التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وبعد فقد وجدت أنه من المصلحة نقل اختصار لما حواه كتاب شيخنا الشيخ الدكتور صبري بن محمد بن عبدالمجيد والذي وسم بـ " التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " , ضمن سلسلته التي نسأل الله أن ينفع بها إتحاف الأمة بأصول السنةو كان هذا هو الأصل الأول فيها ,
يقول الشيخ - وفقه الله - :
كان النبي صلى الله عليه وسلم على القرءان كلام الله عز وجل المنزل عليه بواسطة جبريل عليه السلام ,
وفي المقام تنبيهات :
* اتفق العلماء أن ليس في القرءان ما لا معنى له (مجموع الفتاوى13/286),(17/290)
** اتفق العلماء على أن جميع ما في القرءان مما يفهم معناه , ويمكن إدراكه بتدبر وتأمل , وأنه ليس في القرءان ما لا يمكن أن يعلم معناه أحد .
***اتفق السلف على أن في القرءان ما لا يعلم تأويله إلا الله , كالروح ووقت الساعة , والآجال وهذا قد يسمى بالمتشابه.مجموع الفتاوى (13/144) ومعالم أصول الفقه (111) .
**** لذلك فأسماء الله تعالى وصفاته تكون من المتشابه باعتبار كيفيتها , وليست من المتشابه باعتبار معناها . مجموع الفتاوى (13/294) وما بعدها , والصواعق المرسلة (1/213) ومذكرة الشنقيطي (65).
منزلة السنة من القرءان
مما يجب معرفته واعتقاده أن الكتاب والسنة متلازمان لا يفترقان , متفقان لا يختلفان , كما قال بعض السلف : إنما هو الكتاب والسنة , والكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب .
ويتضح ذلك من خلال اعتبارات أربعة :
* باعتبار المصدرية : فلا شك أن القرءان والسنة في منزلة واحدة إذ الكل وحي من الله , لقوله تعالى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} ) النجم .
** باعتبار الحجية ووجوب الاتباع , فالقرءان والسنة في ذلك سواء وقد بوب لذلك الخطيب البغدادي في كتابه " الكفاية " فقال : (( باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب العمل ولزوم التكليف " ( الرسالة صـ23) .
*** باعتبار أن القرءان دلَّ على وجوب العمل بالسنة وأن السنة إنما ثبتت حجيتها بالقرءان .
فالقرءان بهذا الاعتبار أصل للسنة , والأصل مقدم على الفرع .
**** باعتبار البيان : فإن السنة مبينة لما أجمل من القرءان وهي مخصصة لعمومه مقيدة لمطلقه والبيان الخاص والمقيد مقدم على المجمل والعام والمطلق , إذ العمل بهذه الثلاثة متوفق على تلك . وهذان الأخيران يتجاذب فيهما القول بتقديم القرءان أم السنة ؟ .
ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم
من هو الصحابي ؟
هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم , مؤمنا به ومات على الإسلام ولو تخللت ردَّة على الأصح.(نزهة النظر 92,93).
"لو تخللت ردَّة" أي بين لقيه له مؤمنا به وبين موته على الإسلام , فإن اسم الصحبة باق له سواء رجع إلى الإسلام في حياته أم بعده , وسواء لقيه ثانيا أم لا .
" في الأصح" إشارة إلى الخلاف في المسألة .
والصحابة رضي الله عنهم جميعا كانوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ بن رجب: وفي أمره باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمر عموما , دليل على سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع سنته صلى الله عليه وسلم (جامع العلوم والحكم 2/121) مجموع فتاوى ابن تيمية (1/282)وكذا أصول الاعتقاد للالكائي (1/82,106).
وللسنة عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة :
* فباعتبار ذاتها تنقسم السنة إلى قولية وفعلية وتقريريةوما سوى ذلك يمكن إدراجه تحت هذه الأقسام. (الواضح في أصول الفقه (99-104)للأشقر.
* و باعتبار علاقتها بالقرءان الكريم تنقسم السنة إلى ثلاثة أقسام :
- القسم الأول : السنة المؤكدة.
- القسم الثاني: السنة المبينة أو المفسرة لما أُجمل في القرءان.
- القسم الثالث : السنة الاستقلالية أو الزائدة على ما في القرءان.
حجية السنة :
أولا : حجية السنة عموما :
أجمع المسلمون على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم سنته(مجموع الفتاوى 16/82-92) قال ابن تيمية : وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها ( فتاوى 19/85-86).
والاحتجاج بالسنة أصل ثابت من أصول الدين , وقاعدة ضرورية من قواعده .
ثانيا : حجية السنة الاستقلالية:
اتفق السلف على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجب اتباعها مطلقا لا فرق بين السنة الموافقة أو المبينة للكتاب وبين السنة الزائدة على ما في الكتاب .(الرسالة 104)( إعلام الموقعين1/48,2/314)(شرح الطحاوية 402).
ثالثا حجيةأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:
الأصل في حجية أفعاله صلى الله عليه وسلم الأدلة العامة الدالة على حجية السنة , إذ الأفعال قسم من أقسام السنة .
وأفعاله صلى الله عليه وسلم أقسام , لكل قسم منها حكم يخصه وقبل بيان هذه الأقسام لابد من تقرير أصول أربعة .
الأصل الاول :
أن الواجب على هذه الأمة متابعة نبيها صلى الله عليه وسلم والتأسي به في أفعاله وأحواله , ولزوم أمره وطاعته , و يدخل تحت هذا الأصل :
- أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ونهيه له . فإن الامة تشاركه ما لم يثبت الاختصاص .
-أفعاله صلى الله عليه وسلم فإن الأمة تتأسى بأفعاله إلا ما خصه الدليل.
- أمره صلى الله عليه وسلم لأمته ونهيه لها فإن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة وجوبا عاما مطلقا بل إن طاعة أوامره أوكد من الاقتداء به لأن أفعاله قد تكون خاصة به صلى الله عليه وسلم , ولم يتنازع العلماء أن أمره أوكد من فعله , فإن فعله قد يكون مختصا به وقد يكون مستحبا, وأما أمره لنا فهو من دين الله الذي أمرنا به.
الأصل الثاني :
أن أفعاله صلى الله عليه وسلم تدل على حكم هذه الأفعال بالنسبة له صلى الله عليه وسلم ففعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إباحته في أدنى الدرجات , وقد يدل على الوجوب أو الاستحباب , ولا يدل على الكراهة فإنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل المكروه ليبين الجواز , إذ يحصل التأسي به في أفعاله بل فعله لشيء ينفي كراهته .
الأصل الثالث :
أن العلماء قد اختلفوا في أمور فعلها صلى الله عليه وسلم هل هي من خصائصه أم للأمة أن تفعلها , وذلك مثل دخوله في الصلاة إماما بعد أن صلى بالناس غيره ,... فمثل هذا من المواضع التي تتعلق بمسألة الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أفعاله , وهي بحاجة إلى اجتهاد ونظر واستدلال وفقه .
الأصل الرابع :
التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن تفعل كما فعل لأجل أنه فعل .
والتأسي لابد فيه من أمرين
1)المتابعة في صورة العمل
2) المتابعة في القصد
أقسام أفعاله صلى الله عليه وسلم:
القسم الأول : الأفعال الجبلية أو العادية كالقيام والقعود والأكل والشرب واللباس والعمامة فهذا القسم مباح , لأن ذلك لم يقصد به التشريع ولا التعبد.
القسم الثاني: الأفعال الخاصة به صلى الله عليه وسلم التي ثبت بالدليل اختصاصه بها كالجمع بين تسع نسوة , فهذا يحرم فيه التأسي به .
القسم الثالث : الأفعال البيانية التي يقصد بها البيان والتشريع , كأفعال الصلاة والحج .. فحكم هذا القسم تابع لما بيّنه فإن كان المبيِّن واجبا كان الفعل المبيَّن له واجبا , وإن كان مندوبا فمندوب. (معالم أصول الفقه(129-132)والواضح وأفعال الرسول للأشقر (1/224-236).
رابعا حجية تقريره صلى الله عليه وسلم:
والأصل في حجية إقراره أنه يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة , إذ سكوته يدل على جواز ذلك الفعل أو القول بخلاف سكوت غيره.
خامسا حجية تركه صلى الله عليه وسلم :
والمقصود بالترك : تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور .
والترك نوعان بالنسبة لنقل الصحابة رضي الله عنهم له:
1) التصريح بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله , كقول الصحابي في صلاة العيد : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا إذان ولا إقامة.(أبو داود1144).
2) عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله النبي صلى الله عليه وسلم لتوفرت هممهم ودواعيهم , أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله للأمة , فحيث لم ينقله واحد منهم ألبته , ولا حدَّث به في مجمع أبدا عُلم أنه لم يكن .
وذلك كتركه صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية عند دخوله الصلاة .
وتركه صلى الله عليه وسلم لفعل من الأفعال يكون حجة , فيجب ترك ما ترك كما يجب فعل ما فعل بشرطين(مجموع الفتاوى26/172) اقتضاء الصراط المستقيم (2/591-597) صحيح البخاري (7290,6925,6924,2010) :
الشرط الأول : أن يوجد السبب المقتضي لهذا الفعل في عهده صلى الله عليه وسلم وأن تقوم الحاجة إلى فعله.
الشرط الثاني : انتفاء الموانع وعدم العوارض.
وبالجملة : فإن تركه صلى الله عليه وسلم الفعل لعدم وجود المقتضي له , فهذا الترك لا يكون سنة , بل إذا قام المقتضي ووجد"بشرط ألا يكون وجود هذا المقتضي إنما حصل بتفريط الناس" . كان فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مشروعا غير مخالف لسنته كقتال أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة , بل إن هذا العمل يكون من سنته لأنه عمل بمقتضى سنته صلى الله عليه وسلم .
الحالة الثانية : أن يترك صلى الله عليه وسلم الفعل مع وجود المقتضي له بسبب قيام مانع , كتركه صلى الله عليه وسلم فيما بعد قيام رمضان جماعة بسبب خشيته أن يكتب - يفرض - على أمته.
الحالة الثالثة : أن يترك الفعل مع وجود المقتضي له وانتفاء الموانع . فيكون تركه صلى الله عليه وسلم - والحالة كذلك - سنة كتركه صلى الله عليه وسلم الأذان لصلاة العيدين.
وبالجملة : فالسنة التركية أصل عظيم وقاعدة جليلة , بها تحفظ أحكام الشريعه , ويغلق باب الابتداع في الدين , إذ ترك النقل , نقل للتركوانظر(معالم في أصول الفقه (136-137), وأفعال الرسول للأشقر.
والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41615
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41615