لا ينجّسه شيء (66)، وأحمد في «مسنده» (3/ 31)، من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله. وصحّحه الألبانيّ في «الإرواء» (1/ 45).
٨- انظر: الفتوى رقم (33) الموسومة ﺑ: «الجمع بين حديث الماء طهور وحديث القلّتين».
٩- أخرجه البخاريّ في «الوصايا» باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (2766)، ومسلم في «الإيمان» (1/ 54) رقم (89)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١٠- «أضواء البيان» للشّنقيطيّ (7/ 199).
السؤال:
ما هو الرّاجحُ عندكم في مفهومِ العددِ؟ هل هو حجّةٌ مطلقًا أم لا أم فيه تفصيلٌ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فالمرادُ بمفهومِ العددِ هو تقييدُ الخطابِ بعددٍ مخصوصٍ وتعليقُ الحكمِ به(١)، فيدلّ على نفيِ الحكمِ عمّا عدا ذلك العددَ زائدًا كان أو ناقصًا، وهو حجّةٌ عند مالكٍ والشّافعيِّ وأحمدَ وجمهورِ القائلين بالمفهومِ، ومنعه نفاةُ مفهومِ الصّفةِ وكذا المعتزلةُ وابنُ شاقلا من الحنابلةِ(٢).
علمًا أنّ المقيَّدَ بعددٍ مخصوصٍ إذا دلّ دليلٌ أو قرينةٌ على انتفاءِ الحكمِ عمّا عداه كعددِ الرّكعاتِ في الصّلواتِ ومقاديرِ الزّكاةِ وعددِ أشواطِ الطّوافِ والطّلاقِ وغيرِها، أو دلّت على عدمِ انتفاءِ الحكمِ عمّا عداه كما هو الشّأنُ في الخمسِ من الفواسقِ التي تُقتل في الحلِّ والحرمِ؛ فإنّ الاحتجاجَ بمفهومِ العددِ وعدمَه متوقِّفٌ على الدّليلِ أو القرينةِ، وهذا خارجٌ عن محلِّ النّزاعِ.
والصّحيحُ -عندي- أنّ مفهومَ العددِ إذا لم يخرجْ على وجهِ التّكثيرِ أو يُسَقْ للمبالغةِ وخلا من قرينةٍ لفظيّةٍ أو سياقيّةٍ أو خارجيّةٍ تدلّ على أنّ مفهومَه غيرُ مرادٍ؛ فإنّه يُعدّ دليلاً كمفهومِ الصّفةِ سواءً، ولكنّه ليس من أقوى المفاهيمِ.
ويدلّ عليه من الشّرعِ حديثُ عمرَ بنِ الخطّابِ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم قال له لمّا أكثر عليه في شأنِ عبدِ اللهِ بنِ أبيِّ بنِ سلولٍ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ [التّوبة: 80]، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ»(٣)، ففُهم أنّ الزّيادةَ على السّبعينَ يكون لها من الحكمِ خلافُ المنطوقِ، والحديثُ صحيحٌ، والمعلومُ أنّ خبرَ الواحدِ تثبت به القاعدةُ الأصوليّةُ إذا كانتْ وسيلةً إلى العملِ.
كما أنّ الأمّةَ قد علمتْ -من تحديدِ حدِّ القاذفِ في قولِه تعالى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النّور: 4]- انتفاءَ وجوبِ الزّيادةِ وعدمَ جوازِ النّقصانِ.
ويدلّ عليه من لغةِ العربِ أنّ الآمرَ إذا قيّد خطابَه بعددٍ مخصوصٍ؛ فإنّه يحسن إنكارُه على المأمورِ إذا زاد عليه أو نقص عنه، فإنِ ادّعى المأمورُ أنّه أدّى الفعلَ الذي أُمر به مع كونِه زاد عليه أو نقص عنه؛ كانتْ دعواه مردودةً عليه عند عامّةِ من يعرف لغةَ العربِ.
ويدلّ عليه من جهةِ المعقولِ أنّ المقيَّدَ بعددٍ مخصوصٍ لو لم يدلَّ على انتفاءِ الحكمِ عمّا عداه للزم تجريدُ كلامِ الشّارعِ من فائدةٍ سواء في ذكرِ العددِ أو الصّفةِ أو الشّرطِ، فإذا كان اللاّزمُ باطلاً فالملزومُ مثلُه، فثبتتْ فائدةُ ذكرِ العددِ بانتفاءِ الحكمِ عمّا عدا المقيَّدَ بالعددِ، وهذا هو مفهومُ العددِ.
هذا، ولا يخفى في بابِ ترجيحاتِ المتنِ أنّ مفهومَ العددِ وغيرَه من مفاهيمِ المخالَفةِ إذا عارضه منطوقٌ قُدّم عليه لقوّتِه، فمِن أمثلةِ ذلكِ قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ»(٤)، فإنّ مفهومَه أنّ ما دون القلّتين يحمل الخبَثَ(٥)، وبهذا احتجّ الشّافعيُّ على أنّ النّجاسةَ إذا وقعتْ فيما دون القلّتين نجّستْه(٦)، خلافًا لمالكٍ وغيرِه ممّن عمل بعمومِ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه مرفوعًا: «المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٧)، ولا شكَّ أنّ العمومَ أقوى من جهةِ كونِه منطوقًا، فهو مقدَّمٌ على المفهومِ حالَ التّعارضِ من جهةِ التّرجيحِ، وأنّ دلالةَ العامِّ قطعيّةٌ على أصلِ المعنى مع الاختلافِ في دلالتِه على أفرادِه، بينما مفهومُ المخالفةِ فمحلُّ خلافٍ بين أهلِ العلمِ، لذلك يُقدَّم العمومُ من حيث الحجيّةُ والتّرجيحُ، وهذه المسألةُ مفصَّلةٌ في إحدى الفتاوى(٨).
ومن ذلك -أيضًا- قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ ...»(٩)، فمفهومُه يدلّ على أنّ ما عداه ليس من الكبائرِ الموبقاتِ، غيرَ أنّه وردتْ نصوصٌ شرعيّةٌ تدلّ بمنطوقِها على زيادةِ الكبائرِ على السّبعِ، وأنّها لا تنحصر في ذلك العددِ، قال الشّنقيطيُّ -رحمه الله-: «التّحقيقُ أنّها لا تنحصر في سبعٍ، وأنّ ما دلّ عليه من الأحاديثِ على أنّها سبعٌ لا يقتضي انحصارَها في ذلك العددِ؛ لأنّه إنّما دلّ على نفيِ غيرِ السّبعِ بالمفهومِ، وهو مفهومُ لقبٍ، والحقُّ عدمُ اعتبارِه.
ولو قلنا: إنّه مفهومُ عددٍ - لكان غيرَ معتبرٍ أيضًا؛ لأنّ زيادةَ الكبائرِ على السّبعِ مدلولٌ عليها بالمنطوقِ.
وقد جاء منها في الصّحيحِ عددٌ أكثرُ من سبعٍ، والمنطوقُ مقدَّمٌ على المفهومِ، مع أنّ مفهومَ العددِ ليس من أقوى المفاهيمِ»(١٠).
قلت: فمِن حيث القوّةُ فمفهومُ العلّةِ أقوى من مفهومِ الصّفةِ، ومفهومُ الحصرِ بالنّفيِ والإثباتِ أقوى من المفاهيمِ الأخرى، ومفهومُ اللّقبِ أضعفُ المفاهيمِ.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 09 ربيع الأول 1432ﻫ
الموافق ﻟ: 12 فيراير 2011م
الموافق ﻟ: 12 فيراير 2011م
ــــــــــــــ
١-انظر: « شرح الكوكب المنير» للفتوحيّ (3/ 508)، « إرشاد الفحول» للشوكاني (181).٢- انظر: « المعتمد» لأبي الحسين (1/ 157)، « التّمهيد» للكلواذانيّ (2/ 197)، « روضة النّاظر» لابن قدامة (2/ 224)، « الإحكام» للآمديّ (2/ 230)، « الإبهاج» للسّبكيّ وابنه (1/ 381)، « التّمهيد» (252)، « نهاية السّول» (1/ 437) كلاهما للإسنوي، « المسوّدة» لآل تيميّة (358)، « مناهج العقول» للبدخشيّ (1/ 435)، « شرح الكوكب المنير» للفتوحيّ (2/ 507)، « فواتح الرّحموت» للأنصاريّ (1/ 432)، « إرشاد الفحول» للشّوكانيّ (181)، « تفسير النّصوص» لمحمد أديب (1/ 729).
٣- أخرجه التّرمذيّ في « التّفسير» باب: ومن سورة التّوبة (3097)، وحسّنه الألبانيّ في «السّلسلة الصّحيحة» (3/ 123)، وأخرجه البخاريّ بنحوه في «الجنائز» باب ما يُكره من الصّلاة على المنافقين (1366)، من حديث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
٤- أخرجه أبو داود في «الطّهارة» باب ما ينجّس الماء (63)، والتّرمذيّ في «الطّهارة» (67)، والنّسائيّ في « الطّهارة» (52) وغيرهم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث صحيح، انظر: « المجموع» للنّوويّ (1/ 112)، « التّلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 16 - 20)، « إرواء الغليل» للألبانيّ (1/ 60).
٥- انظر: « المحصول» للفخر الرّازيّ (1/ 2/ 218)، « الإبهاج» للسّبكيّ وابنه (1/ 383)، « نهاية السّول» للإسنوي (1/ 437)، « المدخل» للباجقنيّ (80).
٦- انظر: « المهذّب» للشّيرازيّ (1/ 13)، « المجموع» للنّوويّ (1/ 112)، « المحتاج» للشّربينيّ (1/ 22)، « نهاية المحتاج» للرّمليّ (1/ 78).
٧- أخرجه أبو داود في «الطّهارة» باب ما جاء في بئر بضاعة (66)، والتّرمذيّ في «الطّهارة» باب ما جاء: الماء لا ينجّسه شيء (66)، وأحمد في «مسنده» (3/ 31)، من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله. وصحّحه الألبانيّ في «الإرواء» (1/ 45).
٨- انظر: الفتوى رقم (33) الموسومة ﺑ: «الجمع بين حديث الماء طهور وحديث القلّتين».
٩- أخرجه البخاريّ في «الوصايا» باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (2766)، ومسلم في «الإيمان» (1/ 54) رقم (89)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١٠- «أضواء البيان» للشّنقيطيّ (7/ 199).
.:: من موقع الشيخ حفظه الله ::.
http://www.noor-alyaqeen.com/vb/t18837/#post134110
http://www.noor-alyaqeen.com/vb/t18837/#post134110