لمـاذا المحرم للمرأة ؟!
الإسلام دين عظيم وشامل ، دين يحافظ على كل فرد من أبنائه ، ويشرِّع لهم ما يحفظ عليهم دينهم وأمنهم وعرضهم ومالهم ودمائهم .
ومن القواعد الفقهية الجامعة
" الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة " .
هذه قاعدة جليلة ، شملت الأوامر والنواهي كلها ، ولو تأمل المسلم والمسلمة هذه القاعدة المهمة لانشرح صدره لقبول أوامر الله بثقة وطمأنينة ، وبما أراده الله له من المصالح الخالصة أو الراجحة . ولعزفت نفسه عن ما نهى الله عنه بيسر وسهولة ، وبدون أن يجد في نفسه حرجاً أو مشقة ، ويسلم لله تسليماً . ولأدرك عظمة هذا الدين ، حيث أنه يهتم بجلب المصالح لأبنائه ، ودفع المفاسد عنهم
والمؤمن الموحد هو الذي يطمئن قلبه لما قضى الله ، وتطيب نفسه لما شرع الله من الأوامر والنواهي ، فالله عزيز حكيم ، عليم خبير .
والعاقل من بني آدم لا تهفو نفسه إلا لما يصلحها ، ولا يسعد قلبه إلا ما ينفعه ، كما أنه يفر من المفاسد والمكاره فراره من الأسد .
ولعلي أحاول تطبيق هذه القاعدة على أمر نهى عنه الشارع ، لنرى أثر عدم الامتثال لهذا النهي ، وما يترتب عليه من مفاسد خالصة أو راجحة . وفي المقابل نجد الامتثال لهذا النهي يدرأ عنا مفاسد ، ويدفع عنا أذى متحقق .
عن ابن عمر عن النبى قال : " لا تسافر امرأة فوق ثلاثة إلا مع ذي محرم ".
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ » .رواه البخاري
في هذين الحديثين نهي ظاهر عن سفر المرأة بدون محرم .
وفي قوله " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر " الخطاب فيه للمؤمنات ، فهي المقصودة بهذا النهي ، وهي التي تنتفع بخطاب الشارع وتنقاد له .
وكما تقرر في القاعدة السالفة الذكر : أن الشارع لا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة .
ولو نظرنا إلى سفر المرأة بدون محرم ، لوجدنا أن المفاسد فيه إما خالصة أو راجحة ، ولا يخلو منها البتة .
وحرصاً على عرض المؤمنة ، ودرءً للمفاسد المتوقعة ، وحفاظاً على عفة وطهارة المسلمة ، وحماية لحماها ألا يوطأ أو يقترب منه من لا يحل له ذلك ، جاء الشارع ليشرع لها السفر بمحرم ، وينهاها عن السفر بدونه .
ولصيانة أعراض المسلمين من التلوث بالزنا عدّ الإسلام الرجل الذي يُفرِّط في عرضه أو يتهاون فيه ديوثاً ، حرام عليه الجنة .
ومن منطلق كوني امرأة من جنس النساء ، ألقي الضوء على بعض المصالح والمفاسد المترتبة على هذه القضية .ولن أناقش القضية فقهياً بل سأتكلم من الواقع العملي .
وحتى تتضح الصورة أعرض ثلاث مواقف ، لأستخلص منها الفوائد .
الموقف الأول :
امرأة تسافر مع محرمها في المطار .
أول ما تدخل المرأة المطار ، تبحث عن مقعد لتجلس فيه ، حتى ينتهي محرمها من إجراءات السفر .
الفوائد :
1- استفادة المرأة من وقتها فترة انتظارها ، إما بقراءة القرآن أو الذكر أو قراءة كتاب نافع .
2- عدم تعرضها للرجال وابتعادها عن مواطن الفتن ومواقع الأنظار .
3- الراحة النفسية التي تشعر بها ، حين ترى محرمها يوفر لها أسباب الراحة ،ويخدمها ولا يرضى لها التعرض للرجال بدون حاجة .
4- اعتزازها وفخرها بوجود محرم معها ، يحافظ عليها ويدفع عنها ما يسوءها .
5- احترام من حولها لها ، وعدم التجرؤ بالقرب منها أو الحديث معها ولا النظر إليها ، فالمحرم حصانة للمرأة .
6- الأمن النفسي والفكري عند جلوسها قرب محرمها في مقعد الطائرة ، وهذه خصوصية وميزة فائقة .
7- الحفاظ على حجابها وحياءها ، والبقاء على الفطرة والأنوثة .
هذا ما أحسست به وأنا أجلس في المطار ، وأرقب محرمي وهو يتحرك لإنهاء إجراءات السفر وقد كفاني مئونة ذلك.
فحمدت الله على هذه النعمة التي منّ الله بها على المرأة المؤمنة ، حيث شرع لها الرجل قيّم عليها ، يتولى جميع أمرها ، ويكفيها شأنها ، ويحفظ لها عرضها .
الموقف الثاني :
امرأة تسافر مع غير محرمها في المطار .
أول ما تدخل المطار تسرع لشحن أمتعتها ، ثم تبادر لقطع تذاكر صعود الطائرة ، وتسعى جاهدة من مكان لآخر لإنهاء إجراءات السفر .
المفاسد :
1- التعرض للرجال والكلام معهم لغير حاجة ، ولو كان معها محرم لكفاها المئونة .
2- التعرض لمواطن الفتن ومواقع النظر ، فمن حولها يسدد النظر إليها ، ومنهم من يعرض عليها خدمتها ، وآخر يتودد إليها في الحديث ويترقق في العبارات .
3- التوتر النفسي الذي تمر به منذ دخولها المطار ، فهي المسئولة عن حمل أمتعتها ، وإنهاء جميع الإجراءات اللازمة للسفر ، مع مزاحمة الرجال والوقوف في صفوفهم ، مما يسبب لها حرجاً وقلقاً .
4- ثلم الحياء والعفاف ، وسلب الأنوثة والفطرة ، بسبب كثرة مخالطة الرجال ومحادثتهم .
5- إحساسها بالنقص والذل والانكسار ، حين ترى النساء مع محارمهن مكرمات معززات مخدومات ، ومحرمها آثر السلامة والراحة والدعة .
6- الموقف الصعب والمحرج حين يجلس بجانب مقعدها في الطائرة رجل أجنبي ، لصيق لها ومجاور ، تكاد تلمس يده يدها من شدة القرب ، وربما سمع صوت أنفاسها ، وشم رائحة عطرها ، ومتع عينه بنظرات عينيها .
وهذا الحرج تشعر به من بقي فيها حياء وعفة ، فتتمنى أن تكون نسياً منسياً ، أما إذا استرجلت المرأة ، وفقدت حياءها وودعت أنوثتها ، فلا حرج ولا غضاضة ، وهذا ما رأيته بعيني ، وإليكم هذا الموقف .
الموقف الثالث :
ثلاث فتيات في العشرين من أعمارهن ، حاسرات عن وجوهن ، وربما ظهر جزء من شعرهن ، يصعدن الطائرة بدون محرم . جلسن في المقاعد التي أمامي ، وبقي مقعدان خاليان ، جلس فيهما شابان ثم تبين لهما أن مكانهما خطأ ، فانتقلا إلى مكان آخر ، ثم جاء رجل في الثلاثين من عمره ، فجلس في المقعد الأخير ، فبقي مقعداً خالياً يفصل بينه وبين الفتيات .
بعد فترة مضت ، انتبهت لمن أمامي ، وقد شغلني أمر الفتيات وحجابهن وكنت أفكر في طريقة لنصحهن وتذكيرهن ، نظرت أمامي فإذا الرجل قد انخرط في حديث مع الفتاة القريبة منه .
اندهشت وتفاجأت ، وظننت أن رجلاً جلس في المقعد الخالي ، فأخذ يتبادل معه الحديث ، وعندما دققت النظر تأكدت أن الشاب يتحدث مع الفتاة ، وقد استغرقا في حديثهما ، وكأنه قريب لها ، عزيز عندها .
سألت نفسي : لو كان محرم الفتاة معها هل يرضى لها بهذا الوضع ؟
وهل يرضى هذا الرجل لأخته أو ابنته أو زوجته أن تجلس بجانب رجل غريب فيحادثها وتحادثه كما يفعل هو ؟
هل يرضى بذلك من في قلبه ذرة إيمان ؟
أيها الرجال الغيورون على نساءهن هل يرضيكم أن يحصل هذا لنسائكم وبناتكم ؟
أيها الرجال المخلصون هل ترضون ذلك لنساء المسلمين ؟
أيها الأوفياء الصادقون إن كنتم لا ترضوه لنسائكم فكيف تسمحون لهن السفر بدون محرم ؟
يا أشباه الرجال لماذا تتعرضون لنساء المسلمين ولا ترضونه لنسائكم ؟ والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
يا عقلاء إلى متى ونحن نتساهل في أعراضنا وعفافنا ؟
يا شرفاء لماذا هذا التقصير والإهمال لمحارمكم وأهلكم ؟
للأسف ذبحت الغيرة ، ووئدت العفة ، وقتلت الفضيلة بيد أهلها ، فلا شرف ولا كرامة .
بعد ما رأيت ما رأيت عزمت على الإنكار من باب الدين النصيحة ، خاصة ونحن بين السماء والأرض ، نتقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، فإن سكتنا ورضينا ربما هلكنا و أهلكنا.
بحثت في حقيبتي عن ورقة وقلم ، ثم بدأت أسطر لها هذه الكلمات :
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي في الله
الدين النصيحة
إن الإسلام يأمرك بالحجاب الكامل ، فلا يحل لك الكشف عن وجهك ، ولا يحل لك الحديث مع رجل أجنبي ، فأنت بين السماء والأرض ، استشعري أن الله يراك ويسمع قولك ، فتوبي إلى الله واستغفري لذنبك ،واذكري الله خير لك "
هذا ما أذكره من الكلام ، ثم قمت فقدمت لها الورقة ، فقرأت الورقة ثم أعطتها للرجل فقرأها ، ثم سكتا عن الكلام تماماً حتى نهاية الرحلة .
فحمدت الله أن نصيحتي لهما أثمرت حينها ، وأني أنكرت منكراً ، لو تُرك لغرقت السفينة وهلكنا .
فتذكرت قصة الشاعر الفاضل عبد الرحمن العشماوي مع المرأة المتبرجة التي جلست بجانبه في الطائرة ، وأثر نصحه لها حيث تابت المرأة وتحجبت .
لقراءة القصة
http://forum.hawaaworld.com/showthread.php?t=986536
فرب كلمة يلقيها الإنسان يريد بها خيرا ، تؤتي ثمارها بإذن الله
والدعوة واجب كل مسلم ، لو قمنا بها حق القيام لانحسر الشر ، ولم يتجرأ أهل الباطل بالجهر بمعاصيهم ، ولانتشرت الفضيلة واندرست الرذيلة
وتذكرت قصة فتاتي مدين :
(فجاءته إحداهما تمشي على استحياء . قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا). " إنها تمشي مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال ، ( على استحياء ) في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء . جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله، يحكيه القرآن بقوله: ( إن أبي يدعوك )، ومع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والربكة ،وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة.فالفتاة القويمة تستحيي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب، ولا تزيد، قال ابن كثير:
( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) أي مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال :" جاءت مستترة بكم درعها" ، وقال ابن أبي حاتم : قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – :" جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها ، ليست سلفع من النساء خرّاجة ولاّجة" .
والسلفع من النساء : الجريئة السليطة " .
هذه مقتطفات من مقال رائع للأستاذ / بهجت عبد الله بعنوان " إن أبي يدعوك.. دراسة تحليلية "
http://www.almokhtsar.com/html/best/3/1323.php
فإلى الذين يضيقون ذرعاً بهذه التكاليف ، ويرون أن المحرم للمرأة قيد ثقيل وغل غليظ .
إلى الذين يريدون التحرر من الفضيلة ، والتحلل من القيم النبيلة .
إلى الهاربين الفارين من دائرة ما أمر الله به ونهى عنه ، إلى ما لم يأمر به ولما نهى عنه إليكم دعوة تأمل وتدبر فيما أمر الله به من مصالح ومفاسد ، دعوة محبة ونصح للرجوع إلى حياض الدين ومنابع الخير .
إليكم أبعث همسات قلب امرأة تبكي حال أختها المسلمة المؤلم ، حين تخلى عنها وليها القريب ، وأعرض عنها قيّمها الحبيب ، وأوكلها لنفسها ، وتركها لهواها ، وأسند إليها أمرها ، فأصبحت تتخبط خبط عشواء ، وتتقلب بين الأهواء والآراء ، يطمع فيها المريض ، ويستغل ضعفها الحقير ، ويلعب بعواطفها اللئيم
المرأة بدون وليها كطير مقصوص جناحيه ، كلما ارتفع وقع .
المرأة بلا محرمها فريسة سائغة ، وصيد فريد ، كلما انفرد وابتعد ، كثر صائدوه ، وزاد لاقطوه ، وقلّ مدافعوه ، وفقد حماه .
المرأة بدون وليها لقمة ساقطة ، وحلوى مكشوفة ، يسقط عليها الذباب ، ويتذوقها الذئاب .
المرأة بدون محرمها سلعة رخيصة ، وتجارة كاسدة ، يقلّ ثمنها ، ويعزّ طلبها .
المرأة بدون وليها بيت بلا أركان ، ومركب بلا ربان ، تلاطمها الرياح ، وتلعب بها الأمواج .
لله ما أعظم هذا الدين وما أجمله ، حيث عنى بالمرأة وكرمها ، وصانها وحفظها ، ومن أعظم ما كرمها به هو جعل الرجل قيّم عليها ، قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) .
وإني امرأة من النساء ، لا أخفيكم سراً إني ما خالفت وليّ في أمر إلا ندمت عليه ، لأني اكتشف أن الأمر الذي يراه هو أفضل من رأيّ .
وما انفردت عنه بأمر إلا تبين لي خطئه بعد حين .
وما أشار عليّ بأمر فلم آخذ به إلا فاتني خير عظيم .
وأن وجود محرمي معي عز أفتخر به ، وشرف أناله ، وتكريم يحفني .
ذكرت قريبة لي قصة حجها مع ابنها البار ، وأخذت تسرد لي الأحداث ، وكانت تفخر بابنها وما كان يفعله معها في الحج من تفاني وبذل ، وكانت تصف المواقف التي تمر بها، وكيف أنها كانت وابنتها كالأميرات – هكذا عبّرت – يجلسا جانباً وابنها وصديقه يرتبا لهما ويعدا لهما كل ما يحتجنه ، من مكان وطعام ، وينظما لهما الرحلة بتخطيط موفق وتنظيم دقيق ، ويسلكا بهما الطرق المختصرة ، فكانت رحلة ميسرة مباركة موفقة ، بفضل هذا المحرم الصالح ، والابن البار .
هذه لفتة مختصرة عن المحرم في حياة المرأة ، والمرأة في حياة المحرم ، تشريع عادل ،وتكريم فاضل ، وحياة هانئة مستقرة
أخيراً أذكّر بقوله تعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " .
هذا حكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا حكم لأحد بعد ذلك ، ولا معقب لأحدهما .
والنقل
لطفا من هنا
http://aljame3.net/ib/index.php?showtopic=5845
لطفا من هنا
http://aljame3.net/ib/index.php?showtopic=5845