lor=red]]لا ترفعوا الآراء ونتائج الأفكار على سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لا ترفعوا الآراء ونتائج الأفكار على سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
يسألك إنسان عن حكم مسالة شرعية ، أو يحدث أمامك أمر يخالف السنة وعندما تجيب وتبين ما في هذا الأمر من حكم أو سنة من قول الله وقول رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تفجأ أحياناً من بعض المتعالمين من يقول لك : مَنْ مِنَ العلماء قال بهذا ؟ هل قال به أحد من العلماء ؟ وهذا السؤال مشروط بأن يكون من العلماء البارزين ، أو من العلماء الذين يعرفهم أو يميل إليهم .
حتى إنا سمعنا من قال : أنا اتبع العالم الفلاني ولو من غير دليل !!.
تقول له قال الله وقال رسوله ، ويقول لك من قال بهذا ؟
أبعد كلام الله وكلام رسوله كلام لأحد كائناً من كان ؟ ، ولاسيما عند وضوح الدليل وبيان النص .
قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه (13/339) : "وكانت الأئمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره ؛ اقتداءً بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
قال ابن عبد البرـ رحمه الله ـ في جامع بيان العلم وفضله (2/190) : " وقد أمر الله عز وجل بطاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتباعه أمرًا مطلقًا مجملاً، لم يقيد بشيء ـ كما أمرنا باتباع كتاب الله ـ ولم يقل وافق كتاب الله ، كما قال بعض أهل الزيغ " .
ولاشك أن ذكر أقوال أهل العلم واستدلالاتهم مفيد لطالب العلم ، لكن قولهم لا يلزم بدون دليل من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال الشافعي ـ رحمه الله ورضي عنه ـ في جماع العلم ص (11) : " وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله ، أو سنة رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
وإذا كانت المسألة ليس فيها قول لأحد من العلماء المشروط بهم ، هل يعني هذا أن الإنسان لا يُسلّم لنصوص الكتاب والسنة وهي الأصل في الاتباع والعمل والاعتقاد .
هل السنة يُسْتَدل لها من أقوال العلماء ، أم أقوال العلماء يُسْتَدل لها من السنة ؟
أين تعظيم الأخذ بالكتاب والسنة وهما الأصل والمعيارعند من يسأل عن الحق ويطلبه ؟
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله تعالى ـ في جامع بيان العلم وفضله (2/173) : " واعلم يا أخي أن السنة والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه ، وليس الرأي بالعيار على السنة ؛ بل السنة عيار عليه " . أهـ
وأفرد الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ لذلك بابًا في كتاب " الفقيه والمتفقه "(1/143) ، فقال : " باب تعظيم السنن ، والحث على التمسك بها ، والتسليم لها ، والانقياد إليها ، وترك الاعتراض عليها " ..
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في مختصر الصواعق ص (139) : " وقد كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال ، ولا يقرون على ذلك " .
إن هذا الأصل لابد له من تعظيم وتوقير وإجلال ، لأنه هو الدين وهو المصدر وعليه العمل والاعتقاد والسؤال عنه أمام رب العالمين :
قال تعالى : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) [المائدة 109 ].
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) [القصص 65] .
ماذا أجبتم المرسلين ؟ لا ، ماذا أجبتم فلاناً أو فلاناً ؟
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في مدارج السالكين ( 2 / 387 ) : " ومن الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أن لا ترفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال ، فما الظنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ؟! أترى ذلك موجباً لقبول الأعمال ، ورفعَ الصوت فوق صوته موجباً لحبوطها ؟! .
ومن الآداب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أن لا يُسْتَشْكَلَ قولُهُ ، بل تُسْتَشْكَلُ الآراء لقوله ، ولا يعارضَ نصُّه بقياس ، بل تُهدرُ الأقيسةُ وتُلغَى لنصوصه ، ولا يُحَرَّفَ كلامُه عن حقيقته لخيالٍ يُسميه أصحابه معقولاً ، ولا يُوقَفَ قبولُ ما جاء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع موافقة أحد ، فكل هذا من قلة الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو عين الجرأة " . أهـ .
وما طَرَقت البدعةُ بابَ الدين وَوَلَجت على أصحابها إلا عندما أعرضوا عن نصوص الكتاب والسنة واستحسنوا أشياء لا دليل عليها ، وأساؤا فهم النصوص والأخذ بها والتسليم لها ولم يسترشدوا بسلف الأمة وكيف كان منهجهم في ذلك فكان عملهم عين الجرأة على كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومن عظيم فقه الإمام الحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، صاحب السنن أن عقد باباً في سننه (1/116) قال فيه : "باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث فلم يعظمه ولم يوقره ".
وأخرج ـ رحمه الله ـ في سننه (1/117) :
(444) أخبرنا محمد بن حميد ، حدثنا هارون هو ابن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الزبير بن عدي ، عن خراش بن جبير قال : رأيت في المسجد فتى يخذف ، فقال له شيخ : لا تخذف ، فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن الخذف . فغفل الفتى ، فظن أن الشيخ لا يفطن له ، فخذف ، فقال له الشيخ : أحدثك أني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهى عن الخذف ، ثم تخذف ؟ والله لا أشهد لك جنازة ، ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدا . فقلت لصاحب لي يقال له مهاجر : انطلق إلى خراش فاسأله . فأتاه فسأله عنه ، فحدثه .
(445) أخبرنا سليمان بن حرب : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن مغفل ـ رضي الله عنه ـ قال : نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الخذف . وقال : إنها لا تصطاد صيداً ، ولا تنكي عدواً ، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين . فرفع رجل ـ بينه وبين سعيد قرابة ـ شيئاً من الأرض ، فقال : هذه ، وما تكون هذه ؟ فقال سعيد : ألا أراني أحدثك عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم تهاون به ؟ لا أكلمك أبدا .
(446) : أخبرنا مروانُ بنُ محمدٍ ، حدثنا إسماعيلُ بنُ بشرٍ ، عن قتادَةَ ، قال : حدثَ ابنُ سيرينَ رجلاً بحديثٍ عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ، فقال رجلٌ : قالَ فلانٌ كذا وكذا ، فقال ابنُ سيرينَ : أحدِّثُكَ عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وتقولُ قالَ فلانٌ وفلانٌ : كذا وكذا ، لا أُكَلِّمُكَ أبداً .
(448) أخبرنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها . فقال فلان بن عبد الله : إذا والله أمنعها . فأقبل عليه ابن عمر فشتمه شتمة لم أره شتمها أحداً قبله قط . ثم قال : أحدثك عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقول : إذا والله أمنعها ؟.
(449) أخبرنا محمد بن حميد : ثنا هارون بن المغيرة ، عن معروف ، عن أبي المخارق قال : ذكر عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : نهى عن درهمين بدرهم فقال فلان : ما أرى بهذا بأساً يداً بيد . فقال عبادة : أقول قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتقول : لا أرى به بأسا ؟ والله لا يظلني وإياك سقف أبدا ).
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ :
العِلـمُ قال الله قال رسوله *** إن صَحَّ والإجماعُ فاجهد فـيه
وحذارِ مِن نصب الـخلاف جهالةً *** بـين الرسول وبـين رأي فقـيهِ
الوافي بالوفيات (525) .( ترجمة الإمام الذهبي ) .
وأختم القول بهذه المناظرة بين الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، والإمام إسحاق بن راهوية ـ رحمهما الله ـ :
قال الإمام النووي في المجموع (9/299) :
" رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ ، وَرَأَيْتُإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَاضِرَيْنِ ، فَقَالَ أَحْمَدُلِإِسْحَاقَ : تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ مِثْلَهُ .
فَقَالَ إِسْحَاقُ : لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ ؟
فَقَالَ : نَعَمْ .
فَجَاءَ بِهِفَوَقَفَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إلَى أَنْ قَالَ:
ثُمَّتَقَدَّمَ إِسْحَاقُ إلَى مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ كِرَاءِ بُيُوتِمَكَّةَ ؟
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ ، قَالَ رَسُولُاللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْدَارٍ ؟ " .
فَقَالَ إِسْحَاقُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ وَعَطَاءٌ ، وَطَاوُوسٌ لَمْيَكُونَا يَرَيَانِ ذَلِكَ .
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِبَعْضِ مَنْ عَرَفَهُ:مَنْ هَذَا ؟
قَالَ : هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّالْخُرَاسَانِيُّ .
فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ : أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ أَهْلُخُرَاسَانَ أَنَّكَ فَقِيهُهُمْ ؟
قَالَ إِسْحَاقُ : هَكَذَا يَزْعُمُونَ!
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُكَ فِي مَوْضِعِكَفَكُنْتُ آمُرُ بِفِرَاكِ أُذُنَيْهِ ، أَنَا أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، وَأَنْتَ تَقُولُ : قَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُوَإِبْرَاهِيمُ ، هَؤُلَاءِ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ ؟ وَهَلْ لِأَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حُجَّةٌ ؟ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا .
ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ) أَفَتُنْسَبُ الدِّيَارُإلَى مَالِكِينَ أَوْ غَيْرِ مَالِكِينَ ؟
فَقَالَ إِسْحَاقُ : إلَى مَالِكِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ الْأَقَاوِيلِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " ، وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ دَارَ الْحَجَّامِينَ .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ لَهُ جَمَاعَةً مِنْأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ .
فَقَالَ لَهُإِسْحَاقُ : ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) .
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ:قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) وَالْمُرَادُ الْمَسْجِدُ خَاصَّةً ، وَهُوَالَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ لَكَانَ لَا يَجُوزُلِأَحَدٍ أَنْ يَنْشُدَ فِي دُورِ مَكَّةَ وَفِجَاجِهَا ضَالَّةً ، وَلَا يَنْحَرَفِيهَا اُلْبُدْنَ ، وَلَا يُلْقِيَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ ، وَلَكِنْ هَذَا فِيالْمَسْجِدِ خَاصَّةً .
فَسَكَتَ إِسْحَاقُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ.
فَسَكَتَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ " . أهـ
رحمهما الله .. هكذا يكون العلم وتعظيم قول الله وقول رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أسأل الله لي ولكم العلم النافع ، والعمل الصالح ..
والنقل
لطفا من هنا
http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=163584
[/size]