محمــد:
وعليكم السلام... مرحبًا بك يا أخ أحمد.
أحمــد: وجدت أحد الإخوة الشيعة يرهق نفسه بدفع مبلغ من المال وسماه الخمس، وذكر لي أنه كالزكاة، وهو غير الصدقة.
محمــد:
نعم، وبارك الله فيه
وأذكرك بالآية الكريمة الدالة على ما فعل:
((
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى))
[الأنفال:41].
أحمــد:
لكن الآية الكريمة لا تفيد أخذ نسبة محددة من كل ما يكسبه المسلم في حياته الاعتيادية، ونطلق على ما يدفعه (
خمسًا).
محمــد:
الآية جاءت في سياق النكرة الدالة على العموم في كل ما يحوزه المسلم.
أحمــد:
جاءت الآية السابقة في سورة الأنفال والتي في بدايتها:
((
يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ))
[الأنفال:1]
ثم
جاء التفصيل عن الأنفال التي غنمها المسلمون من غزوة بدر
إذًا فالأمر لسبب خاص وليس فيه عموم، فأين النص على التعميم؟
محمــد:
ولكن
اللغة جاءت لخدمة المعنى الذي أخذه علماء الشيعة
من أن المغنم لا يكون في ساحة الحرب فقط
ولكن
في كل ما يغنمه المسلم في حياته، والقرآن جاء بلغة العرب.
أحمــد: لو راجعت قواميس اللغة مثل القاموس المحيط ومختار الصحاح، لوجدت أنها تذكر أن الخمس يكون في الحرب والغنائم وليس في أمور الحياة الاعتيادية
ولم يقل مسلم بأن ما يكسبه المرء في حياته، وخاصة من التجارة، يسمى غنيمة
بل
هو ربح وتجارة وتكسُّب.
والسنة النبوية تبين ما أُجمل وأُبهم في القرآن
ومن ذلك
ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:
{
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا (فضة)، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام، فلما نزلنا قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله، فرمي بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله! فقال: كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة لتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم تصبها المقاسم، قال أبو هريرة: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك أو شراكين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: شراك أو شراكان من نار}.
وروى
الصدوق في الفقيه (1/13)
و
الطوسي في التهذيب (1/348)
و
الاستبصار (2/56)
عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله يقول:
{{
ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة}}.
وأخرجه العاملي في الوسائل (6/338)
باب وجوب الخمس في غنائم الحرب.
محمــد: بذل المسلم من ماله بمقدار الخمس إلى الفقراء والمساكين وإلى آل بيت النبي عليهم الصلاة والسلام
هل نعتبره خطأ ويعاب عليه الباذل؟فلِمَ نحرمهم من الخير وفعل المعروف وبذل الصدقات للمحتاجين، وهم لم يقدموها إلا حبًّا في النبي وآله عليهم السلام؟
أحمــد: الوجوب شيء والتطوع أمر آخر، فلا يأتي رجل ويفرض على المسلمين إخراج جزء محدد مما جنوه طوال السنة، ثم نأتي لنقول عنه: هذا تطوع وبذل للخير.
فمن أخرج زكاة ماله، لا نلزمه بإنفاق مال آخر، إلا ما يهبه عن طيب نفسه للمحتاجين.
محمــد: لتعلم يا أخ أحمد أن الخمس أو المال الذي نتصدق به، نقدمه إلى وكيل المرجع الديني الذي يجوز له التصرف بالمال في غيبة الإمام المنتطر، وهو رجل بمنأى عن الظن السيئ، وذو أمانة وعلم، ليصرفها فيما بعد في مصارفها المحددة.
أحمــد: مقام الوكيل عن الإمام قضية ليست موضوع نقاشنا هنا؛ لأن المهدي المنتظر شخصية لا وجود لها في زمننا الحاضر والسابق، فكيف ينوب عنه أحد.
وأيضًا
قضية الوكالة عن الإمام قضية لا يجيزها كل علماء الشيعة
فهذا الأردبيلي
أفتى بعدم جواز التصرف بالخمس في عهد الغيبة
والعلامة الموسوي في كتابه التصحيح
ذكر ما آل إليه الفهم السيئ لهذه القضية، والتي انطلت على العوام من جهة الوسطاء الذين يأخذون الأموال ويصرفونها وفق ما يرون، ولا يسألون عما يفعلون.
وبالله عليك يا أخ محمــد:
هل قدم لك مندوب المنتظر -كما تقول عنه- ورقة تفيد وتشرح المصارف التي آلت إليها زكاتك والأموال التي قدمها أهلك، طوال هذه السنين؟
محمــد:
معاذ الله أن أسأل الإمام عن هذا؛ لأن فيه طعنًا في ذمته!
أحمــد: سبحان الله! الأموال التي يبذلها أهل السنة يسألون عن كل صغيرة وكبيرة منها، وتتابع الجهات الرسمية هذا الأمر دائمًا، حتى لا يشوبه أية شائبة
فهل
المتابعة والتدقيق والاستفسار مظنة لوجود شك أو ارتياب في الذمم
بل
هو يا أخ محمد احتياط وتنبيه، حتى لا تسول النفس لأحد بأخذ ما ليس له فيه حق.
والأموال التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأخذها من المسلمين لا يحتاج فيها إلى واسطة لدفعها إلى الفقراء والمساكين ومن شملته الآية في بيان مصارف الزكاة، فيستطيع المزكي أن يدفعها لمن شاء، وبأي كيفية شاء، حتى لا نعطي المال لمن لا يعمل ولا يسعى في رزقه، وتأتيه الأموال الوفيرة بحجة أنه لا يسأل عن ذمته!
المتعــة : محمــد:
لنتحاور حول موضوع دائمًا يثار بين السنة والشيعة
و
إذا جرى نقاش بين الطائفتين لابد وأن يناقش ويثار هذا الموضوع.
أحمــد: وما هذا الموضوع الذي دائمًا يثار عند النقاشات؟
محمــد:
قضية زواج المتعة، وسوء الفهم الذي لحق بهذا الحكم، من قبل إخواننا السنة، من الإفتاء بحرمة هذا الأمر المشروع.
أحمــد: الزواج المؤقت أو الصيغة أو المتعة، الحكم بيّن فيه ولا لبس فيه، وهو المنع
بل
قل إن شئت: التحريم.
محمــد:
سبحان الله!
أمر جاء الجواز فيه من المصطفى صلى الله عليه وسلم
ثم
تقول: إنه محرم
والروايات جميعها تدلل على ما أقول
ولم نعلم التحريم إلا من قبل الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه
والقرآن الكريم يبين الجواز كقوله تعالى:
((
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً))
[النساء:24]
وللحديث الصحيح عند مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال:
{
خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لكم أن تستمتعوا}
(أي: متعة النساء).
أحمــد: لنتحاور حول الأدلة التي سقتها، ومن ذلك:
1- قوله تعالى:
((
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً))
[النساء:24].
هذه الآية لو قرأنا الذي قبلها، لعلمنا أنها إنما جاءت في الزواج الدائم من النساء اللائي يستطيع الرجل أن يتزوج بهن، واللواتي يحللن له
فالله تعالى قال:
((
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً))
[النساء:24]
ومن المعلوم
في المذهب الشيعي أن زواج المتعة لا يحصن الفاعل
(كأنه لم يتزوج)
كما قال إسحاق بن عمار:
{{
سألت أبا إبراهيم موسى الكاظم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنا وعنده الأمة يطؤها تحصنه الأمة –الجارية-؟ قال: نعم. قال: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ قال: لا، إنما هو على الشيء الدائم}}
الوسائل (28/68).
إذًا:
فالآية ليس فيها بيان لزواج المتعة
إنما
هو الاستمتاع في الزواج الدائم
والذي فيه أيضًا تمتع بين الزوجين ولذة.
وأما الأجر المقصود بالآية إنما هو المهر
مثل ما جاء في قوله تعالى:
((
فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ))
[النساء:25]
والمتعة لا يشترط فيها إذن الأهل.
محمــد:
إذا كان الأمر كما تقول
فما التوضيح لما علم من أن الخليفة عمر رضي الله عنه حرمها بمحضر من الصحابة، بعد أن كانت مباحة؟
أحمــد: هذه شبهة انطلت على كثير من المسلمين
و
عمر رضي الله عنه لا يجرؤ على أن يحرم أو يحلل في دين الله
و
إنما حرم بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه الصحابة ومنهم علي رضي الله عنه
مثل
ما جاء في كتب الشيعة المعتمدة مثل:
الاستبصار (3/142)
و
التهذيب (7/251)
و
الوسائل (21/512)
عن علي عليه السلام أنه قال:
{
حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية، ونكاح المتعة}.
ولكن
بعض علماء الشيعة لم يرتضوا هذا الحكم
فقال الحر العاملي:
(
حمله الشيخ الطوسي وغيره على التقية؛ لأن إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية).
وأين التقية في خبر لعلي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فهل
علي رضي الله عنه يتقوَّل على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر لم ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم؟
وهذه الرواية فيها إخبار وليس فتوى يقولها الإمام لمن يخالفه، فيتقيه بهذه الفتوى.
وعلي رضي الله عنه قد ثبت عنه أنه عارض في متعة الحج -أي: حج التمتع- ولم يعمل بالتقية فلِمَ لَـمْ يصرح بالقول هنا كما فعل هناك؟ والمتعة رخص فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرمها ثم رخص فيها مرة أخرى ثم حرمها على التأبيد، والأخيرة كانت في عام الفتح ومن المعلوم أن الأحاديث لا تبلغ جميع الصحابة رضوان الله عليهم وزمن الصديق رضي الله عنه كان زمن حروب الردة، والتثبيت للجزيرة، وهي فترة قرابة السنتين فلما استقر الأمر لعمر رضي الله عنه، بيَّن لهم هذا الحكم لظهوره بين الناس.
محمــد: في خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام، ألم يبين للمسلمين هذا الأمر؟
أحمــد: ثبت في كتب التاريخ أن خلافة علي رضي الله عنه امتدت قرابة أربع سنوات وقد قاتل فيها جيوش الشام وكذلك الخوارج، واستقر له الأمر رضي الله عنه في مكة والمدينة والعراق وما جاورهما من أمصار عدا الشام ولم يثبت عنه رضي الله عنه أنه قام وألغى ما أمر به عمر رضي الله عنه من المتعة، ومن المعلوم في المذهب الشيعي أن عمل الإمام حجة، لاسيما عندما يكون مبسوط اليد، ظاهر السلطان، يستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه.
محمــد: لم يأت الترخيص من الأئمة عليهم السلام في هذا الأمر إلا لعلمهم بمدى حاجة الناس لهذا الأمر في كثير من الأوقات والأمكنة.
أحمــد: جاء في الكافي (5/452) عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عن المتعة فقال: {{وما أنت وذاك؟ فقد أغناك الله عنها}}.
وفي المستدرك (14/455) عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال: {{لا تدنس نفسك بها}} وللخميني قول جميل ذكره في كتابه كشف الأسرار (ص:280) وهو: (لو تم ضرب الزاني والزانية بالسياط لما شاعت الأمراض التناسلية).
فأين الحاجة في أمر لم يجر علينا إلا الفهم الخاطئ والتوسع المفرط فيه؟!