الفوائد الملتقطة في الرد على من زعم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة!
المشروع الخرافي لجماعة العدل والإحسان
ورؤية النبي صلى الله عليه و سلم يقظة
المشروع الخرافي لجماعة العدل والإحسان
ورؤية النبي صلى الله عليه و سلم يقظة
أبو إسحاق نورالدين درواش
a-ishaq@maktoob.com
a-ishaq@maktoob.com
اغتنمت جماعة العدل والإحسان دعوة إحدى الهيئات الشعب المغربي للخروج في مسيرة"تضامنية"مع الشعبين الشقيقين العراقي والفلسطيني لتنزل بثقلها في هذه المسيرة ومن تم تستغلها فرصة ثمينة من أجل الظهور في خرجة إعلامية هي الأولى من نوعها بعد أحداث السادس عشر من ماي الأليمة حيث حالت الظروف التي أعقبتها دون استمرار أنشطتها الحماسية والثورية التي أبانت التجربة فضلا عن نصوص الكتاب والسنة أنها لا تروي غليل الأمة ولا تشفي عليلها وإنما هي حقنة مهدئة يتجرعها المسلمون ثم يعودون إلى سبات عميق لا يستيقظون منه إلا مع وقع صدمة أخرى تتلقاها الأمة من أعدائها يتناولون على إثرها جرعة أخرى وهكذا دواليك.
إلا أن الداهية الدهياء والمصيبة العظيمة هي ما صدر بعد هذه المسيرة من زعم أناس كثر من المشاركين في المسيرة ومن المنضوين تحت حزب ياسين أنهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسيرة وكنت أعتقد أن الجماعة ستكتفي بدس هذه المعتقدات الباطلة بين صفوف مريديها في الخفاء وأنها لن تجرأ على نشرها في منابرها الإعلامية المعروفة، كان هذا طني، لكني أصبت بذهول عندما زرت موقعي الجماعة (www.yassine.net) و (www.aljamaa.com) حيث وجدت شريطا مصورا خاصا بالمسيرة المذكورة وفي أثناء هذا الشريط أصوات من حكوا أنهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يخرج من اللافتات ويبشر بالنصر وأخرى يطوف على الحافلات موزعا التمر ... إلخ
كما وجدت نماذج أخرى من هذه المشاهدات الشيطانية والمكاشفات الإبليسية مكتوبة في كلا الموقعين.
لقد وصل عبد السلام ياسين وتبعا له مجلس الإرشاد إلى مرحلة أصبح معها موقنا إخلاص المريدين والدراويش من أعضاء الجماعة وهذه"ثمرة"لم تأت صدفة إنما جاءت نتيجة جهود مضنية قام بها هذا الشيخ من أجل تطويع كل من له الرغبة في العمل تحت لواء الجماعة، فقد سبق له أن قرر لجماعته عصمة الأولياء - الذين يعتقد أنه واحد منهم – ووجوب طاعتهم فقال في كتابه"الإحسان الرجال"ص 56 : (إن إسلاس القياد لولي مرشد ييدلك على الطريق شرط في السلوك وما كان لولي أن يأمر إلا بحق) وهذا ولا شك مخالف لنصوص القرآن والسنة التي جاءت قاضية بعدم عصمة أحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كما في مثل قوله عليه السلام : (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)"رواه ابن ماجة برقم 4251 وحسنه الألباني"وأن الله لم يتعبدنا بالطاعة المطلقة إلا له ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال إمامنا مالك : (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبره صلى الله عليه وسلم .
كما سبق لياسين أن هيأ الجماعة لخبر خطير – ما زلنا ننتظره – وهو أن ياسين كشفت له حجب الغيب وأصبح يقرأ في اللوح المحفوظ، قال في كتابه"تنوير المومنات ج 1 ص 290": (مالي أتغذى من فتات موائد الكرام ولا أبحث كما بحثوا لأزاحم بالركب، كبار الصوفية كالغزالي ينظرون في اللوح المحفوظ، فما مقامي أنا في ظلمة الجهل، وابن تيمية يقرأ في اللوح المحفوظ وينبئ بغيب المستقبل) هذا والله عز وجل يقول : (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله).
فاللوح المحفوظ كما هو اسمه محفوظ عن علم المخلوقين، وأجمعت الأمة على أنه لا يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وعلى أنه من زعم الرؤية في اللوح المحفوظ لنفسه أو لغيره فقد كفر. فأي انحراف هذا الذي يبثه الرجل في عقول شباب المسلمين المساكين الذين حيل بينهم وبين العقيدة الصحيحة النابعة من كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وأله وسلم والله المستعان.
هذان مثالان عن الانقياد الفكري والعقدي الذي جناه ياسين من تربيته للجماعة، أما الانقياد العملي فقد خرج منه المخلصون من عناصر الجماعة بتفوق ونجاح باهرين ونالوا بذلك رضا"سيدي عبد السلام"???!!!!! وذلك حين أصدر أمره السامي المطاع مستنفرا كل المريدين للنزول إلى الشواطئ العمومية على ما فيها من عري وسفور وفسق وفجور لا يخفى على العميان فضلا عن المبصرين.
لقد كان هؤلاء الأعضاء ساعات فقط قبل صدور هذا الأمر يعتبرون النزول إلى الشواطئ العمومية من المعاصي والموبقات وكبائر الذنوب، فتحول بين عشية وضحاها إلى واجب، وجهاد، وتغيير للمنكر، إلى غير ما هنالك من الأوصاف التي وصفوا بها هذا العمل الشنيع وهذا التصرف الصبياني الفظيع، فليت شعري أي إسلام هذا الذي تضرب فيه النصوص بعرض الحائط لأنها خالفت رأي"السيد المرشد"وما تكون حجة المنساقين يوم القيامة يوم (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) يوم يقول القائلون : (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) يوم يقول القائل : (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا).
وعودا على بدء أقول : إنما صدر عن عناصر العدل والإحسان في الشريط وفي الموقعين المذكورين، من ادعائهم رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة، لينم عن تجذر عنصر الخرافة في الفكر الذي تربي عليه الجماعة عناصرها مما يستدعي الوقوف ضد هذا المد الأسطوري الذي يهاجم عقول شباب المسلمين، وذلك ببيان بطلان هذه الدعوى العارية عن أي دليل، وتفصيل ذلك في النقاط التالية :
1. - إن ادعاء رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة مستحيل شرعا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد مات، فادعاء حياته بعد موته وقبل يوم القيامة زخرف من القول وزور، ومخالفة صريحة لقوله تعالى: ( إنك ميت وإنهم ميتون )"الزمر 30"، ولا يشكل على ذلك أن الأنبياء أحياء في قبورهم وكذلك الشهداء ولا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه ترد عليه روحه حتى يرد السلام على من سلم عليه فإن تلك حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة، ولذا يقتصر في التعامل معها على ما وردت به نصوص الشرع.
2. - إن هذا القول مصادم لصريح المعقول، قال الإمام القرطبي رحمه الله : (وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم منه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده، فلا يبقى في قبره منه شيء فيزار مجرد القبر، ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل)"فتح الباري ج 12 ص 480".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه"قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 44": (وبعض من رأى هذا – أو صدق من رآه – اعتقد أن الشخص الواحد يكون بمكانين في حالة واحدة فخالف صريح المعقول).
3. - لقد وقعت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقائع عظيمة وفتن مهيبة استدعت تدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان ممكنا، لكن هيهات هيهات بعدما غاب عن الحياة وفارق الدنيا ومات صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن تلك الأحداث الخلاف الذي وقع بين الصحابة فيمن يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وما وقع بين علي بن أبي طالب وأصحابه من جهة، وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عن الجميع من جهة أخرى وذلك في موقعة الجمل، وكذلك حرب صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وخلاف علي رضي الله عنه مع الخوارج وما سفك فيه من دماء المسلمين فلو ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة لكان منقذا من فتن كبيرة، ومع ذلك لم يحصل هذا الأمر فكيف يترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهور لأفضل الناس وأجلهم بعده رضي الله عنهم، ويترك أعظم المصالح المتمثلة في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم ثم يظهر في آخر الزمان لأناس رموا منهج القرآن والسنة خلفهم ظهريا، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على علو كعبه وجلالة قدره وشرف منزلته يقول : (ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفارقنا حتى عهد إلينا بهن عهدا ننتهي إليه : الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا)"رواه البخاري برقم 5588 ومسلم برقم 2322"فلو كان عليه السلام ظاهرا لأحد في يقظته لظهر لعمر ولأزال عنه الحزن الذي اعتراه بسبب عدم معرفته لتلك الأحكام، ولذلك لم يدع أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من القرون الثلاثة الفاضلة، ولا من العلماء المحققين رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة، فلا خير في قوم يظنون أنفسهم بالغي منزلة قصر عن الوصول إليها خيرة هذه الأمة، ورحم الله إمام دار الهجرة حيث قال لمن أراد أن يحرم قبل الميقات : (وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )"الاعتصام ج 1 ص 174"وأقول تبعا له رحمه الله (أي فتنة أعظم من أي يظن القوم أنهم سبقوا إلى فضيلة قصر عنها صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال رحمه الله (لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها)"الاعتصام ج 1 ص 349".
4. - معلوم عند أهل الاختصاص، كما نص عليه الحافظ في النخبة وغيره، أن من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام فهو صحابي، ولو سلم بهذا الادعاء « لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة »"فتح الباري ج12 ص 481"
وعليه فإني أنصح أحد مفكري الجماعة أن يؤلف لنا كتابا ليستدرك فيه على من صنف في تراجم الصحابة كالحافظ العسقلاني والحافظ ابن عبد البر، والإمام ابن الأثير، ليضيف أسماء من شاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة وإني لأستسمح هذا المؤلف في أن أقترح عليه العنوان التالي : « منتهى الغرور والهذيان في معرفة صحابة آخر الزمان » وها أنا أنتظر الرد بواسع الصبر ؟!
5. - لا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى أن بعض الإخوة والأخوات من الذين حكوا مشاهداتهم قد يكونون صادقين فيما حكوه، وهذا هو الظن بهم، لكن ينبغي أن يعلموا، هم وغيرهم أن هذا مدخل عظيم من مداخل الشيطان يلبس به على ضعاف العقول ومنحرفي العقيدة، وذلك بتصوير هذه الأمور على أنها من الكرامات، ليستدرجهم إلى طريق الهلاك عياذا بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وكل من رأى نبيا بعين رأسه فما رأى إلا خيالا)"الفرقان ص 138"انظر تفصيل القول في هذه القضية في مجموع الفتاوى ج 27 ص391/393.
6. - وأنا موشك على إتمام هذا الموضوع وقفت على مقال منشور بجريدة"الأيام"العدد 170، لصاحبه المدعو محمد بن الأزرق حاول فيه أن ينتصر لجواز رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة، لكن الناظر في مقاله يجده مليئا بالأخطاء والمغالطات والشبه والمجازفات التي – لولا خشية الإثقال على القارئ الكريم – لنسفتها واحدة واحدة بإذن الله، ومن أقوى الأدلة التي استدل بها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (من رآني في منام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي)"رواه البخاري برقم 6993"وهذا الاستدلال باطل، لأن قوله عليه السلام : فسيراني في اليقظة، خرج مخرج التشبيه، تشهد لذلك رواية مسلم برقم 2666/2 : (لكأنما رآني في اليقظة) انظر توجيهات أخرى للحديث والرد على من استدل به في الفتح ج 12 ص 481/482 وشرح النووي على مسلم ج 15 ص21/22.
ومن أخطاء هذا الكاتب نقله كذبا اتفاق العلماء على أن"ما جاز للنبي معجزة جاز للولي كرامة"وهذه فرية خطيرة، فهل يخرج علينا أتباع ياسين يوما فيزعمون أن أحد أوليائهم أسري به كما فعل بنبينا عليه السلام، أو أن أحدهم يحيي الموتى كما هي معجزة سيدنا عيسى عليه السلام، أو أن أحدهم يكلمه الله سبحانه وتعالى بلا واسطة كما حصل مع سيدنا موسى عليه السلام، ولا أقول أخشى أن يخرج علينا أحد أوليائهم بقرآن جديد، فكل ما جاز للنبي معجزة جاز لغيره كرامة !!!???? أوليس القرآن معجزة المعجزات، اللهم سلم سلم.
7. - إن محاولة المخالفين التمسح برسالة"تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك"والاستدلال بها محاولة فاشلة لأن السيوطي، على سعة اطلاعه رحمه الله، لم يذكر دليلا واحدا على هذا الأمر، لا صحيحا ولا ضعيفا، اللهم تأويله للحديث الآنف الذكر، وليعلم هؤلاء المروجون لرسالته أن الحجة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط أما كلام العلماء فيؤخذ منه ويرد، والعصمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما قيل : لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة، ثم إن الناظر في مؤلفات السيوطي يجد أن « معظمها تلخيص لما يقرأ وتبويب لما يطالعه، فهي تخلو من الأصالة والإبداع، وتغيب شخصيته العلمية في خضم الأقوال التي ينقلها، وكأنه تأثر بسمة عصره، فالإنسان ابن بيئته، ومن أمثلة ذلك أنه صنف رسائل ساير فيها ما شاع في عصره، كالأفكار الصوفية التي ليس لها عين ولا أثر في دين الله ولكنها توافق العامة، وهذه الطامة »"من ترجمة الشيخ سليم الهلالي للسيوطي مقدما بها تحقيق كتابه الزجر بالهجر ص 14".
وختاما أدعو الذين ما زال يراودهم الشك والريب حول منهج العدل والإحسان، وحول عقيدة شيخها عبد السلام ياسين أن يعرضوا أقواله على الكتاب والسنة مستعينين بما كان عليه السلف، مسترشدين بما ألف حوله، طارحين التعصب والتقليد والحماس الفارغ، فإنها لن تشفع لهم يوم القيامة، أسأل الله أن يرشد كل الباحثين عن الحق إلى طريقه وأن يوفقهم لسلوكها إنه سميع مجيب.
الجديدة في : فـاتح محـرم 1426 هـ
الموافق لـ 10 فبراير 2005م
والنقل
لطفــــــا .. من هنـــــــــــــــــا
http://www.khorafa.org/khorafa/ma9alat_main_display.php?m=6
لطفــــــا .. من هنـــــــــــــــــا
http://www.khorafa.org/khorafa/ma9alat_main_display.php?m=6