الهدية رقم "115" لكل شيعي .
الوضـــوء
أحمــد: السلام عليكم ورحمة الله... أهلًا بك يا محمد.
محمــد: وعليكم السلام... مرحبًا بك يا أخ أحمد.
أحمــد: ما زلت أراك تمسح على قدميك في الوضوء، في حال نزع الجوربين، وأنت تعلم أن هذا الأمر مخالف لآية الوضوء!
محمــد: ولكن القراءة الصحيحة للآية بينت أن المسح للأقدام هو الصحيح في الوضوء.
أحمــد: لنفصل القول في هذه القضية، إذ إن صحة الوضوء فيه صحة لصلاتنا، والآية الكريمة من قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)) [المائدة:6] فيها قراءتان لكلمة (أرجلكم): بالكسر لحرف اللام، عطفًا على المسح، وبالفتح عطفًا على الغسل، وكلاهما تأكد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل رجليه بالماء إلى الكعبين، ويأمر أصحابه بذلك.
والمسح قد ثبت في البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: {دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين}، ومسح على خفيه.
محمــد: هذا عن المسح، ولكن الأحاديث الواردة في غسل الرجلين كما نص عليها مراجعنا الأفاضل جميعًا لم تثبت وغير صحيحة.
أحمــد: التصحيح والتضعيف لا يثبت بدون بحث عن حال الرواة ومتن الحديث، وإلا فقد جاء في مسند أحمد عن أنس رضي الله عنه: {أن رجلًا توضأ وترك على قدمه موضع الظفر لم يصبه الماء، فأمره أن يحسن الوضوء}.
وأحاديث بيان كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم منتشرة ومتواترة في كتب الحديث والفقه المعتمدة.
محمــد: لعل هذه الروايات ضعيفة، وخالف فيها الإخوة السنة الصحيح في المذهب الشيعي.
أحمــد: إن كانت الروايات ضعيفة لأنها وردت في كتب أهل السنة، فاعلم أن الأمر ثابت في كتب الشيعة أيضًا، وموافق للحكم الذي جاء عند أهل السنة، فلقد جاء في كتاب الغارات للثقفي (1/244)، ومستدرك الوسائل (1/44): أن عليًا كتب إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر... {{ثم الوضوء فإنه من تمام الصلاة، اغسل كفيك ثلاث مرات، وتمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاث مرات، واغسل وجهك ثلاث مرات، واغسل يديك ثلاث مرات إلى المرافق، ثم امسح رأسك، ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات، ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات، فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يتوضأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الوضوء نصف الدين}}.
وجاء في كتاب الاستبصار للطوسي (1/ 65) بسنده عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: {جلست أتوضأ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتدأت في الوضوء فقال لي: تمضمض واستنشق واستن ثم اغسل ثلاثًا، فقال: قد يجزيك من ذلك المرتان، فغسلت ذراعي ومسحت رأسي مرتين، فقال: قد يجزيك من ذلك المرة، وغسلت قدمي، فقال لي: يا علي، خلل بين الأصابع لا تخلَّل بالنار}.
وهذا الأثر ذكر أيضًا في تهذيب الأحكام (1/93) ووسائل الشيعة للحر العاملي (1/ 296).
محمــد: الذي بلغني عن العلماء الثقات والأئمة العدول أن جميع الأحاديث الواردة في غسل الرجلين باطلة، ولا يلتفت إليها.
أحمــد: الكتب السابقة هي الكتب التي ينبغي الرجوع إليها في الخلاف، وليست الكتب المعاصرة التي غالب أهلها قليلو البضاعة في العلم، والغسل للرجلين جاء في أصح كتب الشيعة وهو فروع الكافي (3/ 35)، فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {{إذا نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك، فأعد غسل وجهك ثم ذراعك بعد الوجه، فإن أنت بدأت بذراعك اليسرى قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثم اغسل اليسار، وإن أنت نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك}}، وهذه الرواية ذكرها الطوسي في تهذيب الأحكام (1/99).
فالأمر واضح جلي لا لبس فيه لمن سعى خلف الحق وأخلص النية، ولم يتبع قول ذلك الذي ينكر كل شيء، وينقاد فقط خلف هواه ومعتقده وإن جانب الصواب.
التكتف في الصلاة
محمــد: لا أعلم لماذا تتكتفون في الصلاة، وتضعون أيديكم اليمنى على اليسرى، وهذا الأمر لم تأت به الشريعة؟!
أحمــد: المسلم يعلم يقينًا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويتذكر في الصلاة الحديث الصحيح المشهور: {صلوا كما رأيتموني أصلي}، ومن المعلوم بداهة في الدين الإسلامي أن أشهر عبادة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة، وقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم هذا الأمر، مثل ما ذكر البخاري في صحيحه تحت باب: (وضع اليمنى على اليسرى) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: {كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة}.
وجاء أيضًا في سنن أبي داود حديث: {إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة}، وأخرج الإمام أحمد بن حنبل من حديث قبيصة عن أبيه قال: {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته يضع هذه على صدره، ووضع يحيى -راوي الحديث- اليمنى على اليسرى فوق المفصل}.
محمــد: وماذا تقول للذي لا يفعل هذا الأمر؟
أحمــد: الأمر لا يبلغ إلى حد اللوم أو الجهالة على المسلمين، كما جاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني (1/186): (التكفير هو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يضعه غيرنا -أهل السنة- ولا بأس به حال التقية).
بل نعذره؛ لأن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة من المستحبات وليس من الواجبات أو الأركان، ولكن يحذر المسلم أن لا يطبق شيئًا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وفعله فقط لأجل مخالفة من يكره ممن هو على غير مذهبه، فالحق أحق أن يتبع.
بناء المساجد
محمــد: ما زلت أعجب لحال البعض من إخواننا السنة، على معارضتهم الدائمة لإخوانهم الشيعة، من السماح لهم ببناء مساجد لهم.
أحمــد: وأنا أيضًا أخي الكريم، أعجب من إخواننا الشيعة في استمرار مطالبتهم للحكومة في بناء مساجد لهم!
محمــد: سبحان الله! وهل تريد أن تمنع مساجد الله من أن يذكر فيها اسم الله وأن يعبد فيها؟
أحمــد: من خلال الحوار الذي يجري بيننا، هل تشعر أن هناك اختلافًا بين الشيعة والسنة يا أخ محمد؟
محمــد: وفق ما ذكرت من دلائل، فليس هناك فرق، ولله الحمد.
أحمــد: إذًا، لم الحاجة في تخصيص مسجد للسنة وآخر للشيعة، وأنت قد علمت على ضوء ما تم نقاشه، كيف أن الدين واحد، والهدي النبوي واحد، فلم التفرق؟
محمــد: وهل تظن أن الإخوة الشيعة لو دخلوا مسجدًا من مساجد السنة، فسيجدون الترحاب وعدم الإنكار؟
أحمــد: أقسم بالله، إنهم سيجدون كل محبة وتوقير لكل من يدخل بيت الله طائعًا لله، يريد عبادة الله والصلاة له سبحانه، وفق هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووفق ما نقله إلينا أحبابه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
محمــد: ولكن الواقع يخبرنا بأن صلاة الشيعة ووضوءهم يختلف عن إخواننا السنة!
أحمــد: من خلال هذا الحوار الذي نستمتع به، هل أجدك مقتنعًا بهذا الواقع المخالف للأدلة من كتب العلماء المعتمدة، أم أنك تعتمد على تلك الروايات التي تفرق بين المسلمين؟
محمــد: لا والله، أنا على اقتناع بما نقله إلينا العلماء في كتب الحديث المعتمدة، كالكافي، ومن لا يحضره الفقيه وغيرها، بل إن جمع شمل أهل الإسلام هو أقصى ما أتمناه في هذه الساعة.
أحمــد: وعلى هذا تعلم يا أخي محمد، أن من يعارض إقامة مساجد منفصلة للشيعة، إنما يعارض هذا التنافر في جعل أهل القبلة الواحدة يتفرقون في أعظم العبادات وهي الصلاة، ويتمكن من بعد ذلك الشقاق والتنافر بين الجيران من الشيعة والسنة، وليس القصد من المعارضة الوقوف في وجه إخوة لهم في المنطقة الواحدة، وهل قرأت عن مسجد تم بناؤه من قبل الحكومة أنه خصص لطائفة معينة دون غيرها؟
وأيضًا أليست دلالة الاتحاد والتماسك في القلوب تتمثل باتحادنا في باطننا، والذي يتحقق بالصلاة والدعاء في بيت واحد يجمع أهل الحي الواحد، وفق ما ثبت لنا بالنص الصحيح عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونقله إلينا الصحابة رضي الله عنهم.
تربـة السجــود
محمــد: أعجب منكم أيها السنة من سجودكم على السجاد والملبوس من الثياب، ولا تسجدون على الأرض مباشرة.
أحمــد: ولم كل هذا الاستغراب، ولم يأت نص بالنهي عن السجود على شيء معين إلا النجاسات؟!
محمــد: وما قولك في حديث: {وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا}.
أحمــد: حديث صحيح ويعمل به، ولكن أين التخصيص والتقييد بأن السجود لا يكون إلا على الشيء الذي لا يلبس أو يؤكل؟ فالحديث فيه دلالة على أن السجود يكون مقبولًا على كل شيء، فإن الصلاة ليست مقصورة ومقبولة فقط في المساجد بل تستطيع أن تؤدي الصلاة في أي مكان في الأرض إن كان طاهرًا.
محمــد: النبي صلى الله عليه وسلم كان مسجده من الحصى، ومن سعف النخيل -الحصير- وكانت عنده الأموال فلم يفرش المساجد بالسجاد، ولم يثبت عنه أو عن أحد من الصحابة أنه سجد على الثياب.
أحمــد: النبي صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس، ومسجده لم يكن له سقف يمنع من دخول المطر وأشعة الشمس، وقد ثبت عند البخاري في صحيحه عن أنس أنه قال: {{كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه}}.
فالأمر فيه سعة ويسر، وليس فيه تخصيص لشيء دون شيء، ولكني أعجب ممن منعوا السجود على البساط، وفضلوا تربة من الأرض على غيرها من الأراضي!
محمــد: أتعني ما يضعه الشيعة تحت جباههم حال السجود، فهذا الأمر كل ما فيه أنهم لا يستطيعون تغيير ما في المساجد من سجاد، فيضعون هذه التربة حتى لا يقعوا في المحذور من السجود على القماش.
أحمــد: يا ليت الأمر اقتصر على مثل هذا المفهوم، ولكن آل الأمر بأن يعتقد فئة من الشيعة بأن هذه التربة لها قداسة خاصة بها.
محمــد: هذا افتراء عظيم ليس لك عليه من دليل.
أحمــد: جاء في بحار الأنوار (101/118) روايات قاربت ثلاثًا وثمانين رواية دالة على أن تربة كربلاء لها فضل عظيم جدًا، ومن ذلك أن رجلًا أتى إلى أبي عبد الله فقال: {{إني رجل كثير العلل والأمراض، وما تركت دواء إلا تداويت به، فقال لي: أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي، فإن فيه شفاء من كل داء، وأمنًا من كل خوف؟!}}.
فالأمر ابتدأ بعدم السجود على أمر مخصوص، فجرنا إلى البديل وهو تربة الحسين، ومما جاء في فضل هذه التربة ما ذكر في بحار الأنوار عن أبي عبد الله قال: {{حنكوا أولادكم بتربة الحسين؛ فإنه أمان}}.
وجاء في مصباح المتهجد للطوسي (ص:511) وبحار الأنوار (101/135) بأنها تخرق الحجب السبعة.
ولو كان هذا الأمر صحيحًا ومشروعًا أما كان ينبغي أن يكون هذا الفضل لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو حتى لقبر علي أو الحسن رضي الله عنهما؟؟ ولكن الجهل يعمي ويصم.
محمــد: هب أن المسلم لم يسجد على تربة الحسين، فهل هناك من أفتى بإمكان السجود على ما يؤكل أو يلبس؟
أحمــد: المسلم متبع وليس مبتدعًا، فقد جاء في كتب الشيعة مثل: الاستبصار (1/332)، وتهذيب الأحكام (2/307)، ووسائل الشيعة (2/595) عن الحسين بن علي بن كيسان أنه قال: {{كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأل عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة، فكتب إليّ: ذلك جائز}}.
وجاء في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1/174) ووسائل الشيعة (3/609) عن الصادق أنه قال: {{السجود على الأرض فريضة، وعلى غير ذلك سنة}}.
وإن كان الأمر غير جائز، فلماذا إذًا نجد مساجد الشيعة قد تم فرشها بالسجاد الفاخر، وبذلت الأموال الباهظة لهذا الأمر، وهو محرم عند كثير من رجال الدين الشيعة؟! مع العلم بأن جميع مساجد الشيعة مسقوفة، فلم لا يدعونها ترابًا ليتم تطبيق السجود الصحيح؟
فالأمر إذًا واضح جلي من جواز السجود على كل شيء طاهر معلوم.
الجمع بين الصلاتين
أحمــد: لا زلت أراك حريصًا على الجمع بين الصلوات، وإن لم يكن هناك من عذر أو حاجة ضرورية تدعوك إلى الجمع!
محمــد: حرص الشيعة على الجمع بين الصلوات في الأوقات المفروضة، نابع من تحريهم للحق الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم نجده يقابل بالاستنكار من بعض السنة؟ والشيعة فعلهم موافق تمامًا لقوله تعالى: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً )) [الإسراء:78]، وموافق للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: {جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر}.
أحمــد: الأحكام الشرعية نرجع فيها إلى المصادر الأصلية، وإلى فهم العلماء، فقد جاء في تفسير بيان السعادة للحاج سلطان الجنابذي الشيعي (2/450) ما يلي: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) [الإسراء:78] اللام بمعنى في، أي: في وقت دلوك الشمس وزوالها، ((إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)) [الإسراء:78] إلى شدة ظلمته، وفسر في الأخبار بانتصاف الليل، وقد بين الآية في الأخبار بالصلوات الأربع، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ((وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)) [الإسراء:78] وقت اجتماع الفجر باعتراضه في الأفق إشارة إلى صلاة الصبح).
محمــد: ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك خمس صلوات، اثنتان تؤديان في وقت متشابك، واثنتان في وقت متشابك آخر، ويتبقى لدينا الصبح تؤدى في وقت منفرد.
أحمــد: ما ذكرته قد يقوله من لم ينظر إلى بقية أقوال العلماء، فقد جاء في تفسير كنز الدقائق للميرزا محمد المشهدي القمي (5/584) بيان لتفصيل الصلوات في أوقاتها، فمن ذلك: (وفي من لا يحضره الفقيه: وروى بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: {{وأول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل، يعني نصف الليل}}.
ثم قال المشهدي: (وفي الكافي: ...عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: {{إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذًا لا يكذب علينا، قلت: ذكر أنك قلت: إن أول صلاة افترضها الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم الظهر، وهو قول الله عز وجل: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)) [الإسراء:78]، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك، ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة، وهو آخر الوقت، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر، فلم يزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين، وذلك المساء، فقال: صدق}}.
وراجع تفسير كنز الدقائق (5/486) لتقرأ حديث الحسن بن عبد الله عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب اليهود عن الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل للصلوات خمسة مواقيت.
محمــد: وما قولك في حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين الصلوات من غير عذر؟
أحمــد: ما ذكرت من الأدلة صحيح، ولكن ما شأنها مع الصلوات الخمس اليومية؟ لذا ينبغي علينا أن نتذكر الآتي:
1- الصلاة من أشهر العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، لهذا لم نجد لبسًا فيها عند الصحابة في شروطها وأركانها وواجباتها.
2- فعل النبي عليه الصلاة والسلام يوضح أو يخصص المجمل أو العام الذي في القرآن، والأوقات المذكورة في الآية هي الأوقات الأساسية، من حيث إن هناك صلاة للنهار وصلاة لليل، وصلاة بينهما وهي الفجر.
والتفصيل أتى من النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ما فصل في نصاب الزكاة، وكيفية الحج والعمرة، وعدد ركعات الصلاة، وغيرها من العبادات.
3- حديث ابن عباس ب واضح في أنه ذكر الحالات التي يباح الجمع فيها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الخوف والمطر، فلما فعل صلى الله عليه وسلم أمرًا جديدًا، بين ابن عباس السبب بقوله: (لئلا يحرج -يشق على- أمته).
محمــد: يفهم من هذا الأمر أنه لا حرج ولا لوم على من أخذ برخصة الجمع في الصلوات المفروضة اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أحمــد: الرخصة تؤخذ بقدرها، والجمع من غير سبب مسوغ على الدوام مخالف لما واظب عليه النبي عليه الصلاة والسلام، والدليل على ذلك ما جاء في الوسائل (5/227): أن أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه كتب لمحمد بن أبي بكر عندما ولاه على مصر: {{وانظر إلى صلاتك كيف هي، فإنك إمام لقومك، ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل، فإن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة فقال: أتاني جبريل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس، فكانت على حاجبه الأيمن، ثم أراني وقت العصر وكان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة, فصل لهذه الأوقات، والزم السنة المعروفة والطريق الواضح}}.
فإذا كانت هذه الآثار دالة على الفعل الصحيح، فعلى أي أساس إذًا يقوم الشيعة دائمًا بالجمع بين الصلاتين؟!
وهناك من يزعم أن عليًا رضي الله عنه قد رد الشمس من مغربها لأداء صلاة العصر، فهو إذًا يصليها لوحدها وليست جمعًا مع الظهر.
أليس من مظاهر توحد القلوب توحد الأفعال الظاهرة وتشابهها؟
علي ولي الله
محمــد: أجد من بعض الإخوة السنة امتعاضًا وعبوسًا في وجوههم، كلما رفع إخوانهم الشيعة النداء بالصلاة، دلالة منهم على استنكارهم لمقولة صادقة في الأذان وهي: (أشهد أن عليًا ولي الله).
أحمــد: إليك أخي الكريم بعضًا من الحقائق التي لابد أن تؤصل في النفوس:
1- الأذان عبادة توقيفية، وهو دعاء مخصوص، في وقت مخصوص، لسبب مخصوص، بكيفية مخصوصة، فلا زيادة ولا نقصان فيه، ولا شأن للنيات الطيبة في استحسان أو وضع ما تشاء في هذا الذكر المبارك.
2- الولاية هي محبة من الله تعالى لأحد عباده بسبب طاعته لله ولرسوله، والولاية ليست حصرًا على فرد دون غيره؛ لأننا نحتاج إلى سند شرعي على التخصيص، ولا يكون التحديد وفق هوى عاطفي.
والصحابة مرضي عنهم بنص القرآن، فهل نقحم أسماءهم في الأذان؟
3- البعض يضع اسم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الأذان بسبب الظلم الذي وقع عليه، وأن الخلافة قد اغتصبت منه، ومنذ متى كان الظلم سببًا مقنعًا للزيادة في النصوص الشرعية الثابتة؟ وإلا لكان أدنى ظلم دافعًا لصاحبه إلى قول ما يشاء على الله، والله يقول: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)) [آل عمران:31].
4- جاء في كتاب مستمسك العروة الوثقى لعلامة الشيعة السيد محسن الحكيم (5/437) ما يلي: (هذا هو الأذان الصحيح، لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارًا زادوا بها في الأذان (محمد وآل محمد خير البرية) مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أن محمدًا رسول الله) (أشهد أن عليًا ولي الله) مرتين.
ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أن عليًا أمير المؤمنين حقًا) مرتين، ولاشك أن عليًا ولي الله وأمير المؤمنين حقًا، وأن محمدًا وآله صلى الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان)، وهذا القول أيضًا مذكور في كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي (1/ 188).
5- لو أن كل مسلم أعلن في الأذان المبادئ التي يريد الإفصاح عنها، لكان الأذان بعد سنين عديدة يملأ مجلدًا أو عدة كتب، ولا يوافق على ذلك عاقل!
فعلى ضوء هذا، ينبغي علينا التقيد بما ورد، وكما نعلم فإن الأذان والصلاة والوضوء من أشهر العبادات التي وقعت في زمن النبوة، وعلمها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فما الذي خفي عليهم رضي الله عنهم فعلمه الذين من بعدهم؟
محمــد: الخلفاء الثلاثة الأول لم يظهروا هذا الأمر على الملأ من المسلمين.
أحمــد: جاء من بعدهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وحكم قرابة أربع سنوات، فما الذي منعه من أن يظهر هذا الأمر، وهو رضي الله عنه في الكوفة بين مناصريه ومؤيديه؟!
ولكنه رضي الله عنه تمسك بالحق، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليه من بعده الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أجمعين.
رؤيــة الهـــلال
محمــد: أرى من بعض السنة تساهلًا واضحًا في قضية تُعد عند جمع من العلماء من أهم الأحكام الفقهية، ألا وهي قضية وقت الصيام والإفطار في رمضان.
أحمــد: وكيف يقع مثل هذا التساهل إن التزم المسلم بالأحاديث الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كحديث: {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته}.
محمــد: نجد أن هناك من يستعجل بالإفطار قبل أن يدخل الليل، فما أن تغيب الشمس إلا ونجده يبادر فورًا إلى الأكل والشرب، وهذا مخالف لقوله تعالى: ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:187]، ومعلوم أن الليل إنما يتبين إذا انتشر في السماء.
أحمــد: هذا القول من أعجب ما سمعت، وللعلم فإنه مخالف لما ذهب إليه علماء الشيعة والسنة في كتبهم.
محمــد: لم أقل هذه المقولة إلا نقلًا عن الأئمة المعتبرين.
أحمــد: أنت لم تنقل هذه الفتوى مباشرة من الكتب، أليس كذلك يا أخ محمد؟
محمــد: الأمر كما تقول، فلقد سمعتها من أحد علماء الدين في الحسينية قبل رمضان، ونقلتها إليك كما حدثنا الشيخ.
أحمــد: يا ليتك رجعت وبحثت هذه القضية من أحد الكتب المعتمدة، والأمر الصحيح كما سأخبرك: جاء في وسائل الشيعة (7/90) عن الصادق قال: [[إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة]].
وروى الحر العاملي في الوسائل أيضًا (7/87) عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: [[وقت المغرب إذا غاب القرص]].
وجاء في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1/142) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل، فيصلون معه، ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم}.
ونقل الشيخ البروجردي في جامع أحاديث الشيعة (9/165) عن صاحب الدعائم قوله: (روينا عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بإجماع فيما علمناه من الرواة عنهم، أن دخول الليل الذي يحل الفطر للصائم هو غياب الشمس في أفق المغرب بلا حائل دونها يسترها من جبل أو حائط ولا غير ذلك، فإذا غاب القرص في الأفق فقد دخل الليل وحل الفطر).
بل أفعال الأئمة تشهد على حرصهم على هدي أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، مثل ما جاء في وسائل الشيعة (7/91) وجامع أحاديث الشيعة (9/166) عن حسين بن أبي العرندس قال: (رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام في المسجد الحرام في شهر رمضان، وأتاه غلام له أسود بين ثوبين أبيضين ومعه قلة وقدح، فحين قال المؤذن: الله أكبر، صب له وناوله وشرب).
محمــد: إذًا الإسراع في الفطر هو الأصل في هذه العبادة، والاحتياط على ضوء ما ذكرت تكلف في غير محله.
أحمــد: الاحتياط من العبد في دينه دليل على ورعه، وخوفه من الله، ولا يكون هذا الاحتياط بتأخير المواقيت أو تقديمها، كالإفطار والصلاة وغيرها، ولكن بالتأكد من سماع المؤذن وهو يعلن دخول المغرب، وبالتأكد من أن الفجر دخل بسماع الأذان، والمسلم مأمور باتباع ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ونقله إلينا الأئمة الأعلام، وليس هناك أجمل من توحد المسلمين في صلاتهم وصيامهم وفرحهم في الأعياد؛ ليكونوا جسدًا واحدًا، يسير وفق مرضاة الله، وعلى نور من الله، لينالوا حب الله سبحانه.
الوضـــوء
أحمــد: السلام عليكم ورحمة الله... أهلًا بك يا محمد.
محمــد: وعليكم السلام... مرحبًا بك يا أخ أحمد.
أحمــد: ما زلت أراك تمسح على قدميك في الوضوء، في حال نزع الجوربين، وأنت تعلم أن هذا الأمر مخالف لآية الوضوء!
محمــد: ولكن القراءة الصحيحة للآية بينت أن المسح للأقدام هو الصحيح في الوضوء.
أحمــد: لنفصل القول في هذه القضية، إذ إن صحة الوضوء فيه صحة لصلاتنا، والآية الكريمة من قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)) [المائدة:6] فيها قراءتان لكلمة (أرجلكم): بالكسر لحرف اللام، عطفًا على المسح، وبالفتح عطفًا على الغسل، وكلاهما تأكد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل رجليه بالماء إلى الكعبين، ويأمر أصحابه بذلك.
والمسح قد ثبت في البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: {دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين}، ومسح على خفيه.
محمــد: هذا عن المسح، ولكن الأحاديث الواردة في غسل الرجلين كما نص عليها مراجعنا الأفاضل جميعًا لم تثبت وغير صحيحة.
أحمــد: التصحيح والتضعيف لا يثبت بدون بحث عن حال الرواة ومتن الحديث، وإلا فقد جاء في مسند أحمد عن أنس رضي الله عنه: {أن رجلًا توضأ وترك على قدمه موضع الظفر لم يصبه الماء، فأمره أن يحسن الوضوء}.
وأحاديث بيان كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم منتشرة ومتواترة في كتب الحديث والفقه المعتمدة.
محمــد: لعل هذه الروايات ضعيفة، وخالف فيها الإخوة السنة الصحيح في المذهب الشيعي.
أحمــد: إن كانت الروايات ضعيفة لأنها وردت في كتب أهل السنة، فاعلم أن الأمر ثابت في كتب الشيعة أيضًا، وموافق للحكم الذي جاء عند أهل السنة، فلقد جاء في كتاب الغارات للثقفي (1/244)، ومستدرك الوسائل (1/44): أن عليًا كتب إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر... {{ثم الوضوء فإنه من تمام الصلاة، اغسل كفيك ثلاث مرات، وتمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاث مرات، واغسل وجهك ثلاث مرات، واغسل يديك ثلاث مرات إلى المرافق، ثم امسح رأسك، ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات، ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات، فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يتوضأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الوضوء نصف الدين}}.
وجاء في كتاب الاستبصار للطوسي (1/ 65) بسنده عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: {جلست أتوضأ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتدأت في الوضوء فقال لي: تمضمض واستنشق واستن ثم اغسل ثلاثًا، فقال: قد يجزيك من ذلك المرتان، فغسلت ذراعي ومسحت رأسي مرتين، فقال: قد يجزيك من ذلك المرة، وغسلت قدمي، فقال لي: يا علي، خلل بين الأصابع لا تخلَّل بالنار}.
وهذا الأثر ذكر أيضًا في تهذيب الأحكام (1/93) ووسائل الشيعة للحر العاملي (1/ 296).
محمــد: الذي بلغني عن العلماء الثقات والأئمة العدول أن جميع الأحاديث الواردة في غسل الرجلين باطلة، ولا يلتفت إليها.
أحمــد: الكتب السابقة هي الكتب التي ينبغي الرجوع إليها في الخلاف، وليست الكتب المعاصرة التي غالب أهلها قليلو البضاعة في العلم، والغسل للرجلين جاء في أصح كتب الشيعة وهو فروع الكافي (3/ 35)، فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {{إذا نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك، فأعد غسل وجهك ثم ذراعك بعد الوجه، فإن أنت بدأت بذراعك اليسرى قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثم اغسل اليسار، وإن أنت نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك}}، وهذه الرواية ذكرها الطوسي في تهذيب الأحكام (1/99).
فالأمر واضح جلي لا لبس فيه لمن سعى خلف الحق وأخلص النية، ولم يتبع قول ذلك الذي ينكر كل شيء، وينقاد فقط خلف هواه ومعتقده وإن جانب الصواب.
التكتف في الصلاة
محمــد: لا أعلم لماذا تتكتفون في الصلاة، وتضعون أيديكم اليمنى على اليسرى، وهذا الأمر لم تأت به الشريعة؟!
أحمــد: المسلم يعلم يقينًا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويتذكر في الصلاة الحديث الصحيح المشهور: {صلوا كما رأيتموني أصلي}، ومن المعلوم بداهة في الدين الإسلامي أن أشهر عبادة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة، وقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم هذا الأمر، مثل ما ذكر البخاري في صحيحه تحت باب: (وضع اليمنى على اليسرى) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: {كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة}.
وجاء أيضًا في سنن أبي داود حديث: {إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة}، وأخرج الإمام أحمد بن حنبل من حديث قبيصة عن أبيه قال: {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته يضع هذه على صدره، ووضع يحيى -راوي الحديث- اليمنى على اليسرى فوق المفصل}.
محمــد: وماذا تقول للذي لا يفعل هذا الأمر؟
أحمــد: الأمر لا يبلغ إلى حد اللوم أو الجهالة على المسلمين، كما جاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني (1/186): (التكفير هو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يضعه غيرنا -أهل السنة- ولا بأس به حال التقية).
بل نعذره؛ لأن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة من المستحبات وليس من الواجبات أو الأركان، ولكن يحذر المسلم أن لا يطبق شيئًا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وفعله فقط لأجل مخالفة من يكره ممن هو على غير مذهبه، فالحق أحق أن يتبع.
بناء المساجد
محمــد: ما زلت أعجب لحال البعض من إخواننا السنة، على معارضتهم الدائمة لإخوانهم الشيعة، من السماح لهم ببناء مساجد لهم.
أحمــد: وأنا أيضًا أخي الكريم، أعجب من إخواننا الشيعة في استمرار مطالبتهم للحكومة في بناء مساجد لهم!
محمــد: سبحان الله! وهل تريد أن تمنع مساجد الله من أن يذكر فيها اسم الله وأن يعبد فيها؟
أحمــد: من خلال الحوار الذي يجري بيننا، هل تشعر أن هناك اختلافًا بين الشيعة والسنة يا أخ محمد؟
محمــد: وفق ما ذكرت من دلائل، فليس هناك فرق، ولله الحمد.
أحمــد: إذًا، لم الحاجة في تخصيص مسجد للسنة وآخر للشيعة، وأنت قد علمت على ضوء ما تم نقاشه، كيف أن الدين واحد، والهدي النبوي واحد، فلم التفرق؟
محمــد: وهل تظن أن الإخوة الشيعة لو دخلوا مسجدًا من مساجد السنة، فسيجدون الترحاب وعدم الإنكار؟
أحمــد: أقسم بالله، إنهم سيجدون كل محبة وتوقير لكل من يدخل بيت الله طائعًا لله، يريد عبادة الله والصلاة له سبحانه، وفق هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووفق ما نقله إلينا أحبابه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
محمــد: ولكن الواقع يخبرنا بأن صلاة الشيعة ووضوءهم يختلف عن إخواننا السنة!
أحمــد: من خلال هذا الحوار الذي نستمتع به، هل أجدك مقتنعًا بهذا الواقع المخالف للأدلة من كتب العلماء المعتمدة، أم أنك تعتمد على تلك الروايات التي تفرق بين المسلمين؟
محمــد: لا والله، أنا على اقتناع بما نقله إلينا العلماء في كتب الحديث المعتمدة، كالكافي، ومن لا يحضره الفقيه وغيرها، بل إن جمع شمل أهل الإسلام هو أقصى ما أتمناه في هذه الساعة.
أحمــد: وعلى هذا تعلم يا أخي محمد، أن من يعارض إقامة مساجد منفصلة للشيعة، إنما يعارض هذا التنافر في جعل أهل القبلة الواحدة يتفرقون في أعظم العبادات وهي الصلاة، ويتمكن من بعد ذلك الشقاق والتنافر بين الجيران من الشيعة والسنة، وليس القصد من المعارضة الوقوف في وجه إخوة لهم في المنطقة الواحدة، وهل قرأت عن مسجد تم بناؤه من قبل الحكومة أنه خصص لطائفة معينة دون غيرها؟
وأيضًا أليست دلالة الاتحاد والتماسك في القلوب تتمثل باتحادنا في باطننا، والذي يتحقق بالصلاة والدعاء في بيت واحد يجمع أهل الحي الواحد، وفق ما ثبت لنا بالنص الصحيح عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونقله إلينا الصحابة رضي الله عنهم.
تربـة السجــود
محمــد: أعجب منكم أيها السنة من سجودكم على السجاد والملبوس من الثياب، ولا تسجدون على الأرض مباشرة.
أحمــد: ولم كل هذا الاستغراب، ولم يأت نص بالنهي عن السجود على شيء معين إلا النجاسات؟!
محمــد: وما قولك في حديث: {وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا}.
أحمــد: حديث صحيح ويعمل به، ولكن أين التخصيص والتقييد بأن السجود لا يكون إلا على الشيء الذي لا يلبس أو يؤكل؟ فالحديث فيه دلالة على أن السجود يكون مقبولًا على كل شيء، فإن الصلاة ليست مقصورة ومقبولة فقط في المساجد بل تستطيع أن تؤدي الصلاة في أي مكان في الأرض إن كان طاهرًا.
محمــد: النبي صلى الله عليه وسلم كان مسجده من الحصى، ومن سعف النخيل -الحصير- وكانت عنده الأموال فلم يفرش المساجد بالسجاد، ولم يثبت عنه أو عن أحد من الصحابة أنه سجد على الثياب.
أحمــد: النبي صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس، ومسجده لم يكن له سقف يمنع من دخول المطر وأشعة الشمس، وقد ثبت عند البخاري في صحيحه عن أنس أنه قال: {{كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه}}.
فالأمر فيه سعة ويسر، وليس فيه تخصيص لشيء دون شيء، ولكني أعجب ممن منعوا السجود على البساط، وفضلوا تربة من الأرض على غيرها من الأراضي!
محمــد: أتعني ما يضعه الشيعة تحت جباههم حال السجود، فهذا الأمر كل ما فيه أنهم لا يستطيعون تغيير ما في المساجد من سجاد، فيضعون هذه التربة حتى لا يقعوا في المحذور من السجود على القماش.
أحمــد: يا ليت الأمر اقتصر على مثل هذا المفهوم، ولكن آل الأمر بأن يعتقد فئة من الشيعة بأن هذه التربة لها قداسة خاصة بها.
محمــد: هذا افتراء عظيم ليس لك عليه من دليل.
أحمــد: جاء في بحار الأنوار (101/118) روايات قاربت ثلاثًا وثمانين رواية دالة على أن تربة كربلاء لها فضل عظيم جدًا، ومن ذلك أن رجلًا أتى إلى أبي عبد الله فقال: {{إني رجل كثير العلل والأمراض، وما تركت دواء إلا تداويت به، فقال لي: أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي، فإن فيه شفاء من كل داء، وأمنًا من كل خوف؟!}}.
فالأمر ابتدأ بعدم السجود على أمر مخصوص، فجرنا إلى البديل وهو تربة الحسين، ومما جاء في فضل هذه التربة ما ذكر في بحار الأنوار عن أبي عبد الله قال: {{حنكوا أولادكم بتربة الحسين؛ فإنه أمان}}.
وجاء في مصباح المتهجد للطوسي (ص:511) وبحار الأنوار (101/135) بأنها تخرق الحجب السبعة.
ولو كان هذا الأمر صحيحًا ومشروعًا أما كان ينبغي أن يكون هذا الفضل لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو حتى لقبر علي أو الحسن رضي الله عنهما؟؟ ولكن الجهل يعمي ويصم.
محمــد: هب أن المسلم لم يسجد على تربة الحسين، فهل هناك من أفتى بإمكان السجود على ما يؤكل أو يلبس؟
أحمــد: المسلم متبع وليس مبتدعًا، فقد جاء في كتب الشيعة مثل: الاستبصار (1/332)، وتهذيب الأحكام (2/307)، ووسائل الشيعة (2/595) عن الحسين بن علي بن كيسان أنه قال: {{كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأل عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة، فكتب إليّ: ذلك جائز}}.
وجاء في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1/174) ووسائل الشيعة (3/609) عن الصادق أنه قال: {{السجود على الأرض فريضة، وعلى غير ذلك سنة}}.
وإن كان الأمر غير جائز، فلماذا إذًا نجد مساجد الشيعة قد تم فرشها بالسجاد الفاخر، وبذلت الأموال الباهظة لهذا الأمر، وهو محرم عند كثير من رجال الدين الشيعة؟! مع العلم بأن جميع مساجد الشيعة مسقوفة، فلم لا يدعونها ترابًا ليتم تطبيق السجود الصحيح؟
فالأمر إذًا واضح جلي من جواز السجود على كل شيء طاهر معلوم.
الجمع بين الصلاتين
أحمــد: لا زلت أراك حريصًا على الجمع بين الصلوات، وإن لم يكن هناك من عذر أو حاجة ضرورية تدعوك إلى الجمع!
محمــد: حرص الشيعة على الجمع بين الصلوات في الأوقات المفروضة، نابع من تحريهم للحق الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم نجده يقابل بالاستنكار من بعض السنة؟ والشيعة فعلهم موافق تمامًا لقوله تعالى: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً )) [الإسراء:78]، وموافق للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: {جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر}.
أحمــد: الأحكام الشرعية نرجع فيها إلى المصادر الأصلية، وإلى فهم العلماء، فقد جاء في تفسير بيان السعادة للحاج سلطان الجنابذي الشيعي (2/450) ما يلي: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) [الإسراء:78] اللام بمعنى في، أي: في وقت دلوك الشمس وزوالها، ((إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)) [الإسراء:78] إلى شدة ظلمته، وفسر في الأخبار بانتصاف الليل، وقد بين الآية في الأخبار بالصلوات الأربع، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ((وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)) [الإسراء:78] وقت اجتماع الفجر باعتراضه في الأفق إشارة إلى صلاة الصبح).
محمــد: ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك خمس صلوات، اثنتان تؤديان في وقت متشابك، واثنتان في وقت متشابك آخر، ويتبقى لدينا الصبح تؤدى في وقت منفرد.
أحمــد: ما ذكرته قد يقوله من لم ينظر إلى بقية أقوال العلماء، فقد جاء في تفسير كنز الدقائق للميرزا محمد المشهدي القمي (5/584) بيان لتفصيل الصلوات في أوقاتها، فمن ذلك: (وفي من لا يحضره الفقيه: وروى بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: {{وأول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل، يعني نصف الليل}}.
ثم قال المشهدي: (وفي الكافي: ...عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: {{إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذًا لا يكذب علينا، قلت: ذكر أنك قلت: إن أول صلاة افترضها الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم الظهر، وهو قول الله عز وجل: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)) [الإسراء:78]، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك، ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة، وهو آخر الوقت، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر، فلم يزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين، وذلك المساء، فقال: صدق}}.
وراجع تفسير كنز الدقائق (5/486) لتقرأ حديث الحسن بن عبد الله عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب اليهود عن الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل للصلوات خمسة مواقيت.
محمــد: وما قولك في حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين الصلوات من غير عذر؟
أحمــد: ما ذكرت من الأدلة صحيح، ولكن ما شأنها مع الصلوات الخمس اليومية؟ لذا ينبغي علينا أن نتذكر الآتي:
1- الصلاة من أشهر العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، لهذا لم نجد لبسًا فيها عند الصحابة في شروطها وأركانها وواجباتها.
2- فعل النبي عليه الصلاة والسلام يوضح أو يخصص المجمل أو العام الذي في القرآن، والأوقات المذكورة في الآية هي الأوقات الأساسية، من حيث إن هناك صلاة للنهار وصلاة لليل، وصلاة بينهما وهي الفجر.
والتفصيل أتى من النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ما فصل في نصاب الزكاة، وكيفية الحج والعمرة، وعدد ركعات الصلاة، وغيرها من العبادات.
3- حديث ابن عباس ب واضح في أنه ذكر الحالات التي يباح الجمع فيها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الخوف والمطر، فلما فعل صلى الله عليه وسلم أمرًا جديدًا، بين ابن عباس السبب بقوله: (لئلا يحرج -يشق على- أمته).
محمــد: يفهم من هذا الأمر أنه لا حرج ولا لوم على من أخذ برخصة الجمع في الصلوات المفروضة اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أحمــد: الرخصة تؤخذ بقدرها، والجمع من غير سبب مسوغ على الدوام مخالف لما واظب عليه النبي عليه الصلاة والسلام، والدليل على ذلك ما جاء في الوسائل (5/227): أن أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه كتب لمحمد بن أبي بكر عندما ولاه على مصر: {{وانظر إلى صلاتك كيف هي، فإنك إمام لقومك، ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل، فإن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة فقال: أتاني جبريل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس، فكانت على حاجبه الأيمن، ثم أراني وقت العصر وكان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة, فصل لهذه الأوقات، والزم السنة المعروفة والطريق الواضح}}.
فإذا كانت هذه الآثار دالة على الفعل الصحيح، فعلى أي أساس إذًا يقوم الشيعة دائمًا بالجمع بين الصلاتين؟!
وهناك من يزعم أن عليًا رضي الله عنه قد رد الشمس من مغربها لأداء صلاة العصر، فهو إذًا يصليها لوحدها وليست جمعًا مع الظهر.
أليس من مظاهر توحد القلوب توحد الأفعال الظاهرة وتشابهها؟
علي ولي الله
محمــد: أجد من بعض الإخوة السنة امتعاضًا وعبوسًا في وجوههم، كلما رفع إخوانهم الشيعة النداء بالصلاة، دلالة منهم على استنكارهم لمقولة صادقة في الأذان وهي: (أشهد أن عليًا ولي الله).
أحمــد: إليك أخي الكريم بعضًا من الحقائق التي لابد أن تؤصل في النفوس:
1- الأذان عبادة توقيفية، وهو دعاء مخصوص، في وقت مخصوص، لسبب مخصوص، بكيفية مخصوصة، فلا زيادة ولا نقصان فيه، ولا شأن للنيات الطيبة في استحسان أو وضع ما تشاء في هذا الذكر المبارك.
2- الولاية هي محبة من الله تعالى لأحد عباده بسبب طاعته لله ولرسوله، والولاية ليست حصرًا على فرد دون غيره؛ لأننا نحتاج إلى سند شرعي على التخصيص، ولا يكون التحديد وفق هوى عاطفي.
والصحابة مرضي عنهم بنص القرآن، فهل نقحم أسماءهم في الأذان؟
3- البعض يضع اسم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الأذان بسبب الظلم الذي وقع عليه، وأن الخلافة قد اغتصبت منه، ومنذ متى كان الظلم سببًا مقنعًا للزيادة في النصوص الشرعية الثابتة؟ وإلا لكان أدنى ظلم دافعًا لصاحبه إلى قول ما يشاء على الله، والله يقول: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)) [آل عمران:31].
4- جاء في كتاب مستمسك العروة الوثقى لعلامة الشيعة السيد محسن الحكيم (5/437) ما يلي: (هذا هو الأذان الصحيح، لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارًا زادوا بها في الأذان (محمد وآل محمد خير البرية) مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أن محمدًا رسول الله) (أشهد أن عليًا ولي الله) مرتين.
ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أن عليًا أمير المؤمنين حقًا) مرتين، ولاشك أن عليًا ولي الله وأمير المؤمنين حقًا، وأن محمدًا وآله صلى الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان)، وهذا القول أيضًا مذكور في كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي (1/ 188).
5- لو أن كل مسلم أعلن في الأذان المبادئ التي يريد الإفصاح عنها، لكان الأذان بعد سنين عديدة يملأ مجلدًا أو عدة كتب، ولا يوافق على ذلك عاقل!
فعلى ضوء هذا، ينبغي علينا التقيد بما ورد، وكما نعلم فإن الأذان والصلاة والوضوء من أشهر العبادات التي وقعت في زمن النبوة، وعلمها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فما الذي خفي عليهم رضي الله عنهم فعلمه الذين من بعدهم؟
محمــد: الخلفاء الثلاثة الأول لم يظهروا هذا الأمر على الملأ من المسلمين.
أحمــد: جاء من بعدهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وحكم قرابة أربع سنوات، فما الذي منعه من أن يظهر هذا الأمر، وهو رضي الله عنه في الكوفة بين مناصريه ومؤيديه؟!
ولكنه رضي الله عنه تمسك بالحق، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليه من بعده الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أجمعين.
رؤيــة الهـــلال
محمــد: أرى من بعض السنة تساهلًا واضحًا في قضية تُعد عند جمع من العلماء من أهم الأحكام الفقهية، ألا وهي قضية وقت الصيام والإفطار في رمضان.
أحمــد: وكيف يقع مثل هذا التساهل إن التزم المسلم بالأحاديث الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كحديث: {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته}.
محمــد: نجد أن هناك من يستعجل بالإفطار قبل أن يدخل الليل، فما أن تغيب الشمس إلا ونجده يبادر فورًا إلى الأكل والشرب، وهذا مخالف لقوله تعالى: ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:187]، ومعلوم أن الليل إنما يتبين إذا انتشر في السماء.
أحمــد: هذا القول من أعجب ما سمعت، وللعلم فإنه مخالف لما ذهب إليه علماء الشيعة والسنة في كتبهم.
محمــد: لم أقل هذه المقولة إلا نقلًا عن الأئمة المعتبرين.
أحمــد: أنت لم تنقل هذه الفتوى مباشرة من الكتب، أليس كذلك يا أخ محمد؟
محمــد: الأمر كما تقول، فلقد سمعتها من أحد علماء الدين في الحسينية قبل رمضان، ونقلتها إليك كما حدثنا الشيخ.
أحمــد: يا ليتك رجعت وبحثت هذه القضية من أحد الكتب المعتمدة، والأمر الصحيح كما سأخبرك: جاء في وسائل الشيعة (7/90) عن الصادق قال: [[إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة]].
وروى الحر العاملي في الوسائل أيضًا (7/87) عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: [[وقت المغرب إذا غاب القرص]].
وجاء في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1/142) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل، فيصلون معه، ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم}.
ونقل الشيخ البروجردي في جامع أحاديث الشيعة (9/165) عن صاحب الدعائم قوله: (روينا عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بإجماع فيما علمناه من الرواة عنهم، أن دخول الليل الذي يحل الفطر للصائم هو غياب الشمس في أفق المغرب بلا حائل دونها يسترها من جبل أو حائط ولا غير ذلك، فإذا غاب القرص في الأفق فقد دخل الليل وحل الفطر).
بل أفعال الأئمة تشهد على حرصهم على هدي أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، مثل ما جاء في وسائل الشيعة (7/91) وجامع أحاديث الشيعة (9/166) عن حسين بن أبي العرندس قال: (رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام في المسجد الحرام في شهر رمضان، وأتاه غلام له أسود بين ثوبين أبيضين ومعه قلة وقدح، فحين قال المؤذن: الله أكبر، صب له وناوله وشرب).
محمــد: إذًا الإسراع في الفطر هو الأصل في هذه العبادة، والاحتياط على ضوء ما ذكرت تكلف في غير محله.
أحمــد: الاحتياط من العبد في دينه دليل على ورعه، وخوفه من الله، ولا يكون هذا الاحتياط بتأخير المواقيت أو تقديمها، كالإفطار والصلاة وغيرها، ولكن بالتأكد من سماع المؤذن وهو يعلن دخول المغرب، وبالتأكد من أن الفجر دخل بسماع الأذان، والمسلم مأمور باتباع ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ونقله إلينا الأئمة الأعلام، وليس هناك أجمل من توحد المسلمين في صلاتهم وصيامهم وفرحهم في الأعياد؛ ليكونوا جسدًا واحدًا، يسير وفق مرضاة الله، وعلى نور من الله، لينالوا حب الله سبحانه.