الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الحاجة
إن الحمد للـه نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئــات أعمالنا مـن يهده اللـه فلا مضل لـه ، ومن يضلل فلا هــادي له ، وأشهد أن لاإلـــه إلا الله وحـده لاشريــك لـه وأشهـد أن محمدا عبـده ورسولـه.
{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }} (102) [ آل عمران].
{{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}} (1) [ النساء:/1].
{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}} (71) [ الأحزاب: 70 / 71 ].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بـدعة ضلالة وكل ضلالة في النار[1] .
--------------------
1- هذه خطبة الحاجـة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه ، وقد أفردها بالتأليف علامة الشام الشيخ محمد ناصـر الدين الألباني رحمه الله، رسالة باسم خطبة الحاجة .
أما بعد :
قال صلى الله عليه وسلم :<< إن أبي وأباك في النار >> أخرجه مسلم [1/ 132-133]وأبو عوانة [1/99] وأبو داود [4718] والجورقاني [1/233] وصححه ، واحمد [3/ 268]، وابو يعلى [ 6/ 229/3516]وابن حبان [578] الإحسان ، والبيهقي [7/190] من طرق عن حماد بن سلمة .والشيخ الألباني في الصحيحة [2592].
وما يتصل بهذا الموضوع قوله صلى الله عليه سلم لما زار قبر أمه :<< استأذنت ربي في ان استغفر لها فلم يأذن لي ، واستاذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ...>> أخرجه مسلم [3/65]وأبو داود [2/72]والنسائي [1/286]وابن ماجه [1/476]والطحاوي [3/189]والحاكم [1/ 375-376]وعنه البيهقي [4/ 76] وأحمد [2/ 441] .
وعن بريدة رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم [ في سفر ،وفي رواية :في غزوة الفتح ] فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ، فصلى بنا ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب ، ففدعه بالأب والأم ، يقول : يارسول الله مالك؟ قال : << إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي ، فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، [ واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ] وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، لتذكركم زيارتها خيرا ...>> أخرجه أحمد [5/ 355-357-359 ] وابن أبي شيبة [4/ 139]وإسنادها عنده صحيح ، والحاكم [ 1/ 376]وكذا ابن حبان [791] والبيهقي [4/76] وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي رحمهما الله .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز [188] وهو كما قالا .
ورواه الترمذي رحمه الله ، مختصرا وصححه ، وروى مسلم وغيره ... رحمهم الله منه الإذن بالزيارة والمنع من الاستغفار .
قال الشيخ -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة المجلد السادس [ص180] واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة ، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم - بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام – ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة .
وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قالها إن صدّقوا بها ، وهذا - كما هو ظاهر – كفر بواح ، أو على الأقل : على الأئمة الذين رووها وصححوها ، وهذا فسق أو كفر صراح ، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم ، لأنه لاطريق لهم إلى معرفته والإيمان به ، إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم ، كما لايخفى على كل مسلم بصير بدينه ، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم – والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف – كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة ، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي و[حزبه ]والهويدي وبليق ، وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لاميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم !
واعلم أيها المسلم – المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه – أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم ، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الأيمان بها وتلقيها بالقبول ، لقوله تعالى : {{ ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }}ْ (3) [البقرة : 1-3 }، وقوله : {{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}} (36) سورة الأحزاب } فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما ، - وأحلاهما مر- : إنما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم .
وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي – عفا الله عنا وعنه – في بعض رسائله إنما يحملهم على ذلك غلوهم في عظيم النبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه ، فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما ، فاكنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم !!
وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس [ من الصوفية والطرقيين ] الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أمه ، وفي رواية : أبويه ، وهو حديث موضوع ..عند جماهير المحدثين .
ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للإمام الشوكاني [ رحمه الله ] فقال : كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس ، فيتخطى الحجة ويحاربها ، ومن وُفِّقَ علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية والله المستعان .
وقال الشيخ أبو عبد الله قاسم بن أحمد بن سيف اليماني رحمه الله في كتابه " المواهب في الرد على من قال بإسلام إبي طالب " :[ ... مع هذا كله يُسكتون من أراد أن يبين الحق في ذلك ، ويلمزونه بأنه يسب الأموات ، أو بأنه يبغض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن نقول : هذا اللمز أهون علينا من أن نسكت عن التلبيسات والتضليلات ، والبدع ، والخرافات ، وتصحيح الأحاديث الواهية[ والموضوعة] ، والتشكيك في الصحيح من الروايات التي نقلها إلينا الثقات الأثبات ، ثم الله أعلم بمن يريد الشين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكذب عليه وعلى آل بيته [ الأطهار ] والذين يحبونه حبا شرعيا والذين يوقلون الحق ولا يكذبون لا لهم ولا عليهم ، فالكذب عليهم كبيرة من الكبائر ، والكذب لهم أكبر من ذلك ، إذ هي في حقيقة الأمر استدراك لشيء لم يأت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به هؤلاء ، كان الدين ناقص في نظرهم حتى جاء فلان ببدعته فكمل بها ما نقص ، وهذا أعتداء على شرع الله القائل: {{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }} (3) سورة المائدة.
قلت : وصدق الشيخ عبد الرحمن المعلمي حين قال : كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس ، فيتخطى الحجة ويحاربها ، ومن وُفِّقَ علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية والله المستعان .
فهذا ما يدفع الصوفية إلى الغلو فيه صلى الله عليه وسلم ، وجعلوا التعرض لهذه الأحاديث أذية له صلى الله عليه وسلم ، فلعنوا كل من تعرض لها ، وقبحوا فعله بأنه يريد نزع محبة الرسول وآل بيته من قلوب الناس ، وما علموا أن أكبر أذية هي رد ما جاء به من الأحاديث الصحيحة ، أو تأويلها بالباطل ، الذي يخالف المعتقد الصحيح الي نطق به من لاينطق عن الهوى .
ولقد اطلعت في بعض منتديات الشروق أونلاين الجزائري، منتدى الدراسات الإسلامية على مقال شدّ انتباهي بقوة بعنوان "" ملعون من قال أن أبوي النبي في النار ""فلما قرأت المقال تبين لي أن هذا اللعن يتعدى علماء الحديث رحمهم الله ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال للأعرابي :<<إن أبي وأباك في النار >>.وقد مر تخريجه .
فدفعني ذلك أن أقوم بالرد عليه ، وأبين ماعنده من خلط وخبط وطعن وجرأة على الحديث وأهله ، لعل الله أن يرد اللعنة عليه ، ومن المناسب قبل أن أنزل الرد عليه،أنزل " مقاله" بالتمام ليعلم القراء أننا ما ظلمناه ، ويلعلم إخواننا الذين يتساهلون مع أهل الأهواء والبدع جناية هؤلاء على أهل الحديث والسنة أتباع السلف الصالح ، وأن ضررهم بالغ لعلهم يستفيقوا لهذه الحرب القذرة على السلفيين ، فيأخذوا عدتهم ويرصوا صفوفهم لمواجهة هذا السيل الجارف من البدع والمحدثات الحزبية والخرافات الطرقية ،والخزعبلات العقلانية ، نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يجعلنا مرابطين على ثغر من ثغور أهل السنة أتباع السلف الصالح، وأن يردنا وإخواننا إلى جادة الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وبقي أن أنبه راجيا من الإخوة الأفاضل طلبة العلم والمشايخ أن لا يبخلوا علي بنصائحهم وتوجيهاتهم لما يرونه في الموضوع من زلل ، أو خطأ ، أو قصور ، فالشكر مني لهم موصول ، والثناء عليهم بالجميل مأمول .
وهذا ما سطرته يمينه بتمامه دون تصرف فيه حتى لو كانت فيه بعض الأخطاء أنزله باللون الأزرق مغايرا للرد عليه فهو باللون الأسود ، قال:
السلام عليكم
ملاحظة: أتمنى على الاخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي فحسب.لأن فيه الرد الوافي والشافي حديثان رواهما مسلم بدون مشاركة البخارى لإثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين.. لأنهما ماتا على الشرك والكفر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم تكاثرت وتناثرت أقواله على لسان أصحابه ثم انتقلت إلى مسامع وألسنة التابعين - الذين رأوا وسمعوا أصحاب النبى بعد وفاته - ثم شاعت واختلطت بعد ذلك أقواله، عليه صلوات الله، على ألسنة الصادقين والكاذبين والمدلسين على السواء، ولما بدأ عصر تدوين الحديث النبوى استحدث علماء الحديث دلائل وقرائن للتحقق من صدق أو كذب الإسناد - رواة الحديث - وهو ما سمى علم (الجرح والتعديل)،والإسناد هو سلسلة أسماء الرجال الذين رووا الحديث صعودا حتى الصحابى الذى سمع النبى أو حكى عنه، ورغم نُبل ووجاهة الفكرة نظريا كمحاولة للتأكد من صحة الحديث فإن سلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيما بعد، حيث تطورت فكرة (الإسناد) تطورا عكسيا فأصبح يمثل قيدا ليس على قبول الحديث، بل على رفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكان رواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول (بتقدير البعض) أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبول الحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدا لقبول الحديث إلى قيد ضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة وجرأة، ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدم مخالفة الحديث لصريح القرآن، وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا فى الكثير من أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم فى المقال بحديثين من هذه النوعية.الحديثان أخرجهما (مسلم) وهما حول مصير أبوى النبى فى الآخرة :
الحديث الأول: (مسلم) باب «بيان أن من مات علىالكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين» 203: «حدثنا أبو بكربن أبى شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبى؟ قال: فى النار. فلما قفى دعاه فقال>>: إن أبى وأباك فى النار<<.
الحديث الثانى: (مسلم) «باب استئذان النبى ربهعز وجل فى زيارة قبر أمه» 976: «حدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن عباد (واللفظ ليحيى)قالا: حدثنا مروان بن معاوية عن يزيد (يعنى بن كيسان) عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله>>: استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى<< .
والمراد فى الحديثين إثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين، لأنهما ماتا على الشرك والكفر، ودعونا نستعرض ما شيَّده الشارحون والمفسرون من طوابق شاهقة على هذين الحديثين .
1 - زيَّن (مسلم) هكذاباستنتاجه الفطن باب الحديث باسم «بيان أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين« ولا أعلم كيف جزم (مسلم) بهذا الجزم الذى ليس فيه فقط إيذاء لرسول الله فى أهله، ولكن الأعظم هو مختافة القرآن كما سنوضح، ورغم أننى على حد علمى لم أعرف أن (مسلما) كان فقيه زمانه لكى يحكم بهذا وحده، هكذا ابتناء على حديث آحاد، لم يشاركه فى إخراجه معلمه وأستاذه (البخارى) ليخرِّج حديثا على شرطه هو،مخالفا للقرآن العظيم ومخالفا للأحاديث الصحيحة كما سنبين، ومدعيا على أبوى النبى ادعاءً عظيما كهذا، ثم تأكيده فى عنوان الباب استنتاجه بجرأة أن أبا النبى فى النار خالدا لا تنفعه شفاعة النبى.
2 - قال (النووى) وهو الشارح الأكبر لكتاب(مسلم) فى تعليقه وشرحه على حديث (أبى وأباك فى النار): «فيه أن من مات على الكفر فهو من أهل النار، وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار. وليس هذا مؤاخذهُ قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قدبلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء».
ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووى) هذهالجرأة أولا على أبوى النبى وذلك فى جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب منعبادة الأوثان فكيف عرف ذلك وكيف تأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر« والمعروف دينا ولغة وبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه، ثم يمتلك كالعادة أيضا جرأة عظيمة على تحدى آيات القرآن بقوله «فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم» كيف ذلك والقرآن يخاطب النبى الكريم بقول الله :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَاأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ»[ سبأ/44].
3 - أما كلام (النووى) عن الحديث الثانى (استأذنت ربى) فيقول: «فيه جواز زيارة المشركين فى الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهى عن الاستغفار للكفار» وهنا يكرر (النووى) ذات الجرأة ويجزم أن قبر أم النبى هو من قبور المشركين ولا أعلم منأين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا برواية متيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي، بل الثابت عكس ذلك كما سنوضح، ثم يخلط النووى فى نهاية تعليقه خلطاً كبيرا فيقول «وفيه النهى عن الاستغفار للكفار».
فيجعل أم النبى تارة مشركة وتارة كافرة، والفرق بينهما كبير، أو أنه إمعان فى الجرأة وتأكيد لهوان ما يكتبه عليه قد جعلها عامدا من عند نفسه تتصف بالوصفين معا فهى مشركة كافرة، ويا للعجب من جرأة كهذه.
4 -أما (البيهقى) فيزيد الجرأة إبداعا وشرحا فيقول فى كتابه (دلائل النبوة) (1/192): «وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفة فى الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا»، ولا أدرى أيضا بأية طريق استقى(البيهقى) علومه الخاصة التى أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزم بعبادتهم الأوثان قد جاءه فى المنام.
5 -ثم يأتى دور (ابن كثير) فى تفسيره لكى يضع بصمته فى الأمر فيقول: «وإخباره عن أبويه وجده عبدالمطلب بأنهم منأهل النار لا ينافى الحديث الوارد عنه أن أهل الفترة والأطفال والمجانين يمتحنون فى العرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة منلا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة». وما قاله (ابن كثير) هو أعجب العجاب بل هوالتعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد أحاديث (مسلم) أن آباء النبى فى النار، ولأنه وجد من طريق أخرى حديثا صحيحا يقول إن أهل الفترة-من ماتوا قبل بعثة النبى - سيمتحنون يوم القيامة بسؤالهم عن الإيمان، ما يعنى أن الحديث يدل على أن آباء النبى ليسا كما زعم (مسلم) من أهل النار، فلم يجد (ابن كثير) مخرجا من الأزمة إلا بجمع بين الحديثين يثير الضحك والبكاء فى آن على ما آلت إليه جرأة القوم على القرآن وعلى النبى، فيقول إن أهل الفترة سيمتحنون ويجيبون يوم القيامة بما يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ويكون آباء النبى من جملة الناس الذين لن يجيبوا بتوحيدالله لذلك سيدخلون النار، ووالله لولا المقام لكتبت كلاما قد لا يُحتَمل تعليقا على هذا البؤس الذى استنتجه (ابن كثير).
6 -عدد من أهل السلف شبُّوا عن الطوق وردوا أحاديث (مسلم)، الأول هو (جلال الدين السيوطى) الذى ألف ثلاث رسائل فى رد حديثى (مسلم) كان أشهرها رسالة (التعظيم والمنة فى أن أبوى رسول الله فى الجنة).
والثانى هو القاضى (ابن العربى) الذى قال بجرأة لا نستطيعها نحن عندماسُئِل عمن يقول إن أبوى النبى فى النار قال: «ملعون من قال ذلك «.
أما المعاصرون باستثناء القلب الشجاع (محمد الغزالى) فقد استهجنوا الحديثين ولكنهم التجؤوا للتأويل- التأويل صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر إذا عنَّ ما يقتضى ذلك على أن يكون هذا الصرف مقبولا فى اللغة - إيثارا للسلامة من الدخول فى معارك ردحديث بأحد الصحيحين وارتكنوا فى تأويلهم إلى «أن العرب كانت تطلق على العم كلمة الأب، إذن فالمقصود فى الحديث هو (أبوطالب) عم النبى»، لكن الثابت أن العرب فى سياق كلام واضح كهذا لا يقصدون أبدا العم فى كلامهم عن الأب، فالرجل الذى سَأل النبى من البديهى أنه سأل عن أبيه الحقيقى؛ لذا فلا يُتَصور من النبى وهو أفصح العرب أنيعارضه إلا بمساويه فكان مقصد النبى فى الكلام لاريب الأب الصُلبى الحقيقى، حيث لايتبادر إلى الذهن ولا تقبل اللغة الكلام هنا عن العم، وأيضا ارتكن المتأولون لمعنى الأب على أنه العم أن القرآن ذكر أن نبى الله (إبراهيم) كان يعظ أباه بقوله:«وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً» الأنعام 74،وقال المتأولون أن اسم أبيه ليس (آزر) كما فى القرآن ولكن اسمه (تارح) أو (تارخ)لذلك فالمقصود بقول الله «لأبيه« هو عمه (آزر)، وبالطبع إن كانت محاولة التأويل تحمل نوايا طيبة، فإن الارتكان على دليل كهذا هو خطأ يراد به تصليح خطأ لأن ادعاءأن اسم أبيه هو (تارح أو تارخ) هو ادعاء مبنى على كذبة فاحشة من آلاف كذبات الإسرائيليات التى دُسَّت فى تفاسير القرآن عن طريق الراعى الرسمى للإسرائيليات (كعب الأحبار)، لذلك فإن معنى الأب فى آيات النبى إبراهيم ينصرف للأب الحقيقى وليس العم.
نقد الحديث لتعارضه مع صريح القرآن:
1 - قول الله عز وجل: «وَمَا كَانَ رَبُّكَمُ هْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ»[ القصص59 ]والآية لا تحتاج شرحا أن الله لا يعذب أحدا ولا يهلك القرى حتى يبعث الرسل .
2 -قول الله عز وجل: « وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَامُنذِرُونَ»[ الشعراء 208] وتلك الآية تحمل نفس المعنى أن الإهلاك مقترن ببعث الرسلالمنذرين.
3 -قول الله عز وجل: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُنرَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ»[ الأنعام 131]، والغفلةهى عدم إنذارهم برسول.
4 -قول الله عز وجل: «وَمَا كُنَّامُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا» [الإسراء 15]، وذلك للتأكيد على المعنى المرادأن شرط العذاب هو إرسال الرسل.
5 -قول الله عز وجل: «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَوَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»[النساء 165] ، مما يؤكد أن الحجة لا تقوم إلا بعد إرسالالرسل.
وكل الآيات السابقة تكفينا صراحة ووضوحا لرد ألف حديث وليس حديثا واحدا حيث تؤكد أن أهل الفترة ممن عاشوا قبل الرسل لا يعذبون للعدالة ورحمة الله، وإن لم يعف عنهم فعلى الأقل
يكون أمرهم موكلا إلى الله تعالى،فكيف نجزم أنهم فى النار ففى ماذا أذنبوا ليدخلوها، وكيف يتساوون فى العذاب مع منسمع دعوة النبى وبلغه القرآن ثم كفر به فأين عدالة الإله والله يقول:« إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ» [النساء 40] أما زعمهم البغيض أن أبوى النبى سمعا دعوة نبى الله إبراهيم ولذلك عُدُّوا من المشركين فالآيات تنضح بتكذيب دعواهم.
1 - قول الله عز وجل:« لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّاأُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ»[ يس 6]، والحديث موجه للنبى الكريم يقول الله فيه ما لا يحتاج إلى شرح بل هو إقرار إلهى بأن قوم النبى ما أنذر آباؤهم، فأى جرأة وقحة هذه التى امتلكها من يدَّعون أن أبوى النبى فى النار لأنهما قد وصلتهما دعوةالنبى إبراهيم. فلعله علم خاص بهم لم يعلم به الله - ونستغفر الله منذلك.
2 - قول الله عز وجل: «وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَاأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» [سبأ 44]، نفس المعنى الجلى الواضح أنالله لم يرسل لآباء النبى وقومهم أنبياء.
3 - قول الله عزوجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ»[ السجدة 3]، تأكيد على المعنى المراد.
4 - قول الله عزوجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»[القصص 46]
فما هو المطلوب أكثر من هذهالآيات الصريحات التى تعضد بعضها بعضا مؤكدة أن أهل الفترة لا يعذبون لأنهم لم تقم عليهم حجة الرسل، والآيات الأخرى التى تجزم أن قوم النبى خاصة لم يأتهم نذير قبل النبى؛ وعليه فإن كل ما يقال بخلاف ذلك كلام هابط مرسل واستدلال مضحك وهزلى.
نقد الحديث لتعارضه مع الأحاديث الصحيحة المتفقة مع صريح القرآن.
1 -أخرج البخارى (4315) حديثا فى موقعة (حنين)أن النبى لما تولى عنه المسلمون قال: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وهنايتبين أن الرسول يفخر ببنوته لجده (عبدالمطلب).
والثابت أن الله أنزل فى كتابه: « وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِأَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»[ التوبة 3]، فلو كان جدهصلوات الله عليه من المشركين الخالدين فى النار لتبرأ النبى منه تصديقا لنص القرآن،كما تبرأ النبى إبراهيم من أبيه:« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ»[التوبة 114]، فلا يُتصور أن يفخر النبى بجدهالمشرك وهو مطالب بالبراءة منه ما يؤكد أنه توفى علىالتوحيد.
2 –أخرج مسلم نفسه (2276) قول النبى: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة. واصطفى من قريش بنى هاشم. واصطفانى من بنى هاشم». ولا أعلم معنى فى الاصطفاء إلا النسب المتسلسل الطاهرالمبرأ من الشرك لأن الله سبحانه قال فى كتابه العزيز« يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ »[ التوبة 28] ، فلا يمكن أن يصطفى الله النجس ولكن الاصطفاء للموحدين الأطهار وذلك ما يؤكد توحيد آباء النبى كما يؤكدبطلان ووهم حديثى مسلم.
3 -قول الله عز وجل فى كتابه: «وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ»[الشعراء 219] ، جاء عن ابن عباس فى التفسير أن المعنى هو تقلب النبى فى أصلاب أجداده من الساجدين قبل مولده.
نقد السند فى الحديثين :
1 - هذان الحديثان من أفراد مسلم أى ما انفرد به عن البخارى ولم يتابعه عليه إلا بعض كتب السنن والمسانيد، وذلك بنظر أهل الحديث يعد نزولا عن درجة الحديث الذى اتفقا عليه البخارى ومسلم مع أن رأينا فى هذه المسألة بخلاف ذلك فمن الجائز أيضا اجتماعهم على حديث به علل كثيرة فالعصمة لله ورسوله ولا لأحدبعدهما.
2 - هذان الحديثان (آحاد) وقد قرر الكثير منعلماء الحديث قديما وحديثا أن (الآحاد) لا يقام عليه عمل ولا عقيدة، وليس هذا فحسببل هو مخالف كما أوضحنا لصريح القرآن والنقل.
3 - أما الرواة ففى حديث (أبى وأباك) الراوى هو (حماد بن سلمة) وقد وثَّقه بعض العلماء ورده بعضهم، كما أن البخارى نفسه لم يقبل أن يخرج له ولو حديثا واحدا كتقرير منه بضعف روايته لأنه كان يخطئ كثيرا وكان يروى بالمعنى وليس باللفظ، وجاء فى (حماد) عند علماء الجرحوالتعديل قول (أبو حاتم) فى الجرح والتعديل (9/66): «حماد ساء حفظه فى آخر عمره»،أما أهم ما قيل فيه فقد قال (الزيلعى) فى نصب الراية (1/285): «لما طعن فى السن ساءحفظه. فالاحتياط أن لا يُحتج به فيما يخالف الثقات«، والكلام معناه مهم وهو أنحديثه إذا خالف الثقات لا يحتج به، وقد خالف القرآن بذاته، فأى مخالفة بعد.
الخلاصة :
هذان الحديثان مردودان لا يصح منهما شىءلمعارضتهما القرآن والأحاديث المتفقة مع ظاهر آياته، لأنه لا يمكن رد النص القرآنى الذى هو قطعى الثبوت وقطعى الدلالة بنص ظنى الثبوت وظنى الدلالة إن تعارضا، فالآيات الكريمات لا تحتمل إلا الثبوت ولا يحتمل معناها معنى آخر غير ظاهرها.
يتبع إن شاء الله ...