ليس كل ما يُعلم مما هو حق يُطلب نشره للإمام أبي إسحاق الشاطبي (ت 790)
ليس كل ما يُعلم مما هو حق يُطلب نشره
للإمام
أبي إسحاق الشاطبي (ت 790)
ليس كل ما يُعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علمالشريعة، ومما يفيد علمًا بالأحكام، بل ذلك ينقسم؛ فمنه ما هو مطلوب النشر،وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشرهبالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص.
ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها، فإن الله ذم مناتبعها، فإذا ذكرت وعرضت للكلام فيها، فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه،وقد جاء في الحديث عن علي: « حدِّثوا الناسَ بما يفهمون،أتريدون أن يكذَّبَ اللهُ ورسوله؟ »[البخاري (127): باب من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا].
وفى "الصحيح" عن معاذ أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يامعاذ! تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله ...»الحديث إلى أن قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟قال: «لاتبشرهم فيتكلوا»[البخاري (397)].
وفى حديث آخر عن معاذ في مثله قال: «يارسول الله! أفلا أخبر بها فيستبشروا؟»فقال: «إذاً يتكلوا»[البخاري (128)].
قال أنس: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا » ...
وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف؛ قال: «لوشهدت أمير المؤمنين أتاه رجل، فقال: إن فلانًا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانًا. فقال عمر: «لأقومَنَّ العشيَّةَ فأحذِّرهؤلاء الرهط الذين يريدون أنْ يغصبوهم».
قلت:« لا تفعل، فإن الموسم يجمع رَعاعَ الناس ويغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها؛ فيطيروا بها كلمُطَيِّر، وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة، فتخلُص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ويحفظوا مقالتك ويُنزِّلوها على وجهها». فقال: «والله لأقومَنَّ به في أول مَقام أقومه بالمدينة»[البخاري (7323)]الحديث.
ومنه أن لا يذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهي، بليربِّي بصغار العلم قبل كباره، وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيابها وإن كانت صحيحة في نظر الفقه، كما ذكر عز الدين بن عبد السلام في مسألةالدور في الطلاق، لما يؤدي إليه من رفع حكم الطلاق بإطلاق، وهو مفسدة.
من ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه وحِكَم التشريعات ، وإن كان لها علل صحيحة وحِكَم مستقيمة، ولذلك أنكرت عائشة على من قالت: لِمَ تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ وقالت لها: « أحروية أنت؟» [البخاري (321)]
وقد ضرب عمر بن الخطاب صبيغًا وشردبه لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل، وربماأوقع خبالاً وفتنة وإن كان صحيحًا، وتلا قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾[عبس: 31]. فقال: هذه الفاكهة؛ فما الأبُّ؟ ثمقال: « ما أمرنا بهذا».
إلى غير ذلك مما يدل على أنه ليس كل علم يبث وينشر وإنكان حقًا. وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعلمًا ما تكلم فيها ولاحدَّث بها، وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عمل، وأخبر عمن تقدَّمه أنهمكانوا يكرهون ذلك، فتنبه لهذا المعنى.
وضابطه :
أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها؛ فانظرفي مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة؛ فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها؛ فلك أن تتكلم فيها إما على العمومإن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقةبالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفقالمصلحة الشرعية والعقلية.
من كتاب الموافقات ( 5 / 167)
والنقل
لطفا من هنا
http://www.meenhaj.com/vb/showthread.php?t=6880